عبد الجبار عبد الله .. علامة مندائية وضيئة

عبد الجبار عبد الله .. علامة مندائية وضيئة

أولا : ابن الماء والطين والرستة العراقية البيضاء
1. مقدمة: شخصيته ستبقى حية
كنت قد كتبت فصلة دراسية عن سيرة الأستاذ العلامة الدكتور عبد الجبار عبد الله منذ سنوات خلت ، إذ كان احد ابرز الشخصيات ضمن النخبة العراقية التي اعتنيت بها في « زعماء ومثقفون : ذاكرة مؤرخ « . وفي العام 2011 ،

ستمر علينا الذكرى المئوية لميلاد هذا الرجل ، وواجبنا أن نحتفي بها احتفاء يليق بمكانته العلمية والوطنية في حياة العراق إبان القرن العشرين ، خصوصا وان اسمه كان ولم يزل ، يثير أسئلة عدة فضلا عن انطباعات مدهشة عن هذا الرجل الذي يعتبره كل من عرفه معرفة حقيقية ، انه الاستثناء في علمه وأدبه وثقافته وخلقه وأسلوبه المتحضر في الحياة . دعوني أقف اليوم وقفة مطولة عند سيرة عبد الجبار عبد الله وإبداعاته ونضاله وخصاله ..وسواء اتفق البعض معه أو اختلفوا عنه ، فان من الضرورة اليوم ، أن يكون المرء حياديا ومنصفا في تقييم الرموز العراقية من العلماء والأدباء والقادة والزعماء ، واحترام خصوصيات كل واحد منه وخياراته الفكرية والسياسية ، ناهيكم عن دينه أو عرقه أو مذهبه .. ذلك إننا أمام بنية تزدحم بالتنوعات والألوان وتتعدد فيها المضامين والأشكال . ولقد اعتمدت في كتابتي عن عبد الجبار عبد الله على عدة كتابات وذكريات ومقالات ، وأحب أن اذكر منها كتاب الصديق الدكتور ستار نوري العبودي عن العلامة العراقي عبد الجبار عبد الله . أن للأخ العبودي جهده الواضح في تقديم معلومات جديدة عن هذا الرمز العراقي في تاريخ العراق إبان القرن العشرين . وكانت مجلة الثقافة الجديدة ، قد نشرت بعددها المرقم 261 لسنة 1994 – 1995 موضوعا تحت عنوان « مساهمات د. عبد الجبار عبدالله العلمية « مترجما عن نص النعي الذي نشرته جمعية الأنواء الأميركية الصادرة في شهر نوفمبر / تشرين الثاني 1969 ، وكتب النص نيابة عنها اثنان من العلماء الأميركيين المعروفين في حقل علم الأنواء الجوية الأول (أهوروتوزا ) الذي كان أستاذا معه في جامعة ولاية نيويورك في آلباني ، والثاني هو ( جيمس براين ) تلميذه في دراسة الدكتوراه وقد غدا أستاذا في جامعة فلوريدا .. دعونا نرى هنا في مقالتنا هذه عن العلامة العراقي عبد الجبار عبد الله ، نموذجا تاريخيا حيا ومريرا من نماذج العراق العلمية البارزة الذين دفعوا الأثمان الباهظة في حياتهم ، سواء في تكوينه وتألقه وإبداعه .. وانعدام الوفاء إزاءه في بلده ومن قبل العراقيين أنفسهم ، ليسجن ويشتم ويهان ، ثم يشرد إلى ما وراء البحار ليرحل إلى بارئه هناك ، ولكنه يأبى إلا أن يدفن جسده في تراب العراق . دعونا نتوقف عند تجربة هذا العراقي المندائي الأصيل ابن ماء دجلة وابن طين الجنوب وابن الرستة الصُبيّة البيضاء .
2. المراحل الاولى
ولد الدكتور عبد الجبار عبد الله في مدينة قلعة صالح ( لواء العمارة) بولاية البصرة العثمانية عام 1911، في بيت معروف برئاسته الدينية للطائفة الصابئية المندائية، فوالده الشيخ عبد الله ابن الشيخ سام ، كان الرئيس الروحاني الأعلى للطائفة في العراق والعالم. وكانت والدته السيدة (نوفه رومي الناشئ) وهي من عائلة معروفة بين أبناء طائفتها، وشقيقها غضبان الرومي، المثقف والسياسي المعروف، أما زوجه فهي السيدة (قسمة الشيخ عنيس الفياض) ، ووالدها أحد الصاغة العراقيين المشهورين . كتب لي الصديق الأستاذ عربي الخميسي ، قائلا عن الراحل عبد الجبار عبد الله : « عرفته عن قرب وعائلته الكريمة ووالده المرحوم الكنزبري الشيخ عبدالله الشيخ سام رئيس الطائفة الصابئية المندائية في محلة الصابئة المندائيين في مدينة قلعة صالح ، تلك المدينة التي ولدت أنا في أريافها ، ومن ثم انتقلت إليها من الريف ، وبذات مدرستها الابتدائية أنهيت دراستي الابتدائية حيث كانت تلك المحلة تؤلف اكبر محلات تجمع بشري بتلك المدينة ، ومن ثم محلة اليهود في ذلك الوقت . وبحكم المكان والزمان تعايشنا مع الجميع وتعايشوا معنا بوئام وسلام أديان وأقليات من إسلام ويهود وصابئة مندائيين وقلة من المسيحيين « .
وإذا كان مترجمنا عبد الجبار عبد الله سليل هكذا بيت له مكانة عليا عند الصابئة المندائيين ، فالسؤال : لماذا عاش عبد الجبار في كنف أسرة فقيرة، كانت تعاني من شظف العيش ؟ ولماذا انعكست تلك المعاناة المبكّرة على صباه ؟ وهو يتذكرها بالقول: كنت ارتدي الثياب الصيفية في الشتاء، والتجوال حافي القدمين في سنوات طفولتي الأولى. سألت هذا السؤال ، فأجابني عليه الأستاذ الخميسي قائلا : « كان الوضع الاقتصادي آنذاك ضعيفا جدا والأعمال غير متوفرة ومختصره على زراعة الحبوب وزراعة النخيل وبعض محاصيل الأهوار المحيطة وصيد السمك والطيور المهاجرة .. والشيخ عبد الله الشيخ سام كان يعيش مثل غيره في حالة الكفاف رغم ترأسه الطائفة ، وأحيانا يحل محل مختار المحلة عند فقدانه . وكان رجلا محترما جدا من قبل القائممقام والسلطة عامه آنذاك . والجواب على تساؤلكم عن حالة الفقر للشيخ : السبب هو أن رجل الدين المندائي متفرغ بالمطلق لخدمة أبناء الطائفة لوجه الله بدون عوض ، والمعيشة كانت بسيطة جدا ، وخصوصا أن الصابئي المندائي قنوع وصبور في طبيعته ، يكتفي بمعيشته على أكل السمك بشكل كبير تعويضا عن اللحوم وعلى الإنتاج الحيواني مثل اللبن والحليب وعلى الإنتاج النباتي .. والتمر خاصة ، وكل هذه متوفرة لدى صاحب الدار (البقرة وبستان النخيل والاثمار الأخرى ) والسمك من الأسواق بسعر بخس ، وقلما يأكلون اللحم وتحديدا لحم الغنم الخروف فقط وفق أحكامهم الشرعية التي تحرم عليهم ذلك أما المصروفات العائلية للشيخ ، فقد كانت تعتمد على بعض التبرعات البسيطة وغير المعلنة كما تقتضي الاحكام من بعض الوجهاء ، ولهذا والى حد هذا اليوم ، فان رجل الدين المندائي ضعيف ماليا ، وهو راض عن حياته قناعه تامة .. سيدي أنا شخصيا تربيت بكنف عائلة فقيرة أيضا ، وما رواه المرحوم عبد الجبار عبد الله عن حاله كان صادقا في طرحه « ( انتهى النص ) .
