ميخائيل عوَّاد..الداعي الى الوسطية منقب ساحرٌ في خزانة العراق التراثية

ميخائيل عوَّاد..الداعي الى الوسطية منقب ساحرٌ في خزانة العراق التراثية

حميد المطبعي
ميخائيل عوَّاد (1912- 1995) كان على شبه مع المنقب الاثاري فهذا يحفر في الأرض بحثا عن لقى ومكوناتٍ آثارية تؤرِّخ لعهدٍ أو زمنٍ من أزمنة العراق، وميخائيل ينبش في خزائن الكتب بحثاً عن أثرٍ يُرجعنا إلى وجهٍ من وجوه الحضارة الإنسانية، وكلاهما أهدى قلبه إلى تاريخ العراق، حباً بالأرض التي فاضت عليهما عطاءً لوفاءٍ منذور،

وفي لحظة معاناةٍ قال ميخائيل لرفيقِه في المجمع العلمي العراقي: (دعهم ينهشون فيَّ دموعَ مسيحي ..) بعد أن سمع مغرِضاً يقول (ما علاقة هذا المسيحي بتراث العرب؟)، وهذا المغرض لا يدري أن ميخائيل قدَّم باقةً من أبحاثٍ تكرِّس إصالة التراث العربي، و الإسلامي وتكشف عن أن المسيحيين في العراق كانوا في القرن الاول الهجري بدأوا يُبرِزون مآثر الفكر الإسلامي في كتبٍ ورسائلَ خزنت في الصوامع والكنائس التي في العراق.
كان مثلاً يقضي عشرَ سنواتٍ يُزيح الغبار عن مخطوطات مكتبةٍ كي يتوصل إلى أن العرب المسلمين كانوا أول من إستعمل جوازات السفر في العالم، أو أنهم أول من إخترع الكتابة البارزة للعميان والتي نُسبت إلى العالِم الأوربي (برايل) ظُلماً. وفي عشر سنوات أخرى صرَف إجتهاده في المصادر التي يغلِّفها تراب القرون حتى إكتشف أن العراقيين هم أول من إكتشفوا قوانين (الأتيكيت) وقوانين (البروتوكول) ، وغير هذا كثير بلغ خمسين إكتشافاً في ماضي العراقيين..!
وكان لا يقول بالإكتشاف إلاّ ويذيِّله بمصدرٍ من المصادر التي يُجمع عليها المؤرخون الكبار لأنه يستحرم تناول المصدر المشكوك به، ويستحرم النقل الذي يُختلَف عليه، ولأنه أيضاً (في وثيقته هذه) يريد لبحثه أو إكتشافه أنْ يتصدر الواجهة.
وعندما بلغت به أمانة البحث حدَّ التصوُّف تُرجِمت ابحاثه إلى الالمانية والروسية والانكليزية وإلى لغاتٍ شرقية عديدة. وقد وضعت لجنة الروائع العالمية كتابَه {رسوم دار الخلافة} في خانة العدد المنتخب من روائع الأدب العالمي بحسب وثائق منظمة اليونسكو، وهكذا كان شأنه في أكثر كتبه الموضوعة وبلغت (14 كتاباً) وفي كتبه المحقَّقة، وبلغت (9 كتب) .. وفي مقالاته التي نُشرت في الدوريات العربية والعالمية وبلغت (170) مقالة وفي أحاديثه التي أذاعها في إذاعات محلية وعالمية وبلغت (160) حديثا.. وفي ردِّه على أسئلة إذاعة (لندن) 1960 قال: (نعم.. ثلاثة وزراء من تلاميذي، وعشرات الأدباء من تلاميذي) وسالتُه: (1980) من هم الوزراء ومن هم الأدباء فلم يُفصح بل ذهب إلى الصمت متواضعاً وحتى لا يُتَّهم بالغرور، وفي يوم أرسل عليه ساطع الحصري يسأله (من أي المسيحيين أنت؟) لغرض أن يعيِّنه في مصلحة الآثار العراقية باحثاً آثارياً قال:(أنا عراقي..) فلم يُفد الحصري بشيء وتركه وشأنه، إنما كان شأن ميخائيل دائماً أن يضُخ إجتهادُه لوطنه ويؤرِّخ لحقيقةٍ من حقائقه التراثية والحضارية بعيداً عن الطوائفيَّة التي طالما دغدغت عواطف الحصري وأضرابه، وكان شعاره الذي سُمع في أروقة المجمع العلمي (العلم النزيه يعلو دائما على الارضيات) هو الشعار الذي بقي يلازمه في حلِّه وترحالِه منذ كتب مقالته الأولى في مجلَّة (النجم) الموصليَّة في بداية ثلاثينيات القرن الماضي بعنوان (مآثر القرن التاسع عشر)؛ أهكذا ينبغي أن تكون عين ميخائيل هي عين المؤرخ الذي يكتب وعينه ترنو إلى البعيد..!

