قصة نشوء وتطور اول دستور في تاريخ الدولة العراقية

قصة نشوء وتطور اول دستور في تاريخ الدولة العراقية

■ د . صلاح عبد الهادي الجبوري
نشأته
بعد انتهاء ثورة 1920م لم يكن أمام المحتلين البريطانيين إلا أن يرفضوا مطالب العراقيين، وتحقيقاً لإلتزام بريطانيا نحو عصبة الأمم فقد أبرمت مع العراق معاهدة تضمنت شروط الإنتداب لتتقدم بها إلى العصبة لإقرارها وهو ما صرح به مندوبها أمام مجلس العصبة بجلسته المنعقدة بتاريخ 17/تشرين الثاني 1921م ،

وقد وافقت عصبة الأمم على ذلك فأبرمت المعاهدة المذكورة بين الدولتين بتاريخ 10/ تشرين الأول سنة 1922م وتحددت مدة نفاذها بعشر سنوات عدّلت بعد ذلك الى أربع سنوات ببروتوكول وقّع عليه في 30/ نيسان سنة 1923م .
والـذي يهمنـا من نصوص هذه المعاهدة مادتها الثالثـة التـي نصت على مايلـي :
(( يوافق جلالة ملك العراق على صياغة مشروع قانون أساسي يعرض على المجلس التأسيسي العراقي ويكفل تنفيذ هذا القانون الذي لا يحتوي على ما يخالف نصوص هذه المعاهدة المذكورة وأن يؤخذ بنظر الاعتبار حقوق ورغبات ومصالح جميع سكان العراق وسوف يضمَّن القانون الأساسي للجميع حرية الرأي وحرية القيام بمختلف شعائر العقائد على أن لا يخل ذلك بالنظام العام ولا ينافي الآداب وينص على عدم التفريق بين سكان العراق بسبب قومية أو دين أو لغة ، ويؤمّن لجميع الطوائف بالاحتفاظ بمدارسها لتعليم أفرادها بلغتها الخاصة بما يتفق مع حاجات التعليم العامة التي قد تتطلبها حكومة العراق ، ويجب ان يعيّن هذا القانون الأصول الدستورية التشريعية والتنفيذية التي بمقتضاها تتخذ القرارات في جميع المسائل المهمة بما في ذلك الشؤون المرتبطة بالمسائل المالية والاقتصادية والعسكرية )).
ويقابل هذا النص المادة الأولى من عهد الإنتداب الذي تقدمت به بريطانيا إلى مجلس عصبة الأمم التي تنص على مايلي :
(( ستقوم الدولة المنتدبة في أقرب وقت مستطاع لا يتجاوز ثلاث سنين من تاريخ تنفيذ الإنتداب بوضع مشروع قانون أساسي للعراق يعرض على مجلس عصبة الأمم للمصادقة عليه وتقوم بإعلانه في أسرع وقت ممكن وسيوضح هذا القانون الأساسي بعد اخذ رأي السلطات الوطنية وتكون فيه حقوق ومصالح ورغبات جميع سكان العراق المشمول بالإنتداب مع وضع الاعتبار، وسيتضّمن أحكاما ترمي إلى تسهيل تقدم العراق تدريجيا كدولة مستقلة والى أن يصدر القانون المذكور سوف تدار البلاد وفقا لروح الانتداب )) .
يظهر من خلال هذا النص ، أن سلطات الإحتلال البريطاني جهدت في تسويغ الإنتداب لدى العراقيين بطيه في معاهدة ، وحرصت على أن تشير من خلال عهد الإنتداب والمعاهدة معا الى قرب صدور قانون أساسي للبلاد يضمن للأفراد حقوقهم وللحكومة استقلالها ، وكان الغرض من هذا التسويغ تهدئة حالة البلاد وروح الثورة التي كانت سائدة فيها آنذاك .
وعلى أثر تأسيس الدولة العراقية سنة 1921م ، أعلن الملك فيصل الأول في خطاب التتويج الذي ألقاه في 23 آب 1921م ، بأن أول عمل سوف يقوم به هو المباشرة في إجراء انتخابات المجلس الذي سيتولى بمشورته وضع قانون أساس للبلاد يقوم على قواعد الحكومات السياسية الديمقراطية ، ويعين أسس حياتها السياسية والاجتماعية.