يبدو لي أن طفولة عبد الجبار إبان الحرب العالمية الأولى كانت قاسية بحكم الظروف الصعبة التي مرّت بالعراق ، إذ وعى بنفسه ، والانكليز يحتلون البلاد ، وان الدولة تتشكّل وهو في العاشرة من عمره . وكان قد أنهى دراسته الابتدائية في مدرسة قلعة صالح، التي تعد أول مدرسة ابتدائية تؤسس في لواء العمارة. دخل هذه المدرسة عام 1918 وتخرج فيها عام 1925 ، وهو في الرابعة عشرة ، ثم يغادر إلى بغداد ليكمل دراسته الإعدادية في الثانوية المركزية بقلب بغداد عام 1930 ، وهو في التاسعة عشرة عند نهاية مرحلة مراهقته ، متفوقاً بنتائجه على زملائه في الامتحانات ، وتشير بطاقة درجاته الامتحانية إلى ميله الواضح للدروس العلمية ، وخاصة في مادتي الرياضيات والفيزياء ، وسيتفوق فيهما لاحقا . ويبدو واضحا أن عبد الجبار عبد الله قد سبق عبد الكريم قاسم بسنة واحدة أو سنتين في دراستهما بالثانوية المركزية التي كانت قد تأسست ببغداد عام 1918 لتدريس العلوم المدنية ، وان الاثنين مع زملائهما المتميزين آنذاك قد شهدا زيارات الملك فيصل الأول للثانوية ، إذ يقال انه كان يزورها يوميا ويسجل اسمه بلقب المعلم الأول ويراقب التدريسات والأنشطة الطلابية ، ويتحدث إلى المدرسين ويتابع شؤون الطلبة ، ويراقب ميولهم وتطلعاتهم ، وهم يستمعون إليه والى توجيهاته .

3. دراسته الجامعية وحياته الوظيفية الأولى
نعم، لقد عرف عن عبد الجبار بتفوقه بين زملائه في الثانوية المركزية، ولعل ذلك كان سبباً وراء ترشيحه إلى بعثة دراسية خارج العراق. وقد شملت البعثات ستة وعشرين طالباً، من بينهم عبد الجبار عبد الله إلى الجامعة الأمريكية في بيروت عام 1930، لدراسة العلوم ، وخصوصا علم الفيزياء ، فكانت أن مثلت بيروت له وبالذات الجامعة الأمريكية ، انعطافة حقيقية ، ومحطة جديدة ومهمة في حياته، إذ أسهمت بصورة فاعلة في بلورة شخصيته الثقافية والعلمية التي تشكّلت بوضوح بعد تخرجه في أروقة تلك الجامعة ، مع كفاءة عالية بالانكليزية ، وخبرة في المنهج . إن بعثات الطلبة الرسمية إلى الجامعة الأميركية في بيروت على ذلك العهد ، لم يكن رصيدها إلا مؤهلات الطلبة الذين يتم اختيارهم دون أية اعتبارات أخرى ما دام كلهم من العراقيين .
لقد قام لفيف من الطلبة العراقيين بتأسيس أول جمعية طلابية عراقية خارج العراق في العام 1930 .. وضمت كّل من عبد الفتاح إبراهيم ومحمد حديد وعلي حيدر سليمان إلى جانب عبد الجبار عبد الله ، وسيكون لكلّ واحد من هؤلاء شأن كبير في تطور العراق . وكانت هذه الجمعية النواة الأولى للرابطة الثقافية التي تشكلت في بغداد، فيما بعد، والتي أسدت دوراً ثقافياً وطنياً وديمقراطياً خلال عقد الأربعينيات من القرن الماضي ، لتقف إزاء جمعيات أخرى ذات اتجاهات قومية . وأصدرت مجلة أسمها (الرابطة) التي شغل فيها عبد الجبار عبد الله مسؤولية (سكرتير التحرير) منذ صدور عددها الأول عام 1944 .
4. شغفه بالادب العربي والتراث العراقي
كان عبد الجبار عبد الله ميالا منذ صغره للموروث الثقافي لديانته الصبية المندائية ، وكان حريصا على حفظ نصوص عدة من الكنزبرا ، وهو الكتاب المقدس لها بكل ما احتوت تلك النصوص من تعاليم ، وكان يرتلها دوما . كما وعشق منذ صبوته الأدب العربي ، وشغف مع توالي الأيام والسنين بقراءات للشعر العربي بصورة خاصة، ويقال انه كان شغوفاً بالشعر الجاهلي. وحين اتسعت مداركه ، ازداد تعلقه وشغفه بالكتب المتنوعة والمعرفة العامة ، فقرأ الفلسفة والتاريخ إلى جانب كتب علمية مختلفة لا سيما تلك التي تتعلق باختصاصه العلمي. وقيل انه كان يوصي أصدقاءه بقراءة شعر أبي العلاء المعري، والمتنبي، وأبي تمام، وأبي نواس، على أن شاعره المفضل كان الشاعر الكبير محمد مهدي الجواهري. ولذلك لم تكن صدفة أن نجد بين مقتنيات مكتبة عالم فيزيائي كبير كتباً في الأدب العربي، أو معاجم للغة العربية . كما يروي أصدقاؤه وزملاؤه وأبناء عائلته، الذين أكدوا انه كان شاعراً يستأنس للكلمة الجميلة ، ومثقفاً واعياً بأهمية التراث العربي، ومما يؤكد ذلك، قراءته المستمرة للتاريخ بشكل عام والتاريخ الإسلامي بشكل خاص.
