الدين والعلم

الدين والعلم

ألبرت اينشتاين ....ترجمة: عمار كاظم محمد
كل شيء تسابقت من اجله البشرية قد تم فعله، واعتقد أنه متصل دائما بإرضاء الشعور بالحاجة وتسكين الألم وعلى المرء أن يحتفظ بشي ثابت في عقله وهو انه إذا تمنى المرء أن يفهم الحركات الروحية وتطورها فان المشاعر والرغبات هي القوى المحفزة وراء كل المساعي و الخلق الإنساني مهما يظهر ممجدا وهو يقدم نفسه إلينا.

والآن ما هي الحاجات والرغبات التي قادت الرجال إلى الأفكار الدينية والاعتقاد الديني بالمعنى الواسع للكلمة؟ إن قليلا من التأمل كاف ليرينا أن الأنواع المختلفة من العواطف هي التي تتسيد ولادة الفكر والتجربة الدينية، فبالنسبة للإنسان البدائي كان الخوف هو الحافز الذي يستدعي الأفكار الدينية مثل الخوف من الجوع والخوف من الوحوش البرية والمرض والموت، ففي هذه المرحلة من الوجود ألسببي كانت الروابط في العادة تتطور بشكل سيء والعقل الإنساني يخلق لنفسه تقريبا كائنات مماثلة بشكل أو آخر تتوقف على مشيئتها و فعلها ذلك الخوف.
وهدف المرء هو ضمان إحسان تلك الكائنات عن طريق القيام بالأعمال وعرض التضحيات طبقا للتقاليد التي توارثتها الأجيال من اجل استرضائهم ودفعهم للتعاطف مع كونهم فانين، وأنا أتكلم الآن عن دين الخوف، هذه الأفكار كما اعتقد لم تخلق لكنها مرحلة مهمة استقرت بعد تشكيلها من طائفة الكهنة التي وضعت نفسها كوسيط بين الناس وبين القوى التي يخافونها ونصبوا بذلك هيمنتهم على قاعدتها (من الناس).
في الكثير من الحالات كان القادة والحكام الذين يعتمد منصبهم على عوامل أخرى يفتشون عن الطبقة المميزة من الكهنة ليدمجوهم بسلطتهم العلمانية لكي يحظوا بأمان أكثر في النهاية أو ربما كان القادة السياسيين والكهنة يعملون سويا من اجل مصالحهم المتبادلة.
المشاعر الاجتماعية كانت مصدرا آخر من مصادر بلورة الدين، فالآباء والأمهات وقادة المجتمعات الكبيرة فانون ومعرضون للخطأ، فالرغبة بالتوجيه، والحب هو ما يحث الرجال لتكوين المفهوم الاجتماعي والأخلاقي للرب، فهذه هي العناية الإلهية لرب يحمي وينظم ويعاقب فهو الرب الذي من وجهة نظر المؤمن يحب ويعز حياة القبيلة أو الجنس البشري أو حتى الحياة المجردة بحد ذاتها فهو المعزي في الحزن والرضا وهو الذي يحفظ أرواح الموتى ذلك هو المفهوم الأخلاقي والاجتماعي للرب.
وتصور الكتب اليهودية المقدسة هذا التطور من دين الخوف إلى الدين الأخلاقي على نحو جدير بالإعجاب والذي استمر من خلال العهد الجديد. فأديان كل الشعوب المتحضرة خصوصا شعوب الشرق هي أولا وقبل كل شيء ديانات أخلاقية، فهذا التطور من ديانة الخوف إلى الديانة الأخلاقية هي الخطوة العظيمة في حياة الأمة.
تلك الأديان البدائية مستندة كليا على الخوف واديان الناس المتحضرين مستندة تماما على المبادئ الأخلاقية وهو تحامل ضد كوننا أنانيين تجاه أنفسنا والحقيقة إن كل تلك الأنواع من الديانات هي وسيطة وبمثل هذا التحفظ فان الديانة الأخلاقية هي التي تسود في المستويات العليا من الحياة الاجتماعية وهو ما يشيع في كل تلك الأنظمة من المفهوم المتشابه للرب.
يبقى فقط الأشخاص ذوو الهبات الاستثنائية والمجتمعات ذات الوعي العالي جدا، بصورة عامة، يستشعرون بكل حقيقي بشكل ابعد من هذا المستوى.
هناك حالة ثالثة من التجربة الدينية وهي تعود للجميع على الرغم من أنه من النادر أن تجدها بشكل صاف، وأنا ادعوه الشعور الديني الكوني ومن الصعب جدا أن اشرح مثل هذا الشعور لمن لا يمتلكه أصلا خصوصا مع عدم وجود تصور تشبيهي للرب ممكن أن يقابله حيث يشعر الفرد بعدمية رغبات الإنسان و أهدافه لكن السمو يتمثل لديه فيما يتكشف في عالم الفكر والطبيعة حيث ينظر إلى الوجود الفردي كما لو كان سجنا ويريد أن يجرب الكون كليا كمغزى واحد وتظهر بدايات الشعور الديني الكوني في المراحل المبكرة التي سبقت التطور وهو ما يتجلى كمثال في مزامير داود ولدى بعض الأنبياء كما تعلمناه من الكتابات الرائعة لدى شوبنهور بشكل خاص حيث تحتوي على عناصر كثيرة من هذا.
