مع الدكتور حسين محفوظ ، خواطر وذكريات

مع الدكتور حسين محفوظ ، خواطر وذكريات

محمد مهدي بيات
انجب العراق في القرن العشرين الكثير من العلماء الموسوعيين في العلوم الانسانية امثال الدكاترة مصطفى جواد وجواد علي وصفاء خلوصي وعلي الوردي والاساتذة محمد بهجت الاثري و محمد رضا الشبيبي وغيرهم العشرات وآخر هؤلاء العباقرة الذي اودعناه قبل ايام هو الدكتور حسين علي محفوظ وبوفاته انطوت صفحة ناصعة من صفحات العلم في العراق

عرفته في بداية السبعينيات عندما كنت طالبا في كلية الاداب بجامعة بغداد ولمحبتي الكبيرة لشاعرنا فضولي البغدادي كنت اتردد اليه كثيرا لكونه الباحث الثاني ممن كتب من العراقيين العرب عن الشاعر بعد المرحوم عباس العزاوي وكنت اعرف انه القى محاضرة في اليوبيل الذهبي للشاعر سنة1958 في مدينة باكو عاصمة اذربيجان ونشر مقالات عديدة عنه ابرزها في مجلة المعلم الجديد تعرفت على الدكتور حسين محفوظ بواسطة الدكتور زكي الصراف رئيس قسم اللغة الفارسية في سنة 1970 . لست ادري اين صفا به الدهر وكان انسانا متواضعا, محترما ,محبا للجميع, خاصة الطلبة التركمان وقد كلفت الصديق زاهد جهاد في حينه ان يكتب حوارا صحفيا معه ففعل ذلك ونشره في مجلة الاخاء التركمانية . كثرت زياراتي للدكتور محفوظ واهداني كتابيه (فضولي البغدادي) و (بين المتنبي وسعدي)وهذا الثاني هو اطروحته التي حصل عليها شهادة الدكتوراه من جامعة طهران .كان في كلية الاداب قسمان للدراسات الشرقية هما العبرية والفارسية وقد دمج القسمان باسم قسم الدراسات الشرقية ولم يفتح فرع اللغة التركية في القسم لعدم وجود الطلبة والكادر التدريسي وبدافع قومي راجعت الدكتور حسين محفوظ بخصوص فتح فرع اللغة التركية في القسم فقال اتني بخمسة طلاب كي افتح لكم الفرع حاولت ان اجد بعض الطلاب للدراسة في هذا الفرع و لم اجد بين الطلبة التركمان حماسا ورغبة للدراسة في هذا الفرع بسبب التخوف من عدم التعيين في المستقبل وبعد جهد جهيد استطعت اقناع الشقيقتين ملاحت عبد الرحمن ترزي باشي واختها بتغير قسميهما من الفارسية والطالبة زيادة سليمان حرم الدكتور جنكيز كتانة من اللغة الالمانية والمرحوم الشهيد خليل ابراهيم التلعفري وكان طالبا في المرحلة الثانية في فرع اللغة الفارسية الى اللغه التركية جئت الى الدكتور محفوظ قائلا وجدت اربعة طلاب قال كمل خامسهم والفرع جاهز لكم وللتاريخ اقول كم حاولت وانا في المرحلة الثالثة في الكلية ان اكون خامسهم فمنعني اخي الدكتور فاضل بذريعة هدر سنوا ت دراستي وهذا اكبر خطا ارتكبته في حياتي وانا انال جزاءه اليوم .وبعد مرور عدة ايام جاءني طالب من تلعفر لم تسعفني الذاكرة بذكر اسمه قائلا انا مستعد للدوام في فرع اللغة التركية غير ان قسم الفلسفة وانا فيه يمتنع عن نقلي ذهبت مع الطالب الى الدكتور محفوظ وشرحت له الحال وكان بجانبه استاذ لا اعرفه فقال لي الامر بيد الدكتور جعفر ال ياسين فأشار الى الاستاذ ولم اكن اعلم انه رئيس قسم الفلسفة فقال الدكتور الضيف بكل حياء ان كنت موافقا انت فانا موافق ايضا ففتح فرع اللغة التركية بخمسة طلاب ولم يكن هناك كادر تدريسي واول تدريسي هناك هو فاضل بيات وجنكيز كتانه ثم التحق بهم ابراهيم الداقوقي وفي السنة الثانية قبل لفرع اللغة التركية عشرون طالبا وهكذا استمر الفرع وعندما احيل الدكتور حسين محفوظ على التقاعد حل محله الدكتور فاضل بيات في رئاسة القسم . ومنذ ذالك اليوم و انا اتردد الى الدكتور محفوظ واناقش معه واتزود منه بكل ما احتاجه في مجال الادب .