لقد جاء في واحدة من المفكرات اليومية للعام 1943 ، والتي تركها والدي القاضي الأستاذ كوكب علي الجميل بعد رحيله عام 1968 ، إذ كان يدون ما يصادفه من أحداث وشخوص لسنوات طوال ، فجاء في مفكرة 1943 ، انه تعّرف ببغداد على أستاذ قدير في دار المعلمين العالية اسمه عبد الجبار عبد الله ، وتوثقت عرى معرفتهما من خلال صديقهما المشترك داؤد الفداغ ( أصبح طبيبا شهيرا ) وهو من البصرة ، إذ حضرا في احد أيام كانون الأول/ ديسمبر 1943 حفل افتتاح منتدى الرابطة الثقافية في بغداد ، وكان الجميل في سنته الأخيرة بكلية الحقوق ، وكان الفداغ في سنته الرابعة في كلية الطب .. وجاء أيضا : إن عبد الجبار عبد الله يمتلك طبعا هادئا ، ويحفظ أشعارا رائعة من العصر العباسي ، ومن خصاله انه سريع الحفظ إلى درجة إن قيلت أمامه أبيات شعر ، حفظها مباشرة ، وهو قارئ على درجة عالية من الثقافة اكتسبها من قراءاته وتعدد وتنوع مصادر ثقافته العلمية والإنسانية، فضلاً عن حرصه على تعلم اللغات غير العربية. ويبدو للمؤرخ ان الرجل كان واسع الاطلاع بحيث نجد ملاحظاته السديدة بشأن المندائيين في هوامش ترجمة كتاب عنوانه « العراق في القرن السابع عشر لتافرينييه « وقد قدم له المترجمان شكرهما على جهده .. كما أن له ملاحظاته أيضا على تاريخ العراق الاقتصادي .. فضلا عن كونه من الأساتذة الذين نصحوا المؤرخة العراقية البرتين جويدة كي تتخصص في تاريخ العراق الحديث . وقد حدثّني الصديق ولده الدكتور ثابت نقلا عن والدته أن زوجها عبد الجبار عبد الله طلب منها وهو في أيامه الأخيرة راقدا في المستشفى أن تأتيه بديوان الجواهري ، وقد ودّع الحياة والديوان بيديه يقرأ أشعاره .
وعليه ، فإنني اعتقد أن الرجل كان واسع المدارك الثقافية، وله مواهب استثنائية ، وذكاء قوي الدرجة ، وكان صاحب علاقات إنسانية مع الآخرين ، ويعتز بتاريخ العراق الثقافي ، مما أهلّه ذلك كله لتكوين وعي وإدراك ومعرفة واسعة مع تفكير خصب وبعد نظر ، وقد تناغمت مع ذلك كله ، وطنية عميقة وحب للعراق وتواضع العلماء .. ألحقها جميعها بمكانة علمية دولية بقي يحافظ عليها حتى رحيله المبكر إلى بارئه في الولايات المتحدة الأميركية .. وترك إرثا علميا يعتز به طلبته ومعارفه وكل من تلقى العلم على يديه ..
5. دوره في تأسيس منتدى (الرابطة) الثقافي
تحدثّنا سابقا أن عبد الجبار عبد الله، كان واحدا من المثقفين العراقيين الذين قاموا بتأسيس « الرابطة الثقافية « في العراق. وهي واحدة من التجمعات الثقافية والسياسية التي حفل العراق بها إبان الثلاثينيات والأربعينيات من القرن العشرين . وهي محطة وضيئة في سيرة مثقفين عراقيين حقيقيين كانوا يؤمنون بالعمل الجمعي سواء كانوا ليبراليين أم راديكاليين أم قوميين .. وكانت فكرة الرابطة قد انبثقت في سني الحرب العالمية الثانية، وكان المؤسسون يأملون ويتطلعون منذ تلك الأيام على انتصار العراق ديمقراطيا ، وهم يحملون همومهم السياسية والاجتماعية ضمن نزعة وطنية عراقية ، ويحلمون بأهداف وتطلعات في التطور والتقدم للعراق .. في حين كان آخرون يعملون في نواد وجمعيات أخرى وهم يتطلعون على انتصار العراق قوميا ، كونه بروسيا العرب وكانوا يحلمون بدوره في توحيد العرب .. لقد وجدت من خلال قراءتي تاريخ المثقفين العراقيين المعاصرين ( كتابي : انتلجينسيا العراق : المثقفون العراقيون في القرن العشرين ) أن المثقفين العراقيين ، كانوا منقسمين إلى اتجاهين وطنيين اثنين إبان النصف الأول من القرن العشرين ، أولاهما راديكالي النزعة ، ويعمل ديمقراطيا من اجل العراق . وثانيهما ليبرالي النزعة ، ويعمل قوميا من اجل العراق .. وقد اصطدم الاثنان لاحقا ! في مثل هذا الخضم ، كان الدكتور عبد الجبار عبد الله قد اختار المحطة الأولى في حين اختار الدكتور عبد العزيز الدوري مثلا المحطة الثانية ، وإذا كانا قد افترقا فكريا منذ البداية ضمن اتجاهين مختلفين ، فلقد افترقا أكاديميا في نهاية المطاف . هذا مثل صارخ على انقسام الثقافة العراقية منذ بدء تكوينها المعاصر وحتى اليوم .
دعونا نبقى في إطار المحطة الأولى ، ففي خضم ذاك المناخ الذي كانت فيه فسحة من الحريات السياسية والفكرية ، فكر عبد الفتاح إبراهيم في تأسيس الرابطة ، التي سينتمي إليها العديد من المثقفين الراديكاليين والليبراليين العراقيين . لقد أعلن عن تأسيسها في ديسمبر / كانون الأول 1943، وضمت قائمة المؤسسين إلى جانب المؤسس عبد الفتاح إبراهيم كّل من الأساتذة : خدوري خدوري، ومخلف العبيدي، وجمال عمر نظمي، وحازم نامق، وجميل عبد الله، فضلاً عن عبد الجبار عبد الله، وناظم الزهاوي ، ومحمد توفيق حسين، وفاضل حسين وكامل قزانجي. وعبد القادر إسماعيل البستاني.
6. أنشطة الرابطة
لقد التحق بالرابطة أيضا العديد من الشباب المثقفين العراقيين ، أذكر منهم على سبيل المثال لا الحصر كّلا من الأساتذة : حسين جميل ، وطه باقر، وكوركيس عواد، وعزيز شريف، وهاشم جواد.. وغيرهم . وكان أن ترك هذا المحور الجمعي بصماته على حياة العراق السياسية والثقافية ، وعّبر عنه جيل مشبع بالحيوية والوطنية ، كان تكوينه ممتازا في ظل عهد الملك فيصل الأول ، ليؤتي أكله اثر الحرب العالمية الثانية .. ويؤثر تأثيرا كبيرا على دول المحيط بالعراق .. وسيكون العراق بؤرة إشعاع نهضوية يقصدها في عقدي الخمسينيات والستينيات ، مئات الطلبة والدارسين العرب ، لينهلوا من عطاء العراقيين وإبداعاتهم . لقد انصرف عبد الجبار عبد الله إلى شؤون الرابطة ، مذ أوكلت إليه مهمة سكرتارية تحرير مجلة الرابطة ، وبقي يكتب في شؤون فكرية وموضوعات اجتماعية.. وقد اطلعّت منذ سنوات على بعض ما كتبه من أفكار متقدمة على زمنها ، وهي مخصبة بوعي وطني ، وتوجه ديمقراطي ، ومسحة اشتراكية .. لكنه لم يقّدم حلولا من لدنه لمشكلات كان يعاني منها اغلب العراقيين .. ونجده في هذا المجال ، يختلف مع الأفكار التي يحملها عبد الفتاح إبراهيم الذي وقف على رأس تلك « الجماعة « المثقفة العراقية الشابة ، وبقي عبد الجبار عبد الله يحترم ذكرى زملائه ويحترم الرابطة التي أسسوها ، وظل وفياً لتلك الجماعة ، وغير بعيد عنها.