ثلاثة في أعماقه..
وكانوا ثلاثة عاشوا في أعماقه وتخيلَهم ثلاثة لا غير، هم أولئك أدخلوه إلى عتبة الكتابة، وروَّجوا في قلبه رمزية الكتابة:
1- والده حنا بن ججّي بن ألياس بن مراد بن عبد الأحد بن حنا، وعندما توفي سمي (حنا عواد) لأنه كان أول من أدخل صناعة العود إلى العراق واشتهر به في الشرق الأوسط، ثم إمتد لقب (العواد) إلى أولاده وذريته. وهذا الفخر الأبوي شغف به إبُنه ميخائيل وجعل يذكره في مقالاته ومذكراته: (ولنا المجد في ذلك ولنا المجد في صناعة هذا الوتر الشرقي) ولأبيه فخرٌ آخر هو براعته في تجويد فنون الخط العربي ولاسيما في خط النُسخ وإعادة نسخ الكثير من كتب الكنائس بأنامله الرشيقة، ومنها كتاب (تأمُّلات الشهر المريمي) حيث إحتفظ به ميخائيل في مكتبته كدليل على مجد أبيه، عليه وعلى التراث العربي..!
واهتدى والده الي صناعة (العود) إبتداءً من سنة 1890 وصنع ما مجملُه (318) عوداً، ومنها آخر عود صنع في عام 1933 وعلَّقه ميخائيل في إحدى زوايا مكتبته متاملاً فيه كلما رآه وغارقاً في بحر ظِلالِه وهو يتمتم:
(أبي.. ابي: علِّمْني الموسيقي، علِّمني الجمال ومن الجمال عرفتُ كيف أكتب) .
وليست صناعة العود وحدها أُنجزت بين يدي والده، بل صناعة (الجنبر، والقانون)، ثم صنع (الكمنجة) وهي الكمان كما في الغرب، وصنعها من خشب (الجام)، بدلاً من (الماهو كاني) الخشب الأجنبي. وكان لا يكتفي بصنع هذه الآلات الموسيقية فقط، بل يُجيد الغناء واللحن عليها، وتوفي حنا عواد في 1942 وبقي في قلب ميخائيل العزف على أوتار الخيال والطبيعة (بقي والدي حنجرةً تهب لي السماحة..)..!
2- كوركيس عواد (1908- 1992) وهو شقيقه، وتأثيره في ميخائيل أكبر من تأثير والده فيه، لأنه الوحيد الذي علَّمه كيف يكتب وكيف يحقِّق في المخطوطات، ومتى ينبغي أن يكتب المقالة التي تثير الجدل في القراءة، وكان إذا جاء ميخائيل بمقالة إلى شقيقه وقرأها أمامه أعادها إليه (أُكتب كذا ولا تكتب كذا) أو يقول له (أين المصدر..) حتى عرَّفه بأصول البحث وبأصول تفكيك المخطوطة التراثية لأن كوركيس ظليع بمهنته وخبير بأدلة البحث العلمي ويعود إليه فضل تنظيم مكتبات دوائر الدولة ثم إنه علَّم شقيقه ميخائيل قواعد الفهرَسَة الحديثة وأرشَفة المراجع وقراءة (المخروم والمعمي والمحذوف) في عالَم المخطوطات، ومنه أيضاً تعلَّم (الصبر التقني) في فرز الأسماء المتشابهة أثناء تصفيح كُتب التراث..! ومن المصادفات التاريخية الجميلة أنَّ الطبيعة جعلت الشقيقين يتشابهان في كثيرٍ من أمور الحياة ومنها:
أنهما تشابها في الصوت ويأتيك صوتُهما في الهاتف بنبرة واحدة..وأنهما تشابها في الخط وفي رسم الكلمة.. وتشابها في المشي والحركة في شارع أو دائرة).