وصرح قائلا: (( ولتعلم الأمة أن مجلسها هو الذي سيضع بمشاورتي دستور استقلالها على قواعد الحكومات السياسية الديمقراطية ، ويعين أسس حياتها السياسية والاجتماعية….)) .
وعلى هذا الأساس قامت الوزارة النقيبية الثالثة ، وبتوجيه مباشر من الملك فيصل الأول، وغير مباشر أحيانا أخرى ، بتأليف عدد من اللجان ضمت عراقيين وبريطانيين لدراسة ووضع القانون الأساسي (الدستور) العراقي .

مراحل أعداد القانون
في ضوء ذلك بَدأَ الإعداد لمشروع القانون الأساسي ، وقد مر المشروع قبل تقديمه بصيغته النهائية إلى المجلس التاْسيسي بست مراحل ابتداءً من تكليف لجنة في وزارة العدلية العراقية تتألف من (الميجر يونغ) ممثل وزارة المستعمرات البريطانية (والمستر دراور) مستشار وزارة العدلية .
بدأَ العمل لإعداد لائحة القانون الأساسي العراقي أواخر سنة 1921م ، فتألفت اللجنة الأولى لتحضير مشروع القانون قوامها الميجر يونغ التابع إلى دائرة الشرق الأوسط في وزارة المستعمرات والذي أُلحِقَ بالخدمة في دائرة المندوب السامي البريطاني ، والمستر دراور مستشار وزارة العدلية في الحكومة العراقية، والمستر نيجل دافيدسون السكرتير القانوني للمندوب السامي وترأس هذه اللجنة برسي كوكس ، واستعانت هذه اللجنة بالدستور الأسترالي والنيوزيلندي والتركي والإيراني وبعض الدساتير الأخرى .
وقد تضمن هذا المشروع تأليف مجلس باسم (مجلس الملك) يعهد إليه تشريع ما يخص شؤون المعاهدة العراقية البريطانية ، وتضمن أيضا مادة تضفي الشرعية على البيانات والأنظمة والقوانين التي سبق وأَن أصدرها القائد العام للقوات البريطانية في العراق ، والحاكم الملكي العام ، والمندوب السامي وكذلك ما أصدره الملك فيصل الأول .
يتضح مما تقدم أَن البريطانيين الذين أَعدوا وضع لائحة القانون الأساسي العراقي ، أرادوا أن يضمنوها ما يعزز مركزهم في العراق ، وهكذا أريد بالدستور أن لا يصبح أداة للحكم فقط وإنما وسيلة من وسائل السياسة تحافظ على المعاهدة التي أبرموها مع العراق سنة 1922م وتسهل أمور الإدارة بموجب الإلتزامات التي أخذتها بريطانيا على عاتقها بوصفها دولة منتدبة.
وتبيّن للجنة ان أسهل الطرق للوصول الى هذه الغاية ، هي وضع أكثر ما يمكن من الصلاحيات وفي ضمنها صلاحيات التشريع بيد الملك وبيد المندوب السامي بصورة غير مباشرة بصفته الاستشارية ، وعلى قدر الإمكان إبعاد الفرص التي قد تتخذها المجالس المنتخبة وسيلة لعرقلة مساعي الحكومة ، بعد ذلك أرسلت اللائحة إلى وزارة المستعمرات مع الميجر يونغ في أوائل سنة 1922م لتدقيقها مع الموظفين المختصين، فأجرت تعديلات فيها وأعادتها الى مندوبها في العراق ليقدمها الى الحكومة العراقية .

