في الذكرى الخامسة والعشرين لرحيل الأستاذ الدكتور محمد سلمان حسن

في الذكرى الخامسة والعشرين لرحيل الأستاذ الدكتور محمد سلمان حسن

سمير كامل
إذ السنة الاولى من الكلية كانت عام 1970، ومع استاذ لا يعرف الكثير منا في وقته، كونه احد الاخصائيين المعروفين في الاقتصاد، والمشغول الى جانب ذلك بالشأن السياسي بمفهومه العام. هكذا اربعة واربعون عاما مضت على تلك الايام، وما اجملها وأرقاها، معرفة وخبرة وحياة وشخوص.


ما ذكرني الصديق به وكنا شاهدين له معا، كتفاصيل تبدو صغيرة ولكنها الان كبيرة في معناها بالنسبة لنا، ولتسمحوا لي بذكرها وباختصار:
الدرس الحياتي الاول الذي تعلمناه منه ان نقرأ لنفهم وبروح نقدية، تشجع على الحوار وليس عبر طريقة الحفظ، الذي لا يغني ولا يفيد، بل قد يكون ضارا ومؤذيا. والحادثة الطريفة تتلخص في الدروس الاول، كما نذكر حيث اقترح علينا الاستاذ الدكتور محمد سلمان حسن قراءة الصفحات الاولى من احد فصول كتاب الاقتصاد السياسي لأوسكار لانجة، والمترجم الى العربية بتصرف من قبل الدكتور. الصديق كان قد استعار الكتاب من المكتبة محاولا قراءة تلك الصفحات المذكورة، ولكن بدون جدوى، حيث صعب فهم جوهرها ومعناها ولكونه حاول أكثر من مرة، فقد كان قاد?ا على تذكر النص بشكل عام. حين جاء الدرس مع الدكتور تساءل إن كان احدنا قد قرأ المادة ويود المشاركة.... ساد صمت لثوان وحدس الصديق انه أما لم تتوفر للآخرين فرصة استعارة الكتاب أو مثل حظه في صعوبة فهم المادة، وتردد كما ذكر لي بعدها برفع اليد للمشاركة، ولكن قرر في نهاية المطاف القيام بذلك وواقع الحال يفرض عليه ان يذكر النص كما قرأه وبدون تغيير يذكر. النتيجة كانت محاضرة لمدة خمس دقائق تقريبا من الدكتور عن مضار الحفظ للمادة وعدم فهمها نقديا ولكم تصور حال الصديق في تلك الدقائق المعدودة الطوال.
الدرس الحياتي الثاني الذي تعلمناه كان بعد شهور من الدراسة وازدياد قربنا من الدكتور، حيث وفي إحدى المرات وبعد نهاية الدرس استمر حوارنا معه في الممر، وكان في طريقه لغرفة الاساتذة او غرفته، قبل بدء محاضرته القادمة. طال الحوار حتى التهم كل وقت الاستراحة، مما اضطرنا الى الاعتذار منه على ذلك، ولكن جوابه كان إنه سعيد باهتمامنا، ولاسيما اننا طلبة الصفوف الاولى، ولا نشغل بالنا بموضوع سرقتنا لوقت فرصته. وذكر لنا عرضا، تأكيدا على سعادته باهتمامنا، أنه في نفس تلك الفترة كان قد اعتذر شاكرا عن دعوة وجهت له للمشاركة في م?تمر في شيلي سلفادور الليندي، وكما نذكر كان حول النحاس، حيث فضل الاستمرار في تدريس الطلبة ومنهم طلبة الصفوف الاولى، على اخذ اجازة مشروعة لحضور المؤتمر المذكور. وكما كان الدكتور مهتما بموضوع النفط وتأميمه فقد تم تأميم النحاس في شيلي في صيف عام 1971. لنا ان نتخيل كم كان الدكتور حزينا وغاضبا عند حدوث الانقلاب العسكري عام 1973 في شيلي، وبمساندة قوى كبرى والذي وأد الربيع الحقيقي لذلك البلد.
الدرس الحياتي الثالث هو الانغماس في الشأن العام ومن منطلق المُثل الوطنية والإنسانية، حيث كنا نراه كل صباح مسرعا، متأبطا العديد من الجرائد في الفترة التي سبقت تأميم النفط في العراق عام 1972، ما يعكس مدى اهتمامه وتوقه لاستقلال ثروة وطنه النفطية، وهو الذي كان من أوائل المنادين بهكذا قرار وتوجّه.
شكلت قوة المبادئ والمُثل وقوة الالتصاق بالارض معا وبشكل منسجم إحدى أسرار هذه الشخصية الكبيرة، حيث كل منهما تمنح الأخرى تدفقا وألقا واقعيا قريبا من الارض ومن همومها، وشجاعة متميزة في مواجهة العنف والجريمة. حسب علمي البسيط كانت للدكتور فرصا لمغادرة العراق والعديد مثلها في مغادرة المُثل والمبادئ ولكنه ظل متمسكا بكليهما بالرغم من العواصف الهوجاء، منسجما مع نفسه ولصيقا بأرضه وبالقيم التي ارتضاها لحياته.
كان الاستاذ محمد سلمان حسن مهتما بشكل كبير بموضوع النفط والثروة النفطية ولمحاضرته (نشرت ككتاب من 136 صفحة عام 1967) عن «نحو تأميم النفط العراقي» في عام 1966 سبق الريادة في هذا المجال. وفي ذكرى رحيله الخامسة والعشرين، أود المساهمة بمادة أولية عن النفط ومن خلال بعض البيانات والتحليلات، والتي تعكس جزئيا حجم الصناعة النفطية في الاقتصاد العالمي ولنا حينذاك الاستنتاج الاولي بمدى تأثير هذا الواقع على صانعي القرار السياسي، وكم من الحروب والمعارك قد خيضت وتخاض من اجل تحديد وجهة استخدام هذه الطاقة النابضة، في نهاية ?لامر، مهما طال الزمن. لعلي لا أجانب الحقيقة بالقول ان الدكتور محمد سلمان حسن كان مدركا بشكل كبير لدور النفط في السياسة الوطنية في العراق، وفي المنطقة العائمة على بحيرة منه وفي العالم بشكل عام.
بادئ الامر وللمرور سريعا على جانب من تاريخ النفط في العراق والمتمثل في الشركات النفطية المساهمة في شركة نفط العراق IPC، وصولا لاحقا لحجم الشركات النفطية العالمية، مقارنة بباقي الشركات في وقتنا الحالي وعلاقة تلك الارقام بمؤشرات التنمية البشرية وميزانيات التسلح، نمرّ على كيفية تأسيس شركة نفط العراق عام 1929-1928.

