وول سوينكا.. رقصة في غابة الشعر

وول سوينكا.. رقصة في غابة الشعر

ربما يكون الكاتب والمبدع النايجيري وول سوينكا استثناءً من القاعدة، ويكاد يكون الوحيد الذي حمل كل هذه المتناقضات المتعددة التي أدت مجتمعة إلى تشكيل هذه الشخصية المبدعة والمتميزة، فقد ذاعت شهرته العالمية بحصوله على جائزة نوبل عن روايته «المفسرون"وهو لا يعتبر نفسه روائياً، وذاعت شهرته الأدبية من خلال الكتابة للمسرح ولكنه يصنف نفسه بالشاعر، حيث كانت قصائده الأولى هزيلة باعترافه.


لكن وول سوينكا يجيب عن هذه الإشكالية قائلاً: «أكتب المسرح ربما لأنني قادم من مجتمع غني بالتقاليد المسرحية، ومنذ طفولتي أرى الأشكال المسرحية التي أصبحت لي وسيلة تعبيرية منطقية لكل ما أشعر به لكنه فيما بعد أخذت القصيدة تقوم بهذا الدور أما الرواية فهي كانت بالنسبة لي عبارة عن حادثة. وفي الحقيقة، لا أعتبر نفسي روائياً». يحتوي ديوانه «ادانري وقصائد أخرى"على 36 قصيدة قصيرة، ويعبر عن الألم الإنساني كما في «صرخة في الليل» و«يوم الموت»، يجد فيها النقاد الحركة والحياة وحس النمو من خلال الصورة والإيقاع. ويتعاطف في قصائد هذه المجموعة مع المرأة بآلامها ومعاناتها، دون النظر إليها ولم ينظر كأداة جنسية بل يعتبرها ذروة الطبيعة التي تولد وتلد لأن الشعر في نظره هو ما يعطينا فهماً جديداً للعالم الذي نعيش فيه.
طيلة أكثر من ثلاثة عقود بعد نشر ديوانه الأول «ادانري وقصائد أخرى». والشاعر مسكون بأرض أجداده بكل آلهته وعوالمه الأسطورية، ومن خلال قراءة شعر سوينكا نتعرف على إله الحرب عند شعب اليوربا والشعر الغنائي والتدمير والخلق وهو الوحي الذي يستوحي منه. وفي قصيدته الافتتاحية في هذا الديوان يتحدث الشاعر عن الفعل الشعري وهدفه:

مثل أنسجة العنكبوت ننسج أحلامنا
لنرتعش بخفّة ونطير
فيما تشرق الشمس بجلال الزيارة والعنكبوت يغذيه باللآلئ

