التركية إليف شافاك: جذوري في الهواء

التركية إليف شافاك: جذوري في الهواء

محمد خضر
ولدت إليف شافاك الروائية التركية في ستراسبورغ فرنسا عام،1971 وأمضت وقتا من حياتها في إسبانيا قبل أن تعود لتركيا مرة أخرى. إليف شافاك أصدرت إلى الآن 5 روايات كان آخرها ''قديس الجنون الأول'' وقد كتبتها باللغة الإنجليزية ونشرتها دار فارار ستراوس اند. شافاك هي كذلك عالمة في الاجتماع وقد حازت على شهادتها من جامعة الشرق الأوسط التقنية وحصلت على الماجستير في دراسات المرأة والجنوسة،

وقد اهتمت إليف شافاك بدراسة الاسلام والحداثة وثقافة الشرق الأوسط وكتبت دراسة عن الاسلام والمرأة والتصوف بعنوان ''هدم الأنوثة بالفهم المقولب للدراويش في الاسلام''. ودرسّت شافاك ''تاريخ الدولة العثمانية'' و''تركيا والهوية الثقافية'' و''المرأة والكتابة'' في جامعة بلجي باستانبول وهي تعمل حاليا مساعد في قسم دراسات الشرق الادنى بجامعة أريزونا في الولايات المتحدة الأميركية.
تقول إليف شافاك عن سيرتها الذاتية: ولدت في فرنسا وبعد انفصال والديّ عدت الى تركيا مع أمي. وحقيقة أن امي انشأتني بمفردها ترك ذلك أثرا عميقا على شخصيتي وكتاباتي. في مجتمع أبوي مثل تركيا تعتبر تجربة متميزة ألا تنشأ وسط عائلة ممتدة بل أن تنشأ عن طريق أم وحيدة. عندما كنت في حوالي التاسعة او العاشرة أصبحت أمي دبلوماسية وبعد ذلك انتقلنا إلى مدريد أسبانيا وعمان الأردن وكولن في المانيا مع بعضنا. في البداية كانت الكونية هي حالة طفولتي، وفي وقت ما أصبحت خيارا شخصيا بالنسبة لي. اخترت أن أعيش حياة مواطنة عالمية وتقريبا بدوية''...

العودة إلى الجذور

عندما جاءت إليف شافاك إلى تركيا عادت مرة أخرى لتغادرها، وعن ذلك تقول شافاك: ''عندما قدمت إلى تركيا كان هناك شيئان لاحظتهما فورا. الشيء الأول الذي صدمني كان نفوري من اللغة. ليس بمعنى إني نسيت التركية ولكن لأنني أبعدت عن لغتي الأم، ابتعدت بما يكفي لكي ابدأ بسماعها بطريقة مختلفة، لكي ابدأ بسماع نغمتها وانحرافاتها وحدتها. الأشخاص الذين لم يخطو خارج اللغة ولدوا بدون سبب ليخافوا من أن يفقدو لغتهم الأم. لم يكن هذا هو الحال معي. أعلم كيف يكون الشعور بالخوف من الشيء الأكثر جوهرية بالنسبة لك: لغتك الأم. لم أكن أملك ترف أخذ اللغة كأمر مسلم به وعلى المدى الطويل ساعدني هذا النقص على إثراء خلفيتي اللغوية. لقد بدأت أولي اللغة اهتماما أكثر. كنت فضولية وأمضيت الكثير من الوقت في دراسة تاريخ اللغة التركية ودراسة العثمانية، ومطاردة التعابير والعبارات القديمة. لطالما سحرت من اللغة فأحيانا تتطلب أن تكون غريبا لتلاحظ الأشياء التي يفشل الناطقون باللغة بملاحظتها بسبب أخذهم اللغة كأمر مسلم به''.
وتتابع شافاك: ''الأمر الآخر الذي حدث لي عند قدومي إلى تركيا كان وجوديا أكثر. إحساس أعمق بالنزاع. أدركت إني أشعر كمواطنة وكأجنبية في نفس الوقت. أصبحت مواطنة أجنبية ومنذ ذلك الحين ربما تحول الشعور هيكليا ولكنه لم يختلف تماما''.
وتقول إليف شافاك عن حياتها في أميركا وشعورها هناك بين الغربة والهجرة وشعورها أنها جزء من تاريخ قد تسجله لاميركا ومدى صعوبة أن تكتب بلغة انجليزية مباشرة: ''هذا من المفارقات لكن إحساسي بأني دخيلة ومتأخرة ومواطنة أجنبية في تركيا خمد عندما أتيت إلى الولايات المتحدة حيث أنا أجنبية بالفعل. من السهل نسبيا أن تتعامل مع ''كونك غريب في وطن غريب'' من أن تكون ''غريبا في وطنك'' في كلا الحالتين أجدني مجبرة على الإحساس باللاانتماء والفقدان أينما أكون. انا غير منتمية في اسطنبول وأيضا غير منتمية في الولايات المتحدة. ربما لا يوجد شيء اسمه انتماء بالنسبة لي. في الوقت الذي توقفت فيه عن التساؤل عن مقر انتمائي. أدركت انني انتمي لعدة أماكن في نفس الوقت. ووفقا لمقولة إسلامية بأن هناك شجرة في الجنة ليست لها جذور في الأرض وإنما جذورها تكون حيث ينبغي أن تكون فروعها. هكذا أشعر أنا. ليست لدي جذور في الارض ولكن جذوري في الهواء. ومن هذا المنطلق فإنني مرتبطة بتركيا والولايات المتحدة على حد سواء.

