دايانا فريلاند: امبراطورة الموضة

دايانا فريلاند: امبراطورة الموضة

ترجمة : عباس المفرجي
ثمة لحظات في بداية " فاني فَيس "، فيلم الموزيكال من عام 1957 لستانلي دونن، عندما تظهر فجأة في مكتبها الأنيق الأحادي اللون كي تومسون التي تلعب دور محررة الموضة النيويوركية، لتعلن أنها خلو من الالهام للفصل الجديد. كانت مسألة اللون هي التي تقلقها. الأخضر ’’ فاحش ‘‘، الأزرق ’’ مباشر ‘‘ والأحمر ’’ ميت ‘‘.

ثم تشرق عينا تومسون الثاقبتين على قطعة من قماش وردي وتضج الحياة في وجهها. منذئذ فصاعدا، تصرّح بأن على النساء أن ’’ يفكرن بالوردي! ‘‘ هي ليست مسألة مجرد ثياب نسائية، بل إعادة رسم كامل للعالم النسوي. لقطة بتراء توحي بأنه، من الآن فصاعدا، حتى الشامبو يجب أن يكون زهريا.
كانت شخصية تومسون مستمَدة من دايانا فريلاند، محررة الموضة الاسطورية في هاربرز بازار وامريكان فوغ – وكانت في الحق اسطورة، متممة ببدايات ضبابية، لحظات نضال وعقدات روائية. وفقرة ’’ فكري بالوردي! ‘‘، كانت أكثر من إنطلاقة لسخف مجلة شاملة. كانت فريلاند غدت شهيرة في الثلاثينات بسبب كتابتها عمودها الثابت " لماذا لاتفعلين "، الذي صدر على شكل سلسلة من الأوامر متنكرة بزي أسئلة بيانية. مثل (( لماذا لا تشطفين شعر طفلك الأشقر بالشمبانيا لتحافظي على لونه الذهبي كما يفعلون في فرنسا؟ )) أو تبالغ (( كركند أحمر ضخم على مفرش مائدة حريري ثقيل صافٍ؟ )) شامبو كي تومسون الوردي كان، على النقيض من ذلك، شاحبا الى حد ما.
كان بإمكان آماندا ماكنزي ستيوارت بسهولة كتابة كتاب وردي مماثل، كتاب سطحي، مليء بالحكايات الساحرة حول ما قالته أو فعلته دي في، كما كانت تُعرَف في الغالب. لكن هذا الكتاب ليس ورديا، وصورة فريلاند على الواجهة، التي تعطي انطباعا بالثقة، هي دليل على أن ماكنزي ستيوارت لها هموم جدية فن- تاريخية. ما تفعله في هذه السيرة الجميلة هو وضع فريلاند بشكل راسخ في زمانها ومكانها، في الوقت الذي لا تسلبها شيئا من موهبتها مفرطة الحساسية.
غموضها الأول من غموضات كثيرة كان أنها ترعرعت في باريس ولم تتحدث الانكليزية حتى بلوغها الحادية عشرة من العمر، عندما غادرت أسرتها على عجل عام 1914. إنها اسطورة عن الأصول، كانت تعني، بالنسبة للامريكيين على الأقل، أن دي في جسّدت الحساسية ’’ الاوروبية ‘‘، مكمّلة بإتصال روحي مع الـ ’’ haute couture ‘‘ [ مشاهير الخياطين ] الباريسيين. في الواقع، كانت فريلاند نشأت في الأبّر إيست سايد في مانهاتن. والدتها، كانت سليلة عائلة كولونيالية جنوبية، لكن والدها الانكليزي جاء من هارينجي في شمال لندن، حيث كان أبوه يعمل في مكتب بريد.
فكرة أن فريلاند كانت عصامية هي بالكاد كشف مثير للدهشة. بالنسبة لامرأة كانت تُرى ماشية بتشامخ وبشعر مطلي بالاسود- الأزرق وأذنين محمرتين لايمكن أن تُعّد انها أتت من أسرة رفيعة. لم تهتم ماكنزي ستيوارت، على أي حال، بفضح الزيف من أجل الفضح نفسه. هي، بدلا من ذلك، مهتمة بالطريقة التي بها صاغت فريلاند نفسها على نحو مفرط، كوقاية نفسية وكأداة لإقتحام مظفر لعالم المجلات اللامع في منتصف القرن.
بدأت فريلاند إنطلاقها في 1936، حين عَمِلت تحت إدارة كارميل سنو في هاربرز بازار. وكان دافعها الى هذا العمل الحاجة الى النقود، برغم انها كانت دائما تنجح بإعطاء الإنطباع بكونها في الجوهر هاوية، تعمل من أجل المتعة المحضة. لكن أي فكرة كانت فريلاند تنقض بها وتصدم بازار بحساسيتها ’’ الاوروبية ‘‘ هي بالكامل في نزاع مع السياسة الواقعية للمنشورات الدورية. مع غرائز النمر أزاء أي محرر يراودها الشك به، كانت سنو تصرّ على تحديد مقامها بالذهاب وحيدة الى عروض الأزياء الباريسية. وكان ذلك يترك فريلاند مع ’’ السفنث افنيو ‘‘ [ شارع الموضة في نيويورك ] كنبض لها، مع الخِرَق المحلية المنتجة بكميات كبيرة، ملابس ليست مناسبة تماما لأناس ليسوا موسرين تماما.
