التحقيقات مع المتهمين بقتل المرحوم جعفر باشا العسكري

التحقيقات مع المتهمين بقتل المرحوم جعفر باشا العسكري

الحلقة الثانية
د. محمد حسين الزبيدي
بعد اغتيال المرحوم بكر صدقي وبعد تأليف الوزارة الجديدة من قبل فخامة جميل بك المدفعي وبعد عودة جواد من ايطاليا وعودة نوري السعيد الذي كان موجوداً في مصر من جهة أخرى قام ذوو المرحوم جعفر العسكري بأخذ الثار من قتلته وكان الكل يعلم جيداً أن قتله كان واضحاً وهو أولا بأمر من قائد الحركة الانقلابية

وان القائمين هم من صغار الضباط ما عليهم إلا إطاعة الأمر بحذافيره نظرا لما تقتضيه القوانين والأنظمة العسكرية من ضرورة
إطاعة ما يملي عليهم أمراؤهم من الأوامر العسكرية طاعة عمياء لا تشوبها شائبة مطلقة وبالعكس فان الضابط الذي يرفض أمر قائده وهو قائم بمثل هذه الحركة الوطنية المحبوكة تمام الحبك ومسددة تمام التسديد يعتبر خائنا لامته ووطنه وقائده ومصيره الموت الزؤام حتما بأقل إشارة من فم القائد في مثل هذه الحالة، إذن فما ذنب هذا الضابط المسكين لمؤاخذته عن عمل قام بتنفيذه بأمر قائده الثائر وهو مكره لا بطل؟ وثانياً فلم لم يطلب هؤلاء السادة التحقيق عن مقتله قبل اغتيال بكر صدقي أو يأخذوا على الأقل الثأر منه مباشرة أثناء وجوده بينهم مرات عدة أثناء الحفلات المقامة له إذ كان أكثرهم ضباط تحت إمرته؟ فلو كان لا حدهم اقل جرأة وشجاعة فبدلاً من إن يقدم بيده كأس الويسكي أن يفرغ مسدسه في رأس هذا القائد حيث كانت الفرصة مواتية له انتقاما لمقتل عمه ولم يحاسبوا الرئيسين المرحوم حسيب الربيعي وعبد المطلب عن تسليم بقية الرسائل المرسلة من قبل المرحوم جعفر باشا إلى بعض رؤساء الوحدات التي يعتمد عليهم ويثق من أخلاقهم في حين إنهما سلما تلك الرسائل إلى المرحوم بكر صدقي ما سبب اشتداد غضبه وحنقه في أمر قتله بينما وصل هذان الشخصان إلى أعلى الرتب في الحكومة أو لم يحاسبوا الرئيسين الحاج شاكر القره غولي وطاهر محمد والعقيد يوسف العزاوي لتسليمهم المرحوم جعفر باشا إلى الرئيس إسماعيل توحلة الذي تأبطه شرا إلى ساحة الموت عندما رأوا بأم أعينهم الخطر محدقا به أفليس كان بإمكانهم عدم تسليمه أو منعه جبراً عن الذهاب لمواجهة المرحوم بكر صدقي والرجوع به إلى بغداد ولم لم يقتل الرئيس الحاج شاكر القره غولي او احد زميليه بكراً عندما واجهوه في مقره. ثم ماذا اجاب بكر صدقي عندما قال له الحاج شاكر (جئت بوزير فهل ارجع بحقيته) فأجابه اذهب واعمل كذا وكذا فلم ينبس ببنت شفة بل اطاع امره بكل خنوع وخشوع كما اطاع الضباط الصغار تنفيذ امر المرحوم بكر صدقي بقتل المرحوم جعفر باشا اليس كان بامكان الحاج شاكر او احد جماعته بعد ان علم بمقتل المرحوم جعفر باشا ان يقتلوا بكرا وجها لوجه انتقاما له حيث كانت الفرصة ملائمة ولماذا لم يقوموا بذلك اذن اليس كل ما تقدم ان يلزم الضابط اطاعة ما فوقه اطاعة عمياء بخلاف رأي نوري السعيد ولم لم يحاسبوا العقيد شاكر الوادي الذي