نشر احد الاصدقاء في مجلة الاخاء التركمانيه مقالا عن مولانا جلال الدين الرومي وفي المقال نكهة الدكتور محفوظ اخذت المقال الى الدكتور وعندما نظر اليه قال هذه محاضرتي التي القيتها لطلبة قسم اللغة العربية بالجامعة المستنصرية قلت هو كذلك يا دكتور وان من سطا على مقالك هذا هو من نفس القسم والجامعة فقال انه منقول نصا وفصا ثم اردف قائلا هل يحتاج ان اكتب ردا عليه قلت كلا يا دكتور هؤلاء اولادك يعتاشون على فضلات علمك دعهم لكي ينعموا بها .
اذكر اني مرة احزنت الدكتور محفوظ وفي يومنا هذا انا اوبخ نفسي وان كنت على حق. وهو ان الدكتور حسين محفوظ ذكر في كتابه(فضولي البغدادي) (ذهب ابو الضيا توفيق صاحب كتاب نمونه ادبيات بان فضولي كردي) وكنت املك نسخة من الكتاب فجئت به اليه قائلا هذا كتاب نمونه ادبيات وهو باللغة التركية فانظر انه لم يشر بهذا الموضوع لا من قريب ولا من بعيد وانما هو يتحدث عن قصيدة للشاعر اسمها (شكايت نامه) فنظر الى الكتاب ولم ينطق بشيء . علمت ان المستشرقين الروسيين هوارد وكريمسكي وغيرهما قبله من ادعى هذا الزعم مستندا على هذا الكتاب وان الدكتور محفوظ جعل هذا الكتاب مصدرا من دون ان يراه والجدير بالذكر اني قرات قبل ايام مقالا في موقع كردي بعنوان الشاعر المعروف فضولي البغدادي كردي الاصل بقلم عبد الرحمن باشاوقد وقع بنفس الخطا انه نقل عن هذين المستشرقين معتمدا على كتاب نمونه ادبيات وهو يتباهى بانه وجد شيئا جديدا كما وجد العالم ارخميدس قانونه .
التقيت مرة بالدكتور محفوظ في مدينة الكاظمية اخذني الى داره الذي يسكن فيها وحيدا تحدث كثيرا عن بغداد والكاظمية المسمى سابقا بمقابر قريش ومماذكر ان كثيرا من الناس لا يعرفون بان الدكتورعلي الوردي يقربني بصلة وهو ابن عم والدتي قلت يا دكتور انت رجل مؤمن ومتدين وتحمل بين خافقيك روح الانبياء والصالحين و لك علاقه متينة مع علماء النجف والكاظمية وان الدكتور علي الوردي على ما اعلم انه علماني وبعيد عن المسأئل الدينية قال لا ان الدكتور الوردي رجل مؤمن لربه وفي كل صباح ينظر الى الافق متأملا لعظمة صنع الخالق ويحسب هذا صلاة له وانه مدفون في جامع براثا . اشترك الدكتور محفوظ معنا في مهرجان فضولي البغدادي الذي اقيم سنة1994 من قبل وزارة الثقافة والاعلام في بغداد والقى محاضرة عن الشاعر فضولي البغدادي .قبل عام سافرت مع الاخ زاهد جهاد الى ايران واجرى لابنه عملية في عينه وكان يحمل معه رسالة من الدكتور محفوظ الى صاحب المستشفى في قم السيد جواد الشهرستاني فاجرى العملية بدون مقابل تكريما لعين الدكتور وقبل سفرنا الى ايران بساعات خابرت الصديق زاهد البياتي قال انا الان في دار الدكتور محفوظ وهو يسلم عليك كثيرا وقد اثنى عليك وبالدكتور فاضل .
شاركت في نهاية الشهر العاشر للعام الماضي المؤتمر العالمي للغة التركية الذي اقيم من قبل مجمع اللغة التركية في انقرة التقيت في المؤتمر بالدكتور كمال اراصلان وهو باحث معروف واستاذ شهير في مجال اختصاصه تحدث عن سفره الى بغداد حتى و بكى لحالنا الذي نحن فيه انه اثنى كثيرا بالدكتور محفوظ وذكر ان الدكتور محفوظ اكرمه وقدره اخذه الى داره واراه مكتبته العامرة الزاخرة بالمخطوطات النادرة في الكاظمية ثم رجاني ان ابلغ تحياته الخالصة له ولم اكن اعلم ان الموت يختطفه وهو اسرع من كل شيء وقد اختطفه من دون ان نلتقي به لقاء الوداع وبقيت هذه الامانة ذمة في عنقي لاني لم استطع ايصالها الى صاحبه لعدم رؤيتي له وها انا الان اعلن للناس هذه الامانة فسلام عليه ما دمت حيا وذكره الحميد وعلمه الغزير وبصيرته النيرة تبقى شعلة تنير دروب الاجيال, نم قرير العين يا ابا علي في جوار من احببت وان نعشك في اطهر تراب و قبرك في اقدس مكان وهو روضة من رياض الجنة ان شاء الله .