وتشابها في الهيئة والشكل.. وتجاورا خمسين سنة وتزوجا في مدينة واحدة، الموصل وإسما زوجتيهما واحد، وتزوَّجا في يوم واحد..
وينامان في ساعة واحدة ويبكِّران كذلك. أما في السياسة فقد رفعا شعاراً واحداً:
(الوطن أعلى من التحزُّب) فنجا كل منهما من حبائل السياسة..!
وكانا طوال حياتيهما شقيقين وصديقين في آنٍ معاً، وكانا ينسجمان في كثير من الآراء ولم يختلفا في أمرٍ بعينه ولم يحصل بينهما فتور أو نُفور، وقد تيَّسر لهما أن يعملا معا على تأليف ستة كتب، ويكتبا عشرين مقالة بالإشتراك...

حالات من التشابه في التاريخ
وهناك تتكرر ظاهرة (الشقيقين) في تاريخنا حيث يجمعهما التأليف والتصنيف الواحد ، فقد ظهر (الخالديّان) في العصر العباسي: أبو بكر محمد (ت 380 هـ) وأبو عثمان سعيد (ت 391 هـ) إبنا هاشم بنْ وَعْلة، وفي صدر الإسلام ظهر ثلاثة أخوة شعراء هم: المزرَد بن ضرار والشماخ بن ضرار وجزء بن ضرار وهم من قبيلة غطفان، وهناك أيضاً أبناء الأثير الثلاثة: عز الدين (ت 630 هـ) وضياء الدين (ت 637 هـ) ومجد الدين (ت 606 هـ).
3- الأب أنستاس ماري الكرملي (1866- 1947) وكان هذا الراهب اللغوي الكبير المدرسة الأولى التي تخرَّج فيها ميخائيل، في معرفة القواميس، وفي معرفة أي المصادر أسرع بتعلُّم كنوز التراث، وعندما إلتقاه وهو فتى قال له الأب الكرملي :(أخي في الروح تعال إلى الدير وتعلَّم الحكمة من أفواه الجالسين في مجلسي) وجاء إليه كل جمعة وقبل إنعقاد المجلس ينظِّم مكتبة دير الآباء الكرمليًين ويضع لها فهرساً بحسب إرشادات الأب، وعندما نظَّمها في سنة أهدى له الأب عشرة كتب في اللغة وفي علم التحقيق كانت هي النواة التي سيؤسس عليها مكتبته الشهيرة ثم علَّمه أدب الحوار بين الكبار وأدب قلب الوجه بين الصغار وأشار عليه بدايةً أن يقرأ أمامه مخطوطة وكانت معمّاة، فلم ينهض بها ميخائيل فدلَّه الأب على أسرار قراءة المخطوط وعرَّفه على طريقة مَلء الفراغات وصياغة القرائن فصار ميخائيل منذ عهده الأول بالأب يُجيد صناعة تحقيق المخطوطات. ثم أفاده الأب بكتابة مقالة في النقد ومقالة في جغرافيا الأقاليم وما إن أقبلت مرحلة الأربعينات حتى إستقامت في ميخائيل عُدَّة الكتابة وراح يتنفس في الرسائل المتبادلة بينه وبين كبار كتاب العربية والمستشرقين وبدأت الصحافة تتعامل معه كاي من رواد مجلس الكرملي..!
وإستقلَّ عن الكرملي (لأني بدأت أبحث وأكتب مستقلاً..) وأسس مكتبةً كانت مثار إعجاب روَّاد الثقافة في بغداد، لأنها تُعنى بالمصادر أكثر من عنايتها بالكتب، وهي المصادر التي يُجمع عليها المستشرقون عادة كمًعجم البُلدان لياقوت الحموي تحقيق وستنفلد، وتحفة الأمراء في تاريخ الوزراء لهلال بن المحسن الصابئ تحقيق إمدروز، وكتاب عُيون الأنباء في طبقات الأطباء تحقيق المستشرق أوغست ملر، ونرى أنه كان حريصاً على أن يجمع كتب المستشرقين ظنّاً منه أنها التي تصدق أو أنها التي تقودُه إلى المنهل العذب ولاسيما ما كان منها تلك الكتب المحققة أو المفهرَسة..!

