في ذكرى الدكتور عبد الاله احمد..الاعتزال في محراب المعرفة

في ذكرى الدكتور عبد الاله احمد..الاعتزال في محراب المعرفة

كريم الوائلي
اخر لقاء لنا بالدكتور عبد الاله احمد في اتحاد الادباء قبيل ان يطيح به المرض المفاجيء ويغادرنا علي عجل، وقد عرفت الصديق الراحل عن طريق علاقتي بالعائلة الكبيرة وبشكل خاص بأبن شقيقه الباحث العلمي الموهوب في جامعة بغداد المرحوم ثامر عبد الجبار احمد وكان لولعي بالقصة القصيرة السبب المباشر في توطيد العلاقة معه علي الرغم من قلة اللقاءات التي تقع في دار شقيقه بين فترة واخري

وذلك لانشغاله الدائم بأمور التدريس والرسائل الجامعية والسفر وحالة العزلة التي كانت ملاذه الامن واذا كان هناك سببا يدفعني للكتابة عن الدكتور عبد الاله احمد فانه في المقام الاول قلة الكتابة عنه وبشكل خاص من زملائه وطلابه الذين يعدون بالمئات، فهل ان هذا المربي العالم لايستحق من كل اولئك استذكارا مقابل ما اسدي لهم من معروف؟
كان احمد تستوقفه كل قصة قصيرة او رواية تنشر ولايهمه اسم الكاتب وشهرته بقدر ما يهمه المنتج الابداعي وقد ضمت دراساته القيمة اسماء كتاب لم يشغلوا مكانا لافتا للانتباه في التجارب القصصية العراقية ويوم كان يطلع علي ما اكتبه من قصص انشر القليل منها يدعوني الي الاستمرار والمواظبة لكنه يتقبل العذر حين اخبره بان بعض الصحف لا تعنيها التجارب الادبية وهذا يلقي عنده القبول فهو الاخر قد نأي بنفسه عن الصحافة انذاك وقد اهدي لي كتابه الشهير الموسوعي الذي يعد اليوم اكبر مصدر اكاديمي عن نشأة القصة القصيرة العراقية وتجاربها واتجاهاتها وتقنياتها السردية .
وكان الدكتور عبد الاله احمد شديد الثقة بنفسه كما كان ثابت الرأي ولم يعرف عنه انه قد حاد عن قناعاته، ولقد عاش وحيدا معتزلا لا يرتبط بمحيطه إلا بخيوط مخملية مختصرة على ثلة قليلة من العلماء والاكاديميين وبعض افراد العائلة ، ولم ينصفه الدهر كما لم ينصفه الذين اخلص لهم وبذل لهم الكثير من عنايته ووقته ومحبته ، والقريب من الباحث والناقد الدكتورعبد الاله احمد يدرك.ان الرجل من طراز خاص ويعيش في عالم لايشاركه اخر فيه في محيطه الاكاديمي وكان ذلك سببا في عزلته وكذلك في عزوبيته حتي وفاته عدا تجربة قصيرة ومريرة اعطي فيها كل شيء ولم يأخذ اي شيء. ولشدة اعتداده برأيه واحترامه لعزلته عاش في حيز ضيق منفردا في شقته الكائنة في شارع حيفا يتنفس منها عبق دجلة التي زاملها منذ ان عرف الحياة والتي وفرت له الهدوء والتفرد والابتعاد عن المماحكة مع الناس تلك الشقة التي اختزنت بحوثه وانجازاته التي لا نعرف شيئا عن مصيرها بعد ان فارق الحياة . وقد مارس اسلوبا مبتكرا في تجنب الوضع السياسي في مواصلة عمله كأكاديمي وغالبا ما كان طلابه واصدقاءه يتجنبون نفسه الطويل في مناقشته لاطروحاتهم والاكتفاء الي حد ما بالاصغاء اليه وهو يطرح ذخيرته المعرفية الغنية التي تبددت اثناء حياته وبعد مماته لاسباب مختلفة.

الابتعاد عن الادلجة
وتفرد الدكتور عبد الاله احمد بعدم الاذعان لكل الاحزاب والاتجاهات السياسية المعروفة في حينه فكانت اراؤه مقتصرة علي اختصاصه دون ان يؤدلج معرفته او يضيفها الي القوالب الجاهزة تحت اي مسمي كالحداثة او الالتزام الايديولوجي وكان يتعامل مع المنجز المعرفي على انه ابداع وجهد يمثل تجربة فردية في المقام الاول وبقدر صلة التجربة بالتقنية الابداعية والالهام والموهبة وبالواقع المعيش ، ولايمنح رضاه الكامل عن اي منجز ويعتقد ان الرضا عن النفس بداية موت الموهبة وعلي ذلك فقد كان طلاب الدراسات العليا يحسبون له الف حساب واغلب الرسائل الجامعية التي اشرف عليها خرجت اساتذه نجباء واكفاء.
لقد اسهمت عزلتة عن الاضواء في فقدان كم هائل من الدراسات والبحوث التي يرتجلها علي منصات الجامعات دون تدوين او تسجيل وهذا قد جعل من الخسارة مضاعفة واتمني علي ابناء جيله وطلابه واصدقاءه القلة مثل الدكتور داود سلوم والدكتور علي عباس علوان وباسم عبد الحميد حمودي ان يبادروا الي جمع كل مدون او مسجل في بيت الفقيد في شارع حيفا.
ان المؤسف والمؤلم ان لايبادر اصدقاء الدكتور او جامعة بغداد الي اقامة احتفالية له باستثناء الصباحية التي اقامها اتحاد الادباء وهي اصبوحة لم تغطي حياة وانتاج الدكتور عبد الاله احمد الا الشيء اليسير، والذي نتمناه علي جامعة بغداد او وزارة الثقافة ان تبادر فورا الي اعادة طبع كتابه الموسوعي (نشأة القصة العراقية) وكذلك كتابه (فهرست القصة العراقية )
وغيرها.