ســتندال.. القراءة المتأملة

ســتندال.. القراءة المتأملة

حسين علي يونس
حين كتب ستندال روايتيه العظيمتين "الاحمر والاسود" و"المنزل الريفي" في بارم لم يكن يوجد من يعتقد باهميته كروائي اذ كان يمتهن العمل الدبلوماسي وكتابة النقود التي هي من ضمن اختصاصه متمثلة بالموسيقى والرسم. فتلك كانت حدود تطلعاته التي واظب عليها منذ نشأته والى ان كتب تلك الروايتين الخالدتين بصرف النظر عن تلك المحاولات التي عدها غير مهمة من مثل رواية "لوسيان لوفان" و"ارمانس" و"حياة هنري برلاد".


وهي من محاولات شبابه التي اسدل الستار عليها سنوات طويلة. لو لم يكتب له النجاح المتواضع الذي حصل عليه بعد نشر رواية "الاحمر والاسود" ولكانت بقيت طي النسيان فهذا الروائي الذي كان مفخرة الرواية الفرنسية في كل الازمان والذي كان يكبر بالزاك بست عشرة سنة وكان يعيش في عصر سان بيف وفكتور هيغو وشاتوبريان. وميرميه والذي عد بلزاك عدم معرفته بالنحو مثلبة كان فيما بعد اكثر هؤلاء اهمية وصيتا وتأثيرا رغم انه لم يحصل على الاعتراف الرسمي به ككاتب كبير ولم يتم النظر في طلبه بالانضمام الى الاكاديمية الفرنسية وكان يفكر ربع ساعة قبل ان يقرر كيف يضع الصفة قبل الموصوف او بعده وهكذا كان سعيدا بالمديح الذي وجهه له كاتب اكثر منه شهرة واقل منه عمرا ودونه مهارة بالتأكيد لم يكن الا ستندال الاحمر الذي كان نصيرا للجمهورية ولنابليون قبل ان يكون امبراطورا وكان نتيجة لذلك يكسب بسهولة عداء عصره عبر فكتور هيجو وسانت بيف وغيرهم الكثير. يتناول الكاتب العراقي المغترب الدكتور علي الشوك بكتاب نصف موضوع ونصف مترجم.
صدر مؤخرا عن دار المدى في مئتين وثلاثين صفحة احتوى الكتاب على فصلين هما اعادة اكتشاف ستندال وستندال باقلام الاخرين تناول فيها المؤلف عصر ستندال وحياته ومؤلفاته كذلك اهتم بعرض مواهبه في مجالي اهتمامه بتاريخ الموسيقى والفن التشكيلي وقد تضمن الكتاب تعليقات لكل من بلزاك هيبوليت تين ، سان بيف اميل زولا. ليون بلوم ،فكتور برومير ارفنج هاو ، وبيتر بروكسل ، مارتن ترنل وغيرهم.
ركز الكاتب على رواية "الاحمر والاسود" التي عدها ابرز الروايات التي انجزت في العالم اضافة الى "الحرب والسلم" و"يوليس" و" الباحث عن الزمن المفقود"و الاخوة كارامازوف" وكبرياء وهون". تحدث المؤلف عن ذكرياته حين كان يقطن في بغداد واجرى مقارنة بين رواية "المنزل الريفي في بارم" و"الاحمر والاسود" في حين عد سومرست موم وكذلك اندريه جيد "الاحمر والاسود" هي الرواية الاكثر اهمية اعتبر بلزاك ان "المنزل الريفي" رواية ملهمة هذا التفاوت في وجهات النظر اعتبره الشوك مدخلا لدراسة ستندال جعله في المحصلة النهاية يحطظى برائعتين عوضا عن رواية واحدة لم يكن ستندال روائيا عظيما فحسب كان واحدا من المثقفين الكونيين الذين نظروا الى منجزات العقل البشري ضمن سياق واحد دون تمييز فقد كان يفضل شكسبير الانكليزي على راسين ابن جلدته والف ليلة وليلة على ما عده من الكتب.
هذا الروائي الذي لم ينل رضى سانت بيف عده هذا الاخير ناقدا مهما لم يوفق في كتابة الرواية. اما دبلا كروا هذا الفنان الكبير الذي كان يستخف باراء الهواة من رجال الادب بفن الرسم فقد كان يقدر كتابته عاليا وقد دون في دفتره مقتطفات من تاريخ الفن في ايطاليا لستندال وفي مقال لهذا الاخير عن مايكل انجلو وصف ديلاكروا شرح هنري بيل الاسم المستعار لستندال للوحة يوم الدينونة بانه من اكثر الكتابات التي عرفها قوة وشاعرية كما اطرى بحرارة على فصله عن العشاء الرباني لليوناردو يعتبر هذا الكتاب امتدادا لمصنفات علي الشوك الملفتة للنظر متمثلة بـ(الاطروحة الفنطازيا) (تاريخ الموسيقى) (الدائراتية) (قصائد الحب السومرية) (كيمياء الكلمة) (الموسيقى الالكترونية) (الاساطير) وغيرها الكثير.تناول الكتاب احد فرسان الرواية الفرنسية الحديثة الذي ترك بصمات خالدة لا تزال مستمرة الى الآن رغم مرور قرنين من الزمن على رحيله عرف بغرابة الاطوار ومساندته للجمهورية وايمانه بالمساواتية والتواضع.