حوار مع شيخ الأساتذة الأستاذ الدكتور والبروفيسور... حسين علي محفوظ

حوار مع شيخ الأساتذة الأستاذ الدكتور والبروفيسور... حسين علي محفوظ

نجاة عبد الله
* فوق كل شبر من أرض العراق مدينة ومدنية .. وتحت كل شبر من أرض العراق حاضرة وحضارة.
* الكثير من المطبوعات العربية والأجنبية لا تصلني ولا أعرف عنها شيئا.
* نريد أحداً يسأل عنا ويقول لنا هل تحتاج الى دواء... هل تلفونك يعمل؟.. إننا نريد تكريما معنويا.


* العرب المغتربون في أوربا يرددون.. محفوظ هو إنشتاين العراق والعرب والشرق.
عن العلامة حسين علي محفوظ
* إقترح الذكريات الآلافية والألفية والمئوية، واليوبيلية الألماسية والذهبية والفضية.
*إقترح ذكرى تأسيس بغداد وألفية الكندي، وألفية الفارابي، وألفية الرضي، وألفية البصرة، وألفية الكوفة، وألفية سامراء، وألفية الكاظمية.. وغيرها.
* قال أحد المغتربين، المهندس المعمار مصطفى داود العمران،: (في لقاء جمع المغتربين في بريطانيا، بتاريخ1988/12/27، دار الحوار حول أنشتاين ومكانته وثقله الفكري في أوربا والغرب، باعتباره رمزاً للفكر الغربي، وقد خرج اللقاء بتسمية الأستاذ الدكتور حسين علي محفوظ رمزاً للفكر في العراق والوطن العربي والشرق، في مقابل شخصية أنشتاين العالمية في الغرب).
*هو(مكتبة متنقلة) و(موسوعة متحركة) و(انسكلوبيدية تمشي على رجلين) و(دائرة معارف سيارة) كما لقبه علماء أوربا وأساتذة جامعاتها الكبرى، في الندوة الربيعية الأولى للجامعة الصيفية العربية الاوربية، في بغداد سنة1989م.
*كان المرحوم الدكتور كمال السامرائي إذا حضر مجلسا ليس فيه صديقه حسين علي محفوظ، يقول: حتى يحضر الناس. فقد كان إفلاطون يجلس، فيستدعى منه الكلام. فيقول: حتى يحضر الناس، فإذا جاء أرسطو، قال: تكلموا فقد جاء الناس.
*قال العلامة الشيخ عيسى إسكندر المعلوف، في سنة1950 (حسين علي محفوظ شيخ العبقرية المخلص، شيخ العرب، وشيخ الأدب).
*قال العلامة الشيخ راضي آل ياسين، في1949 (الاستاذ حسين علي محفوظ أحد أولئك الأفذاذ قليلي العدد. وانه أحد العباقرة الموهوبين الذي ينتظرهم مستقبل زاهر).
*قال شيخ الاسلام الشيخ فضل الله الزنجاني وهو من كبار حكماء العصر، المجاز من السيد محمود شكري الآلوسي (العلامة المحدث الأديب، نادرة الأيام والأعوام، الشيخ حسين علي محفوظ).
*كان الأستاذ عمر فروخ، الأديب العربي الكبير (يذكره كلما ذكر التراث، وكلما التقى بالمهتمين بالتراث، كان يثني عليه معجبا به، ويطريه مع غاية التبجيل ومنتهى الإعظام).
*إبتدأ بالتأليف سنة1942م، ونظم الشعر في1939م.
*أنشأ مقالة (من أجل الإنسان) في1959، ورسالة (من أجل أمنا الأرض وأخينا الأنسان) في1999م. ورسالة (الى الإنسان) في سنة2000.
*منحته جامعة لينغراد (بطرسبورغ) لقب بروفيسور، سنة1961ولقبته (أستاذ المستشرقين).
مع كل إطلالة رمضانية يعلن الهلال عن قدومها، تشرق أهلة أخرى تعلن ببقائها حية- ان الثقافة والعلم والمعرفة ماتزال بألف خير ونعمة، هكذا رأيت في كل رمضان أن أحيي هذه الرموز وأبارك لها حياتها وأتمنى لها مديد العمر بهذه الغاية قصدت منزل شيخنا الجليل لأبارك له هذا الشهر الكريم وأسأل عن صحته، لكن من يستطيع أن يمنع نفسه من غواية السؤال عن التراث والعلم والثقافة حين تسنح له فرصة الوقوف أمام هذا البحر الزاخر النقي.. إنها رحلة العلم والحياة في العلم تلك التي لا يداخلها شك بأنها تحققت بالصبر والهم والحزن والفرح، ولأننا لم نشارك العلامة في صنع منجزه الفريد فلا بد لنا إذن من وقفة إجلال وحياء أمام هذا الطود العراقي الشامخ نلتمس فيها السؤال عن كيف أصبح هذا العلم ممكنا.
لا اعرف لم إبتدأ حديثنا عن الغربة... ومن دون ان أدخل في غربته دمعت عينا شيخنا وهو يردد أشتاق الى العراق وأنا فيه وأخشى ان أفارقه وأنا فيه.. تحدثنا عمن إغتربوا.. وقال خيرما يمنع هذا الشعور هو التواصل بين الناس.. فقلت له مولاي حاولت الاتصال بهاتفك الأرضي ولم أفلح.. فما كان منه الا ان يرد والله اصبحت أخجل ان أقول ان هاتفي عاطل من كثرة ما قلت.. لقد عاشرت لطفي السيد في مجمع اللغة العربية بالقاهرة منذ عام1956 ثم طه حسين الى ان مات ثم إبراهيم مدكور الى شوقي ضيف ولا اتذكر ان احد منهم شكا وقال ان هاتفه عاطل.. وأخبرني بهذا الخصوص ان شخصا جاء اليه وقال له دعنا نخابر لك بغية إصلاح الهاتف فاجابه دعهم يحضروا عندما أمسك فأسا وأكسر الهاتف لانه من المخجل حقا أن يطالب شخص مثل محفوظ بإصلاح هاتفه منذ اسابيع، وكل يوم.
ثم تحدثنا عن ايام مجلس الخاقاني في وقت كنا نحضره وكان العديد من الاساتذة والادباء والمفكرين والمؤرخين والادباء يقرأون قصائدهم العلوية من دون خشية أحد.. وكان الله هو الحافظ على حد قول شيخنا.
قرات.. في إحدى الدوريات العربية رأياً كرره كمال السامرائي والعرب المغتربون في أوربا حين كانوا في إجتماع بقولهم إن محفوظ هو إنشتاين العرب.. وهو يستحق هذا اللقب بجدارة متناهية... محفوظ شخصية موسوعية فقد تناول العديد من الموضوعات في الدراسة، وابحاثه العلمية شملت عشرات الدراسات المنشورة من أعماله التي بلغت1500 مَؤلف بين كتاب ورسالة وبحث وتحقيق وترجمة في الفلسفة والدين وكل أبواب المعرفة.. يحفل العراق بمحفوظ كما حفل العرب من قبل بابن سينا الذي كتب في العديد من أبواب المعرفة وجابربن حيان والكندي والفارابي وابن الهيثم، وهنا أتساءل ما المانع أن يحول بيت حسين علي محفوظ الى مؤسسة او مشروع مثل دار الحكمة وان يطلق عليه دارمحفوظ للتراث العراقي او التراث الكاظمي او التراث البغدادي.
إقتراحات كثيرة يتمنى كل اصدقاء محفوظ وكل محبيه ان تاخذ بها الدولة ومنها العناية بالتراث كما نتمنى ان تطلق جائزة باسمه.
حسين محفوظ الذي لم يبرحه الحزن في كل يوم وهو يسمع عن مقتل صديق قديم او وفاة شاب غض او طفل او امراة... تجاذبنا أطراف الحديث فخرجت بهذا الحوار:

