الجاحظ.. إبداعات في التصنيف والتأليف

الجاحظ.. إبداعات في التصنيف والتأليف

أوراق
يحاول كتاب (عمرو بن بحر الجاحظ/ إبداعات في التصنيف والتأليف) لمؤلفه د. طالب عمران، الإحاطة بشخصية الجاحظ ومؤلفاته، التي من أبرزها كتابه (الحيوان) الذي يتألف من أربعة مجلدات، ويبحث في غرائز وخصائص الحيوانات، وكيفيّة التعامل معها، وكيف تعامل بعضها بعضاً.


يتوقف الكتاب في البداية عند صناع الحضارة العربيّة، لا سيّما بعد توسّع الدولة العربيّة، واختلاط العرب بغيرهم من القوميات، وقيامهم بترجمة الكتب والمؤلفات عن اليونانيّة والفارسيّة والهنديّة. وهكذا كثرت الكتب والمكتبات، وكثر المتعلمون، وامتدت الثقافة شرقاً وغرباً، في حركة وعي نشرت فيها القيم والفهم وروح المعرفة الحقيقيّة.
بعدها، يتوقف الكتاب عند إسهامات العرب والمسلمين في موضوع التصنيف الحيواني، وهي إسهامات كبيرة تركت أثراً بالغاً في التراث العلمي العالمي، وصحح بعضها مغالطات كثيرة كانت سائدة في آراء عدد من الفلاسفة كأرسطو. والجاحظ واحد من العلماء العرب البارزين الذين كانوا يعيشون الأمور بمقياس العقل. فهو لم يقل بالأوهام والخرافات والشعوذة التي لا يسندها الدليل القاطع..والتي قبلها الكثيرون ممن عاصروه، بل كان يهزأ بمن كان يقبلها على علّاتها، وكان بحثه يعتمد على أسلوب التجريب العلمي، والشك الذي يقود إلى المعرفة الحقة، ما جعله أحد أهم من عمل في تصنيف الحيوان. يُضاف إلى ذلك، أنه كان عالماً وأديباً موسوعياً دقيقاً في ملاحظاته، رغم أن الناس قد نفروا منه لتشوه خلقته، لكنه بشخصيته المرحة، وذكائه في سرد حكاياته ونوادره التي كان يبتكرها، شدّ الناس إليه.
قام الجاحظ برحلات عدة، جالس الشعراء والندماء، وجمع النوادر والحكايات والقصص عن المجانين والمغفلين والبخلاء. كما اهتم بعادات الحيوانات وأصنافها وقصصها. أقبل الناس على كتبه يقرأونها بشغف، وعمد السياسيون والأمراء إلى استمالة قلمه، لكنه ظل حذراً من التورط في السياسة.
كما يُشير الكتاب إلى أن الخليفة المأمون كان معجباً بكتب الجاحظ ومقالاته التي تحكي عن الناس والمجتمعات وغرائب البشر، لذلك خصص له راتباً جيداً، وأرسله للعمل في ديوان القاضي ابن داود، ثم عيّنه رئيساً لديوان الرسائل. ومن أشهر كتبه: (الحيوان) و(البخلاء) و(البيان والتبيين) و(المحاسن والأضداد) و(سحر البيان) و(التاج) و(التبصير بالتجارة).. وغيرها.
ويبين مؤلف الكتاب أنه عُرف عن الجاحظ تدقيقه للملاحظة حتى يصل إلى الحقائق الثابتة عن طريق التجربة والخبرة. ومن ذلك حقيقة أن التنفس لا يكون من الرئتين فقط، وإنما من مسامات الجلد أيضاً، وفي هذا الشأن، اكتشف الجاحظ تلك الحقيقة قبل الغرب بقرون عدة. وكنّي بأبي عثمان، ولُقّب بالجاحظ لجحوظ عينيه. وتوزعت عبقريته وإبداعاته على الأدب والفلسفة والعلم، ويُعد، حسب المؤلف، المؤسس الأول لعلم الغرائز، لا بافلوف الروسي كما تقول روايات كثيرة رائجة.
وكذا كان الجاحظ عبقرياً، تفتحت مواهبه منذ طفولته. خصص الليل للكتابة، والنهار للتجوال، وعُرف عنه قيامه باستئجار دكاكين الوراقين، وقضاء الليل فيها يقرأ ويكتب ويدوّن الملاحظات. لفظ الجاحظ أنفاسه بين الكتب، وخلّف بعد رحيله 350 كتاباً ورسالة في الجغرافيا والطبيعيات والرياضيات والبيئة والحيوان والفلسفة والاجتماع والأدب.