كائنات فيصل لعيبي من الواقع إلى الحلم

كائنات فيصل لعيبي من الواقع إلى الحلم

صادق أشكناني

أتاح غاليري بوشهري الفرصة لمتذوقي الفن الاطلاع على بعض أعمال الفنان العراقي فيصل لعيبي وذلك بعد فترة من شح الساحة الفنية من عروض لكبار الفنانين العرب.
فمن الوهلة الأولى يغرق الزائر تحت وابل كثيف من المشاهد ذات الإيقاع المتسارع، وكأنك تشاهد مقاطع فيلم غير محدد البداية والنهاية،

فتسبح في موضوعاته وألوانه ولا تعرف من هو المتفرج أنت أم شخوص اللوحة، فكلهم شهود، شهود مرحلة تاريخية عاصرها الفنان وعاشها وشكلته، حتى أصبح واحدا من الشخصيات التي تشاهدها.
وتتنقل ريشة الفنان بين اطاراتها الأربعة لتملأ جميع الثغرات فيها وان كانت فارغة! فترى العسكري، والفتى ماسح الأحذية، والحلاق والقهوجي، وترى المثلي الجنس. جميعهم يتوزعون بتناغم أغان عراقية تسمع على اسطوانات «جقمقجي(*)» تنشد لعزيز علي وزهور حسين، وعجلة ماكينة الخياطة سنجر تقرقع على خلفية أصوات حي عراقي قديم يشهد على كسل المقاهي وضوضاء الصمت وعراك المفاهيم والقيم حتى تنعكس هذه الجدلية بوضوح على مواضيع لوحاته، فتراه قد دمج بين بنية اللوحة ثنائية الأبعاد وبين تكعيبية خاصة به غير مسرفة لتنتهي بأجواء منتصف القرن السابق.
هذا جزء من عناصر لوحات فيصل التي لا تكاد تخرج عن البيت العراقي الذي حمل همه معه وجسده طوال فترة غربته التي زادت عن 35 عاما.
ففي الوقت الذي كان العراق يشهد حربا ضروسا بين شرفائه ومناضليه من جهة، وبين اشرس آلة حصد لكل جميل وانساني من جهة أخرى، كان لفيصل شرف الوقوف بصلابة ضد هذه الآلة الدموية كيفما ومتى سنحت له الفرصة.
ورغم ذلك ترى في لوحاته هدوءا عارما يخرجك من الموقع اليومي إلى فسحة من الحلم، قد تكون كوابيس سوداء من نعوش وأمهات الشهداء أو زند عاري لا تقل لذته عن وعاء فاكهة شهية بجانبها.
هذا هو أحد عوالم الفنان الذي كان لا يجد حرجا خلال مراحل أعماله المختلفة من الاستعانة بتقنيات كبار الفنانين مثل غويا وماتيس وبيكاسو، ينحت في النهاية لنفسه أسلوبا لا يضاهيه فيه أحد ويفرض نفسه بين كبار فناني عصره.

الفنان في سطور
ولد فيصل لعيبي صاحي عام 1945 في مدينة البصرة، العراق. نال دبلوم رسم من معهد الفنون الجميلة - بغداد عام 1968. ودبلوم رسم من أكاديمية الفنون الجميلة، جامعة بغداد 1971، وآخر من مدرسة الفنون الجميلة العليا - باريس 1981، ثم دبلوم الدراسات المعمقة من جامعة السوربون، باريس عام 1981. له أكثر من عشرين معرضا، أقامها في عواصم عربية وأوروبية متعددة. كما شارك في العديد من معارض الجماعية، من العام 1962 وإلى عام 2008، في بغداد وبروكسل وبيروت والكويت ودمشق والمنامة وباريس وروما وبرشلونة وكوبنهاغن وديترويت وشيكاغو وتكساس وبرلين وغيرها.
في عام 1992 أصدر لعيبي، مع مجموعة من المثقفين العراقيين في لندن «المجرشة»، وهي جريدة فكاهية، نقدية، ساخرة. وصمم العشرات من أغلفة الكتب الأدبية والدراسات الأكاديمية. وله كتابات حول الفن في الصحافة العراقية والعربية. يعيش ويعمل رساما في لندن منذ عام 1991.

عن موقع الفن التشكيلي