*في الزيارة السابقة لحضرتك حدثتنا ان هناك مناشدة من قبلكم رفعت للحكومة العراقية لتكريم الرموز العلمية والتأريخية والادبية كاقامة تماثيل لهم وتسمية مدارس وشوارع بأسمائهم ووو...
-نعم لدي رسالتان مكتوبتان لرئيس الوزراء شخصيا كتب إحداها (الأحاسن) وكتب الأخرى الصحفي المعروف زاهد البياتي وانا انتظر ان يطلع عليها سيادته وفيها مناشدة للحكومة العراقية ببناء مدارس و شوارع باسم رموزنا العلمية والثقافية ... ولا اكتمك بان سيادة رئيس الوزراء أراد ان يزورني مرتين في إحداها حدث انفجار في فندق المنصور والاخرى رجوته ان لا يزورني بسبب الضروف الامنية الخطرة وقد تفضل فأوفد من يزورني نيابة عنه ، وهكذا فعل رئيس الجمهورية من قبل.
ومرة سمعت ان السيد وزير التعليم العالي ذكر بانه أهدى لمحفوظ300 الف دينار وزعتها على الفقراء قبل أن تصل إليّ... نحن لا نريد النقود نريد احدا يسال عنا يقول لنا هل تحتاج الى دواء هل تلفونك يعمل.. اي اننا نريد تكريما معنويا.
وقبل فترة زارني شخص من طرف الشيخ همام حمودي وقال لي سمعنا انك تريد بيع مكتبتك فأرسلت له رسالة مطلعها بيتان من الشعر
سلام على الشيخ الهمام مضاعف
ولا زال منهلا بجرعائه القطر
يسأل عن شيخ كبيرهمومه
تجرعه أوصابها فله الشكر
وأتممت الرسالة مخاطبا إياه بقولي
اما نحن فقد تعودنا الاكتفاء بالقليل والقناعة بالموجود والرضا بالكفاف ولكن حولنا وحوالينا ومن حولنا الكثيرمن الاقارب والاصدقاء والأرامل واليتامى ضعفى ومرضى وعجزى يحتاجون كل شيء، ومن ذا الذي يستطيع الوفاء ببعض حاجاتهم.
ولكني كما قال الشاعر (أهم بأمرالحزم لو أستطيعه) ولا أستطيعه الى آخرالرسالة
وفي نهايتها أوصيته بالرموز، وذكرته بمصرالتي فيها طه حسين ونجيب محفوظ وذكرته بالمنفلوطي والزيات وتوفيق الحكيم وعباس محمود العقاد وفي العراق الكثيرمن الرموز وهم اضعاف ما في مصر في كل فن من الفنون وكل باب من أبواب المعرفة و لكن الظروف العامة والعالمية والدولية والعربية والإقليمية والاسلامية كلها تعوق أي عمل فيه تقديرإيجابي والله المعين.

