العراق في العهد العثماني

العراق في العهد العثماني

منذر جواد
لقد انعكست تأدية جهاز الإدارة السيئة وعدم كفاءة الموظفين الأتراك على شؤون الإدارة المالية كما هو في كل الأمور الأخرى، كانت ميزانية الولايات العراقية في بغداد والبصرة والموصل تعاني عجزاً مالياَ دائمياً، مما يؤدي بالإدارة لغرض سد هذا العجز بأن تفرض ضرائب إضافية على الناس،

هذا إضافة إلى وجود عدة دوائر مالية حكومية، كل منها تقوم بجباية الأموال على حدة وتحويلها إلى العاصمة استنبول ومن هذه الدوائر، دائرة الواردات العامة ودوائر انحصار التبغ ودائرة الأوقاف ودائرة الأملاك السنية التي استحدثت بعد الانقلاب العثماني وعزل السلطان عبد الحميد والاستيلاء على كل أملاكه واعتبارها أملاكاً للدولة، ودائرة الديون العثمانية.
كانت الحكومة تهيئ قوات من الجيش لترافق الهيئات التنفيذية التي تجبي الضرائب مما يحدث بعض الاصطدامات بين هذه القوات وبين الناس، وحتى في هذا فان استحصال هذه الضرائب لم يكن قواعد ثابتة، بل كان يجري تقدير قيمتها في كل سنة على الزراعة والمواشي وغير ذلك، وغالباً ما يكون هذا التقدير من قبل موظف كل همّهُ الرشوة والاختلاس.
وعندما قامت الحرب تغيرت الأحوال بعض الشيء، حيث دمجت بعض دوائر الواردات ببعضها والغي البعض الآخر، إضافة إلى تمرد الكثير من الفئات وامتناعها عن دفع الضريبة. ورغم كل هذه الواردات الضريبية التي تستحصل من الناس فلم يكن يصرف منها إلا اليسير جداً لأغراض بسيطة لا تكاد تذكر.
كان اغلب استيفاء الرسوم الكمركية في ولاية البصرة حيث أنها مركز الحركة التجارية للعراق كله استيراداً وتصديراً، ويتم استيفاؤها كما هو الحال في استيفاء الواردات الأخرى دون ضوابط معينة أو قواعد ولكن بعد احتلال البصرة من قبل القوات الانكليزية في الحرب العالمية الأولى أنيط استيفاء الرسوم الكمركية بشركة بريطانية هي شركة (كري مكتري)، وعندما زادت حركة الاستيراد بعد توسع الانكليز في الاحتلال، أعفيت هذه الشركة من هذه المهمة، وانتدب لها ضابط من مصلحة الكمارك الهندية يدعى المستر (واتكيتر) فأخذ هذا على عاتقه تنظيم شؤون الدائرة التي بقيت حتى عام 1917 حيث أخضعت الرسوم الكمركية لإشراف لجنة الواردات.وكانت الرسوم البحرية للكمارك تجبى من قبل محصل الكمارك المختص المرتبط بلجنة الواردات مباشرة، اما الكمارك البرية والتي كانت تجبى في مختلف المناطق على حركة البضائع الواصلة عن طريق البر، فقد كانت يجبي رسومها موظفون مختصون مرتبطون بالحكام السياسيين لهذه المناطق .
وكان في بغداد في العهد التركي دائرة كمارك مركزية يرأسها مدير عام مسؤول أمام الدوائر المختصة في استنبول، وكانت هذه الدوائر تستحصل الرسوم الكمركية على كل الواردات من البضائع والسلع التي تصل من إيران مثلاً للاستهلاك المحلي، وكذلك استيفاء الرسوم على البضائع المارة عن طريق العراق للدول المجاورة الأخرى (الترانسيت)، أما بعد احتلال بغداد فقد أسست دائرة كمارك مؤقتة تابعة للجنة الواردات تحت إشراف الحاكم السياسي، وبعد ذلك انفصلت هذه الدائرة المؤقتة في عام 1918مم من لجنة الواردات وأنشئت لها دائرة خاصة بها.