لقد تميز العباقرة الدينين على مر العصور بهذا النوع من الشعور الديني الذي هو ليس بعقيدة ولا يتمثل بوجود الله في صورة إنسان لذلك لا يمكن أن تكون هناك كنيسة تعتمد تعاليمها المركزية على هذا ولذلك فإننا نجد من بين الناس في كل العصور رجالا قد ملئوا بأرفع أنواع الشعور الديني وفي معظم الحالات أيضا اعتبرهم معاصريهم كملحدين وفي أحيان أخرى كقديسين وفي ضوء هذا المثال يمكن أن نرى رجالا مثل ديموقريطس وفرانسيس و اسبينوزا ونشعر بقرب احدهم إلى الآخر فكريا.
كيف يكون هذا الشعور الديني الكوني متصلا من شخص لآخر وهو لا يسبب الفكرة المؤكدة للرب ولا يوجد علم اللاهوت؟ في رأيي، أن الوظيفة الكبرى للفن والعلم هو إيقاظ هذا الشعور وإبقائه على قيد الحياة لدى أولئك القادرين على الإحساس به.
هكذا يمكن أن نصل إلى أن مفهوم علاقة العلم بالدين هي علاقة تختلف جدا عن تلك العلاقات العادية وعندما يتأمل المرء ذلك من الناحية التاريخية يميل إلى الاعتقاد بأن العلم والدين خصمان لسبب واضح جدا وهو أن الإنسان الذي يقتنع كليا بفكرة السببية لا يستطيع أن يفكر لحظة في أن يكون هو من يعترض سير الحوادث إذا كان يؤمن جديا بهذه الفكرة. فهو لا يستخدم دين الخوف وعلى نحو متساو ولكن بشكل اقل بالنسبة للدين الاجتماعي والأخلاقي. فالرب الذي يعاقب و يكافئ لا يمكن تصوره بالنسبة إليه لسبب بسيط لأن أعمال الإنسان محددة بقانون الضرورة الداخلية والخارجية لذلك فانه غير مسئول في عيني الرب بقدر كون الجسم الغير متحرك مسئول عن الحركات التي تمر به لهذا يتهم العلم دائما بتقويض المبادئ الأخلاقية، لكن التهمة ظالمة.
فسلوك الإنسان الأخلاقي يجب أن يستند بشكل فعال على التعاطف والتعلم والروابط الاجتماعية وليس بالضرورة على الأسس الدينية، فالإنسان حقا سيغدو على نحو فقير إذا كان لزاما عليه أن يحدد بالخوف والعقاب والأمل بالفوز بعد الموت لذلك من السهل أن نرى دائما أن الكنيسة حاربت العلم واضطهدت محبيها.
من ناحية أخرى ازعم أيضا أن شعور الدين الكوني يمثل التحريض الأقوى والأكثر نبلا نحو البحث العلمي لأنه فقط أولئك الذين يدركون مقدار الجهود الكبرى وقبل كل شيء الإخلاص في عمل الرواد لمتطلبات العلم النظرية يعرفون مقدار العاطفة في عمل قاموا بانجازه بمفردهم كما لو كان من الحقائق الفورية التي يمكن أن تكون من شؤون الحياة.
يا له من إيمان راسخ بعقلانية الكون ويا له من اشتياق للفهم اللذان هما مجرد انعكاس واهن للعقل الذي يظهر في هذا العالم.
فقد كان على كبلر ونيوتن أن يتمكنا من قضاء سنوات من العمل الفردي في حل مبادئ الميكانيكا العليا فأولئك الذين هم على معرفة بالبحث العلمي يشتقون من نتائجها العملية سهولة التطور في فكرة خاطئة جدا في عقلية رجال كانوا محاطين بعالم متشكك، فقد بينوا الطريق لأولئك الذين تتشابه عقلياتهم معهم رغم تشتتهم على الأرض وعبر القرون.
وهناك فقط من كرس حياته لنهاية متشابه يمكن أن يكون لديه إدراك حي لما الهم أولئك الرجال وأعطاهم القوة لكي يبقوا مخلصين لأغراضهم على الرغم من مما لا يحصى من الفشل.انه شعور الدين الكوني هو ما يعطي أولئك الرجال القوة في هذا المجال و قد قال المعاصرون انه ليس من العدل في العصر المادي الذي نعيش فيه يكون فيه العاملون الجادون في العمل العلمي هم مجرد ناس متدينين بشكل عميق.
في دين العلم ستجد من الصعب أن واحدا من تلك العقول العلمية العميقة دون شعور ديني غريب من صنعه هو كونه مختلف عن دين الرجل الساذج ففي الختام الرب هو من بعنايته ننعم ومن عقابه يخاف المرء و التسامي بالشعور يشبه ذلك الذي لدى الابن تجاه أبيه في أن يكون لديه الإخلاص له في بعض الأحيان علاقة شخصية ملونة بالرهبة على أية حال، لكن العالم مأخوذ بالإحساس بالأسباب الكونية.
المستقبل بالنسبة له مهما كان ضئيلا فهو كالضرورة ومحدد كالماضي ولا يوجد ما هو سماوي فيما يخص المبادئ الأخلاقية فإنها قضية إنسانية تماما.