اشترك في حركة الانقلاب واقترح حرق جثة المرحوم جعفر باشا لإخفاء معالم الجريمة كما تقدم اذن فماذا كانت نتيجة كل واحد من هؤلاء، فقد أصبح معززا مكرما فيما بعد كلهم وأصبحوا أبطالاً من ابطال التأريخ ومتنعماً برتب ووظائف عالية في الدولة او في الجيش كأن لم يكن مقصرا تجاه المرحوم جعفر باشا تركوا السادة هؤلاء كلهم وتمسكوا بصغار الضباط المساكين الذين أدوا واجب الإطاعة لتنفيذ أوامر قائدهم وطلبوا اتخاذ الإجراءات القانونية بحقهم وقد تناسوا أن قانون العفو عن مدبري الانقلاب 1936/10/26 رقم 14 لسنة 1936 قد صان وحمى هؤلاء الضباط من التبعات القانونية ضدهم ذلك القانون الذي صوت عليه ممثلو الأمة اجمعهم ورحبوا ببطولة القائمين بالانقلاب المذكور واقترن بموافقة السدة الملكية كما كان قانون العفو العام قد صان الأشخاص الذين قاموا بالحركة الوطنية التي أدت إلى اغتيال المرحوم بكر صدقي في شهر آب 1937 من التبعات القانونية أيضا: كان السيد طارق العسكري قد واجه جواد بعد تشكيل وزارة المدفعي وناوله عريضة معنونة لحاكم التحقيق باسم جواد يخبر فيها قاتل والده والذين اشتركوا معه ولما كان هذا الطلب غير معقول لان جواد كان احد الحاضرين في مقتله فاعتذر من تقديم هذا الطلب بعد استشارة جماعة من أرباب القانون وغيرهم فلم يكن من السيد طارق العسكري إلا وقدم العريضة باسمه الى حاكم التحقيق طالبا انزال العقوبات القانونية بحق قتلة والده المرحوم فلم ير حاكم التحقيقات بدا من اصدار الامر بتوقيف كافة الذين لهم علاقة بموضوع القتل ومن جملتهم المقدم جميل فتاح والرئيس اسماعيل توصلة وجواد والملازم جمال جميل لإجراء التحقيقات معهم، فعندما عدت انا للبيت بعد انتهاء الدوام الرسمي من الوزارة بتاريخ 12 تشرين الثاني 1937 شاهدت الأهل بحالة نوح وبكاء فاستفسرت الخبر واذا بالرئيس عامر حسن وجندي انضباط قد اخذ جواد قبل مدة قصيرة من مجيء إلى ثكنة الخيالة الواقعة في باب المعظم، فلم اكد اسمع الخبر الا وذهبت فوراً الى الثكنة المذكورة دون تناول الغذاء بغية الاستفسار عن سبب التوقيف فشاهدت جواد والمقدم جميل فتاح والملازم جمال جميل في إحدى غرف مدرسة المخابرة فعلمت منهم أنهم أوقفوا بناءً على طلب حاكم التحقيق في تهمة قتل المرحوم جعفر العسكري فطمأنتهم وواسيتهم بان لا خوف عليهم مازال قانون العفو رقم 4 لسنة 1937 قد حماهم من اتخاذ التعقيبات القانونية بحقهم وقد ناولني جواد رسالتين للاحتفاظ بهما نظرا لأهميتهما التاريخية الأولى من الملك غازي إلى بكر صدقي يثنيه فيها عن دخول الجيش العاصمة بغداد والرسالة الثانية من جعفر العسكري إلى بكر صدقي يأمره فيها.... وهكذا، ثم عدت للبيت وطمأنت الأهل بان لا خوف على جواد وسيطلق سراحه قريبا جدا بعد انتهاء التحقيقات اللازمة ثم أخذت الفرشة وطعام العشاء اللازمين له إلى الثكنة ثم طال توقيف الجماعة حوالي ثلاثين يوما بدون إتمام التحقيقات معهم وكان يزورهم بين آونة وأخرى المرحوم الفريق