المستشرقون..
ولِولَعه بالإستشراق وبعلميَّة علمائِه وضع في مكتبته خمس أضابير لرسائل المستشرقين منه وإليهم رسائل متبادلة كلها محبة لتراث العراق، يسألونه ويسألهم عن قرىً آثارية في الموصل، وعن أضرحة مندثرة وعن مصير عواصم لإمبراطوريات عراقية مندرِسة، وكان لا يكتفي بالإجابة برسائل قصيرة بل يقرنُها بمجموعة مصادر يشتريها من السوق لكي يعزز أقواله وإجاباته. ومرة أرسل المستشرق الهنغاري ثمن الكتب المرسلة إلى ميخائيل فأعادها ميخائيل إلى المستشرق وهو الحاج عبد الكريم جرمانوس مع رسالة قال فيها (عزيزي العلامة جرمانوس هل تريدون أن تجعلوا ستارة كثيفة بينا وبينكم وما هذه الكتب المرسلة اليكم سوى عربون محبة دائمة..).... وفي أضابيره (200 رسالة) لمستشرقين من أنحاء العالم كافة، أقصرُها بسطرٍ واحد عبارة عن سؤال يوجهه المستشرق الامريكي برنارد لويس إلى ميخائيل عن مكان القرية الأوَّلي التي دُفن فيها شيخ اليزيدية (عُدي بن مسافر) وأكبر هذه الرسائل بطول عشرين صفحة يناقش فيها المستشرق النمساوي كوتشالك ميخائيل عواد حول أثرية الكنائس الأولى في سنجار ودهوك، وكان رد ميخائيل بعشرين صفحة أيضاً وكأنه فيها يتطرَّق إلى نشأة المسيحية في العراق وكل صفحة كان يشفعها بمصدرٍ مثلما يفعل المستشرقون في رسائلهم...!
ومن هؤلاء من كان يطلب كتاباً نادراً ومصدراً يتيماً. ومَنْ يُلِح عليه بزيارة بلده أو جامعته، ويعتذر لهم جميعاً: (ساحققها في وقت مناسب)، وليس هذا صحيحاً بل أنه الخجل يمنعه من الظهور في الأماكن العامة. وكان أكثر الناس إعتزالاً مذ فطرتِه الأولى.

ومن الذين راسلهم وأحبَّ فيهم العِلم والطب
1- البرفسور هـ. ج فارمر (سكوتلندة)
2- البرفسور اسكار لوفكرين (السويد)
3- شارل بيلج (باريس)
4- ريجي بلاشير (باريس)
5- البرفسور ر. ولزر (اكسفورد)
6- البرفسور فور هوف (هولندة)
7- فرنتر روزنتال (نيوها فن).
8- البرفسور أ.س. تريتين (لندن)
9- البرفسور روجر كيلويس (اليونسكو) 10- الدكتورة أنا ماري شميل (المانيا)
وفضلاً على رسائل المستشرقين، إحتفظ برسائل الكتّاب العرب في أضابير خاصة، وهمَّشها بتعليقات طريفة لا تؤذي أحداً، وهي ليست رسائل عواطف متبادَلة فيها شروحات لمواقف أدبية وقعت في مرحلة الثلاثينات والأربعينات. ومن هؤلاء طه حسين والعقّاد والمازني والرفاعي والزيّات وحسن حسني وخير الدين الزركاني ومصطفى الشهابي وعارف النكدي ويوسف أسعد داغر وعمر رضا كحاله، وعمر فروخ وصلاح الدين المنجد ونبيه عاقل وعبد القادر المغربي وزكي المحاسني وناصر الدين الأسد.. إلى آخر قائمة ثلاثمئة رسالة كلها تاريخ وبلدانيات، وشوق وحنين وصراع يثري العقل والوجدان.

في أروقة الماضي الجميل....
وكان لابد لباحث مثله أمسك بقرص الشمس أن يُكرَّم بعضوية المجمع العلمي العراقي فنالها بالإجماع وأُنتخِب في ثلاث لجان رئيسة: لجنة التاريخ ولجنة (معجم الأدب السرياني) ولجنة (اللغة والتراث السرياني) كان ذلك عام 1979 وفيه أخذ يجول في حدائق الماضي في هذا المجمع العريق، بتصفُّح رسائله وأوراقه المطوَّرة، وفي قراءة عشرة ألاف مخطوط مرصوفة في خزاناته حتى خرج بثلاثة أجزاء (كل جزء مجلد كامل) وصدرت (1979- 1983). وأجمل ما في بواطن هذه المجلَّدات حواشي وهوامش ميخائيل التي قرَّب فيها الماضي ألينا بروح الحاضر، حين يقارن زمنا بزمن أو حين يضرب مثلاّ بمثل مضى.. وكان الماضي بين يديه شعلةَ ودٍّ وتراحم...!