اتفاقية الخط الاحمر وتأسيس شركة نفط العراق IPC
بتاريخ 31 تموز 1928 وقع اربعة مساهمين يمثلون كبرى الشركات البترولية قرار تأسيس شركة نفط تركيا TPC وبحصص متساوية لكل منهم 23,75 بالمئة والمتبقي 5 بالمئة منح كحصة الى كالوستي كولبنكيان Gulbenkian Calouste (من الويكيبديا : كالوست سركيس كولبنكيان «23 مارس 1869 — 20 يوليو 1955» هو رجل أعمال أرمني وصاحب أعمال خيرية، وكان يتقاضى نسبة خمسة بالمائة من عائدات النفط في العراق، على إثر دوره المهم في إتاحة حقول البترول في الشرق الأوسط للاستثمار والتطوير الغربي. قبل وفاته كان من أغنى رجال العالم ومجموعته من الأعمال الفن?ة هي من أكبر المجموعات الفنية علي مستوى العالم).
المساهمون الاربعة هم وبحصة 23,75 بالمئة لكل منهم:
أ: كونسيرتيوم (اتحاد لشركات) امريكي من خمس من كبريات شركات النفط الامريكية:
- ستاندارد اويل Oil Standard في نيوجرسي والتي تدعى حاليا اكسون او اكسون موبايل ExxonMobile
- ستاندارد اويل Oil Standard في نيويورك والتي سميت لاحقا موبايل واندمجت مع اكسون موبايل ExxonMobile
- شركة بترول الخليج Oil Gulf والتي اندمجت لاحقا مع شركة شيفرون Chevron
- بان اميركان بتروليوم Petroleum American-Pan
- شركة اتلانتيك ريجفيلد Richfield Atlantic والتي سميت لاحقا اركو ARCO
ب: شركة النفط الانكليزية - الايرانية Company Oil lranian-Anglo والتي سميت لاحقا شركة البترول البريطانية BP
ج: رويال دويتش شيل Shell Dutch Royal
د: شركة النفط الفرنسية CFP والتي عرفت كشركة توتال Total منذ 1991.
سميت الاتفاقية باتفاقية الخط الاحمر، تعبيرا عن الخط الذي رسم حول الحدود السابقة للامبراطورية العثمانية ما عدا الكويت. في عام 1929 اعيدت تسمية شركة نفط تركيا الى شركة نفط العراق IPC.
استمر هذا الحال مع شركة نفط العراق وملكيتها الى عام تأميم النفط في عام 1972، وكان قبلها قانون رقم 80 في عام 1961 والذي استعيد بموجبه معظم الأراضي العراقية غير المستثمرة التي كانت تحت امتياز الشركات النفطية والتي كانت تشكل نحو 95 بالمئة من مساحة العراق.
وبعد ما يقرب من 86 عاما ما زال اللاعبون الرئيسيون الاربعة في شركة نفط العراق في عام 1928 - 1929 ضمن اكبر عشر شركات في العالم من حيث الواردات، حيث يحتلون الترتيب الثاني والثالث والسادس والعاشر، وبواردات مجتمعة تعادل 1495 بليون دولار امريكي (واحد بليون يعادل الف مليون اي = 1000000000 وفق المقياس الامريكي والكندي والانجليزي الحديث).