رسائل تبوح بمشاعر فان كوخ وروحه

رسائل تبوح بمشاعر فان كوخ وروحه

الكتاب: رسائل فنسنت فان كوخ
ترجمة: ابتسام عبد الله
كتب فنسنت فان كوخ عن تقييمه لذاته، « انا رجل منفعل ذو أهواء، قادر او مؤهل لفعل امور حمقاء، اشعر حيالها بعدئذ بالاسف». وعلى ضوء المعلومة الوحيدة التي يعرفها كل رجل او امرأة او حتى طفل على الارض عن فان كوخ – تلك التي تقول انه اقتطع جزءاً من اذنه في نوبة من الجنون – فان ذلك التقييم الذاتي يبدو نوعا من التنبؤ وايضا غير وافية.

وتلك العبارة، التي كتبها قبل انتحاره (اطلق النار على صدره) وقبل ثلاثة اشهر من قرار والده بوضعه في مصحة للامراض العقلية، لا تفيده عذرا لمحاسبة الذات وسبر اغوارها، بل انها تعتبر نوعا من تعذيب الفنان لنفسه. ان هذه الطبعة ثقيلة الوزن لاكثر من 800 رسالة تظهر ان فان كوخ لم يكن مثل سيلفيا بلاث، ولكنها تؤكد تأثره بزولا وإليوت وخاصة بقصائده المعنونة، «مشاهد من حياة كاهن». وعندما فارق فان كوخ الحياة، كان في الـ 37 من عمره، خارج إطار الرسامين المحدثين الذين تجد اعمالهم اقبالا من الجمهور، وترك بعد وفاته مجموعة من لوحاته اضافة الى عدد كبير من الرسائل. كان الشاعر أودن، الذي قال، «هناك رسالة واحدة فقط لفان كوخ، لم تسحرني «. ورسائل الفنان طبعت للمرة الاولى خلال العام الذي تلا وفاته. اما الطبعة الجديدة لها والتي تتألف من ستة اجزاء فهي التي بإمكاننا القول إنها الكاملة، وتتضمن جميع الرسائل الخاصة به ومجموعها 902 رسالة كتب منها كوخ 819. وهناك فراغات واضحة، اذ لا توجد اي رسالة من والى كي فوس، ابنة العم التي قرر الفنان – دون رغبتها الزواج منها ولاتوجد ايضا مراسلات فان كوخ مع احد اقربائه – انطون موف – والذي كان في زمن ما معلمه للفنون. ومع عدم ملء ذلك الفراغ، فان هذه الطبعة استغرق اعدادها 15 سنة، مع اعادة ترجمة كل رسالة (كتب فان كوخ بالهولندية والفرنسية والانكليزية)، مع تقديم لوحاته وتخطيطاته او جميع اعماله الطباعية (ليثوغراف). ان خطوط فان كوخ وأحرفه وتخطيطاته، واضحة على ورق من النوع الرخيص، قد اصفر لونه بمرور الزمن وكان نتيجة ذلك العمل مدهشا يثير الاعجاب لتقديمه صورة عن الفنان في شبابه. ولد فنسنت فان كوخ في الثلاثين من آذار عام 1853، وهو الابن الاكبر لستة اطفال للقس ثيودوروس فان كوخ وزوجته آنا كورنيليا. وقام الوالدان بتربية اولادهما بشكل حسن، مع الحرص على رباط العلاقات العائلية ضمن الاسرة: «ان الاحساس بأصلنا وواحدنا بالآخر كان من الشدة بحيث ان القلب يثب بالاحساس احيانا»، وهذا ما كتبه فان كوخ يوما الى شقيقه الاقرب اليه ثيو. لكننا لا نستطيع فصل ما ورثه الابناء عن الوالدين. اثنان من ثلاثة ابناء قاما بالانتحار في سن الثلاثين، واثنان من اولادهما اصيبا بالجنون اما ابنتهما الصغرى ويليامين فقد امضت اربعة عقود في مصح عقلي. كانت عائلة فان كوخ تنتمي الى الطبقة الوسطى، مع علاقات جيدة في المجتمع، منهم الخال «سينت» وكان عضوا في مجموعة تتعامل مع الفنون. وكانت للشركة (غوبل) فروع في بروكسل ولندن وهولندا. وبدءاً من عام 1869، امضى فنسنت سبعة