لزوميات ابو العلا ء المعري..علاقة خارج المنطق الفلسفي قائمة على الالحاد

لزوميات ابو العلا ء المعري..علاقة خارج المنطق الفلسفي قائمة على الالحاد

بغداد/ أوراق
انطوت لزوميات المعري على مذاهب فلسفية حول الطبيعة والحياة ونظام العالم. دراسة للباحث هادي العلوي في كتاب بعنوان (ابو العلا ء المعري المنتخب من اللزوميات ـ نقد الدولة والدين والناس) مبيناً ان الديوان الذي بناه ابو العلاء احمد المعري التنوخي على قافيتين وسمي بذلك لزوم ما لا يلزم، لأن اللازم في العروض هو قافية واحدة يختم بها البيت وتتكرر في بقية الأبيات.

وعلى هذا جرت كل نصوص الديوان الذي حمله مزاجه الخاص كالعزوبة وعدم أكل اللحم والإسراف في البساطة. منوهاً الى ان اللزوميات هي أحد ديوانين فلسفيين ثانيهما بعنوان "استغفر استغفري" ويتألف من عشرة آلاف بيت حمله افكاره بخصوص الدين والسياسة وأمور الحياة والوجود على غرار اللزوميات في المضمون، وهو من كتبه التي فقدت اثناء اجتحاح البيزنطيين لمعرة النعمان بعد وفاته بزمن واحراقهم مكتباتها، ومنها مكتبته الشخصية التي كانت في منزله وتضم مخطوطات فريدة لمؤلفاته. مشيراً الى ان للمثقفين خصال مشتركة برغم اختلاف حضارتهم، فهم يتماثلون في بساطة الطعام والملبس والمسكن مما يتشكل في مفهوم السعادة الحسية، وايضاً يتماثلون في مناوأة او مقاطعة السلطتين الدينية والسياسية، وفي موقفهم من الناس يترددون بين النقد لجهلهم وعدوانهم على بعضهم، والاشفاق لما يعانونه من مظالم على يد الدولة او من الطبيعة. وفيما يخص المعري يذكر الباحث تمايزه بين خصلتي الدين والخالق. فيقول: من جهة الدين ثمة انكار قاطع واتهام للانبياء بالكذب على الناس، ولعله لم يواجه صعوبة في التمسك بهذه الرؤية لأنه قاس الأديان بمنطقه الفلسفي ووعيه الاجتماعي فوجدها تنبو عنهما كليهما. وبحث عن حكمة الأديان فلم يجدها، وأراد ان يتلمس تأثيراً ايجابياً نافعاً للدين على البشر فلم يعثر على شيء يدله على مصداقية الوعد الديني او يوثق له المزايا التي ينسبها أهل الدين لدينهم. وقد رأيناه في اللزوميات ينطلق من العكس وهو ان جزءاً هاماً من مأساة الانسان يرجع الى الدين الذي كلف البشرية كثيراً من الآلام والخسائر، ولم يعد عليها إلا بالقليل من المصالح.. وفي المقابل يحافظ المعري على نوع من العلاقة مع السماء تبرز بوضوح في بعض الزوميات المؤمنة والنصوص النثرية في رسالة الغفران والفصول والغايات وغيرها. كما تتكشف لنا ممارسات يومية نراها بمظاهرها عبادة وهي في حقيقتها علاقة خاصة تقع خارج المنطق الفلسفي، لأنها نتاج وعي للمثقف الكوني قائم على الالحاد خارج دائرة الدين. إذن المعري يفصل بين الدين والخالق على شاكلة الربوبيين من الفلاسفة. إلا ان ربوبيته ليست فلسفية لأنه لا يجزم بوجود الخالق، لكنه يبدو بعد فصله عن الدين يصبح من لوازم العقل المحيط لانسان يسعى للانفلات من المحدود والاندماج في ضمير الكون الأرحب. لافتاً الى ان العقل يولد الحقائق التي تتشكل منها المعرفة بعد تجاوزه لمنزلة العلم. والحلم يعيد تشكيل المثال بالاستناد الى المعرفة، ثم يدفع به خارج العالم المحسوس الذي يفارقه المثقف من دون ان ينقطع عنه. وهكذا تجري الممارسة العقلية ضمن مدارها المخصوص فلا يفقد المثقف شيئاً من تماسكه المنطقي ولا الحلم الذي قاده الى ما وراء المادة. وهذا المزدوج يغيب عن الفكر البحت "علماء الطبيعة والمختبر" فيحد من فعله الاجتماعي بينما يؤدي غيابه عن اللاهوت الى زيادة قوته التدميرية المعادية للانسان. والمعري كمثقف كوني نجح في انشاء سلطته به ولم يتنازل عنها لقاء مطلب خارج عن اشتراطات المعرفة، وانما قدم تنازلات امام الخطر حين كان عليه ان يستعين بخصم معين لدواء عدوان محتمل من خصم آخر. وكان هذا الخصم المستعان به هو الدولة التي كان يضطر الى تملقها لئلا تميل مع رجال الدين وجمهورهم عليه، ولم يتنازل عن سلطته لقاء شيء آخر. وبقيت يده سالمة من مدفوعاتهم، وقد عرفوا بدورهم ذلك فلم يرغموه على شيء. وبالعكس فقد كان سبباً لأجلالهم له اجلال متسلط لمثقف لا يرى للسلطة فضلاً عليه، وان هذا ما جعل عسكرياً غازياً يفك الحصار عن بلدته المعرة فيتراجع عن خطته لاجتياحها واستباحتها بمناشدة منه، وهي حالة نادرة بلا شك ان يتراجع عسكري امام مثقف بعد ان كانت جيوشه تتأهب لاقتحام البلدة واستباحتها، مما دفع اليأس بأهلها الى التشفع بالمعري الشيخ الأعمى الذي سفه عقائدهم، وكان معتكفاً في منزله، فتوجه الى ظاهر البلدة، وسمع به قائد الجيش فاستعد لاستقباله.