*الآحاسن... ما أروع تلك المفردة من هو المرشح للدخول تحت ظلالها؟
-هم أصدقاء حسين علي محفوظ وتلاميذه في العراق وهم في منزلة الأمناء (جماعة الأستاذ أمين الخولي في مصر) اقترح المرحوم الحاج عباس علي وهو من قدماء الأحاسن تسمية أصدقاء محفوظ بـ(الأحاسن) وهم نخبة من العلماء والأدباء والشعراء والمفكرين والمثقفين والوجوه في العراق والوطن العربي والعالم الاسلامي وفي الشرق والغرب يحملون أفكار حسين محفوظ وآراءه و يدعون الى ما يدعو اليه من محبة وتقارب وألفة ومودة وصداقة وهم جميعا يتبنون شعاره (الحب أجمل ما نعطي وأجمل ما نأخذ) و(الانسان بنيان الله في الأرض ملعون من هدمه) و(الدين هو الحب والحب هو الدين).

*تأملات صوفية ما أراها الان... ماذا أخذت منها وما أخذت منك؟
-أنا أحمل إجازة في التصوف تبركا.. وقمت برسم شجرة الصوفية.. وقد منحني إجازة الصوفية السيد عبد الحجة البلاغي حامل لواء الطريقة العلية التي تنتهي إليها جميع الطرائق القادرية والرفاعية والنقشبندية والكسنزانية والمولوية وغيرها وأم الطرق هي الطريقة المعروفية وتنتهي اليها الطرق الصوفية وأمهات السلاسل في المغرب وشمال إفريقيا وفي الهند وتركيا وإيران وسائر البلاد.

*ماذا عن شجرة الصوفية؟
-هي عبارة عن شجرة تحوي أسماء الطرق وأقطابها وشيوخها والسند المسلسل المعنعن (عن فلان.. عن فلان).

*أرى دمعة على وشك السقوط كلما انتبهت الى محياك شيخنا الجليل هل هي من شدة الخشوع؟
-نعم هي من العاطفة والرقة والخشوع.. بل ان عيني مخزن عجيب للبكاء واشد ما يؤلمني ويجعلني أتمزق هو بكاء الطفل والمرأة.. اللذين أكرمهما كل الاكرام وأطالب بالاهتمام بهما وأنا أحترم أربعة كل الأحترام.. الأم والطفل والمعلم والطبيب... الأم تلد الطفل والطفل حين يكبر يصبح أما معلما وإما طبيبا، وو... تلك الدمعة التي أحاول تلافيها بضحكة... أحد الاصدقاء قال لي أجمل شيءعندك هي الدمعة وقال مرة سلام الشماع دموع حسين علي محفوظ تمحو كل سيئاتنا وخطايانا.

