مقاهي الناصرية وحكاية الزعيم عبد الكريم

مقاهي الناصرية وحكاية الزعيم عبد الكريم

■ عوني حامد حسين
المقاهي كثيرة في مدينة الناصرية (ايام زمان) فما بين شارع وشارع هناك مقهى.. وكثرة المقاهي تعني ان البطالة كبيرة بين سكانها، وفعلا كانت البطالة سمة المدينة لاسباب معروفة .. اذ لا وجود للمشاريع العمرانية والانتاجية والخدمية التي تتيح فرص العمل للناس بسبب الواقع الاجتماعي والاقتصادي والصحي والعلمي المتردي.. انذاك ـ لذا كان التسكع في الطرقات والمقاهي ظاهرة عامة وكبيرة لقضاء الوقت في حياتهم..


وكانت المقاهي تسمى باسماء مهن وحرف روادها.. فهناك مقهى التجار ومقهى السواق ومقهى البنائين ومقهى المطيرجية ! ومقهى الادباء ومقهى الفنانين ومقهى العبايجية ومقهى الكسبة ومقهى الصعاليك والمعقدين ومقهى (المفاطير) في شهر رمضان المبارك اضافة الى مقهى باب الشطرة (للمسافرين الى الشطرة، الرفاعي، الغراف، الفجر) ومقهى سوق الغنم (لباعة الاغنام).
من جانب اخر كانت بعض المقاهي في المدينة مراكز استقطاب في نشر الوعي السياسي والوطني واماكن تجمع للانطلاق بالتظاهرات الوطنية والسياسية، ضد هيمنة الاستعمار على البلد في تلك الفترة الزمنية من تاريخ العراق المعاصر.. علاوة على ان بعض المقاهي كانت عبارة عن منتديات ادبية وثقافية وفنية واجتماعية.. فاغلب روادها كانوا من الادباء والمثقفين والفنانين الذين كانت لهم بصماتهم الواضحة على خارطة الثقافة والادب والفن في العراق.
ومن اجل التعرف على اقدم مقاهي المدينة وكيف كانت .. كان لنا هذا الحوار مع السيد هاتف المالكي:
* ما اقدم مقهى في المدينة وفي اية سنة تم تأسيسه؟
ـ اقدم مقهى في مدينة الناصرية هو مقهى التجار وقد تأسس في مطلع عشرينيات القرن الماضي وكان المكان الذي يلتقي فيه تجار المدينة وتجار المدن القريبة والاقضية والنواحي للتداول في شؤونهم التجارية وعقد صفقاتهم وبضاعتهم وبرمجتها تجاريا.
* يقال ان الزعيم عبدالكريم قاسم عندما كان برتبة ملازم اول في اللواء الرابع عشر، كان يرتاد احد المقاهي ما صحة ذلك؟
ـ نعم كان الزعيم عبدالكريم قاسم في (الفوج الثاني للواء 14) ومقره مدينة الناصرية يرتاد مقهى (حبيب) حيث كان هذا المقهى كبيرا وواسعا وموقعه جيد .. كان الزعيم يجلس مع بعض معارفه واذكر ان من بين اصدقاءه المقربين في المدينة شخص اسمه (راضي فيروز) يجلس معه في المقهى ثم يذهبان معا الى محل (سبتي ابو الباجة) لتناول الطعام بعدها يذهب الزعيم الى النادي العسكري. وعندما اصبح الزعيم عبدالكريم قاسم رئيسا للوزراء بعد ثورة 14 تموز 1958 استدعى بعض اصدقائه القدامى في المدينة لتكريمهم لانه كان يجد فيهم مثالا للصدق والامانة والشرف النبيل والاخلاق العالية برغم انهم بسطاء ومن عامة الناس.
ومن الطرائف التي تذكر ان الزعيم عندما ارسل بطلب (سبتي ابو الباجة) لرؤيته وتكريمه ذهب سبتي الى مقر الزعيم في وزارة الدفاع واثناء صعوده لسلم الوزارة الذي يقع مكتب الزعيم في طابقه العلوي صادفه الزعيم عبدالكريم قاسم نازلا من السلم فعرفه واراد ان يداعب سبتي ابو الباجة الذي كان نظره ضعيفا .. قائلا لسبتي:
اين انت ذاهب يا رجل؟ .
فأجابه سبتي بارتباك دون ان يعرف السائل :
انني ذاهب لمقابلة (كريم !!) هكذا لفظ الكلمة مجردة من لقب الرتبة العسكرية او المنصب الحكومي..
فانفجر الزعيم ضاحكا باعلى صوته وقال له :
انا (كريم) وعانقه واخذه من يده الى مكتبه.
* ما هي حكاية عزران البدري الذي كان يمتلك مقهى في المدينة؟
ـ عزران البدري صاحب احد المقاهي في المدينة. هذا الرجل كان اميا لا يعرف القراءة والكتابة وقد تعلمها عن طريق الادباء الذين يرتادون المقهى.. فقد اتفق عزران مع بعض الادباء الذين يرتادون المقهى ان يعلموه القراءة والكتابة مقابل جلوسهم في المقهى مجانا..
وقد حصل له ما اراد وتعلم عزران القراءة والكتابة بسرعة، واخذ فيما بعد يتبادل الكتب الادبية ويطالعها بنهم وشغف كبير، وبعد سنين اصبح عزران من ادباء المدينة واخذ يكتب وينشر المقالات الادبية والقصص القصيرة في الصحف والمجلات العراقية والعربية.
* ماذا تقول عن مقاهي اليوم؟
ـ الحياة في تغير وتطور ولا تبقى الاشياء ثابتة.. في الماضي كان رواد المقاهي من كبار السن والناس (الختيارية) وكان من المعيب ان يدخل الشباب في سن معينة الى المقهى.. اما مقاهي اليوم فهي مقاهي الشباب العاطلين عن العمل والمتسكعين وهم مصدر ازعاج لرواد المقهى في (زعيقهم) واصواتهم العالية اثناء اللعب.