شيء عن مقهى البيروتي

شيء عن مقهى البيروتي

■ عماد الكرخي
يقول الباحث الدكتور عماد عبدالسلام ان اول مقهى عامة انشئت في بغداد هي مقهى (خان جغان) في الخان المسمى بهذا الاسم الذي انشأه والي بغداد (جغانه زاده سنان باشا) سنة 1590 للميلاد وقد بلغ عدد المقاهي عام 1883 للميلاد/ 184 / مقهى في بغداد ثم ارتفع عددها الى 599 مقهى عام 1934 / وقد سجل الدليل الرسمي العراقي لسنة 1936 جدولا يبين فيه ان في شارع الرشيد وحده 62 مقهى باسماء اصحابها وعناوين مقاهيهم حتى ان (وندل ويلكي)

مرشح الرئاسة الامريكية عندما زار بغداد سنة 1942 قال كلمته الشهيرة وجدت في بغداد بين كل مقهى ومقهى مقهى اخر/ وهو يدلل بذلك على كثرة عدد المقاهي يومذاك/
لقد كانت هذه المقاهي اشبه بمنتديات اجتماعية وثقافية وسياسية يرتادها رجال السياسة والقانون/ والشعر/ والادب عموما/ والتجار والموظفون والطلبة الذين لهم مقاهيهم الخاصة مثل مقهى البلدية/ ومقهى ابراهيم عرب/ وقد اختفت معظم هذه المقاهي العامة بفعل التغيير العمراني والاجتماعي/ وحرص السلطات السابقة على اضاعة وتذويب اماكن الاجتماعات العامة/ ومنها المقاهي/ فاختفت مقهى خليل اغا/ ومقهى البرلمان/ ومقهى البلدية والمقهى البرازيلي/ الذي كان يقصده مجموعة من الادباء والفنانين التشكيليين امثال جواد سليم وفؤاد التكرلي وعبدالملك نوري وبدر شاكر السياب وحسين مردان وكان مقهى البرلمان الذي يسمى مقهى الرشيد فيما بعد مقرا شبه دائم لكبار الصحفيين امثال الشاعر الكبير محمد مهدي الجواهري/ وعبدالقادر البراك/ وعبدالمجيد الونداوي/ ويحيى قاسم وصبيح الغافقي صاحب جريدة الحارس/ وصادق الازدي صاحب مجلة قرندل الاسبوعية وخالد الدرة/ صاحب مجلة الوادي وغيرهم كثير ثم اصبحت في الستينات مقرا لتجمع شباب الادب وهي مقهى حسن العجمي ومن هؤلاء الشاعر عبدالامير الحصيري الناقد احمد فياض المفرجي/ القاص موسى كريدي والشاعر مالك المطبلي وغيرهم كثير/
ومن المقاهي البغدادية القديمة التي زالت واصبح مكانها اليوم ساحة وقوف السيارات امام مبنى مديرية التقاعد العامة بالكرخ مقهى البيروتي التي انشأت امانة العاصمة مقهى باسمها بعد ذلك في اقصى محلة الجعيفر دون ان تحصل على شهرتها وتاريخها. كانت مقهى البيروتي تقع على الضفة اليمنى من دجلة وصاحبها هو الحاج محمد البيروتي الذي افتتحها منذ سنة 1897 وظل يدير هذا المقهى التي اصبحت منتدى لوجوه بغداد. توفى الحاج محمد البيروتي سنة 1916 فأدار المقهى ولداه ابراهيم وعبدالفتاح / وكان من روادها حتى عام 1913 السيد محمد سعيد الحبوبي الشاعر الكبير/ وبطل معركة الشعيبة وكان يرتادها عند زيارته لبغداد.
ويصف المرحوم الاستاذ جعفر الخليلي الروائي المعروف وصاحب جريدة الهاتف النجفية البغدادية فيما بعد مقهى البيروتي وصفا تفصيليا في كتابه هكذا عرفتهم فيقول:
انها اكبر مقاهي بغداد على الاطلاق وتمت بموازاة النهر بالكرخ وخلفها يمتد سوق هو الطريق الوحيد الذي يسلك منه السالك الى القصور القائمة على نهر دجلة حتى السفارة البريطانية / وكانت مقهى البيروتي تعتبر بمثابة ناد عام وملتقى لجميع التجار والوجوه ومكان للقاء الذين يأتون الى بغداد من الجنوب خاصة/ وكان بعضهم يحمل معه رسائل من الاقارب الى من هم في بغداد فيسلمها الى ابراهيم البيروتي وهو بدوره يوزعها على اصحابها.
ولم تكن في المقهى العاب الورق والدومنه حتى عام 1924 حيث ادخلها صاحب المقهى فاضطر عدد من روادها الى تركها وظل غيرهم لانه لا يريد مفارقتها ومفارقة جماعته واحبابه ومن هؤلاء الحاج مجيد مكية وكاظم الفنهراوي والملا عبود الكرخي ومصطفى باقي الجبوري توفيق الخانجي عم الفنان الكبير يوسف العاني ورشيد الهندي وداود الوتار وحمودي الوادي/ وكان بعض هؤلاء مثل حمد الوادي وتوفيق الخانجي ورشيد الهندي يملكون خانات او علاوي قريبة من مقهى البيروتي حيث يأتي الباعة اليها من اطراف بغداد ومن كردستان ليبيعوا لاصحابها الفواكه / والجبن والتمر/ والمحاصيل الزراعية الجافة مثل الرز بانواعه والماش والسمسم حيث يقوم هؤلاء ببيعها الى تجار المفرد بعد مزايدة تتم صباحا لتقع اية صفقة من نصيب من يدفع الثمن الاعلى.
ظلت مقهى البيروتي عامرة مع الخانات القريبة منها وادارها بعد ذلك السيد/ حسون/ فسميت باسمه حتى ازيلت ومجموعة من الخانات والعلاوي المجاورة في الستينات من القرن الماضي وظلت ذكرياتها تتوارد من الاجداد الى الاحفاد.