في هدوء شديد.. ودون ان يكون في الجو رائحة فضيحة.. تم طلاق النجمة سميرة احمد من زوجها رجل الاعمال والسيناريست وجيه نجيب.. وفي هذا التحقيق تفتح خرساء السينما قلبها وتتحدث عن مخاوفها بعد الطلاق!
بعد ساعة واحدة من الطلاق كنت في بيت سميرة احمد.. كانت الشقة او"الفيللا"المكونة من دورين الوقعة في اعلى احدى العمارات الكبيرة المطلة على النيل بالجيزة صامتة على غير العادة.. كان السيناريست وجيه نجيب قد جاء الى الشقة بعد ان تم الطلاق بينه وبين سميرة احمد وحمل ملابسه وكتبه وسافر الى بيت والده في الاسكندرية لقضاء بضعة ايام.. وكان وجيه قد طلب من سميرة ان يصطحب معه مدة يومين اثنين ابنتهما جليلة ووافقت سميرة في الحال.. لجليلة (4 سنوات) الابنة المدللة لسميرة ووجيه لا تعرف اي شيء عن وقوع الطلاق بين والديها اللذين يحبانها وتحبهما الى حد العبادة!.
وطلاق سميرة احمد ووجيه نجيب وان كان يبدو مفاجئا للناس الذين لم يسمعوا عن وقوع اي خلاف خطير بين الزوجين طوال مدة زواجهما التي استمرت ست سنوات.. إلا انه لم يكن مفاجئا تماما لاصدقائهما المقربين.
لماذا.. الطلاق؟!
فاسباب الطلاق ترجع ببساطة شديدة الى الخلافات اليومية الصغيرة والتباين الكبير في المزاج والتفكير.. فقد نغصت على الزوجين حياتهما شيئا فشيئا حتى اصبحت الحياة مستحيلة..
وقد استطاعت سميرة احمد ان تدرك ان هذه الخلافات المستمرة قد تقف عقبة في سبيل مستقبلها ومستقبل وجيه نجيب... فكل منهما يعمل بالفن.. وكل منهما يحتاجج الى الجو الهادئ المريح.. والاهم من هذا ان سميرة قد خشيت ان تفقد مع استمرار الخلاف احساسها بالصداقة تجاه وجيه.. وهو الاحساس الذي تحرص عليه اكراما لابنتهما"جليلة".. وهو ما يحرص عليه ايضا وجيه نجيب.
وفي هدوء شديد.. طلبت سميرة الطلاق.. وفي هدوء اشد جلس وجيه نجيب يناقشها.. واقتنع وجيه بان الطلاق في صالحهما معا.. وفي صالح جليلة قبل كل احد.. وبلا مشاكل.. وبكل ادب النجليز الذين تعلم وجيه نجيب في بلادهم وافق على الطلاق.
وفي مكتب علي منصور محامي سميرة احمد تم الطلاق.. ووافق كل من وجيه نجيب وسميرة احمد على ان تكون حضانة"جليلة"لجدتها والدة سميرة، وعلى ان تكون"الفيللا"الفاخرة التي يقيمان فيها ملكا"لجليلة"تقيم فيها مع والدتها وجدتها.. وعلى ان يكون من حق وجيه نجيب ان يرى ابنته في اي وقت يشاء وعلى باب المحامي مدت سميرة يدها لوجيه وهي تقول له في ابتسامة"اصدقاء"ورد وجيه وهو يمد لها يده قائلا"طبعا"اصدقاء!
الطلاق.. مر!
وفي اقل من ساعة كان وجيه نجيب"وجليلة"قد سافرا الى الاسكندرية.. وجلست سمير احمد في صالون"الفيللا"الواسعة امامي وفي عينيها ما يشبه الدموع..
وسألتها: نادمة!
قالت وهي تغالب الدموع"ابدا.. القرار الذي اتخذته سليم.. ولكن هذا لا يمنع من انه قرار حزين وبدأت سميرة تتكلم.. وتقول ليس هناك امرأة في العالم تريد لنفسها الطلاق.. امي قالت لي عندما عرفت بالخير"كنت اتمنى ان تعيشي سعيدة"نفس الشيء قالته لي والدة وجيه.. وخيرية اختي بكت بشدة ساعة ان جاء المأذون.. فالطلاق له طعم مر.. كطعم الفشل..