لقد كانت أنشطة الرابطة كبيرة من خلال المناقشات والمحاضرات وتشكيل لجان التأليف والنشر، وتأسيس مكتبة خاصة بها، ثم تأسيس شركة للطباعة سميت باسمها ( الرابطة). التي غدت في ما بعد تحت سيطرة الانقلابيين في 8 شباط / فبراير 1963، فآلت ملكياتها إلى الدولة لاحقا باسم دار الجماهير للطباعة . صحيح أن توجهات أعضاء الرابطة المؤسسين الفكرية والسياسية، قد تباينت بين يمين ووسط ويسار ، إلا أن أهدافا وطنية مشتركة قد جمعتهم من دون أي أبعاد طبقية ، أو اختلافات دينية ، أو مفارقات طائفية ، أو شوفينية كما تبلور ذلك في بنية المجتمع العراقي لاحقا ! كانوا جميعا يؤمنون بالديمقراطية والحريات والثقافة العليا وبالتغيير الاجتماعي نحو الأفضل وبناء العراق وتطويره بالسبل الجديدة . كان عبد الجبار عبد الله من أنشط أعضاء تلك الرابطة الشهيرة والمهمة ، وسعى من اجل إشاعة توجهاتها الثقافية ، ولكن بأسلوب تقدمي ، إذ كان الرجل يميل إلى اليسار ، ولم تكن لديه أية طموحات سياسية على خلاف غيره من أعضاء الرابطة الذين تنوعت اتجاهاتهم وتياراتهم ، فلقد دخل عبد الفتاح إبراهيم مثلا إلى الساحة السياسية مؤسسا حزب الاتحاد الوطني لاحقا عام 1946 ، كي يلعب لعبته البرلمانية ولكن بقيت تطلعاته وتوجهاته وأهدافه تدور في ذات الحلقة الفكرية .
7. وظائفه ومناصبه
ومن المستغرب ، أن يعود عبد الجبار عبد الله إلى وطنه بعد تخرجه في الجامعة الأميركية عام 1934 ليعين مدرساً للغة الانكليزية في المتوسطة الشرقية ببغداد، بعيداً عن اختصاصه الذي شغف به ، فقرر العودة إلى مدينة العمارة ثانية ، والعمل في ثانويتها كمدرس للرياضيات والفيزياء حتى عام 1938، إذ ينتقل إلى وظيفة جديدة في الأنواء الجوية بمطار البصرة . وعلى الرغم من أن وظيفته هذه أبعدته عن زملائه من الرموز الجديدة التي جاءت بآراء جديدة في الثقافة والفكر السياسي الوطني ، إلا انه كان مقتنعا كما يبدو بأي وظيفة تشبع رغبته في ممارسة التخصص الذي يعشقه .. كان ذلك إبان عهد الملك غازي 1933- 1939 الذي اتسّم بتصاعد النزعة القومية في العراق ، فانحسرت نشاطات عبد الجبار الثقافية العامة، لكنه عاد ثانيةً لنشر مقالاته العلمية في مجلة (التفيض) البغدادية، فقد نشر مقالته الأولى تحت عنوان « مبادئ النظرية النسبية من بطليموس إلى اينشتاين» . ويبدو انه كان يراسل جمعيات بريطانية وغيرها مختصة بالأنواء الجوية وقد حصّل كما يقال على عضوية الجمعية الانكليزية للأنواء الجوية.
وفي العام 1939 ، كان مصرع الملك غازي ، ونشبت الحرب العالمية الثانية ، وكانت هناك مرحلة مضطربة من تاريخ العراق في أثنائها ، إذ غدا العراق مركز ثقل كبير في منطقة الشرق الأوسط في تجاذبات كل من الحلفاء والمحور ، وانقسم العراقيون إلى قسمين سياسيا بتأثير تلك التطورات المخيفة ، وضمن حملات التعبئة العسكرية التي أقدمت عليها الحكومة آنذاك، ينخرط عبد الجبار عبد الله في خدمة الاحتياط كضابط في الجيش، ويعود بعدها إلى مطار البصرة حتى عام 1941 الذي شهد أحداثا ثقيلة في العراق ، وبعد أن هدأت الحال اثر القضاء على حركة رشيد عالي الكيلاني ، ينتقل الرجل بعد تسريحه من الجيش إلى بغداد للتدريس في الثانوية المركزية التي كان طالبا فيها إبان العشرينيات ، ويبقى فيها لغاية أيلول 1943 ، أستاذا لمادة الفيزياء للصف الخامس الثانوي رفقة زميله وصديقه الأستاذ هاشم الحسني. وكان عبد الجبار عبد الله قد عيّن مشرفا على امتحانات الباكالوريا للصف الخامس الثانوي عام 1942 في مدينة الموصل التي قدم إليها لهذه الغاية ، فقام بذلك أحسن القيام .. تمضي الأيام ، ويلمع اسمه من خلال أنشطته وضبط عمله وإخلاصه لمؤسسته ، فتسنح الفرصة له مجدداً أن يتمتع ببعثة دراسية على حساب الحكومة العراقية ، لنيل شهادة الدكتوراه في جامعات الولايات المتحدة عام 1944 ، وتمكن بفضل موهبته العالية من انجاز المهمة عام 1946 ، فيعود إلى العراق لتدريس اختصاصه في دار المعلمين العالية.
8. في دار المعلمين العالية
وكانت تلك « الدار « تعد من أمهات المدارس الأكاديمية في الشرق الأوسط كله إبان النصف الأول من القرن العشرين نظرا لقوة مكانتها العلمية ، وثقل أساتذتها اللامعين ، وإبداعات طلبتها الرائعين .. دعونا ننقل عن الصديق المؤرخ الدكتور إبراهيم خليل احمد ما سجله من ذكريات أحد خريجيها وهو الأستاذ التربوي المخضرم نزار المختار ، قائلا : « وأورد الأستاذ المختار أسماء عدد من الأساتذة العرب الذين درسوه ومنهم الدكتور حلمي شاكر سمارة ( فلسطيني ) وجورج البارودي ( لبناني ) وإسماعيل حقي ( مصري ) وإميل جبر ضومط ( لبناني ) والدكتور محمد كامل النحاس ( مصري ) والدكتور شريف عسيران ( لبناني ) .. ومن الأساتذة العراقيين الدكتور داؤد نصير وبهجت النقيب وسعيد صفو ومحي الدين يوسف وعبد الله عبوديا وسعدي الدبوني والدكتور محمود كنونه والدكتور جابر الشكري والدكتور سليم النعيمي والدكتور جابر عمر والدكتور محمد حسين آل ياسين والدكتور حسن الدجيلي والدكتور نوري جعفر .. وممن لم يدرسه الدكتور خالد الهاشمي والدكتور عبد الحميد كاظم والدكتور احمد عبد الستار الجواري والدكتور عبد العزيز الدوري والدكتور جاسم محمد الخلف والدكتور زكي صالح والدكتور عبد الجبار عبد الله والأستاذ خضر عبد الغفور والدكتور إبراهيم شوكت وجميع هؤلاء الأساتذة كانوا مشهورين ومتميزين ليس على صعيد العراق بل على الصعيد العربي كذلك بسبب مؤلفاتهم ونشاطاتهم العلمية « ( انتهى النص ) . نعم ، إنها كوكبة رائعة من ابرز الأسماء الأكاديمية التي تخرّج على يديها العديد من المبدعين العراقيين والعرب الذين درسوا في تلك الدار الأكاديمية العراقية الشهيرة قبل تأسيس جامعة بغداد .
