احمد سالم حاول الانتحار قبل ان يموت!

احمد سالم حاول الانتحار قبل ان يموت!

قال الدكتور عبد الله الكاتب ان احمد سالم كان يردد وهو على فراش الموت اسماً واحداً.. هو اسم"علي أمين".
كان يطلب علي امين باستمرار ويصر على استدعائه، لانه يريد ان يقول له خبراً مهماً.. خبراً يريد ان تسبق به اخبار اليوم وآخر لحظة باقي الصحف!


وكان الخبر هو ان"احمد سالم يموت"! وفي هذا المقال يروي علي امين قصة الخبر وصاحب الخبر.

بداية النهاية!
في منتصف ليلة الاربعاء 21 اغسطس/آب أحسّ احمد سالم بآلام شديدة في معدته عقب خروجه من رواية سينمائية ذهب لمشاهدتها..
واستدعى صديقه الجراح الدكتور اسماعيل السباعي فقال انه المصران الاعور!
ونقل الى عيادة الدكتور والكاتب الذي رأى ان يكون التخدير موضعياً لان هناك رصاصة في رئة احمد سالم، ويخشى اذا خدر تخديراً كليا ان يصاب بالتهاب رئوي..
ولكن احمد سالم قال انه اذا لم يخدر تخديراً كليا فسيموت.. وانه واثق من انه اذا خدر تخديرا موضعياً فسيصاب بصدمة اثناء العملية يموت بعدها..
وقال اصدقاء احمد سالم: انه اجرى عملية بسيطة في عينه منذ ايام وخدر تخديرا موضعيا فلما افاق اغمي عليه لمدة ساعتين وهكذا خدر احمد سالم تخديرا كاملا واجرى له الدكتور الكاتب عملية ازالة المصران في عشر دقائق، واتخذ جميع الاحتياطات لمنع اصابته بالالتهاب الرئوي فحقنه بالبنسلين والستربتومايسين..
ولكن كان هناك احتمال واحد في المليون ان يكون هناك مكروب لا يشفيه البنسلين والستربتومايسين. وشاء حظ احمد سالم ان يتسرب هذا الميكروب الواحد في المليون الى رئته.

شبح الموت.. يذهب ويعود!
وعقب ذلك اصيب بجراح في الرئة، وسهر الكاتب واسماعيل السباعي الليالي الطوال يطاردون شبح الموت من فراش احمد سالم.. ولكنه كان يذهب ساعة ليعود من جديد!
وكان احمد سالم يرى هذا الشبح... واستدعاني احمد سالم الى فراش موته وهمس في اذني:
- انني اريد ان تسبق"اخبار اليوم"بخبر موتي! اريد ان تنقلني الآن الى بيتي لأموت فيه ثم تكتب الخبر!
كان يبتسم وهو يروي لي هذا الخبر المحزن.. فضحكت وقلت له:
- هذا خبر كاذب ونحن لا ننشر الاخبار الكاذبة! فقال:
- لا تظنني مجنونا.. انه اهم"اخبار الغد"!
حاول الانتحار!
وفي ليلة الجمعة قام ليلقي بنفسه من نافذة المستشفى فامسك به التمرجي واعاده الى فراشه.
وراح احمد سالم يصيح:
- اريد علي امين.. اريد محمد حسنين هيكل ليكتب عني ريبورتاج.. سيكون هذا اهم ريبورتاج..

كيف مات احمد سالم!!
لقد اراد احمد سالم ان ينتحر ليسبق الموعد الذي حدده الموت!
الخبر يتحقق..!
والآن وقد تحقق الخبر.. الخبر الذي كذبته لما سمعته من احمد سالم، اجد القلم يتعثر في يدي!
يتعثر لانه لا يصدق ان الحياة يمكن ان توصف بالموت!
فلقد كان احمد سالم كتلة من الحياة والحيوية والحركة، كان كقطعة الفلين اذا دفعتها في قاع الماء عادت لتطفو على السطح!
لما خرج من محطة الاذاعة، قال الناس انه انتهى ولكنه عاد ولمع من جديد.
ولما خرج من بنك مصر اجمع الناس على انه انتهى ولكنه اصبح اكثر لمعانا..
ولما خرج من السجن بعد قضية الخوذات قال الناس: لن تقوم له قائمة.. ولكنه قاوم الحوادث ونجح ولمع وسطع، ولما اصيب بالرصاص في حادث أسمهان قال الاطباء: انه قد مات!
ولكنه قاوم الموت وعاش.ولما فشلت احدى رواياته قيل ان احمد سالم قد انتهى.. ثم ظهر انه قد بدأ يلمع ويسطع من جديد..
وهكذا كانت قطعة الفلين تطفو دائما على سطح الماء!
ولكن شبح الموت في هذه المرة استطاع ان يقنع احمد سالم بانه سيموت.. فاستسلم لاول مرة في حياته للقدر!
اسم لا يموت..
ولكن اذا كان جسم احمد سالم قد مات، فان اسمه لا يمكن ان يموت!
ان اسمه سيطفو دائما على سطح الماء ليثبت للشباب ان الفشل ليس نهاية الشاب ولكنه بداية النجاح.
ان اخطاء احمد سالم كثيرة.. ولكن مزاياه اكثر.. ولولا هذه الاخطاء لكان اليوم مليونيراً او وزيراً.. ولولا هذه المزايا لعاش حياته كغيره من الشبان ضحية الفشل الاول.
الرواية الخالدة
ان وفاة احمد سالم مأساة عادية قد ينساها الناس، ولكن حياته ستبقى رواية خالدة سيسجلها الشعراء والكتّاب في يوم من الايام!

علي أمين

آخر ساعة/أيلول- 1949