مشروع بغداد الاول اذار 1922م
أحيل بعد ذلك مشروع اللائحة الى الحكومة العراقية ، وعرضت على الملك فيصل الأول، فتألفت لجنة لتدقيقها وهي اللجنة الثانية وقوامها ، وزير العدلية العراقي ناجي السويدي، ووزير المالية ساسون حسقيل، ومستشار وزارة العدلية المستر دراور ، والمشاور الحقوقي في دار المندوب السامي ، وحضر جلسات اللجنة رستم حيدر السكرتير الخاص للملك فيصل فوجدت اللجنة أن هذه اللائحة لا تنطبق على الأحوال السائدة في العراق ولا تلائم أوضاعه العامة ، واحتج الوزيران العراقيان على اللائحة لأنها اشترطت صلاحية التصديق على كل قانون يسنه مجلس الأمة بموافقة الملك ،كما حرمت على مجلس الأمة وضع أي تشريع يخالف معاهدة التحالف ، وعلى هذا أبدلت بلائحة جديدة استمدت مفاهيمها من الدستور العثماني ومن بعض الدساتير الاخرى ومنها اليابان وأرسلت إلى وزارة المستعمرات في لندن بتاريخ 16/ نيسان 1922م .
أما التطورات التي توصلت اليها هذه اللجنة ، فهي وضع صيغة جديدة اشتقت من الدستور العثماني وبعض الدساتير الأجنبية الأخرى ، ولكن حصل خلاف بين العضوين العراقيين والأعضاء البريطانيين بشأن تحديد صلاحيات الملك وبعد أَن ثبَّت كل فريق ملاحظاته أرسلت مسودة اللائحة إلى الحكومة البريطانية وفي ذلك يقول ناجي السويدي : (إِنَّ خلافاً في وجهات النظر وقع بين العراقيين والبريطانيين من أعضاء اللجنة ، لذلك أرسلت اللائحة الى الحكومة البريطانية وعرضت على هيأة استشارية أيدت ملاحظات أعضاء اللجنة العراقيين بخصوص سلطة المجالس النيابية وجعل الحكومة تحت أشراف المجلس النيابي وتحقيق مسؤولياتها أمامه ) بعد ذلك أعيدت اللائحة إلى الحكومة العراقية .
وبعد ان أعيدت اللائحة الى بغداد عرضت على الحكومة العراقية ، فتشكلت لجنة خاصة في وزارة العدلية قوامها ثلاثة أعضاء من الحكام وثلاثة من الحقوقيين برئاسة وزير العدلية ( عبد المحسن السعدون) وباشتراك ( دراور) مستشار وزارة العدلية ، و ( ناجي السويدي) الذي استقال من وزارة العدلية بسبب خلافه في مجلس الوزراء أثناء مناقشة مسالة اعتداء الوهابيين على القبائل العربية ، واشتراكه في هذه اللجنة بصفة مشاور حقوقي مع ( رؤوف الجاد رجي ) ، وقد تمكنت اللجنة من أجراء التعديلات اللازمة على اللائحة ، فجعلت سلطة المجلس النيابي أوسع مما كانت عليه في السابق ، وبعد ذلك عرضت على مجلس الوزراء فأُجرِيَ التدقيق فيها وأَدخل لزوم منح الثقة من المجالس التشريعية الى الحكومة العراقية .
أرسل مشروع بغداد الثاني إلى وزارة المستعمرات ، التي كانت رغبتها بوضع القانون من أَجل السيطرة على مجلس الأمة العراقي عن طريق الملك لتضمن تحقيق العلاقات التي نظمت بواسطة المعاهدة ، وكتب وزير المستعمرات عند إرسال المشروع بعد تنقيحه إلى بغداد يقول:-
( وصلتُ الى نتيجة هي أنه يكفي في جميع الظروف أن نعطي الملك صلاحية إصدار تشريع عند الضرورة بشكل مرسوم يضمن تحقيق التزامات الحكومة العراقية المدرجة في المعاهدة واٍن يشترط لهذا الغرض عدم الحاجة إلى عرض المرسوم على مجلس الأمة للمصادقه عليه ) .
وقد تحقق هذا فعلاً عند إقرار القانون الأساسي في الفقرة الثالثة من المادة (26) التي نصت على إنه ( إذا ظهرت ضرورة أثناء عطله المجلس لاتخاذ تدابير مستعجلة لحفظ النظام والأمن العام أو لدفع خطر عام فللملك الحق بإصدار مراسيم بموافقة هيأة الوزارة يكون لها قوة قانونيه ) ، ووجدت وزارة المستعمرات عدم ضرورة مسؤولية الوزراء أمام الملك ، وأن تقتصر المسؤولية أمام مجلس النواب فقط ، وقررت أن يتم قبول لائحتها المنقحة كشيء نهائي .