الحرب العالمية الثانية هي التي صنعت، حقا، دي في. بتآخي باريس الهوت كوتير مع النازيين، حاز السفنث افنيو على أهميته. قبضت فريلاند على فرصتها في إحتضان مواهب محلية، مثل كلير ماكّاردل، وأقنعتهم بصنع نوع جديد من الملابس لنوع جديد من نساء الحرب الامريكيات: مفعم بالحيوية والنشاط، مخفض تدريجيا، وعملي.
إن كانت سنوات الاربعينات أتاحت لفريلاند أن تبزغ من ظل سنو، فإن الستينات توجتها امبراطورة للموضة عن جدارة، حين تولت وظيفة محرر في الامريكان فوغ. ومع أنها كانت هي نفسها في ذلك الحين في الستينات من العمر، فإن فريلاند ’’ فازت ‘‘حقا بعقد جديد من السنين. إبتكرت مصطلح ’’ youthequake ‘‘ [ أنت الزلزال ]، ساعدت جاكي كندي على إختيار ردائها في خطاب التولية، وكانت أول شخص يضع صور فرقة البيتلز في إعلان الامريكان فوغ. عازفة بتكرار على نغمة فتنة ’’ خلفية الأسود الفاحم ‘‘، أرسلت ريتشارد آفيدون [ فوتوغرافي أزياء وبورتريهات امريكي ] الى اليابان ونورما باركنسون [ فوتوغرافي أزياء وبورتريهات انكليزي ] الى تاهيتي للعمل على أشياء استثنائية متضمنة فحول حصن بيض، بخار قاطرات وحمولة شاحنة من ملابس جميلة.
هذا النوع من الأشياء يكلف، مع ذلك، الكثير من الأموال. بينما كانت إختراعات دي في الفيلمية تنجح في معظمها، كان هناك بضع كبوات، وفي العادة عندما كانت الملابس لا تُعرَض في تفاصيل ترضي صاحبي الاعلانات. بعض من أكثر الأفكار جموحا – كما في تقميط الموديل فيروشكا بالمخمل والفرو وسط صحراء اريزونا – لم تؤد دورها بشكل مرضٍ في أسواق الميدوست. فساتينها الفضفاضة في 1971، بعد أقل من عقد في فوغ، واجهت نقدا قاسيا. لكن لدهشتها، ودهشة الجميع، حصلت على عملها الثالث في الأهمية، عندما عُيّنت مستشارة للأزياء في متحف الفن الحديث. بتركها طليقة في أرشيف موما [ أرشيف مكتبة المتحف ]، إستخدمت فريلاند مخيلتها في تركيب ’’ قصص ‘‘ موضة متقنة الى جانب " تصاميم وموضات هوليوود الرومانسية والفاتنة " و" موضات امبراطوية الهابسبورغ ". بدا أمناء المتاحف ومؤرخو الفن مشدوهين حين مزجت دي في الأصول مع النسخ المطابقة أو المواد مع بعضها البعض، بحيث لا يمكنها أن تتحقق في الحياة الواقعية. لو كان لفريلاند نزعة ذهنية تحليلية، لما كانت منشغلة بإعادة مواد الماضي بل بإعادة روايتها بشكل آخر.
تقدم لنا ماكنزي ستيوارت القصص التي تعرف أننا نود سماعها. مثل تلك المرة التي أرسلت فيها مستخدمتها المؤقتة، التي شاءت الظروف أن تكون لي رادزيويل ( أخت جاكي اوناسيس )، لشراء حزمة من الجزر لأنها أرادت من فريقها من المحررين أن يستبقوا في ذهنهم درجة خاصة من اللون البرتقالي. الوصول الى جوهر فريلاند نفسها كانت المهمة الأصعب، مع هذا، تقوم ماكنزي بمحاولة مقنعة بإعطائنا وصف لفريلاند كفتاة بسيطة، من بيت يسوده التوتر، والتي قررت أن تحوّل نفسها الى إعجوبة. وتلك الهشاشة المبكرة التي أفضت الى نرجسية متاخرة، بقيت معها بشكل مؤثر طوال حياتها. في 1957، عند رؤية كي تومسون تسخر منها في "فاني فَيس "، سارت فريلاند خارجة من السينما، لتعلن فيما بعد بألم، أكثر ربما مما كانت تدركه، (( أنا أكثر حقيقية أكثر من أن أكون مضايَقة.))

عن صحيفة الغارديان