ومسحت سميرة دمعة نزلت من عينيها وقالت اشعر بان فرصة السعادة في الحياة ق د ضاعت مني.. انا الان مستريحة لان الطلاق قد تم.. ولكن هذا لا يمنع من انني اشعر بانني تعيشة.. ففي يوم زواجي من وجيه تصورت انني عثرت على السعادة.. وفي يوم ميلاد جليلة شعرت بانني ملكت الدنيا كلها.. عمري ما احببت وجيه كما احببته لحظة ولادة جليلة.. ولم تمر اكثر من اربع سنوات على هذا اليوم.. ومع ذلك فقد ضاعت السعادة.. واذا بي اعود وحيدة.
وتكمل سميرة.. المراة محتاجة دائما الى الحنان.. محتاجة الى رجل يشعرها دائما بانها مازالت طفلة صغيرة.. الحياة غير محتملة بالنسبة للمرأة اذا خلت من الرقة.. كيف يمكن لأمرأة ان تعطي وتبذل وهي محرومة!
وتبتسم في شحوب وتقول: الحمد لله انا عندي حاجات كثير.. عندي بنت حلوة.. وبيت كويس. وعندي عملي.. وسمعتي كويسة.. لكن انا شاعرة اني وحيدة وخائفة من المستقبل.. خائفة ان الناس تطمع في.. ويقولوا (واحدة ست لوحديها).. انا اكره ان اكون مطمع لاي انسان.. (في الحالة دي) يصعب علي روحي!.. لكن من المؤكد ان فكرة ان"ألست"غير المتزوجة سهلة فكرة فقط لان المسألة مسالة مبادئ وقيم.. طبعا ده لا يمنع من ان الزواج حماية.. وانا فقدت هذه الحماية.. ان شاعرة بقلق شديد.. والشيء الذي يعزبني هو وجود"جليلة"!
انا خائفة على جليلة!
وتشرد قليلا لتقول: لما كنت حامل.. مازلت اذكر اني سافرت الى روسيا لحضور مهرجان للافلام في موسكو.. وانا في الطائرة كنت شارة وانا بين السحاب اني قريبة جدا من ربنا.. فدعوته ان يعطيني بنت.. ولما ولدت جليلة شعرت بخوف شديد.. ادركت اني مسئولة عن سعادة ابنتي.. فكرت في ان لابد احميها من كل المتاعب التي مرت بي.. انا كنت فقيرة.. فقيرة جدا.. ودقت الجوع. وفكرت ان جليلة"موش لازم ابدا"يحدث لها نفس الشيء.. انا اشتريت لها محل باسمها حتى لا تحتاج لاي مخلوق في يوم من الايام.. لكن انا مسئولة ايضا عن سعادتها.. مسئولة عن انها لاتحزن.. لا تبكي..
انا اعرف ان جليلة تحب والدها جدا.. تعبده.. وهو ايضا يعبدها. وطلاقي من وجيه مستحيل يكون سبب في حرمان جليلة من والدها او حمرانه منها.. انا اخاف على جليلة من اي صدمة.. خصوصا انها بنت حساسة جدا.. وجيه داما كان ينفذ لها كل رغباتها.. عمر جليلة ما طلبت شيء ولم تجده.. انا شخصيا كنت ضد هذه السياسة.. خوفا على جليلة من ان تصدم في المستقبل اذا ما ارادت الحصول على شيء ولم تتمكن من تحقيق رغبتها.. يجب ان تفهم جليلة من الوقت انه من المستحيل ان يحصل الانسان على كل ما يريد.. يجب ان تفهم مع الوقت مثلا انه كان من المستحيل بالنسبة لي انا ووالدها ان تواصل الحياة معا.. انا خائفة جدا ان تصدمها هذه الحقيقة.. في الحقيقة انا خائفة.. خائفة جدا..
فقدت الثقة في الجائزة!