أمين العمري الذي كان آنذاك رئيساً لأركان الجيش وكان يطمئنهم هو الأخر بالإفراج عنهم بين لحظة وأخرى كانت التشبثات التي بذلتها انا وجماعتي لدى رجالات الدولة المسؤولين لسرعة إكمال هذه التحقيقات وصدفة كنت في بناية المحاكم أترقب قضية الجماعة إذا بمعالي احمد بن مختار الذي كان آنذاك حاكما للتحقيق يخبرني بقرب انتهاء التحقيق غير ان الجماعة نفذ صبرهم بحيث قدموا عريضة استرحام الى فخامة وزير الدفاع بالتعجيل بانهاء التحقيقات لدى المراجع القضائية وهذا نصها:. فخامة وزير الدفاع المحترم بواسطة سعادة رئيس أركان الجيش المحترم سيدنا:. رغما عن أن الجريمة التي اتهمنا بارتكابها مشمولة بقانون العفو العام فقد أبقينا موقوفين مدة طويلة ليأخذ التحقيق القضائي مجراه الطبيعي غير انه مضى ما يقارب الشهر على تاريخ اخذ افادتنا من قبل حاكم التحقيق واستكملت (على ما نعلم) جميع وسائل التحقيق الممكنة ولم يصدر حتى الآن اي قرار حاسم في القضية سلبا كان ام ايجابا. وحيث ان بقاء القضية موقوفة بالرغم من انتهاء التحقيق واستكماله مما لا مبرر له ويوجب مغدوريتنا وبقائنا موقوفين بدون ضرورة التجائيا إلى مراجعة فخامتكم رغم اعتقادنا بان فخامتكم لم تأل جهدا في المحافظة والذود عن حقوق الضباط راجين التفضل بالايعاز الى المراجع القضائية المختصة بتعجيل انهاء القضية ولفخامتكم وافر الاحترام 14 كانون الاول 1937. الملازم الطيار جمال جميل الرئيس جواد حسين المقدم جميل فتاح ومع تدخل وزارة الدفاع بالامر لم تكمل هذه التحقيقات واحالتها الى محكمة جزاء الكبرى الا بعد ما يقارب الخمسة واربعين يوم من توقيف الجماعة. ولدى درس وتدقيق القضية من قبل المحكمة المذكورة من كافة وجوهها القانونية ظهر لها جليا انها تتعارض مع قانون العفو العام رقم 9 لسنة 1937 لذلك قررت الافراج عنهم حالا وهكذا اخذت انا نسخة من هذا القرار وذهبت مسرعا حالا وجمعت امتعة جواد بسيارة احد الاصدقاء وحملتنا انا وجواد الى البيت وهكذا اسدل الستار عن هذه التهمة فهل اكتفى السادة السيد طارق العسكري وجماعته بهذه النتيجة القانونية وانقطع الدس والغلواء من صدورهم.؟ الجواب كلا والحبل على الجرار بعد هذه الفترة احيل جواد على التقاعد بناء على رغبته وتناول مكافأته ثم سافر الى روما لغرض اكمال دراسة هندسة الطيران بصورة اوسع حيث لم يجد له عمل في وطنه واستغل مروره في مصر فرغب بمواجهة نوري السعيد في استجمامه في الذهبية المعدة له على شاطئ النيل ليعتذر له ويطلب الصفح عنه وليبين له تفاصيل حركة الانقلاب وبراءته من قتل المرحوم جعفر باشا العسكري براءة الذئب من دم يوسف غير انه رفض مواجهته حيث كان حاقداً عليه كثيرا وهو معذور حقا اذ اغتاظ منه وهكذا رجع بخفي حنين واستمر في سفرته الى روما.. وقد اذاع الرئيس حقي عبد الكريم وهو احد اقرباء نوري السعيد ان جواد ذهب الى القاهرة لقتل نوري باشا فتصور الى اية درجة حلت بجماعة العسكري والسعيد من نصب العداء والبغضاء