9. رأي احد طلبته فيه : ما قاله الدكتور عدنان الظاهر
كتب الصديق الدكتور عدنان الظاهر أستاذ العلوم المعروف ، كلمة مختصرة ومؤثرة جدا عن أستاذه الدكتور عبد الجبار عبد الله ، ويلخص فيها من يكون هذا الإنسان العراقي قائلا : « من هو المندائي الآخر في دار المعلمين العالية ؟ إنه البروفسور الأشهر الدكتور عبد الجبار عبد الله . كان الأستاذ عبد الجبار مضرب المثل الأعلى في علمه وأخلاقه ومسلكه . كان طلبته يقدسونه تقديساً . كان بعض أصدقائي الحلاويين وغيرهم من طلبته يحكون عن علمه الأعاجيب. أتذكر منهم علي حسين وتوت وعبد الوهاب عبد الشهيد والمصلاوي حكمت فرجو والصديق النبيل أدور حنّا الساعور . بعد ثورة الرابع عشر من تموز عام 1958 أصبح الدكتور عبد الجبار رئيساً لجامعة بغداد بعد منافسة مشهورة بينه وبين الدكتور عبد العزيز الدوري حسمها عبد الكريم قاسم بترجيح كفة الأستاذ عبد الجبار . ما زلت أتذكره كيف كان حريصاً على أداء رسالته التعليمية السامية وتربية شباب العراق إذ لم تمنعه مهمات رئاسة جامعة بغداد المعقدة من مواصلة التدريس بكل دقة . كنت أراه يأتي دار المعلمين العالية يقود سيارة جامعة بغداد بنفسه تعففاً من أن يقودها السائق المكلف بقيادتها . كانت سيارة فورد صالون أمريكية ماركة فورد سماوية اللون تحمل علامة ( رئاسة جامعة بغداد رقم واحد ) . ما كانت تهمه المظاهر أبداً ، فكان يأتي صيفاً وهو رئيس جامعة بغداد بقميص أبيض وبنطرون لا غير . لا بدلة كاملة ولا ربطة عنق . عرف العراقيون ما جرى لهذا العالم الجليل إثر إنقلاب الثامن من شباط / فبراير عام 1963 من إعتداءات وسجن وإبعاد من الوظيفة فأُضطر إلى مغادرة العراق والعمل والعيش في الولايات المتحدة الأمريكية إذ كان موضع تقدير وترحيب عاليين من قبل بعض الجامعات الأمريكية . غادر الدنيا في أمريكا وأظن إنه أوصى أن يدفن تحت تربة العراق ، وطنه ووطن أجداده الأقدمين . يشرفنا أننا طلاب تلكم المرحلة أن يرعى البروفسور عبد الجبار عبد الله حفل تخرجنا صيف عام 1959 في ساحة ملعب الإدارة المحلية الكبيرة الواقعة في حي المنصور من بغداد . خطب في هذا الحفل عبد الكريم قاسم يقف إلى جانبه المرحوم عبد الجبار رئيس جامعة بغداد « .
ثانيا : من الأمانة والرزانة إلى الاهانة والزنزانة
حياته الاكاديمية ورئاسته جامعة بغداد
1. بدايات الحياة الاكاديمية
تسنح الفرصة للرجل مجدداً في التمتع ببعثة دراسية لنيل شهادة الدكتوراه في جامعات الولايات المتحدة عام 1944 ، فغادر إلى هناك ، وحصل عبد الجبار عبد الله على شهادة الدكتوراه في العلوم الطبيعية ( الفيزياء ) من معهد مساتشوست للتكنولوجيا MIT في الولايات المتحدة الأميركية ، وهو من أهم المعاهد العلمية في العالم .. وتمكن بفضل موهبته العلمية العالية من انجاز مهمته في وقت قصير ورجع عائدا إلى وطنه عام1946 حاملا شهادة الدكتوراه ، ليمارس تخصصه في دار المعلمين العالية التي كانت تعد في تلك المرحلة من أهم المعاهد العلمية في الشرق الأوسط كله . وشغل عبد الجبار عضوية مجلس جامعة بغداد منذ بداية تأسيسها، وكان وجوده في المجلس فاعلاً ونشيطاً على عهد مؤسسها ورئيسها العالم العراقي الشهير الدكتور متي عقراوي وكان أول رئيس للجامعة ، فكان أن اشتغل بمعيته وكيلا له رفقة الدكتور عبد العزيز الدوري . وعند حدوث ثورة 14 تموز / يوليو 1958 أحيل الأستاذ متي عقراوي على التقاعد ، فتحول وكيله عبد الجبار إلى منصب الرئاسة من الناحية الفعلية. وأمين عام لها حتى شهر شباط / فبراير 1959 ، إذ صدر مرسوم جمهوري بإناطة مهمة الرئاسة إليه، بعد تنافس شديد مع الدكتور عبد العزيز الدوري ، وهو شخصية علمية لامعة أخرى . ويقال ان متى عقراوي ارسل تبريكاته لزميله عبد الجبار عبد الله من خارج العراق الذي تركه بعد 14 تموز / يوليو 1958 ، قائلا في رسالته : « أني اشعر باطمئنان شديد ، فالجامعة اصبحت بايدي آمنة « ( نص الرسالة بحوزة الدكتور ثابت عبد الله ) .
2/ مشكلة رئاسة جامعة بغداد وحسمها :
نعم ، لقد تسلم عبد الجبار عبد الله مسؤولية الجامعة، في أوضاع سياسية محتدمة بين تيارين سياسيين عراقيين متعارضين تماما ، تيار يمثله الزعيم الركن عبد الكريم قاسم وحلفائه من الشيوعيين والديمقراطيين والتقدميين ، وتيار يمثله العقيد الركن عبد السلام عارف وحلفائه من القوميين والناصريين والبعثيين ، فانعكس ذلك على شخصيتين علميتين اثنتين ، وجدت كل واحدة ضالتها عند هذا التيار أو ذاك باحتدام الجدال والنقاش في الأوساط السياسية والعلمية حول المرشح لرئاسة الجامعة آنذاك. ومن الطرائف التي رواها المؤرخ خليل إبراهيم حسين في واحد من كتبه أن الفريق الركن نجيب الربيعي رئيس مجلس السيادة بعد تموز / يوليو 1958 ، اعترض على ترشيح الدكتور عبد الجبار عبد الله رئيسا لجامعة بغداد كونه ينتمي إلى الصبة المندائيين ، فردّ عليه احمد محمد يحي وزير الداخلية قائلا : « نريد إماما للجامعة، لا إماما لجامع يؤم المصلين « !