*ربما اليتم الذي عشته مبكرا هو من أجّج فيك هذا الأمر.
-هي أسباب عديدة وربما أحدها اليتم... كما إن هناك آيات تبكيني (إنك في أعيننا)، يقول الله حين يخاطب موسى (إني معكما أسمع وأرى).. كيف لا أبكي إذن وفي القرآن مواطن سجود لا يفهمها الناس في كثير من العبارات والجمل التي ترد فيه.

*ما اللقب القريب الى نفس محفوظ؟
-أحب الألقاب... شيخ بغداد.. وقال أحد كبار المفكرين البريطانيين لإبني علي ان أباك هو سفير حضارة بلاد الرافدين في العالم، وشخص مقرب آخر اقترح على رئيس الوزراء ان أمنح لقب سفير العراق اضافة الى وظيفتي كأستاذ في الجامعة و أن امنح جواز سفر دبلوماسياً... وانا اقول ان الالقاب عندنا تصطدم بشهوات الآخرين وهم يقولون أحيانا لماذا هذا الشخص ألا يوجد غيره واعتقد ان هذه أمورطبيعية وهذا من عيوب العراق ومن علامات أصالته انه لا يرضى عن أحد.

*العراقي لا يرضى عن احد هل هو الطموح الى الأفضل.
-هكذا أفسرها على الاقل لأقنع نفسي وأرتاح مرة وفي أوائل السبعينيات في دورة مجمع اللغة العربية في القاهرة كانت هناك زيارات للمجمعيين واحدة في داخل القاهرة واخرى خارجها.. في داخل القاهرة كانت زيارتنا الى مؤسسة الأهرام و(هذه الحادثة ذكرتها للطالباني حين تفقد نجيب محفوظ) قال رئيس المجمع هل يعجبكم زيارة زميلكم توفيق الحكيم.... فذهبنا وسلمنا عليه وكان يجلس في الدور الرابع في مؤسسة الأهرام مرتديا بيريته.
وفي سنة1990 كانت مؤسسة الأهرام عرفت أعمالي المنشورة قد بلغت الالف وقالوا لي إنك مدعو على الغداء في الأهرام بصحبة محمد عبد المنعم خفاجي وهو كبير أساتذة مصر وعبد العزيز شرف رئيس القسم الثقافي في الأهرام.. وسألوني ان كنت أرغب في زيارة غرفة الحكيم وهي غرفة نجيب محفوظ من بعد شاهدت كرسيين قالوا لي ان الكرسي الذي خلف الطاولة وهو لتوفيق الحكيم يرفض نجيب محفوظ ان يجلس على كرسي الحكيم إحتراما وتواضعا وهذه هي مصر توقد النجوم ونحن مع الاسف من طبيعتنا اننا نطفئ الأنوار وانا ذكرت هذه الحادثة لانها ذات أهمية.

*أين حل الدهر بمؤلفات حسين علي محفوظ الان.. هل من جديد يطبع؟
(ودع عنك نهبا صيح في حجراته) مؤلفاتي غير جاهزة للطباعة وانا لا أقدمها حرصا على الناشر.. لانه لن يتمكن من بيعها فهي للخاصة وانا لا اريده ان يخسر.. مرة جاءني ناشر من لبنان وطلب طبع مؤلفاتي فرفضت قائلا له أنصحك ان لا تنشرمؤلفاتي.

*هل هناك من طرق باب حسين علي محفوظ في العراق لطبع مؤلفاته؟
-لا لم يطرق أحد بابي.. وأهم شيء عندي الآن مؤلفاتي السابقة فهي بحاجة لإعادة نشر.. وهي تمثل المؤلفات والدراسات الخفيفة وتكون في ثلاثة مجلدات ضخمة.. أما باقي الكتب الكبار فهي مجلدات ضخمة.

*الكثير من الكنوز الادبية والفكرية والتاريخية تعرضت للسرقة إبّان الأحداث الأخيرة.
-كان تأثيرها كبيرا على نفوسنا.. فحين دخلت الى مكتبة كلية اللغات والتي سميت باسمي وجدتها قد نهبت هي والقطعة التي تحمل اسمي وصورتي وكاد يغمى علي وانا مصاب بالنوبة القلبية.. أجلسوني على كرسي وكان هو الآخر محطما ايضا فأسندوا الكرسي إلى الحائط.