لجواد وقد حصلت في تلك الاونة في بغداد انتقادات مرة موجهة ضد رجالات الدولة حول عدم ايجاد عمل لجواد في وطنه بينما الاجانب يعيشون ويرتعون بكثرة في هذا الوطن وان ابنائه البررة الاصليون يهجرونه الى الخارج طلبا للرزق وقد علم بذلك فخامة المدفعي حيث كان انذاك رئيسا للحكومة ووزيرا للدفاع فطلبه رسميا بواسطة وزيرنا المفوض في روما فخامة مزاحم امين الباجه جي لغرض تعيينه مديرا للطيران المدني في جمعية الطيران العراقية التي كانت تحت اشراف وزارة الدفاع حيث كان فخامة المدفعي رئيسا اعلى للجمعية المذكورة وهكذا انقذ فخامته الموقف وعاد جواد مجيبا لدعوة فخامته وقد باشر عمله في الجمعية المذكورة بحيث اخذ على عاتقه نقل المسافرين بين المدن العراقية الرئيسة كالبصرة والموصل وكركوك والعمارة وكان ينقل احيانا بين هذه المدن بعض الاشخاص البارزين والتجار مجانا لغرض تشجيع مشروع الطيران في البلاد باعتباره مشروعا حيويا يرفع رأس العراق وشانه، كما ان المغفور له الملك غازي الاول قدمه الى بلاطه وكلفه بان يكون طياره الخاص غير ان رغبة جواد كانت شديدة في تأسيس وتوسيع مشروع الطيران في البلاد وخارجها في البلاد العربية لبث الدعاية الحسنة للخطوط الجوية العراقية وبنفس الوقت لم يرد شرف خدمة صاحب الجلالة فأصبح طيارا خاصاً لجلالته ومديرا للخطوط المذكورة وهكذا نزل عند رغبة الملك والشعب معاً.
الفصل الثالث المؤامرة المزعومة لقلب حكومة نوري السعيد بعد تشكيل حكومة السيد نوري ا لسعيد خلال سنة 1939 لم يرق للسيد نوري السعيد ان يبقى القائمين بالحركة الانقلابية لسنة 1936 (حركة بكر صدقي) يسرحون ويمرحون في البلاد دون معاقبتهم وكذلك لم يرق له ولولده السيد صباح ان يريا جواد يتقرب ويجالس مع من يجالسهم المغفور له الملك غازي بالشكل الذي شاهداه وصدق من قال بان نوري السعيد قال لاحد صحبه في احدى المجالس بانه سيأخذ الثار للمرحوم جعفر باشا من ثلاثين شخصا انتقاما لدمه لذلك فما كان منه الا ان دبر المؤامرة الخيالية المزعومة بقلب الحكومة التي سيرد البحث عنها مفصلاً في هذا الفصل بواسطة احد اقربائه الرئيس البيطار حلمي عبد الكريم والتي امكن بواسطة هذه المؤامرة زج هؤلاء الاشخاص المساكين ممن اشتركوا في حركة الانقلاب وخاصة المتهمين بقتل المرحوم جعفر باشا في اعماق السجون مع طرد واخراج القسم الاخر منهم من الجيش على ان يتعهد السيد نوري السعيد انقاذه من التبعات القانونية الموجهة ضده بهذه المناسبة كما تبرهن الدلائل الاتية على ذلك
1 - قال الرئيس البيطار حلمي عبد الكريم لسموالامير عبد الاله بان تدخل الجيش في السياسة امر غير صحيح كما جاء في افادة سموه.؟ اذن فكيف استطاع هذا الضابط ورفيقه الرئيس عبد الهادي وهما من الضباط الصغار تدخلهما في السياسة.
2- وهل يصح بأن حلمي عبد الكريم وهو قريب للسيد نوري السعيد ان يعمل ويطلب اغتياله وزملائه الوزراء وبعض الرجال العسكريين في المؤامرة كما جاء ذلك في افادة سمو الوصي.