ويكتب لي الأستاذ الخميسي حول هذا « الموضوع « بالذات قائلا : « أريد أن أوضح لكم سيدي نقطه أراها مهمة حول تسمية هذا العالم كرئيس جامعة بغداد بعد إحالة الدكتور متي عقراوي على التقاعد بعد ثورة 14 تموز وكنت حينذاك عن قرب وعلى اطلاع حول الكيفية ومن كان المنافس والمعترض .. وكما كتبه أيضا الدكتور نجيب محيي الدين رئيس نقابة المعلمين آنذاك القصة كالآتي :
3/ قصة الرئاسة
يقول الخميسي : « طلبت الحكومة من مجلس الجامعة الذي كان يضم عمداء الكليات وآخرين وفق نظام الجامعة المعمول به آنذاك لترشيح ثلاثة من أساتذة هذه الجامعة ، فترشح كل من الدكتور عبد الجبار عبد الله ، والدكتور عبد العزيز الدوري ودكتور آخر ( لم نتوصل إلى ذكر اسمه في البداية ، ولكن بعد نشر المقال في ايلاف ، اتصل بي الصديق الاستاذ الكبير محمد البلداوي واعلمني بأن الشخص الثالث المرشّح كان الدكتور صادق الخياط عميد كلية البيطرة وقتذاك ، وهو اخو الاستاذ المعروف جعفر خياط المترجم العراقي المعروف ) وقام مجلس الجامعة بإرسال ملفاتهم إلى مجلس الوزراء ، وبعد دراسة مستفيضة لملفات المرشحين من قبل مجلس الوزراء طرحت الأسماء لتصويت المجلس . وكان من الحاضرين الفريق الركن نجيب الربيعي رئيس مجلس السيادة لذلك اليوم رغم انه غير معني بها ، ولم يحضر إلا نادرا ولن يكن من مهماته التصويت أو الاعتراض لأن الأمر يخص رئاسة الوزراء ، وبعد الفرز تبين أن أكثرية الأصوات حازها عبد الجبار ويليه الدكتور عبد العزيز الدوري .. أما الثالث فلم ينل أي صوت وعلى هذا الأساس ، أعلنت النتيجة .. كل هذا جرى والزعيم عبد الكريم قاسم كان صامتا ولم يتكلم أبدا إلا الربيعي أبدى اعتراضه بحجة أن المنتخب من أبناء الصابئة المندائيين ، ولا يمكن أن يتولى الجامعة من غير المسلمين فرد عليه وزير الداخلية احمد محمد يحيى قائلا ( سيدي إحنا نريد رئيس جامعه مو إمام جامع ) فسكت الجميع وهكذا تم انتخاب عبد الجبار عبد الله بطريقه ديمقراطيه وليس عن طريق فرض من الزعيم عبد الكريم قاسم أو غيره لمؤهلاته الكبيرة دون منازع « ( انتهى النص الذي كتبه لي الأخ عربي الخميسي ) .
أما الصديق الدكتور رشيد الخيون ، فقد أورد في مقال له عن عبد العزيز الدوري النص التالي : « قال الدكتور صالح احمد العلي موضحاً حيثيات تولي عالم الفيزياء عبد الجبار عبد الله (ت 1969 ) بدلاً عن عبد العزيز الدوري لرئاسة جامعة بغداد، مع أن الأخير كانت له خبرة تأسيس كلية الآداب وإدارتها لسنوات: «كان القانون يقضي أن يرشح مجلس الجامعة أسماء ثلاثة تختار الجهة العليا أحدهم لرئاسة الجامعة، وقد حاز الدكتور الدوري أكثر الأصوات، وتلاه الدكتور عبد الجبار عبد الله، ثم مرشح ثالث وضع اسمه لتكميل العدد... ولكن عبد الكريم قاسم اختار عبد الجبار عبد الله للرئاسة، فتوسع التباعد بين الدوري وعبد الجبار» (مجلة الجديد في عالم الكتب والمكتبات) . وانقسم الجمهور العلمي والأكاديمي إزاء العالمين إلى يساريين مع عبد الله وقوميين مع الدوري، وظل الحال عليه حتى شباط 1963، يومها اعتقل عبد الجبار عبد الله لأنه كان محسوباً على اليسار وعبد الكريم قاسم، ليصبح مؤرخنا ـ ويقصد الدوري ـ رئيساً للجامعة لكن وسط أجواء ملبدة وحرجة جداً « .
4. الزعيم عبد الكريم قاسم يحسم الامر
ولكن رواية تاريخية أخرى تقول بأن مجلس الوزراء قد اختار عبد العزيز الدوري بالإجماع ، ولكن رئيس الوزراء الزعيم عبد الكريم قاسم أصّر على أن يكون عبد الجبار عبد الله رئيسا لجامعة بغداد ، إذ انه حسم مسألة الاختيار على أساس تقدمية عبد الجبار عبد الله إزاء قومية عبد العزيز الدوري ناهيكم عن منطلق معرفته الأكيدة بكفاءة عبد الجبار ومنجزه العلمي وموهبته النادرة، حين رد بالقول: إن الثورة لا تفرق بين مذهب، ومذهب، ودين وآخر، بل جاءت لوضع كل إنسان عراقي مهما اختلف دينه وقوميته، وشكله في المحل المناسب. ويرى العديد من العارفين ، إن سمعة عبد الجبار عبد الله العلمية العالمية، وكفاءته العلمية، وصفاته الأخلاقية، واستقلالية تفكيره، ومنهجيته الصارمة والدقيقة كانت كلها عوامل أهلته لان يحتل هذا الموقع بجدارة وإخلاص. وخلال توليه هذه المسؤولية، قدم الكثير من أجل بناء وتطوير هذا الصرح العلمي، على الرغم من قصر الفترة التي تسنّم فيها رئاسة الجامعة. لقد كتب تلميذه أولا وزميله وصديقه المخلص الدكتور عبد الكريم الخضيري الأستاذ في جامعة بغداد لاحقا موضوعا تحت عنوان ( عبقري الجيل ) يسرد الخضيري في مقالته المذكورة بالتفصيل والإسهاب الشيء الكثير وذلك بحكم قربه مع د عبد الجبار عبد الله أثناء دراسته في أميركا ومن ثم العمل سوية ورفقته الطويلة معه وعلاقته العائلية الشخصية يكتب عن الراحل تفاصيل دراسته وتدريسية في الجامعات الأميركية وانجازاته ونظرياته العلمية في مجال علوم الأنواء الجوية ومن ثم يوضح جليا رؤية د عبد الجبار للنهوض بالواقع العلمي للعراق في ذلك الوقت وفي المستقبل وعن كيفية إدارته لجامعة بغداد حين توليه رئاستها كما يتطرق بعض شيء عن نمط حياته وحتى الأيام الأخيرة منها.