آفاقُه في التأليف
أصدر (14 كتاباً) وكلُّها تصُبُّ في موسوعة التراث والحضارة والرجاليّات، وكل كتاب ينقلك الى زمن تراثي تعيد فيه قراءة التاريخ بشكل ما. ومؤلفاته نوعان: تأليف وتحقيق وتبلغ تآليفه (14) وتحقيقه (9 كتب). وأشهر مؤلفاته (الموضوعة):
1- (دير قنّي: موطن الوزراء والكتّاب) طُبع ببيروت 1939، وهو أول كتاب يطبعه ويبحث فيه عن هذا الدير (الأطلال) التي تقع على بُعد ستة عشرَ فرسَخاً من بغداد، على رواية ياقوت الحمَوي، وكأنك تنحدر إلي النعمانية. وإن هذا الدير (كما ذهب ميخائيل) كان إحدى غرسات مار ماري رسول الشرق ثم غدا مثوىً لجسده وأصبح محلاً مقدساً يزوره المسيحيون للتبرُّك. كما أنه أضحى مقبرةً لأجساد بعض الجثالقة خُلفاء ماري. وتشاهَد اليوم على ضفة دجلة اليسري أطلال عمارات قديمة يسمِّيها العامَّة هناك (الدير) ولا يبعد أن تكون تلك الاطلال بقايا دير قني ودير العاقول..
2- (المآصر في بلاد الروم والإسلام) * وطبعه 1948 ويقوم على دراسةٍ في التاريخ الإقتصادي للدول الإسلامية في العصور السالفة. كما أن الكتاب يبحث في تاريخ الموانئ الإسلامية في ديار الشرق الأدنى وشمالي إفريقيا، وتتجلّى فيه صفحة مجيدة من تاريخ الأسطول العربي، ويعطف على أبحاث تمُتُّ بصلة وثيقة إلى الضرائب والعُشور...
* وفي اللغة: المأصَر:، جمعه المآصِر : محبس السفينة يُمَد على طريق أو نهر أو ميناء يؤصَر به السفن والسابلة ليؤخذ منهم العشور، أو لمنعهم من إحتلال البلد، وكانت على نهر دجلة جملة مآصر مبثوثة بين بغداد وتكريت وبين بغداد وجنوبها.
أما أبرز وأهم كتبه المحقَّقة فهو كتاب (رسوم دار الخلافة) وصدر 1964 ولأهميته فقد قررت اللجنة الدولية في اليونسكو إضافته إلى السلسلة العربية في (مجموعة الروائع الإنسانية. العالمية) وقد تُرجم إلى لغات شرقية وغربية. والكتاب من تـليف هلال بن المحسن الصابئ (359- 448 هـ) وقدَّم له ميخائيل بـ (75 صفحة) (206 النص) وجوهر الكتاب :شرح وتحليل لمعنى الرُسوم التي هي مجموع العادات المتَّبعة في مقابلة الناس أو ما يُعرَف بـ (اتكيت) أو مجموع الإحتفاء بالناس في أمور السياسية. وهذا ما يُعرف بلفظة (بروتوكول). والكتاب بمجمله نزهة في تاريخ محتذىً به...!
واجتهد زمناً طويلاً ولم يطلب شيئاً وكان يقول
(لا تذكر حسناتي واذكر الوسط فأنا بالوسط ترعرعتُ وكتبتُ ثم صلَّيتُ)،
وكان يصلّي بعيداً عن صخب الحياة الدنيا، وينثُر ماءَ الورد على وجوهٍ تبتسم ولا تحزن فرائدُه المحِبة وهاجسه أن يفنى بين الكتب وهو الفناء الخالص قربَّه إلى التاريخ وليس زُلفى.
وعندما أغمض عينيه على إنجيل وعلى رائحة الناقوس تذكرتُه ومازلت....!