كنتُ طالبا مع الشاعر محمد علي الخفاجي

كنتُ طالبا مع الشاعر محمد علي الخفاجي

د.ابراهيم العلاف
اشتهرت الكلية أقصد كلية التربية بجامعة بغداد منذ ان كان إسمها " دار المعلمين العالية " بشعراءها الافذاذ الذين درسوا فيها ومنهم الشاعر بدر شاكر السياب والشاعرة نازك الملائكة والشاعر عبد الرزاق عبد الواحد ، وكان الشاعر البارز أيام كنت أداوم فيها 1964-1968 ،الأستاذ محمد علي الخفاجي 1946-2012 (رحمه الله ) ،

الذي كنا نتداول ديوان شعر غزلي له لااتذكر عنوانه واعتقد ان عنوانه هو : " شباب وسراب " صدر سنة 1964 وهو لما يزل طالبا معنا ولكن في قسم اللغة العربية بكلية التربية (كنت انا في قسم التاريخ ) . وقد سمعنا في حينه ان استاذنا الذي كان يدرسنا اللغة العربية الاستاذ الدكتور محسن غياض قال عندما اطلع على بعض قصائد الخفاجي : " يكفي ان اقول انك شاعر لااكثر ولا اقل " . وللطرفة فانني لازلت أتذكر بعض قصائده احجم اليوم عن ذكر بعض ابياتها لانها من الادب المكشوف .



في سنة 1965 اصدر الشاعر محمد علي الخفاجي ديوانه الثاني :" مهرا لعينيها " .وقد احدث صدوره صدى واسعا بين الادباء والشعراء والنقاد .واتذكر ان الصحافة كتبت عنه وبشرت بنبوغ شاعر كبير. وقبيل تخرجنا من الكلية بقليل اطلعنا على ديوانه الثالث " لو ينطق النابالم " .وكانت قصائد الديوان انعكاس لما حدث في الوطن العربي حيث وقع زلزال الهزيمة في الخامس من حزيران 1967 وكلن من نتائج الهزيمة احتلال اسرائيل لاراض عربية جديدة في مصر وسوريا وفلسطين . وقد يكون من المناسب ان اشير الى أنني بقيت اتابع مسيرة هذا الشاعر الذي استمر في العطاء الادبي وبرع في الشعر المسرحي واصدر منذ 1970 وحتى يومنا هذا دواوين كثيرة منها ديوانه "انا وهواك خلف الباب " و " لم يأت أمس سأقابله الليلة " وديوانه " يحدث بالقرب منا " .
خلال كتابتي لهذه الذكريات (ايلول 2010 ) ، قرأت قصيدة جميلة ورائعة لشاعرنا محمد علي الخفاجي (رحمه الله ) عنوانها : خراب الازمنة " يقول فيها :
كلّما ذكر الصحْبُ مدرسةً في الصغرْ
داهمتْني ظلال من الأمس
وتلوّى على البعدِ
نايٌ بقلبي
فتذكّرْتُ مدرستي
ونشيدي المشظّى بصوتي كقطنٍ نديفْ
واصطفافَ التلاميذِ في الصبحِ حولي
وبلادي...
عَلَمَي فوق رأسي
كيف كنتُ أقفْ
وأؤدّي تحيّتَه ويدي ترتجفْ
بأناملَ تحمرُّ من برْدِها
وأقول له: هكذا
عشْ هكذا في علوٍّ
وهو يعلو ويعلو كنجْمِ السماواتِ
ثم يحنو عليَّ من البْردِ
فينزلُ من طولِهِ مثْل ثوبٍ عفيفْ
ويخْفِقُ فوق الكتفْ
ويداعبُني بهدوءٍ
هكذا....
ناصعاً مثْلَ شمسِ الخلاصْ
طاهراً مثْلَ ماءِ الوضوءْ
زمنٌ أخضرٌ لا يجفْ
وفي الليلِ.. أجلس قرْبَ أبي للصلاةْ
وأدعو كما هو يدعو
وأقول: إلهي... بلادي
لا تُمتِنْا على أرضِها خائنين
ولا تُبْقِنا عن ضراعتها قاعدين
ولا تُنْجِنا دونها
وأرفعُ كفَّ أبي للدعاءْ
لأن أكف يدي الصغيرة ضيقه الامتلاء
إلهي...
بالرخامِ الذي ينتمي لصلابتِهِ الشهداءْ
والذين يحبّون أوطانَهم
ويموتون من أجلِها بيقينْ
هبْنا دماً فائراً
وجبيناً وضيئاً
كجبينِ عليّ الذي لم يطأطئْ بصفّين
والحسينِ الذي قال: لا
إذ أفاقتْ على صوتهِ كربلاءْ
يا لهذا الخريف الذي
مرّ من بينِنا خلسةً
تحت إِغماضةِ الموج
يالهذا الزمانِ العجيبْ
لأيّ غريبٍ تراني...
أعدُّ الأريكةَ هذا المساءْ
وأجمّرُ نارَ الأحاديثِ بعد العشاءْ
والبلادُ مبدّلةٌ خطأً
شمسُ مَنْ سقطتْ في سكونِ المياهْ
وانهارَ جرْفُ النجومْ؟
وأيُّ الذبابِ يحومُ على وردةِ الانتباهْ
والخريفُ دنا من يدِ القابله
هابطاً من ذرى شمسِهِ النازله
وأمسِ التقيتُ مع الصحْبِ
في شارعٍ ضيّقٍ
والظلالُ مبلّلةٌ بالنعاسْ
وسباتِ الوسنْ
حيث ارتطمْنا ببعْضٍ مصادفةً
فاستيقظتْ في الرؤوسِ الأحاديثُ
وأزلْنا غبارَ السنينِ عن الذكرياتْ
فبانتْ لنا ببياضِ الكفنْ
وكانت بلادي
وأحزانها وجعاً في فؤادي
فقالوا:
أتذكرُ ذاك الصباحَ الشتائيّ
والبرد يصبغُ ورْدَ أنامِلنا
حين كنّا نؤدّي تحيّتَنا للعَلَمْ؟‍
أجبت: نعم
وإنّك كنت تقول له: هكذا...
عشْ هكذا في علوٍّ؟‍
أجبتُ: نعم
وإنّك كنت...؟‍!
أجبتُ: نعم، ونعم، ونعم
فتوقّفَ من حولِنا السابله
وقالوا:
لمن سلّمتْ تلكم الرايةُ الذابلة
ومن سوف يحملها في اللواء الغريب
حيث صرنا نغضّ من الصوت
حتى صمْتنا معاً
إذا انفتحتْ صرّةٌ من ألمْ
فسكبْنا على الأرض ماءَ الحياءْ
وشربْنا من الدمع ماءَ الندمْ