3- وهل يصح ان يقبل سموه بان تقام المؤامرة المزعومة للفتك والقتل في قصره كما جاء ذلك في افادة سموه.
4- وهل يصح بقاء كل من الزعيم شاكر علي والعقيد قاسم شكري وصالح صائب وعباس فضلي وعلي غالب اسماعيل في الجيش ممن ورد اسمهم في افادة سموه بانهم سيأخذون بعض مناصب الاشخاص الذين سيغتالون في تلك المؤامرة بينما هم تدرجوا الى اسمى المرتبات العسكرية في الجيش بعد ان انكشفت هذه المؤامرة
5- تدبير انقاذ حلمي عبد الكريم من عقوبة الاعدام بالاشغال الشاقة المؤبد.
6- دس الرسالة المزورة من قبل عدنان العسكري وعبد الوهاب الشيخ علي في امتعة اسماعيل عباوي عندما اجرى التحري في بيته في الموصل.
7- تدبير شهود التزوير الذي افتضح امرهم اثناء اخذ افادتهم من قبل هيئة المجلس العرفي. توقيف جواد بينما كنت نائما في بيتي دق الباب وكانت الساعة حوالي الثالثة بعد منتصف الليل واذا برضيعتي الصغيرة تذرف الدمع مدراراً واخبرتني بان الشرطة اخذوا جواد الى مركز السراي فأسرعت بارتداء ملابسي وذهبت معها الى بيت والدتي لاخذ الفراش اللازم الى المركز ومعرفة الخبر عن سبب توقيفه فلم اسمع غير كلمة (مااعرف) (اشمدريني) وبعد ان سلمت الفراش الى الشرطة لايصالهاالى جواد عدت الى البيت مصحوباً بالاسى والقلق الشديد على جواد ولم تغمض عيني مطلقا حتى الصباح الى ان اتت سيارة صاحب الجلالة المغفور له الملك غازي على عادتها لاخذ جواد الى قصر الزهور لركوب الخيل مع جلالته صباح كل يوم وافهمت السائق بالامر وسلمته الرسالة المختصرة التي كتبها جواد بيده قبل ان يخرج من البيت مع الشرطة يخبر جلالته بتوقيفه بعد ان وضعها في غلاف يناسب مقام جلالته وعنونت الرسالة بيدي الى جلالته وهكذا رجعت السيارة مسرعة من حيث اتت اما انا فأخذت طعام الى جواد في مقر الشرطة فلم اجده فيه فقيل لي انه نقل الى جهة غير معلومة وهكذا عدت بطعام الفطور الى البيت متألما واعلمت امي بالامر واشتد بكائها من جديد فسلمنا امرنا الى الله الواحد فأضطررت الى ترك داري والانتقال الى بيت والدتي والسكن مع الاهل لغرض التخفيف من الكأبة والحزن الذي اصابنا جميعاً وبعد مرور ايام معدودة على توقيف جواد ولدى عودتي الى البيت اخبروني الاهل بان جواد طلب محامي للدفاع عنه في المجلس وهو الان موقوف في معسكر الرشيد ففرحت نوعا ما لهذا الخبر للعثور على جواد وفي الصباح الباكر ذهبت توا الى بيت المحامي عبد العزيز السنوي وبسطت له الامر فرفض الطلب مستغربا من المجلس هذا. وقد تشبثت انا وجماعتي كثيرا لايجاد محامي اخر يتوكل للدفاع عن جواد فلم نفلح في بادئ الامر نظراً لأن الخوف والوجوم قد ضرب اطنابه في بغداد نتيجة فرض الاحكام العرفية في البلاد وبعد بذل الجهود المضنية الكثيرة تمكنا بفضل جماعتنا واخص بالذكر منهم معالي كامل بك الجادرجي من اقناع المحامي الاستاذ عبد الرزاق شبيب بالموافقة مبدئيا على شرط ان يساعده اخر في هذا الدفاع وبالاخير