*أسماء الامكنة في بغداد.. هل حضرتكم راض عنها؟
-زارتني لجنة للاستشارة واللجنة مكونة من ممثل لمجلس الوزراء و.... و... و... و... وقلت لهم إن أسماء بغداد يجب أن تنطلق من خمس دوائر هي دائرة بغداد ودائرة العراق ودائرة العالم العربي ودائرة العالم الاسلامي ودائرة العالم.. لتضم المسميات مشاهير بغداد ومشاهير العراق ومشاهير العرب ومشاهير الاسلام ومشاهيرالعالم.. وقلت من المستحسن جدا أن يوضع اسم أحد المخترعين الكبار ضمن قائمة المسميات وإن فعلوا فهذا سوف يدل على أواصر الصداقة والألفة والمحبة والتقارب والتقريب... قدمت لهم تلك النصيحة كذلك قلت ان الاسم يجب ان يكون قريبا من المسمى، يعني أن لا يسمى شارعنا مثلا باسم نزار قباني.. اي ان تكون هناك صلة بين الاسم والمسمى.. وقد وعدوني بإرسال خرائط بغداد والكاظمية وأنا طلبتها لتقديم المشورة فقط.
وعندما يسمى شارع ما باسم مؤرخ عربي يستحسن ان يكون لهذا المؤرخ علاقة بالمكان أو لاي أعتبار آخريؤهله لحمل اسم هذا الشارع.

*الذاكرة البغدادية تتعرض الان الى الإهمال والنسيان.
-هذا الأمر طبيعي، فهذه سنة الحياة.. علماء الطب يقولون ان كل شيء يتجدد الا خلايا الدماغ ما ذهب منها ذهب والذاكرة تتبع الدماغ كيف نستطيع استعادتها.

*الملامح والآثار القديمة بدأت بالاندراس أيضا.
-أحيانا بدعوى التجديد وجميعها تضر الآثار.

*ما دور العلماء والمؤرخين في هذا الأمر؟
-مثلي انا لا يملك الا الدمعة والبكاء مثلما بكت نجاة وأبكت معها أباها.

*الذي يرى العراق قبل سنوات ويرى هذا الدمار الذي لحق به وبتراثه الان تتولد لديه مشاعر قاسية ومخيفة؟
-ليس مهما ما حصل وهذه تحصل ويحصل ما هو اكبر منها لكن الأصالة العراقية تبقى ويبقى فيها المتانة والقوة والخير والجمال، مرة قال لي عمي رحمه الله.. انك افضل من جدك الشيخ حسين وكان اول قادم للعراق من لبنان هوجدي الشيخ حسين بعد هجرتها من الحلة الى لبنان قدم وكان عمره12 سنة.. إستقر ودرس في الكاظمية وقيل إنه أكبرعلماء زمانه على الإطلاق....... وكان يريد بهذا ان يشجعني وقال لي انك تمتلك موسوعية لكن في زمان جدك كانت ثقافاتهم محصورة في علوم محددة الى آخره من التبريرات.. وكان يقصد بهذا ان العراق فيه الان ما هو افضل من علمائه السابقين.

* العقول العلمية تهاجر الان حتى يكاد يفرغ منها البلد الا ما ندر.
-تبقى هناك وتسهم في الحضارة العالمية... الطبيب او عالم الذرة الذي يكتب بحوثا في المجلات العلمية هو يسهم في الحضارتين العالمية والعراقية في أي مكان يعيش فيه داخل العراق او خارج العراق.

* شيخنا منذ عدة سنوات وانت تعيش عزلة هل انت سعيد بهذا؟
-هذه عزلة ظاهرية الحمدلله ونحن طبيعتنا العزلة والوحدة لكني أقضي جل وقتي في القراءة والكتابة وإستقبال الضيوف وتحيتهم.. واقول لك رغم العزلة التي اعيش لكن اخبار بغداد والعراق تصلني.. بالامس وصلني تقرير رسمي عن أحداث كربلاء فعلى الانسان ان يكون متابعا لكل شيء ولا يصح ان يكون بعيدا.. والعزلة تكون احيانا بعيدة عن ممارسات الحياة اليومية والحياة الاجتماعية لكن ليس معناه الابتعاد عما يحدث في البلد.