في الدفاع عن جدارية فائق حسن

في الدفاع عن جدارية فائق حسن

سعد القصاب
لم يزل الاهتمام والتقدير لأي منجز إبداعي ، رهنا بالسياسي ، بل وتحت وطأة قراره وأحيانا مكرمته .أشير هنا ، الى تلك الأعمال الفنية التي لاقت قبولا لافتا من قبل الآخرين ، بأسباب فرادتها وتعبيرها الجمالي الصادق عما هو انساني ، سواء في توصيفها لوجوده أو تمثيلها لخبرته الحية . فلطالما قرأت تلك المنجزات من خلال توصية سياسية مفترضة ،

والتي سوف تتبدل لاحقا ، جراء تحولات السياسة ذاتها وتغيّر وجهات نظرها ، وهو ما جعل من تلك الأعمال تخضع لإعادة تقييم دائم وقراءة جديدة مزعومة . ان السياسي لدينا ، لا يتصور أي تجربة إبداعية ، ثقافية كانت أم اجتماعية ، الا من خلال مفارقات المحتوى والمعنى وتضادهما ، بذريعة ما يؤمن به أو يدعيه . ما دام في وضع يؤهله لاحتكار الصواب ، بل والوصاية على كل شيء ، من التدخل في حياة الآخرين حتى الحكم على طرز العمارة وأساليب الفن .
إشكالية كثيرة الالتباس ، كان ثمنها خسارات معلنة للعديد من منجزات إبداعنا الوطني . ولكم ان تحصوا عدد الأعمال الفنية والجداريات والنصب ، التي تعرضت للــــــــخراب أو للتدمير والغياب .
وحده نصب الحرية ، ربما ، كان محظوظاً ولم يتعرض إلا إلى القليل من القرارات الرسمية وجهلها . ووحدها أيضا في الجانب الآخر ، جدارية " فائق حسن " من تحملت تلك الإساءات، التي تمثلت بحجم الإهمال ، العبث ‘ غياب التقدير الذي وصل حد نكران وجودها . على الرغم من كون هذه الجدارية توازي أهمية "نصب الحرية " ، سواء في دلالتها الجمالية أو خصوصية مضمونها العراقي . فهي تحمل الرموز ذاتها التي احتفظت بتعبيرها المتألق عن كل ما هو وطني . إلا أن تحييدها جاء بسبب فهم سياسي ساذج ، جعلها في موقع الاتهام . ما دعا إلى إخفاء احد مفرداتها الفنية الأكثر براءة ، حمامة " فائق حسن " بزعم إنها شعار سياسي .
إن هذه الجدارية عدا ما تنطوي عليه من بلاغة صورية وفنية متمكنة ، هي كذلك ، إحدى إنجازات الفنان الرائد " فائق حسن " ، أكثر الرموز تقديرا وأصالة بين مبدعي العراق . وجداريته التي تشخص وحيدة وفريدة مثل سيف ، في الباب الشرقي مركز العاصمة العتيدة "بغداد" ، تستحق الكثير من اجل إعادة بهائها الذي فقدته منذ ما يقارب الربع قرن .