رينيه جيرار.. رحيل صاحب العنف والمقدّس

رينيه جيرار.. رحيل صاحب العنف والمقدّس

إعداد/ منارات
بعيداً عن بلده الأم، رحل مساء أمس، الفيلسوف الفرنسي رينيه جيرار (1923 – 2015) عن 91 عاماً في مدينة ستانفورد في الولايات المتّحدة الأميركية التي هاجر إليها وعمل مدرّساً للأدب والحضارة الفرنسيّين في عدد من جامعاتها منذ الأربعينيات.


منذ صدور كتابه الأوّل"الكذبة الرومانسية والحقيقة الروائية"عام 1961، برز اسم جيرار كواحد من أهم النقّاد والأنثروبولوجيين، من خلال نظريته عن"الرغبة بوصفها محاكاة"، والتي عارض فيها النظرية الأوديبية الفرويدية.
اعتمد جيرار في طرحه على مقاربة أنثروبولوجية تنبع من أعماق سحيقة في الوعي، وتصوّره للرغبة كدافع ومحرّك للتاريخ، وقراءته للأساطير والنصوص المؤسّسة للثقافة الغربية، خصوصاً في مسرح سوفوكليس ويوربيدوس وأرسطوفان وتوقّفه عند هوميروس، والذي أخرج الفكر من تناسي دور الأدب في تأسيس ذاكرة البشر.
مثّل العنف أحد الموضوعات الرئيسية في فكر جيرار الذي اختير لعضوية"الأكاديمية الفرنسية"عام 2005، حيث طرح المسألة من منظور الرغبة المحاكية وربط العنف بالمقدّس، في كتابه"العنف والمقدّس"الذي صدر عام 1972 وتُرجم إلى اللغة العربية وصدر في أكثر من طبعة، والذي تلته دراسات أخرى، من بينها:"في المكتومات منذ تأسيس العالم"عام 1978 و"من العنف إلى الألوهية"عام 2007. جمعُه بين صفات الباحث في الأدب المقارن والأنثروبولوجي والفيلسوف والناقد، جعله يحمل لقب"داروين العلوم الإنسانية"
ولد رينيه جيرارد بمدينه افينيون الفرنسيه عام 1923. هاجر الى اميريكا واصبح استاد للأدب المقارن فى جامعة ستانفورد. تنطبق عليه الحكمة التى رددها السيد المسيح لا عزة لنبيّ بين أهله.
قوبلت كتاباته بكثير من السخرية. خالف المدرسة الفرويدية وذروة قوتها عقدة اوديب طارحا فكرته التى تتجلى في فكرة محاكاة و تقليد الغريم، عبرها حاول سبر غور العنف الكامن فى المجتمع البشرى منذ ليل الحياة، حين ظهور كتاباته كانت البنيوية وخاصة افكار كلود ليفى اشتراوس فى قمة مجدها لذلك اصبحت فكرة رينيه ولانها متكئة على الفكر المسيحى وايمانه الشخصى فى نظر ناقديه محاولة منه لدعوة العالم لمأدبة عشاء ووصفوها بشوربة بايتة تمثل أفكار القديس اوغسطين فى اعترافاته. ومن نفس كاس السخرية شرب الفيلسوف بول ريكور لان وحوديته تختلف عن وجودية جان بول سارتر مما حدا بسارتر ان يصفه بفيلسوف الأحد لأن افكاره اشبه بقداس في إحدى الكنائس.
ثابر جيرارد عبر خمسة عقود فى تطوير افكاره وطبقها فى اعمال كبار الكتاب كدوستفسكي،ستاندل، بروست،سرفانتس، بودلير وفلوبير وفى حقول العلوم الاجتماعية والسياسية تجربته جعلت منه مفكراً لا يشق له غبار.
في عام 2005 تم اختياره عضواً في الاكاديمية الفرنسية او ما يعرف بمجمع الخالدين واصبح فيها رفيقاً لكلود ليفي اشتراوس.يرى رينيه ان المجتمع الانساني أُسس على العنف الذي اصبح يلبس ثوب القداسة حينما برره الدين. فكرته تقول ان الدين جاء ووجد العنف فى المجتمع واعطاه بعده المقدس. ان العنف ناتج من محاكاة وتقليد الغريم لذلك يرى رينيه ان القيمة تحتاج لمثلث. إن أي شيء يصبح ذا قيمة عندما تكون عليه المنافسة من قبل شخصين.وهكذا يبدأ العنف بين الجيران الى ان يصل الى درجة الحروب الطاحنة.يقول رينيه ان محاكاة وتقليد الغريم ناتجة عن الطبيعة المضطربة للإنسان الا الطمأنينة بعكس سارتر الذي يرى في الآخر جحيما إن نظرية تقليد الغريم ترى ان وجود الآخر ضرورة لانه يحدد لنا ما نرغب فيه.
