حكايات كتبتها      فاين حمامة      بخط يدها في مقال

حكايات كتبتها فاين حمامة بخط يدها في مقال

تميزت الرقيقة فاتن حمامة، بهدوء الأعصاب والرُقى فى تعاملاتها، أمام الشاشة وخلفها، فلم تكُن رقيقة وهادئة فى الأدوار السينمائية فقط، بل كانت هكذا ايضًا فى الواقع، وفى مقال نُشر فى مجلة «الكواكب» فى الستنيات، تروى فاتن حمامة بقلمها 3 مواقف استطاعت أن تتعامل معها بفضل هدوء أعصابها، تحت عنوان «والفضل لأعصابى الهادئة».


على طريق الإسكندرية
من أكبر النعم التى ينعمها الله على الإنسان، أن يعطيه زمام أعصابة ليستطيع التحكم فيها والسيطرة عليها، وإني أحمد الله على أن منحنى هذه النعمة. وأذكر ثلاثة مواقف أنقذنى منها هدوء أعصابى.
منذ خمس سنوات سافرت إلى الاسكندرية لأقضى بضعة أيام من الصيف على شاطئها الجميل، وقدت سيارتى فى الطريق الصحراوى، وكانت حرارة الجو مرتفعة إلى حد لايطاق، وفى الطريق هبت زوبعة رملية جعلت السير مستحيلاً والرؤية منعدمة. ففضلت أن أقف بسيارتي على جانب من الطريق حتى تهدأ العاصفة.
واشتد هبوب الرياح، وارتفعت موجة الحرارة حتى أيقنت من أننى سأختنق، وتلفت حولى فلم أجد سيارة واحدة تمر بالطريق فتملكتنى رهبة. وقبل أن يتسرب الجزع إلى نفسى فكرت أن الخوف لا يجدى. فأغلقت نوافذ السيارة بإحكام والقيت برأسى على المسند واسترخيت، وأسلمت عينى لنوم عميق، وبعد أقل من ساعة استيقظت لأجد العاصفة هدأت ودرجات الحرارة هبطت. واستأنفت سيرى في أمان حتى وصلت إلى الإسكندرية، وكان الفضل فى هذا التصرف لهدوء أعصابي.
إهانة مُسجلة
وذات يوم خرجت أتمشى في شارع قصر النيل لأشترى بعض ما أحتاج إليه من المتاجر، وفي الطريق التقيت بلفيف من الطلبة، من اولئك الذين يهربون من الدراسة ليطوفوا بالشوارع لمعاكسة مخلوقات الله، وفجأة رأيتهم يعترضون طريقى ويحيطون بى. لم اضطرب ولم أحاول التنحي عن طريقي، فإذا بهم يقدمون لي كراساتهم طالبين أن اكتب لكُل منهم كلمه إهداء بإمضائى، فكتبت ووقعت.
وكان من بينهم فتى سمج، اراد أن يطيل هذا الموقف المحرج، فقدم لي كراسته وطلب أن أخصه بكلمة تختلف عن الكلمات التى كتبتها لزملاؤه، فأمسكت بكراسته وكتبت هذه العبارة: «أرجو أن تعود إلى مدرستك وتلتفت إلى دراستك لتصبح رجلاً جديرًا باحترام مواطنيك رجالاً ونساءً». ولكن الفتى السمج استرسل فى سماجته، واعتبر هذه العبارة إهانة مُسجلة في كرامته، وعلا صراخ الطلبة بحججهم الواهية حتى لفتوا أنظار الناس «فجروا ناعم» ووعدونى بالعودة إلى مدارسهم.
صبر أيوب
وحادث ثالث لا أنساه، كنت قد صادفت بعض المتاعب النفسية فاعترانى أرق شديد، وفى صباح أحد الأيام، كان على أن أكون بالاستديو في السابعة صباحًا لتصوير بعض المناظر الخارجية، فخرجت ورأسى يكاد ينفجر من الصداع الناشئ من الأرق. فلما وصلت وجدت مساعد المخرج في انتظارى، ليخبرنى أن العمل قد تم تأجيله لليوم التالي، ولما سألته عن السبب قال إن المخرج قضى الليلة الماضية سهرة استمرت إلى الثانية صباحًا.
وهُنا اشتد بى الغضب، وسألت المخرج عن سبب عدم اتصالى بى تليفونيًا ليخبرنى بهذا التأجيل حتى لا أتعب نفسى بالخروج مبكرًا، وكان رد المخرج أشد استثارة للغضب، فقال لى ببرود: «أنا نسيت»، وبدلاً من أن أثور، استلهمت «صبر أيوب"واستدرت لأركب سيارتى إلى البيت وكأن لم يحدث شئ. ولما هدأت أعصابى استطعت أن أنام.

مجلة الكواكب/ 1961