مشروع القانون بشكله النهائي
بتاريخ 22آذار سنة1924 م صدرت أرادة ملكية بدعوة أول مجلس تأسيسي في العراق، وفي 27آذار سنة 1924م إجتمع هذا المجلس بعد أن كان من المقرر افتتاحه في الخامس والعشرين منه ، وعدّ هذا اليوم عطلة رسمية وأقيمت المهرجانات يوم الإفتتاح ، وافتتح الملك فيصل الأول جلسة هذا المجلس بخطاب أكد فيه ثلاث أمور مهمة وهي :
1- إقرار المعاهدة العراقية - البريطانية، وبذلك تتمكن البلاد من تدعيم سياستها الداخلية والخارجية .
2-سن الدستور العراقي وبذلك يتحقق تأمين حماية حقوق الأفراد والجماعات وإِقامة سيادة الدولة الداخلية .
3-سن قانون الإنتخاب الذي ينتخب على أساسه المجلس النيابي الذي يجتمع لينوب عن الأمة ويراقب أعمال الحكومة .
وقد انتخب المجلس في بداية جلسته عبد المحسن السعدون رئيساً له ، وفي 10 نيسان سنة 1924م قرر المجلس تأليف لجنة مؤلفة من ( 15) نائبا لتدقيق لائحة القانون الأساسي، وقد انتخب من بينها أمجد العمري رئيساً ويوسف غنيمة مقرراً لها للبحث في مشروع القانون الأساسي وتقديم تقرير عنه وقررت اللجنة الإطّلاع على جميع المراسلات والأوراق المتعلقة بتنظيم لائحة القانون الأساسي ، وطلب الاستيضاح والمعلومات التي تحتاج إِليها من الحكومة وفي 14 نيسان بدأ المجلس في دراسة مشروع القانون الأساسي ، و أتم هذه الدراسة في ست عشرة جلسة .
لقد أَدخل على المشروع الذي وضعته اللجنة بعض تعديلات غير أساسية وإن جميعها لم تكن جوهرية ، ولم يتجاوز عدد الذين اسهموا في المناقشة أحد عشر عضواً من مجموع أعضاء المجلس البالغ عددهم مائة عضو ، ومن أبرز الأمور التي ناقشها المجلس هي ما يتعلق بالحقوق القومية للأكراد ، ومسألة وراثة العرش بعد الملك وقد شهد المجلس جدالاً حاداً حول مجلس الأعيان وضرورة بقائه، وغيرها من الأمور التي لم يتخذ قرار بشأنها .
من خلال ما تقدم يلاحظ أن معظم الاقتراحات التي قدمت لتغيير المشروع لم تحظ بالموافقة ، وبذلك تكون سلطة الاحتلال البريطاني قد ضمنت تأمين مصالحها من خلال وضع أكثر ما يمكن من الصلاحيات التشريعية بيد الملك وفي ضوء ذلك وجد المجلس التأسيسي نفسه مرغماً على إقرار المشروع كما هو، بعد أن تبيّن للأعضاء المعارضين في داخل الجلسة أَن لا جدوى في معارضته، هذا وقد انتهى المجلس من مناقشة مشروع القانون الأساسي وأقره بالإجماع في 10 تموز سنة 1924م ، كما ألفت لجنة لمراقبة طبع القانون الأساسي ، وأخيراَ صدر هذا القانون في 21 آذار سنة 1925م أي بعد أكثر من ثمانية شهور من تاريخ انتهاء المجلس التأسيسي من إقراره وذلك لفسح المجال للحصول على إمتياز النفط لصالح الشركات البريطانية من مجلس الوزراء دون عرض الإمتياز على مجلس الأمة واصبح للعراق بموجب هذا الدستور حكومة ممثلة وديمقراطية محددة بالقانون .