5.خدمات الرجل لجامعة بغداد
ومما قاله الدكتور الخضيري في مقالته خلال توليه رئاسة جامعة بغداد واقتبس منها ما يلي : –كان الدكتور عبد الجبار عبد الله يسابق الزمن للنهوض بمشروع الجامعة ولذلك شجع الأساتذة العراقيين في الخارج للعودة إلى الوطن ليشغلوا مواقعهم في الجامعة الوليدة وفي ذات الوقت نشط حركة إرسال البعثات العلمية إلى الخارج بالتعاون مع مجلس الوزراء ومديرية البعثات.. ومن الأمور التي شغلت باله كثيرا مسألة الكادر الوسطي أو الفني .كان يرى الزيادة في حملة الشهادات الجامعية ستؤدي إلى قلب الهرم في عدد المثقفين إذا لم تقترن هذه الزيادة بتوسع مقابل في أعداد الكادر الوسطي من حملة الدبلوم واعتبر أن معالجة المسالة مهمة من مهمات الجامعة لذلك أنشأ عددا من المعاهد .. يلتحق بها من أكمل الدراسة الثانوية ليمضي بها سنتين مثل معهد اللغات ، ومعهد الإدارة العامة ، ومعهد الغابات ، ومعهد التمريض .. وانصرف في الجانب المقابل إلى العناية بقمة الهرم وإعداد دراسات الماجستير والدكتوراه .. وقرن هذه المهمة بالعمل لتنشيط البحث العلمي وكان يرى أن تنشيط البحث العلمي .وكان أول معهد ينشأ للبحث والدراسات العليا هو معهد بحوث المناطق القاحلة ، ليجري البحوث في النباتات العراقية المقاومة للجفاف والملوحة ،ولدراسة التربة وإيجاد الحلول لمشكلة الملوحة التي تهدد مستقبل الزراعة ،ودراسة البيئة وقد قبل عدد من الطلبة لدراسة الماجستير فيه ،وتولت الجامعة الإنفاق عليه وعين الدكتور رسول كمال الدين مديرا له وقد أصبح هذا المعهد من بعد نواة ل ( مجلس البحث العلمي ) ولأول مره أيضا تفتح كلية الزراعة في أبي غريب أبوابها لطلبة الماجستير عام 1960 – 1961 غير أن هؤلاء الطلبة أرغموا بعد شباط / فبراير 1963 على ترك دراستهم العلمية وافلح بعضهم في إكمال دراسته العليا بالخارج. كان عبد الجبار عبد الله يؤمن تماما بأن الجامعة ينبغي أن تكون محايدة سياسيا ، aولم يقبل أن يتدخل أحد بشؤونها .. وكان ينزعج من تصرفات بعض القوى السياسية في داخل الجامعة ، ويرفض ممارساتها كلها .
العالم الفيزيائي : عين الاعصار
حدثني صديقي المهندس طالب مطلك أن خاله جليل شّلال كان قد درس في ثانوية العمارة إبان نهاية الثلاثينيات من القرن العشرين ، وكان مديرها الأستاذ عبد الجبار عبد الله السام الذي كان يدرّس الرياضيات .. واستطرد قائلا إن الطلبة كانوا يتعجبون عندما يرون أستاذهم يأتي صباحا وهو يحمل بيده مظلة والدنيا مشمسة ، فيقولون له : أستاذنا الدنيا اليوم مشمسة ، فلماذا تحمل الشمسية ؟ فيقول لهم : عندما أعود إلى بيتي ستكون الدنيا ممطرة ، وما أن يأتي عصر اليوم حتى تتلبد السماء بالغيوم لتنهمر مياه الأمطار ، فيمضي الأستاذ عبد الجبار إلى بيته وقد حمل مظلته تقيه المطر ، فكانوا يعجبون لتنبؤاته ! ويبدو أن هوايته وشغفه بالأنواء الجوية ومعرفته بحركة الرياح قد تمكنّت منه قبل أن يذهب للتخصص في هذا المجال .
لما كان عبد الجبار عبد الله قد عمل في الأنواء الجوية ، فلقد شاع انه قد تخصّص فيها ، علما بأن ليس له علاقة بالأنواء الجوية ، وان تخصصه ومعظم أبحاثه بما فيها رسالة الدكتوراه كانت حول ديناميكا حركة الكتل الهوائية من مناطق الضغط العالي باتجاه مناطق الضغط الواطئ، وعلاقتها بما يسمى بالموجات الهوائية الصدمية ، كما اشتغل حول الأعاصير والرياح القوية والزوابع ، دارسا أسباب وطرق تولّدها والعوامل التي تساعد على نموها وأخذها أشكالها النهائية. كان خبيرا بطبقات الهواء المتباينة، وعلاقات تلك الطبقات مع بعضها البعض. ودرجات حرارتها، وأسباب اختلافها عن بعضها وفرق الضغط بينها، إضافة إلى دراسته العوامل والمؤثرات التي كانت تلعب دوراً مهماً في حدوث ونمو وتكامل الزوابع والأعاصير. ولقد خصص قسماً من أبحاثه لدراسة قلب الإعصار الذي يدعى (عين الإعصار) ، وله معادلاته الرياضية وتنبؤاته بصدد الأعاصير وكيفية مواجهتها والاستجابة لتحدياتها في البر والبحر .. والمدن . لقد عالج في أطروحته نظرية الأمواج الجوية وتزايد طاقة مثل هذه الأمواج بواسطة سرعة مجموعتها . ومن أعماله الأخرى أيضا : دراسة التأثير الميكانيكي لموجة الهواء البارد على حدوث الأعاصير الحلزونية المدارية وتأثيراتها ، وحدوث الزوابع ، مستخدما أسلوب الأعداد البيانية في اللوغاريتمات على قضايا الأنواء الجوية، ومعالجة قضاياها ، كما ودرس الموجات الجوية المنفردة واحتمالات وجود مثل هذه الموجات في الهواء الجوي. وأثبت وجود ذلك فعلاً، كما بين إمكانية حدوث مثل هذه الموجات في الهواء الجوي، وكيف إنها قد تؤدي إلى خلق نشاط انتقالي يسبب بدوره نشؤ إعصار قُمعي(على شكل قُمع). باتت دراسته بهذا الشأن طليعة الحقل الخاص من العلوم الذي أصبح يُعرف ب Mesometeorology والذي أزدهر، وغدا فرعاً مهماً من علم الأنواء الجوية ”.ولما كان عبد الجبار فيزيائيا ماهرا ، فلقد درس شكل الحزم الحلزونية للإعصار وكيفية تكوّنها. فضلا عن سرعة الرياح ، وأستطاع توضيح شكل وسلوك الحزم الحلزونية في الإعصار سواء الحزم المنفردة منها أو المجتمعة. وبين أيضاً أن توضيح طبيعة الحزم الحلزونية يساعد على إعطاء معلومات مهمة عن طاقة الإعصار. إضافة إلى ذلك ألف الرجل وترجم عدة كتب مهمة منها، كتاب (الصوت) لطلبة الفيزياء في الجامعة، فكان خير مرجع لهم ولأساتذتهم. كما ترجم، مع زميل له، كتاب (مقدمة في الفيزياء النووية والذرية) لمؤلفه هنري سيمات ، وهي ترجمة أفادت أجيالاً من الفيزيائيين، طلبة وأساتذة. إضافة إلى أبحاثه العلمية قام بعمل تدريسي وتربوي كبير. فقد درّس في جامعة بغداد وفي كليات ومعاهد ومدارس أخرى .عبّر عبد الجبار عبد الله في أكثر من مناسبة عن آراء وأفكار قيمة عن كيفية النهوض بالبحث العلمي وبمجمل العملية التعليمية والتربوية في العراق. آمل في إمكانية التطرق إلى ذلك في وقت آخر.