تمكنا من اقناع الاستاذ عوني النقشلي للاشتراك بمهمة هذا الدفاع واجرينا المراسيم الاصولية اللازمة لذلك وفي اليوم المعين للمرافعة استصحبناهما بسيارة تاكسي الى معسكر الرشيد حيث مقر المجلس العرفي العسكري ولدى وصولنا باب معسكر الرشيد اوقفنا امر الحرس وافهمناه الغاية من دخولنا المعسكر فدخل الى آمر المعسكر واخبره بالامر فسمح للمحامين فقط بالدخول والحضور في مقر المجلس العرفي واما انا فمنعت من ذلك فبقيت منتظراً في غرفة الحرس الواقعة في باب المعسكر الى ما بعد الظهر فرجع المحاميان وهما يتذمران من وضعية هيئة المجلس نتيجة ما لقياه من المعاملة الجافة جدا منها ودون السماح لهما بالكلام اذ لا اعتراض على بعض النقاط القانونية مطلقاً فقلت لهما اذن فما كانت النتيجة فأجابني الاستاذ عبد الرزاق شبيب اما الحكم عليه بالاعدام واما الافراج عنه فتصور وضعيتي في تلك اللحظة ولكن الاستاذ عبد الوهاب محمود رأني وطمأنني بعدم اعدام جواد مطلقاً فشكرته على كلامه لان صهره اسماعيل نامق كان قائد القوات العسكرية ولابد ان اطلعه على هذا الامر كما ان السيد جزمي سليمان قد جاء لبيتنا ليلة اصدار الحكم واكد لوالدتي ذلك ايضا وهكذا ارتحنا نوعا ما وهدأت نفوسا وحمدنا الباري عزوجل لابقاء جواد حياً وهنا يتحدث جواد عن سير المحاكمة والوقائع قائلاً: في 15 /3 / 1939ركوب حلمي في الطيارة عن طريق الصدفة الى كركوك توقيف طيران الخطوط الجوية بعد سفرة واحدة الى الشمال واخرى الى الجنوب كما مفصل في مذكرة مديرية الخطوط الجوية واجتماع الهيئة الادارية لجمعية الطيران للبحث في طلب وزير الدفاع اخبار كل من فائق السامرائي وخليل كنه لي بورد اسمي كثالث شخص في القضية التي توقف الضباط من اجلها! تعجبت للاخير ايما عجب الى ان جاء الشخصان المذكوران (بعد ان واجه فائق معالي رشيد الكيلاني عن قضيتي) بعد ليلة او ليلتين ونفيا خبر الاشاعة علي وذلك مساء الاحد - 5 /3 /1939 - 6 / 3 / 1939الساعة 2/30 صباحا توقفت في شرطة السراي الحال مبكية شدة الجزع والهلع في البيت في تلك اللحظة طلبت من المفوضين ورقة جلب ولكن بدون جدوى كمخابرتي احد الاخوان والاتصال في طلب اخي ليكونا شاهدين في اخذي للشرطة لي (لطيفة) بين لي احد المفوضين بعد ان اغلق الباب ان عندنا احد نريد تسفيره بالطيارة ليلاً؟!.... هذا الامر من رجل عاقل يعلم بما له وما عليه من الحقوق والواجبات (كمواطن مخلص لوطنه) امضيت الليلة في غرفة واسعة جرداء ذات رائحة نتنة ومجاري الاقذار ظاهرة ولكن الحمد لله الذي مكنني من جلب فراشي من البيت بواسطة مدير شرطة بغداد (وجيه بيك) ونقلني الى غرفة مقابلة للاولى اصغر منها وفيها نافذة وطلب الي ان لا اهتم فان الامر سهل انشاء الله اخذت في سيارة (باص) مع فراشي الى جهة مجهولة بعد الظهر بقيت حوالي (2/5) ساعة وظهر في الاخير اننا الى معسكر الرشيد قاصدون وكان هناك شرطة وانضباط عسكري ومفوض ادخلت في سيارة