الجمال في زمن القبح ..غياب القيمة

الجمال في زمن القبح ..غياب القيمة

يرى كتاب« الجمال في زمن القبح.. من بيوت التجميل إلى بيوت العبادة»، لمؤلفه د.ملاك نصر، أن الجمال قيمة مهمة جدا وممارسة عملية جدا في حياتنا اليومية، وليس مجرد فكرة نظرية أو فلسفية بعيدة عن الواقع، وأنه أصبح احتياجا ضروريا بل وحقا مشروعا لدى الناس في عصرنا القبيح، لأن الجمال على أرض الواقع وفي التعاملات اليومية هو احتياج إلى الشعور بالقيمة والقبول من الآخرين والحب المتبادل معهم، وهو أيضا الشعور بالتأثير في الآخرين بالجاذبية والشكل.


الأمر الذي يشكل دعوة مفتوحة إلى الانصات إلى تلك الاحتياجات الانسانية لدى الانسان دون الادانة المسبقة في بحثه الدائم عن الجمال، أي عن الحب والقبول والتأثير في الآخرين، مع الفهم والتفهم لذلك الاحتياج المتصاعد نحو الجمال.
ويشير المؤلف إلى أن هناك هوة عظيمة بين بيوت التجميل وبيوت العبادة، مؤكدا أن هذه الهوة صناعة الثقافة المعاصر والاعلام وبعض التيارات المحافظة، وهي أيضا ـ في رأيه ـ هوة سحيقة تفصل بين أجسادنا من ناحية وأرواحنا ونفوسنا من ناحية أخرى، فصرنا في بعض الأحيان أجسادا رشيقة فقط ووجوها ذات مساحيق ملونة، وأحيانا أخرى نفوسا فقط تتجمل بشتى الطرق، لأن الوجه قبيح والنفس أيضا ـ وأحيانا ثالثة أصبحنا شخصيات هائمة في بيوت وعيادات التجميل تبحث عن جمال الوجه بينما الروح والنفس هما الأولى بالتجميل والجمال.
ويحاول المؤلف الوقوف بالعقل أمام ظاهرة يرى أنها جديدة وهي "ظاهرة السعي المحموم من العالم أجمع إلى الجمال ـ جمال الوجه والجسد، ليس نساء فقط، لكن رجالا أيضا، وكأن عصرنا قد اختار البحث المحموم عن الجمال، لأنه عالم يسعى إلى إخفاء القبح المحيط بنا، بالرغم من كم التجميل المتفشي في العالم أجمع ولاسيما المنطقة العربية."
ويتلمس المؤلف في تتبعه ورصده وتحليله لهذه الظاهرة العون من علوم مختلفة كعلم النفس واللاهوت والفلسفة والنقد السينمائي وعلم الدلالة وغيرها، مع اتخاذه لنموذجين أو أيقونتين في الجمال أو امرأتين تأتيان من عالمين مختلفين: عالم الروح «شولميث» بطلة قصائد سفر نشيد الانشاد ـ النشيد الأشهر في الحب الرومانسي والعلاقة الحميمة بين الزوجين وحانية الراقية إلى حد التصوف، وعالم الدنيا «سندريلا» بطلة القصص الخيالية الشهيرة والمثال الأشهر للجمال المقهور.
ويسعى المؤلف إلى اكتشاف الارتباط والتشابه بيين الشخصيتين أو الايقونتين في الجمال، بالرغم من كونهما من عالمين مختلفين ونصين مختلفين تماما.
ينقسم الكتاب إلى ستة فصول وخاتمة، حيث يتطرق إلى العلاقة بين الجمال وثقافتنا الشائعة، وإلى ماكينات الجمال التي تحول الجمال إلى سلعة، يجري تصنيعها بأدوات وإبداعات تلك الثقافة.
ويقول المؤلف : لم يعد أحمر الشفاه ـ بفعل الإعلانات والدعايات التجارية، مجرد لون جميل لتغطية الشفاه، بل أيضا لتغطية الاحساس بالنقص داخل النفس، وصارت كريمات إزالة تجاعيد البشرة علاجا مفتوحا لتجاعيد النفس، وتحول السيلكون إلى مادة سحرية تملأ فراغات الشخصية، فكيف يحدث ذلك ليل نهار في حياتنا اليومية؟ وما تأثير ذلك على نفوسنا وفكرتنا عن أنفسنا بل وعلاقاتنا الاجتماعية؟
ويسأل المؤلف السؤال الذي يسأله الجميع: ما الجمال؟ وقبل أن يجيب يلوذ باللغويين والمفكرين والأدباء والفلاسفة، بل واللاهوتيين الذين انشغلوا ونظروا بيل واختبروا على المستوى الشخصي العلاقة بيين الايمان والجمال، حيث جمال الايمان والايمان بالجمال ـ الجمال في الطبيعة والوجوه والمخلوقات وكذا الصفات الالهية، فالله هو الجمال الأعلى، فإن كان الله هو الحق وهو الخير فهو أيضا الجمال.