وتسكت سميرة قليلا لتقول ان منصورة انني الان في مفترق الطرق والتي يجب ان اهتم في الفترة القادمة بعملي اكثر واكثر.. طلاقي من وجيه جعلني اقف واطيل التفكير في الماضي كله.. وانا في الواقع شاعره ان طاقتي الفنية لم تستغل كما يجب... وانني حتى هذه اللحظة لم احصل على الادوار التي كان يجب ان اقوم بها.. احيانا اتصور نفسي فاشلة، واشعر بمرارة شديدة عندما اتذكر انني لم اقم بتمثيل دور واحد وانا راضية منذ ان قمت بدوري في"الخرساء"وقد حصلت على الجائزة الاولى في التمثيل عن هذا الدور لعام 1963 وتسلمت الجائزة في نفس الحفل الذي تسلمت فيه فاتن حمامة وشادية نفس الجائزة الاولى، منذ هذا اليوم وانا اشعر بالمرارة فحتى عندما تسلمنا الجائزة ركزت الاضواء كلها على فاتن وشادية ولم تهتم الصحافة بي كما يجب.. وقلت في نفسي لا بأس.. المهم هو ان يشعر المنتجون والمخرجون اني طاقة فنية ويعرضون علي ادوارا تناسب موهبتي.. وان مرت الشهور دون ان يعرض علي ولو دور واحد مناسب. وبدات اتساءل عن السبب.. بل بدات افقد الثقة في معنى حصولي على الجائزة نفسها.. وبعد ان كنت ارفض الافلام التي اعتقد انه لا يجوز لي ان اقبلها بصفتي حائزة على جائزة الدولة الاولى في التمثيل بدات اقبل اي فيلم يعرض علي، والسلام.. لا لشيء الا لكن يظل اسمي في الاذهان.. كنت اريد بهذه الافلام الهزيلة مجرد تذكير الناس. الجمهور.. بان هناك ممثلة جيدة اسمها سميرة احمد.. كنت اريد ان اظل عليهم من خلال الشخصيات الضعيفة التي كنت اقدمها وان اقول لهم"انا مازلت موجودة.. انا سميرة احمد التي احببتموها في البنات في الصيف.. واعطيتموها الجائزة الاولى في"الخرساء".
اخيرا.. دور جميل!
وتعض سميرة احمد على شفتيها ثم تقول: ومع ذلك فانا اعتقد انني قد قمت بدور جميل جدا سوف يحبه الناس ويتذكرونه كما احبوا دوري في"الخرساء"هو دوري في فيلم"خان الخليلي"للكاتب الكبير نجيب محفوظ.. هذا الدور اعتقد انه سوف يعوضني عن فشل السنوات الماضية.. ومع ذلك فعندما عرض على الدوي في البداية رفضته لان دور"البنت"في قصة نجيب محفوظ هو دور صغير وسابي جدا وذلك غم عظمة القصة لنفسها. ولكن عندما قرات السيناريو وجدت ان دور البطلة قد عدل وانه دور صعب وفيه"شغل".. و"تعب"و"مجهود" فقلبته في الحال.. واعتقد ان الجمهور سوف يرضي علي في هذا الفيلم.
وتعود سميرة الى الحديث قائلة هناك فيلم اخر لم يتم تصويره قمت فيه بدور البطولة وهو لكاتب الكبير يحيى حقي واقصد به"قنديل ام هاشم"ودوري في الفيلم هو دور فتاة عمياء واعتقد انني – ولا ادري لماذا – اجيد هذا النوع من الادوار حتى التي فكرت في الايام الاخيرة في ان اقوم بانتاج الفيلم الاجنبي"نور في الظلام"الذي عرض اخيرا في القاهرة بعد تعصيرة وبلطته ايضا عمياء لان الدور اعجبني جدا.. لولا انني عدت وفكرت في انني يجب الا احصر نفسي في ادوار صاحبات العاهات.
وتسكت سميرة لتقول في النهاية، ست سنوات كاملة من عمري الفني اشعر بانها قد ضاعت..فبعد ان حصلت على مكانتي الفنية عادت هذه المكانة واهتزت في نظر الناس..
ان حياتي الشخصية قد انهارت نتيجة اشياء صغيرة.. وكل املي الان معقود على حياتي الفنية.. وعلى ان اعود فاحتل مركزي الذي ضاع مني.. مركز الممثلة الحائزة على الجائزة الاولى في التمثيل.
آخــر ســاعة/ أيار-1962