خالية من الاثاث وسد الباب علي في مطعم مدرسة النقلية الالية الى ان حل وقت اخذي امام هيئة عسكرية ظهر لي من ترتيبها بانني امام مجلس عسكري فرأيت في المجلس (الرئيس حلمي البيطار) واخر شديد الحمرة بل قريب جدا الى اللون الاسمر عرفت بعدئذ انه الرئيس عبد الهادي وكان المجلس مؤلفا ممن تلي اسمائهم حسب مجلسهم من هذا المجلس. عضو عسكري المقدم محمود حلمي حاكم مدني عبد العزيز الاعرج رئيس المجلس العرفي العسكري العقيد عزيز حاكم مدني معروف جياووك عضو عسكري المقدم جواد المدعي العام العقيد مصطفى المتهمين المقدم جواد قال رئيس المجلس بأني جلست كشاهد فأقسمت بالقرآن على ان اقول الصدق وشهدت في قضية ركوب حلمي معي في الطيارة مع مرافق صاحب الجلالة في احدى سفراتي الى الموصل وكركوك لنقل البريد كما هو معلوم والمنهج المنشور في الصحف المحلية وان ركوب هذا المكان كان عن طريق الصدفة المجردة اذ حضر هو في المطار وسألني اذا كان لدي مانعا من اخذي له في الطيارة الى كركوك فأجبت بالنفي فطرت الى كركو ك وبعد اعطاء بريد بغداد واخذي بريد الموصل ونزول حلمي سافرت برا الى الموصل فتناولت الغذاء في مطعم الضباط مع ضابط الخفر وعدت متحركا في الساعة 1350 فوصلت كركوك فأجريت عملية البريد وتركت كركوك برا الى بغداد مع المرافق وحلمي وان لي معه تعارفاً لا اسميه صداقة ولم اكن معه عند ضرب موعد مطلقا ولم اقل اي شيء اخر واذا بنائب الاحكام المدعي العام يتهمني باشتراكي مع حلمي عبد الكريم بمسألة لم احلم بها من قبل حسب مواد ودلائل فقرات الخ... ما لم افهم … وعلى كل نفيت كل دعوى علي وافدت بأنني في هذه القضية برئ مما تنسبونه الي وليس لي اية علاقة مباشرة في هذه القضية ولاشك بان حلمي الذي ركب معي يؤيد قولي ففهمت بأنه بين عني ما بينت وكان يهاجمني شديداً المدعي العام ومعروف جياووك ومحمود حلمي وانا اصد هجماتهم وبدأت عصبيتي تزداد لهذه التهمة التي يحاول هؤلاء لصقها بي لأمر في انفسهم ولقد سررت ببعض اسئلة الرئيس التي بينت في جوابها بأنني قد نقلت كثيراً غير حلمي في سفراتي وقد سالني الرئيس اذا كنت بحاجة الى محامي فقلت لا احتاج الان ولكن ساطلب محاميا عندما ارى هناك ضرورة وحاجة فأنتهى الامر وكان المساء فذهبوا بي الى محل التوقيف بمعسكر الرشيد وادخلت في غرفة صغيرة بشعة الشكل والمنظر خالية من فرشة على سرير بال وطاولة وكرسي وتبلغ مساحتها سبعة اقدام مربعة فيها باب حديدي وشباك دائري قطره حوالي عقد والذي زاد في هلعي في ظلمي سماعي صوتاً عرفته انه صوت اسماعيل عباوي صائحاً (جواد) فبدأت افكر ماذا عسى ان يجمعني مع هؤلاء الناس وانا لم اخالط او اجالس او اشتغل مع احدهم في شيء ظاهري او باطني وهكذا ترد فكرة وتذهب اخرى وتسود الدنيا تارة وتضحك تارة اخرى وبقيت اكثر ذلك المساء لم اشتهِ تناول الطعام حتى استسلمت الى سلطان النوم فكان خير مجير لي من هذه المحنة والتبلبل الفكري المقلق.