وثمة قصائد عدة في هذا الديوان مثل «عن الموت والحياة"و«من النساء»، تتميز بالشفافية والنعومة والعاطفة، ولكنها لا تتحدث عن تلك الرجفة والارتعاش التي بدأ فيها قصيدته الأولى. ويمكن القول ان الطقوس هي التي تنظم قصائده بصورة أدبية ورمزية ومن الأساطير ومناظر الألم والاغتراب. وفي غابة سوينكا الشعرية المزدحمة يمكن التعرف على «الأشجار"أيضاً فهي ليست ضائعة فيها لأنه عندما يكتب قصائده يعبر فيها عن اللقاء الذاتي مع أمة كبيرة وقارة بكاملها، يمزج فيها المستوى الشخصي والمستوى العام. هذا ما يؤسس لشعر يتميز بـ «التعقيد» و«الغموض"ما يعتقد بعض النقاد. بينما يرى فيه آخرون انحيازاً نحو القوة الغنائية. وبما أن شعره يندمج في خطين من الخاص والعام.
بين الشعر والمسرح
سوينكا شاعر خصب ومنتج. أشعاره الأولى كانت هزيلة قبل أن يتوجه إلى كتابة المسرحية التي حفر فيها اسمه الأدبي وأسس لشهرته. فقد نشر سبع مسرحيات قبل مجموعته الشعرية الأولى «ادانري وقصائد أخرى"في عام 1967. وكانت له أيضاً رواية بعنوان «المفسرون"1965، لكن اهتمامه بالشعر جاء متأخراً. وبعدها بدأ ينشر شعراً أكثر من أي شاعر نايجيري آخر على رأي النقاد.
فقد نشر سوينكا ثلاث قصائد أولى، دون أن يضمها إلى مجموعته الشعرية الأولى. وقصيدة «محادثة بالهاتف» وضعته في صف الشعراء الذين كتبوا ضد العنصرية «محادثة بالهاتف» عبارة عن مونولوج درامي. رجل ملون يرد على الهاتف على إعلان عن تأجير غرفة. ويتم الاتفاق مع السيدة صاحبة الغرفة ولكنه يريد أن ينوه بأنه ذو بشرة سوداء وهنا تبدأ الدراما.. فهي لا تريد تأجير الغرفة لأسود ولكنها لا تريد أن تظهر بأنها عنصرية وغير حضارية في الوقت ذاته. والقصيدتان الأخريان «المهاجر» و«المهاجر الآخر» قدمت الفكرة ذاتها، سكيتشهات مستوحاة من تجربته في العيش في انجلترا في أواخر الخمسينات.
يعود الشاعر إلى مفهوم سلالة الإنسان الذي يؤدي إلى إبداعه للبطل البرومثيوسي، نسبة إلى الإله برومثيوس عند اليونان. ثمة تأثيرات معينة على شعر وول سوينكا، مزيج من ثقافات متعددة، صاغت مفاهيمه الشعرية ولغته وتقنيات كتابته. فهو يربط بين التقاليد الإفريقية والتأثيرات الغربية بحيث استطاع أن يصوغ شخصية متفردة. تعود مرجعيته الشعرية وجذورها إلى الثقافة الأنجلو سكسونية أكثر من امتدادها في الثقافية الهيلينية أو اللاتينية لكنه أقرب إلى ثقافته الأصلية التي تعود جذورها إلى قبيلته وعائلته «يوربا» التي ينتمي لها وترجم منها أعمالاً شعرية وأدبية.
لذا نرى أن الأسطورة والتقاليد والأسلاف تشكل التركيبة الداخلية لشعره، وهو خير من يجسدها من دون أن تؤثر فيه الثقافية الانجليزية إلى حد الاغتراب كما يؤكده الناقد ستانلي ماكابا في دراسته «الشعرية والخيال الأسطوري». ويؤكد ذلك قائلاً: «عندما استخدم الأسطورة في أعمالي فإنه من الضروري أن ألوي عنقها حسب متطلباتي الشعرية. لا أؤمن بالنسخ الكربوني في الشكل الفني. عليك أن تختار ما تريده من الأصول التقليدية وتحريفها عند الضرورة». قال ذلك عن مسرحيته «رقصة في الغابات"ولكنه ينطبق على جميع أعماله الشعرية والنثرية.
الشعر والزنوجة
ويستجوب الشاعر مفهوم الزنوجة ولكنه يختلف عن المفهوم الذي طرحه الشاعر السنغالي الشهير ليوبولد سنغور من خلال أفكاره المبثوثة في شعره عن العنف واللون والآخر ومفهوم الطليعية والراديكالية الأيديولوجية والسياسية، وبالتالي مفهومه في تأسيس الخطاب الإفريقي ما بعد الكولونيالي. ولعل هذه الفكرة هي التي استحوذت على أعضاء الأكاديمية السويدية وشجعتهم في منحه جائزة نوبل للآداب عام 1986. وقد انتقد سوينكا في كتابه «الأسطورة الأدب والعالم الإفريقي"1976 حيث أصبح أحد المنتقدين لمفهوم «الزنوجة».
بينما يرى سوينكا أن الزنوجة تشجع على الانغلاق الذاتي وهو مفهوم يؤكد على المركزية الأوروبية وما تحمله من تصورات مسبقة عن الافارقة، وخاصة التفرع الثائي أو الانقسام بين مفهوم القيمة الأوروبية والعاطفية الإفريقية. كما يقول «النمر لا يصرخ بزنوجته بل يفعلها». وفي مقالة كتبها بعنوان «تصليحات"قال ان الغرب يجب أن يدفع ثمة التصليحات للجرائم التي ارتكبها ضد الشعب الإفريقي، مؤكداً أن هذا النقاش ليس جديداً وأن منظمات ومؤسسات عديدة تحدثت عن مبدأ تعويض الافارقة في بداية القرن العشرين.
الشاعر..
ثمة سمة أخرى رفعت الشاعر إلى هذه المكانة الرفيعة إلا وهي «سيطرته على الكلمات». أليس جوهر الشعر هو السيطرة على الكلمات؟
ويعزو الشاعر وول سوينكا ذلك إلى أنه كان يعيش وسط عائلة كبيرة، وممتدة، ومحاط بالعمات والخالات والأعمام ورفاق أبيه المثقفين، الذين يروون في جلساتهم أحداثاً عن أنفسهم وعن معاركهم وصراعاتهم، لذلك تربى في جو من الكلمات صاغت جزءاً مهماً من ثقافته «كانت أمي مليئة بالقصص الدينية والعوالم الخارقة للطبيعة، بالإضافة إلى قصصها الشخصية». ومنذ طفولته كان سوينكا يقرأ ما تقع عليه عيناه من كتب يمتلكها والده في مكتبه مثل روايات ديكنز وأنطولوجيات شعرية تتضمن شعراء من أمثال: تينسون، براوننغ.
هواجس الكتابة
يتحدث الكاتب وول سوينكا الحائز على جائزة نوبل عن نفسه فيقول: «لست كاتباً منهجياً، أي من نوع الكتاب الذين يستيقظون صباحاً ويضعون ورقة في آلتهم الكاتبة ويبدأون الكتابة. يمكنني أن أكتب في النهار بكامله، ولا أريد أن أقوم بأي عمل آخر. أعتقد أن الجلوس أمام الأوراق البيضاء يشبه المرأة الحامل التي تتأمل طفلها في بطنها. والكتابة أن تدع الوجود يهيمن على ذاتك، وبكلمات أخرى إلى أي مدى يمكن إخضاع الأنا، والوعي الشخصي، ظاهرة واحدة حولنا».
دواوين وول سوينكا:

* « أدانري وقصائد أخرى"1967.
* قصائد من السجن» 1969.
* «الذهاب والإياب في التجويف» 1972
* « أوغونا ابيبيماش 1976.
* « ارض مانديلا وقصائد أخرى"1989.
* « قصائد مبكرة".

عن البيان الاماراتية