وحين تشكلت لجنة القانون الأساسي لتقوم بمهمتها تقدم ممثلو عشائر العراق من أعضاء المجلس التأسيسي بعريضة إلى الملك فيصل جاء فيها : (( لاحظنا في هذه اللائحة لا توجد مواد تكفل حقوق العشائر الا سوى الفقرة الثانية من المادة السابعة والثمانين التي لا تتفق تمام الإتفاق مع رغبات العشائر وعاداتهم ، وإذا كان للعشائر قواعد جارية وأحكام متّبعة في فصل قضاياهم الجزائية والمدنية تختلف عن الأحكام المثبتة في القوانين النافذة على سكان المدن أتينا
جلالتكم بهذه العريضة مسترحمين أن يضاف الى لائحة الدستور المواد التالية إثباتاً لهذه الحقوق :
1- تفصل قضايا العشائر الجزائية والمدنية بموجب عاداتهم وعرفهم ويوضع قانون خاص بها.
2-الأراضي التي تحت تصرفهم لا تتجزأ ولا تباع ولا تعطى لأي شركة كانت أو لأي شخص آخر غيرهم .
3- تحافظ حقوق رؤساء العشائر الرسميين على عشائرهم بموجب قانون خاص .
4- لا ينفذ الحكم العرفي على العشائر الا بعد تصديق المجلس النيابي ، وإذا ما التئم المجلس النيابي فتشكل لجنة من رؤساء العشائر في اللواء الذي تقع فيه الحادثة ويوجب تشكيل مجلس عرفي اذا صادقوا عليه.))
وعند مراجعة المادة السابعة والثمانين من القانون الأساسي ، وجدنا انها لا تتعلق بمحتوى العريضة المرفوعة الى الملك فيصل الأول ، وإنما المقصود هو المادة الثامنة والثمانون ، وكانت هذه المادة قد نصت على ما يلي :
تؤسس محاكم أو لجان خصوصية عند الاقتضاء للأمور التالية :
1- لمحاكمة أفراد القوات العسكرية العراقية عن الجرائم المصرح بها في قانون العقوبات العسكري .
2- لفصل قضايا العشائر الجزائية والمدنية بحسب عاداتهم المألوفة بينهم بموجب قانون خاص.
3- لحسم الخلافات الواقعة بين الحكومة وموظفيها في ما يخص خدماتهم .
4- للنظر في الخلافات المتعلقة بالتصرف في الأراضي وحدودها .
لذلك عدّلت اللجنة هذه المادة وأصبحت الفقرة الثانية منها تنص على مايلي:
(لفصل قضائيا قضايا العشائر الجزائية والمدنية بموجب قانون خاص تراعى فيه عاداتهم المألوفة).
ويذكر أن هذه المادة كانت في الأصل قبل التعديل تنص على كلمة ( يجوز ) ولما قدمت إلى المجلس لمناقشتها طالب مندوبو العشائر تبديلها بكلمة ( يلزم ) ودار نقاش حول الموضوع انتهى بوضع كلمة ( تؤسس) ولم يوافق المجلس على كلمة ( يلزم ) بدلاً من (يجوز) ولقد رأى المجلس التأسيسي أن يطلق عبارة ( القانون الأساسي ) بدل (الدستور). واصطلاح القانون الأساسي ليس غريبا على الفقه الدستوري ، ذلك أن هذا الاصطلاح كان سائداً في أوربا في القرن السابع عشر والقرن الثامن عشر ، وكانوا يقصدون به ذلك القانون الأسمى في البلاد الذي يشمل على الأحكام الأصولية التي لا يمكن أن تغير بحال من الأحوال ، اللهم الا اذا أجمعت الأمة على هذا التغيير بكامل عددها او بأغلبية هذا العدد ، والذي دفع أعضاء المجلس التاسيسي اختيار هذه العبارة كونها عربية صحيحة بخلاف لفظ (دستور ) .

محتويات القانون الأساسي العراقي :
بلغ عدد مواد القانون الأساسي العراقي عند صدوره(123) مادة موزعة على مقدمة وعشر أبواب وعلى النحو التالي :
المقدمة : وقد اشتملت على أربعة مواد ، تكلم المشرع في المادة الأولى عن تسمية القانون (بالقانون الأساسي) ، وفي المادة الثانية تكلم عن نظام الحكم ، وفي المادة الثالثة ذكر ان عاصمة البلاد وهي بغداد ، والرابعة بين شكل العلم العراقي .
