رحيل المفكر الكبير  رينيه جيرار صاحب «العنف والمقدس و«الكذبة الرومنسية والحقيقة الروائية»

رحيل المفكر الكبير رينيه جيرار صاحب «العنف والمقدس و«الكذبة الرومنسية والحقيقة الروائية»

برهان شاوي
رحل في 4 من هذا الشهر 2015 المفكر الأنثربولوجي والباحث الأدبي الكبير الفرنسي الأصل الأميركي الجنسية رينيه جيرار صاحب"العنف والمقدس"و"الكذبة الرومنسية والحقيقة الروائية"عن إثنين وتسعين عاما..
عربيا عرفناه من خلال كتابيه الشهيرين"العنف والمقدس"و"الكذبة الرومنسية والحقيقة الروائية"..فقط.


في"العنف المقدس"يطرح رينيه جيرار مفهومه حول القانون باعتباره تنظيما إجتماعيا وجمعيا للعنف وتصديا للعنف الفردي، مؤكدا على مفهوم"كبش الفداء". حيث يوضح أنه في العديد من المجتمعات تلقى مسؤولية الشرور على واحد من الأفراد تمهيداً للتخلص منه، وقد يكون ضحية بريئة، ولكنها تعاقبه بالقتل أو الطرد حتى الموت. وقد يتم التغاضي عن قتل أو التضحية بالإنسان الذي صار"كبشاً الفداء"بأضحية حيوانية، بحكم الصلة الأسطورية والطبيعة البايولوجية بين عالم الحيوان والإنسان.
وفي هذا الكتاب المتميز يتوغل (رينيه جيرار) إلى أعماق الأساطير موضحاً علاقة العنف بالمقدس في الكثير من الأديان..دارساُ العنف باعتباره رد فعل لرغبات غير متحققة، موضحا العلاقة بين الرغبة والعنف بدقة، وعلاقتها بالدم، والاضحية، والمقدس.
أما في كتابه"الكذبة الرومنسية والحقيقة الروائية"فيقدم (رينيه جيرار) فهما متقدما على فرويد ويونغ في تحليل النصوص الأدبية. فإذا ما كان فرويد قد مركز نظريته على اللبيدو والطاقة الجنسية، ويونغ على الوعي الفردي والوعي الجمعي واللاوعي الفردي واللاوعي الجمعي، وآدلر على عقدة النقص، فأن رينيه جيرار ركز على ما أسماه (مثلث الرغبة) الذي يتمركز حول"الغرور"، فـ"الرغبة"التي يقود عدم تحققها إلى العنف بكل أشكاله، من عنف الكلام والمشاعر إلى عنف الجسدي، تتمحور في (الغرور)، وهي حسب معادلة رينيه جيرار كالتالي:
1- الراغب 2- الشيء المرغوب به 3- وسيط الرغبة.
وكان قد أجاب عن هذا المثلث في كتابه (العنف والمقدس)، حيث فكك لغز العنف بأنه يكمن في عدم تحقق الرغبة. فإذا اختل أي ضلع، في الوسط أو النهاية، فلا يحل الأمر إلا بالعنف.
ففي كتابه هذا قسم الروايات إلى"أعمال رومانسية"و"أعمال روائية".. دارسا خمس روايات مهمة في تاريخ الأدب العالمي.. مؤكدا بأن الروايات التي لا تكشف عن مثلث الرغبة هذا هي روايات رومنسية. وهي روايات مزيفة، تضلل الاس وتزيد من أوهامهم عن أنفسهم ومشاعرهم وحقيقة رغباتهم، وعن مجمل ومنظومتهم النفسية والأخلاقية، وهي في رأيه"اعمال أدبية"وليست"روايات"..!
وإن الروايات الحقيقية هي الروايات التي تتجه إلى تجسيد"مثلث الرغبة"ليس على أساس"التواضع"كنقيض للغرور وإنما على اساس"الشغف"؛ فالروايات المكتوبة بشغف والتي تكشف عن الشغف هي العمال"الروائية"..!
شخصياً تعلمت من المفكر رينيه جيرار الكثير، لاسيما كتابه"العنف والمقدس"الذي فتح أمامي آفاقا مذهلة في التوغل إلة عالم الرغبة وفهك كنهها، وكذلك علاقتها بالعنف والدم.. متجاوزا بذلك طروحات الفرويدية الكلاسيكية وحتى اليسار الفرويدي.
في متاهتي الخامسة"متاهة إبليس"أدخلت كتاب"العنف والمقدس"ورينيه جيرار ضمن حوارات الدكتور آدم كارثة بالنص والإسم تحية مني له؛ وتكريما لطروحاته الفذة..
أمس فقدت البشرية واحداً من كبار مفكريها. وأنا فقدت معلما ألهمني الكثير. لروحه السلام.