يرى عبر إيمانه الكاثوليكي ان المسيحية هي الفكرة الوحيدة التي تستطيع ان تضع حداً لإيقاف العنف وان المسيح رفض العنف وقدم نفسه كآخر ذبيحة بشرية ليضع حداً للعنف الكامن منذ تاسيس العالم. يؤكد رينيه ان ضحايا العنف ابرياء عبر التاريخ لكي يبرر نظريته عن العنف الكامن فى المجتمع خارج اطار الدين استدلى برومثيوث سارق النار واسطورة أوديب فى المجتمع اليوناني.
فكرة تقليد الغريم اخذها من التراث التوراتي حيث كان اليهود ياخذون تيسين فى كل عام يذبح احدهم ويحمّل الآخر خطايا آلامه ويطلق فى البرية وهي فكرة لتفادي عنف الكل ضد الكل. يقول إن تيس الفداء ربما يكون اضعف طالب فى الفصل فى احدى المواد او المهاجرين اليوم وسط المجتمعات الاوروبية او حتى امرأة حامل وسط موظفين فى مكتب.فى القرون الوسطى كان اليهود تيس الفداء وسط المجتمعات الاوروبية حينما يضرب الطاعون بلداً يُعاقب اليهود عقاباً جماعياً.
يقول رينيه ان نظرية تقليد الغريم تمثل الحب والكره فى ان واحد حب الاخر وجعله محدد لما نرغب فيه والصراع معه من اجل الاستيلا ء على ما نرغب هذ اما ينام فى اعماق النفس البشرية يؤكد رينيه ان الغيرة والحسد تجسيد لنظرية تقليد الغريم وعلى ذكر الحسد والغيرة نجد الدكتور عبد الله الطيب رحمه الله كثير الحديث عن الحسد الذى عاناه من مجيايليه ولكن نجده قد تحدث عنه بمفهوم ابناء البلد كما يقول عباس محمود العقاد حينما يتطرق لنقد فكرة لاحد لم تروق له طرق بحثه فيها.رينيه حينما تحدث عن الغيرة والحسد كبنتين لنظرية تقليد الغريم كانت كمحاولة لفهم العنف الكامن فى المجتمع البشرى مند كان فصاعد وتخطى ذلك محاول ايجاد حيلة لافراغ العنف وكان يعتقد فى الفكرة المسيحية وبالطبع يختلف مع فلسفة نيتشه التى تمجد ابطال الاساطير اليونانية وتصف اليهودية والمسيحية بافكار العبيد.
عن رينيه تحدث ميشيل سير وهو زميله فى جامعة ستانفورد قال ان رينيه دارون العلوم الانسانية.كان القديس توما الإكوينى يقول انه يخاف الرجل صاحب الكتاب الواحد وعبر خمسة عقود يصر رينيه على فكرة واحدة مما جعل منه ذلك الذي يخافه الاكويني.بما ان العنف كامن فى جميع المجتمعات نجد فكرة تيس الفداء متجذرة في المجتمع السوداني ايام نظام مايو كانت الكشة تستهدف اضعف حلقه والان محاولة افراغ العاصمة من المتسولين والنازحين بسبب الحرب الاهليه بين الشمال و الجنوب العنف فى دار فور اليوم هذه الامثله تمثل فكرة تيس الفداء فى اوضح صورها.
وعنها يمكن ان نذكر الاستاذ محمود محمد طه الذي قدم نفسه فداءً من اجل رفع البلاء عن المجتمع السوداني ويذكر مثلا آخراً لأحد مشايخ الصوفية مات فداءً لمجتمعه من داء الجدري.. فكرة تيس الفداء في المجتمع السوداني تكاد تتطابق مع التراث التوراتي وعكسها الاساطير اليونانية نجد سارق النار وأوديب كانا خاطئين فى نظر الآلهة وهذا ما دفع نيتشه لتفضيل التراث اليوناني على التقليدين اليهودي والمسيحي.