أما بالنسبة للأوقاف فقد كانت في العهد العثماني وبمختلف تبعيتها الطائفية والدينية لدائرة واحدة أسست في منتصف القرن التاسع عشر تعمل تحت إشراف وزارة الأوقاف في اسطنبول، وكانت واجبات هذه الدائرة الإشراف وإدارة الأملاك الموقوفة وتنظيم شؤون المساجد والجوامع والمراقد. وكانت هذه الدائرة تجمع واردات الأملاك الموقوفة وتخصص أنواع صرفها بواسطة هيئة دينية مؤلفة لهذا الغرض، وعندما تبقى أية فضلة من هذه الأموال فترسل الى وزارة الأوقاف في اسطنبول. ومن الطبيعي فان الفساد الإداري والاختلاس كان سائداً لدى موظفي الأوقاف كما هو في بقية الدوائر الأخرى، فأهملت القضايا التعميرية والإصلاحية للمساجد والجوامع والعتبات المقدسة.
وضعت دائرة الأوقاف بعد الإحتلال الانكليزي تحت اشراف دائرة الواردات وقامت بتفتيش الاملاك الخاضعة للأوقاف، فتولت اجراء الترميمات والاصلاحات على هذه الاملاك ودفع رواتب أئمة الجوامع وغيرهم من رجال الدين. وألزم موظفو الأوقاف بضبط حساباتهم بموجب سجلات خاضعة للرقابة والتفتيش، كما استفاد الفقراء والمحوجون من الناس من هذه الواردات عن طريق الإعانات التي قدمت لهم، ومع كل هذه المصروفات الكثيرة التي صرفت على مختلف الأمور الوقفية فقد حصلت فضلة كبيرة في الأموال في نهاية عام 1918م. كما قام الاحتلال بفصل الأوقاف السنية عن الأوقاف الشيعية وكذلك عن بقية أوقاف الديانات المسيحية واليهودية. وأسست لكل نوع منها دائرة أوقاف خاصة بها.
وعودة إلى كيفية جباية الضرائب وأنواعها وخاصة الزراعية منها، فقد كانت حصة الحكومة من محاصيل الحبوب هي العشر وقد أضيف إلى هذا العشر ضرائب أخرى بلغت 2.5% فأصبحت الحكومة تتقاضى ضريبة مقدارها 12.5% من المحاصيل الزراعية، وقد كانت هذه الضرائب وخاصة في المناطق الشمالية تستحصل عن طريق الالتزام، حيث تعلن الحكومة مزاداً للالتزام في استحصال الضرائب، فيقع المزاد على أحد المزايدين بمبلغ معين يدفعه للحكومة ويقوم هو باستحصال الضرائب من المزارعين حسب هواه بما يحقق له الفائدة والربح، وكانت قيمة الضريبة تقدر بالتخمين على أكداس المحاصيل، ويخضع ذلك أيضاً لإرادة المخمن وهواه ومقدار ما يتقاضاه من الرشوة.
كما كانت الرسوم المدفوعة عن الأغنام والبقر والمواشي الأخرى (الكودة) والتي تقدر بتسعة قروش عن الرأس الواحد، خفضتها السلطات البريطانية إلى ثمانية قروش فيما بعد، وكانت هناك رسوم أخرى على بيع الأخشاب والفحم كما أسست دائرة خاصة لاستحصال الرسوم على محصول التبغ، بمقدار ثماني آنات عن الكيلو غرام الواحد من هذا المحصول، أما الضرائب الأخرى التي كانت تستحصلها الحكومة فهي:
1-ضريبة الأرض وخاصة الزراعية وكانت تنقسم الى ضريبة الارض المرواة سيحاً والأرض المرواة ديماً.
2- ضريبة التمور وتقدر على ما مقدار ما تحمله النخلة من التمر.
3- ضريبة زراعة الخشخاش او الافيون او استيراده.
4- ضريبة الدخل وتؤخذ على مدخولات الافراد السنوية بموجب نظام معين.
وقد أبقت السلطات البريطانية بعد احتلال العراق هذه الضرائب على حالها وان أجرت عليها بعض الإصلاحات، فعززت بعضها وقللت قيام البعض الآخر إلا أنها لم تلغِ منها شيئاً، وقد حقق لها نظام الضرائب هذا فوائد مالية جمة، لم تكن قد تحققت للسلطات العثمانية بسبب الفساد الإداري.