آراؤه التربوية وفلسفته
تقوم فلسفة عبد الجبار عبد الله على المعرفة مرتكزا أساسيا للمجتمع ، والإيمان بدور العلم في تطوير حياة الإنسان ايماناً مطلقاً، كما يؤمن بالإنتاج والإبداع البشري ، وان خير مقياس عنده من اجل تقدير تقدم المجتمع، هو مقدار ما ينتج فيه من بحوث علمية ، وإبداعات معرفية . وهو يؤكد هذه النزعة في حديثه عن العلاقة بين العلم والمجتمع ، بقوله: « البلد المتأخر هو ثقافة متأخرة، والثقافة هي جميع الطرق للعمل أو التفكير التي تعلّمها الناس في تاريخهم الحافل بالتطور. ولأن المجتمع (أي مجتمع) لا يمكن أن يعيش بمعزل عما يجري من حوله من تطورات علمية في مختلف صنوف الحياة. فلابد له من مواكبة التطورات التي تجري من حوله « . ويرى الرجل أن الجامعة باعتبارها المؤسسة العلمية الأولى ، يمكن لها ان تأخذ بيد المجتمع في التقدم بعد أن عرفت واجباتها نحوه. ويقترح عبد الجبار عبد الله مشروعاً تنموياً وحضاريا لتحقيق هذا الغرض الذي يضع الجامعة في خدمة المجتمع ، ولكي تقوم بهذا الواجب الاجتماعي الكبير. فلابد لها أن تنشئ لها كياناً وتقاليد خاصة بها تميزها عن سواها بمرتكزات وثوابت لا يمكن الحياد عنها ، ويأتي في مقدمة تلك الثوابت والمرتكزات : خلق العرف الجامعي واحترامه ، وتفعيل دور الجامعة في المجتمع ، الإيمان بقدرات الأجيال الجديدة ، الحرية الأكاديمية الفكرية ، وأخيرا استقلالية الجامعة باعتبارها سلطة معرفية . وأكد الشرطين الأخيرين في أكثر من مناسبة. بقوله : « إن الحرية الأكاديمية لا تأتي بالرغبة المجردة، ولا تتحقق بالنية وحدها، بل لابد من ممارستها دوما ، ولابد من التوصل إليها بالتجربة المضنية الطويلة «. أما استقلالية الجامعة كونها سلطة معرفية لا يمكن التدخل بشأنها ، فكانت متأصلة في فكر الرجل ، وظل يعمل من اجلها، بتحديد مضامينها وأساليب تطبيقها، لكي تكون جزءاً من حياتنا العراقية ، ومستقراً في دواخلنا ، ادراكاً منه بالترابط الوثيق بين الاستقلال الوطني واستقلال الجامعة. والإقرار بحتميتهما في الحياة .
وينتبه الدكتور ستار العبودي في كتابه عن الرجل ، كثرة استعاراته أقوال الفلاسفة وكبار رجال الفكر، في أحاديثه ونقاشاته. إذ يستعين بحكمة الفيلسوف الصيني (كونفوشيوس)، وطروحات (غاليلو) ، وكتابات الفيلسوف (بيكون)، أو العودة للأساطير القديمة، والموروث الثقافي العربي والإسلامي، وتاريخ العراق القديم والحديث. ومحاولته استخدام قصص الخيال العلمي. وجميعها تشير إلى سعة اطلاعه ، وفيض قراءاته ، وثقافته العامة، وعمق تفكيره ، فضلاً عن تمتعه برؤية ثاقبة للإدارة التربوية الناجحة.
مواصفاته وخصاله العراقية
كان عبد الجبار عبد الله كما روى الصديق الأستاذ عربي الخميسي في مقال رائع له عنه وقد توثقت العلاقة بين الاثنين مذ سكن الاثنان في دارين متقابلين بمنطقة العلوية ببغداد عام 1959 ، وبحكم الترابط العائلي صار قريبا منه ، فذكر الخميسي أن عبد الجبار عبد الله صاحب كلمة نافذة ، ويهتم بالشأن العام ، ويقّدس الحياة العراقية ، ويهتم بالجوانب المدنية لا العسكرية .. أنيقا على الدوام ، إذ كان دائم الاعتناء بقيافته منتظما ، ويقدّس المواعيد والزمن ، ونزيها نظيف اليد ، بحيث لا يستخدم السيارة الحكومية إلا كي توصله شخصيا إلى مقر عمله وترجعه إلى بيته ، إذ قد حّرم استخدامها شخصيا لبيته علما بأن سيارة متواضعة خاصة كان يمتلكها ، وهي صغيرة من نوع فولكسواكن بيتلز . كان متواضعا جدا ، لا يتقبل الاطراء عليه من الاخرين ، ولا يقبل أن يفتح له احد باب السيارة ، فلا يفّخم نفسه ولا يعظمّها .. عاملا ونشيطا لساعات طوال من النهار والليل ، وقد ينتهي الدوام الرسمي ، لكنه يأبى المغادرة إلى حين إكمال أعماله . كان يقدّس حياته العائلية ويرعى بيته وأطفاله مع معاملتهم بلطف كبير موجها ومرشدا رفقة زوجته التي كانت تعمل معلمة في إحدى المدارس . كان بيته أهم مكان لديه ، إذ يقضي وقته في عمل دائب وقراءات متنوعة وأبحاث عديدة . كان هادئا ومنسجما مع نفسه والآخرين . ويستطرد الأستاذ الخميسي قائلا عنه : « إن هذا الرجل إنسان أبي َنزيه النفس ، لم ولن يستغل وظيفته الرسمية ومركزه الإداري كرئيس جامعة .. لأغراضه الشخصية ! فهو لم يطلب دارا أوسع ، أو سيارة خاصة ، أو سعيا لنقل زوجته لمدرسة اقرب ، ولم يتخذ أي موقف محاباة أو وساطة لأي فرد من عائلته أو غيرهم بالمطلق طيلة توليه مهام وظيفته حتى يوم الانقلاب ... وكان بإمكانه الحصول عليه لو أراد ذلك ومن المرحوم الزعيم عبد الكريم قاسم مباشرة.... كنت أهاب التحدث معه لا خوفا منه ولكن لوقاره وورعه ، ويخال لي بتصوفه وزهده وقناعته التي لا حدود لها ، راهبا مندائيا متصوفا ، فهو يفرض احترامه على من يتحدث معه دون أن يشعر به المقابل بلا نرجسيه أو تعصب ، يحترم رأي المقابل ويصغي إليه باهتمام« !
عمله في مجال الطاقة الذرية
لقد حرص الدكتور عبد الجبار عبد الله على أن يمتلك العراق مصادر الطاقة الذرية للأغراض السلمية في الفترة التي شغل فيها منصب نائب رئيس لجنة الطاقة للفترة من 1958 ـ 1963، وتعد تلك المدة من أهم وأغنى المراحل التاريخية في الحصول على المعلومات المهمة في مجالات استخدام الطاقة في مختلف الفروع العلمية. وينبغي القول أن اهتمام العراق في هذا المجال قد تأخر عن موعده بعض الشيء . لقد أتيحت للدكتور عبد الجبار عدة فرص وتجارب سابقة إبان مرحلة دراسته أن يتعّرف على كثير من أسرار الطاقة الذرية . ويبدو واضحا لنا جميعا وبعد مرور نصف قرن على بدء المشروع وأفكاره في العراق ، إن عبد الجبار عبد الله كان واحدا من ابرز المؤسسين للمشروع من الذين عملوا بجد ومثابرة وإخلاص ، كي يؤسس لمجال الطاقة الذرية في العراق ، وقدم عدة إسهامات وبحوث ودراسات ، كما وترجم عدة مصادر بهذا الشأن ، فضلاً عن دوره في اختيار الموقع المناسب لبناء الفرن الذري للبحوث في بغداد.
اعتقاله واهانته عقب انقلاب 8 شباط