ثم أَردف هذه المواد بالكلام عن أحكام القانون في أبواب عشر :
الباب الأول تكلم عن حقوق الشعب في المواد من( 5-18 )، الباب الثاني تكلم عن الملك وحقوقه في المواد من ( 19-26) ، الباب الثالث تكلم عن السلطة التشريعية في المواد من (27-63 ) ، وفي الباب الرابع تكلم عن الوزارة في المواد من (64-67)، والباب الخامس تكلم عن السلطة القضائية في المواد من 68- 89 ، والباب السادس تكلم عن الأمور المالية في المواد من(90-108)، الباب السابع تكلم عن إدارة الأقاليم في المواد من109-112، الباب الثامن تكلم عن تأييد القوانين في المواد من( 113-117)، الباب التاسع تكلم عن تعديل إحكام القانون الأساسي في المادتين (118-119) ، وفي الباب العاشر تكلم عن مواد عمومية في المواد من (120-123 ).

تعديلاته
جرت ثلاثة تعديلات على القانون الأساسي العراقي خلال مدة نفاذه من 1925م- 1958م التعديل الأول تم في تموز سنة 1925م بموجب قانون تعديل القانون الأساسي الذي أصدرته وزارة عبد المحسن السعدون الأولى ، وجاء في الأسباب الموجبة لهذا التعديل بأن الظروف التي وضع فيها القانون الأساسي أدت إلى وقوع الكثير من النواقص فيه التي ظهرت أثناء التطبيق لذلك كان لابد من تلافيهاوقد شمل هذا التعديل ثماني مواد وهي المادة (22) إذ أصبحت هذه المادة بفقرتين بعد أن كانت فقرة واحدة ، والمادة (23) والمادة (34) والمادة (38) والمادة (40) والمادة (50) والمادة (82) والمادة (83) .
أما التعديل الثاني فقد تم في تشرين الأول سنة 1943م بموجب قانون تعديل القانون الأساسي رقم 69 لسنة 1943م وهو تعديل واسع جرى في عهد الوصاية ، وقد سوغ التعديل لسببين الأول : أن الظروف التي سن فيها القانون الأساسي قد أدت إلى أن وقع فيه الكثير من النواقص التي ظهرت أثناء التطبيق مما اضطرت الحكومة إلى تعديل بعض مواده في سنة 1925م ، غير أن هذا التعديل جاء محدوداً بقدر ما سمحت به الظروف في ذلك الوقت ، والسبب الثاني : فقد ذكرت المذكرة الإيضاحية لتسويغ التعديل أنه لما كانت التطبيقات البرلمانية في مختلف الظروف والأدوار قد أثبتت عدم كفاية ذلك التعديل بعد تطور العراق الحديث ، ولما كانت القوانين يجب أن تساير تطور الأمم حتى يتلاءم بين القواعد القانونية والحياة التي تحكمها لذلك لا بد من ضرورة النظر في تعديل القانون الأساسي المعمول به حتى يمكن ان يتماشى هذا القانون مع ضرورات الحياة العراقية الراهنة وقد صدر هذا التعديل في عهد وزارة نوري السعيد وشمل التعديل خمسين مادة بالإضافة والحذف واعادة الصياغة .
أما التعديل الثالث فقد تم على اثر الإعلان عن قيام الاتحاد الهاشمي بين العراق والأردن بالشكل الذي يتلاءم والتغيير الذي حصل في شكل الدولة فتم تعديل المادة (24) بالصيغة التي تتماشى وقيام الاتحاد الهاشمي ، وان هذا التعديل تم استثناء من أحكام المادة (119) والخاصة بإجراءات التعديل التي تتم بعد خمس سنوات من نفاذ القانون وتتطلب حل مجلس النواب ، هذا وقد أضاف التعديل الثالث مادة مؤقتة للقانون القائم .
أما نهاية هذا القانون وتعديلاته فقد عد لاغياً اعتباراً من 14 تموز سنة 1958م لنهاية النظام الملكي في العراق .