اعوام في فروعها، قبل الانتقال مع التذمر والاسف الى عالم تجارة الفن. منذ اوائل اعوامه، كان ثيو الشقيق الذي يصغره باربعة اعوام الاقرب اليه وقد عمل ثيو ايضا مع شركة غوبل، في فرع بروكسل عام 1873. كانت رسائل فنسنت الى شقيقه، بادئ الامر، من نوع ما يكتبه الشقيق الاكبر الى الاصغر. ومع مرور الزمن، تغير الاسلوب، مع التغييرات التي احاطت بظروف فنسنت، وتغيرت الادوار ايضا وخلال الاعوام العشرة التي اصبح فيها فنسنت رساماً كان ثيو هو الواقف في الخلف، داعما اياه – بالتشجيع وبارسال مبلغ من المال، الذي مع تواضعه، كان المال الوحيد الذي يمتلكه فان كوخ. وكتب فنسنت الى شقيقه باستمرار مرتين في الاسبوع، ورسائل طويلة ومتنوعة وانسانية. اما والده ووالدته فكانا يهتمان كثيرا بكتابة الرسائل، وكانا يأملان ان يشاركهما الاولاد في هذه العادة التي كادت تختفي في الاعوام الاخيرة من القرن التاسع عشر، معتبرين ان تناقص اعداد الرسائل المتبادلة بين افراد العائلة دليل على حدوث امر ما سيىء بينهم. وفعل فنسنت وثيو ذلك، وغدت الرسائل وسيلتهما في دوام علاقتهما والرسائل التي كتبها فان كوخ في المرحلة التي بدأ يرسم فيها وخلال الاعوام الثلاثة التي سبقتها، عندما كان خلالها متدينا جداًُ، كان يعبر فيها عن رغبته بان يتم تعيينه في ارسالية دينية. والرسائل التي تتضمنها الطبعة الحديثة تغطي الاعوام الـ 18 ما بين 1872-1890. انها بمثابة متابعة لتقدم فان كوخ من شاب يبيع اللوحات الى فنان (غير معروف) عبقري وفي مرحلة تدينه الشديد، كان يتحدث مع شقيقه ثيو عن الله ويتحدث مع الآخرين عن الفنون. والرسائل التي تخص فن فان كوخ، تشتمل على صور للوحات التي كان يشير اليها. وهذا امر يساعد القارئ، على متابعة تقدمه. والتغييرات التي شملت عمل فنسنت فان كوخ كانت كثيرة فهناك بدايات عديدة كاذبة، منها المرحلة التي عمل فيها مدرسا في رامسغيت وتلك التي كان واعظاً في منطقة بورينيج في بلجيكا. كانت الوحدة تحيط به، الوحدة والمتاعب ومصادر إثارة الهياج، وايضا الحاجة الى الصداقة التي افتقدها باستمرار «ان الافكار الحزينة او المخيبة للآمال هي التي تقوضنا اكثر من الحياة المستهترة لذلك السبب نجد انفسنا نمتلك قلوبا مضطربة». ان كتاب رسائل فان كوخ صدر بـ 2000 صفحة (بأجزائه الستة)، هي تتضمن عبارات الدعابة او السخرية بين فان كوخ وشقيقه، خاصة تلك التي تتعلق بطلب النقود، او تأخر ثيو في ارسالها. وتشير الرسائل ايضا الى تآكل العلاقة عاما بعد آخر، بين فنسنت مع اصدقائه او عائلته، بسبب عدم قضائه الوقت معهم. ان رسائل فان كوخ ستجذب جمهورا من القراء، لهم اهتمامات مختلفة. لكن جملة واحدة كتبها الفنان في صيف 1882، ستثير مشاعر كل واحد منهم: «ماذا انا في اعين اغلب الناس؟ لاشيء، نكرة، او شخص غير مقبول.... باختصار شيء ادنى من الادنى «. وكان فنسنت مخطئا ايضا. أما رسائل الفنان الشعرية الرومانسية لجارته ثم خطيبته فيما بعد فاني براون، فهي من اجمل واشهر رسائل الحب المكتوبة، بالرغم من ان اجاباتها عليها، غير موجودة، بسبب إلحاح فنسنت على اتلافها بعد موته.
عن الصنداي تايمز