شرقية وسط العاصفة

وتقول إليف شافاك عن تأثير أحداث 11 سبتمبر عليها وعلى غيرها من النساء التركيات في الولايات المتحدة: ''بالرغم من أن المرأة التركية ليست عربية، فإن الهويات أصبحت هي الاكثر أهمية في الولايات المتحدة بعد أحداث الحادي عشر من أيلول، وككاتبة فأنا اشعر بثقل هذا الأمر دائما. هنا اذا كنت كاتبة من الشرق الاوسط هذه علامة ثابتة عليك بعدها المتوقع منك هو ان تكتبي عن مشكلة كونك امرأة وكاتبة من الشرق الاوسط فقط''.
وتضيف: ''غالبا ما ينسب الاميركيون لك علامة ثم تسير هويتك امامك، ومن ثم فإن جودة كتابتك تأتي في الخلف في أعينهم. هم يحاولون ان يحصروك في فئة معينة. في اميركا العديد من القراء والنقاد يعزون لأدب القصة مهمة وهذا ما اجده متعب. القصة في نظري تتطلب العكس القصة بالنسبة لي هي القدرة على تجاوز نفسك الى شخص آخر، أن تتخيل، أن تكذب، أن تحلم، أن تسافر، أن تحوّل وتدع نفسك تتحول. فمثلا آخر رواية لي هي عن طالبة تركية في الولايات ولكن في نفس الوقت هي عن امرأة أميركية نصف يهودية مثقفة وانتحارية ومثلية. أنا لا أؤلف ما يريده السوق مني: قصص المحجبة وكيف انها مضطهدة! شيء آخر هو ان الكثير من الاميركين للأسف لا يعرفون الكثير عن الشرق الاوسط. فقط هم يرون بأنها منطقة موحدة التضاريس. هم لا يفرقون بين تركيا ودعنا نقول، السعودية مثلا. لذلك يتعين علي النضال ضد الكثير من التحيزات لأنني أتيت من دولة شرق أوسطية ومسلمة في أعينهم.
إليف شافاك وبعد الأزمة الكبيرة التي أحدثتها روايتها ''ابن حرام في استانبول'' والتي لم تترجم إلى الآن الى اللغة العربية والى لغات أخرى تستعيد نشاطها من خلال الكتابة النقدية وإكمال بحوثها في قضايا الانسان في منطقة الشرق الأوسط.