متخيل الشعر في الأساطير !!

متخيل الشعر في الأساطير !!

شكر حاجم الصالحي
هذا كتاب أغبط مؤلفه عليه , قرأته مرتين ,مرة عندما وصلني مخطوطاً , والمرة الأخرى على هيئة كتاب نشرته المديرية العامة للثقافة والفنون السريانية , بتصميم وأناقة باذخين , و(متخيّل الشعر في الأساطير) لن يكون الإصدار الأخير لمبدعه ناجح المعموري الذي تجاوزت إصداراته اكثر من ثلاثين كتاباً بين مجاميع قصصية وروايات ودراسات نقدية وبحوث فكرية وحفريات مشاكسة في الديانات القديمة وأساطير الشرق ,

والمعموري قامة معرفية شامخة , أثرى الثقافة العربية بمنجزات يشار إليها , فمنذ المجموعة القصصية المشتركة ــ الشمس في الجهة اليسرى ــ التي اصدارها عام 1972 م مع القصاصين محمد احمد العلي وجهاد مجيد وفاضل الربيعي , ترسخت صداقتنا وتوثقت عرى المحبة ونهلنا معاً ينابيع المعرفة والمصاهرة والأحفاد المشتركين , ومن حسن الحظ ان ما من مشروع ثقافي له أو لي إلا وكان لبصمتينا وملاحظاتنا أثر فيه ,حصيلة خمسة عقود من زمن الأبداع والعلاقة الانسانية تثمر وتعطي بعض ما نتمناه ,وتواصل صعودها الى مثابات الرقي والتألق والنضج بعيداً عن اشكاليات الراهن ومتبنيات العاطلين عن الحياة وثرثراتهم.......... ولتوكيد ما ازعم أقتطع جزءاً من الإهداء الذي زين المنجز والذي كتب فيه لي يقول: أنت الشاهد على كل ما صدر لنا , لأني واثق بأن هذا وما قبله وبعده نتاج تاريخ ثقافي مشترك وذاكرة بيضاء , كنت وما زلت أتغذّى منها , هذا الكتاب أخذ عيني اليسرى للتلف بعد اجراء العملية لها , أنت تعرف ما هي متعة التحققات , لك محبتي واخوتي الابدية , لك قبلة ووردة أستعيرها من صديقي شاعر الورد / أخوك في 28 / 2/ 2014......
ومتخيّل الشعر في الاساطير / الاب يوسف سعيد انموذجاً.. يجتهد في الكشف عن مكونات التجربة الشعرية ومدى نجاحها في استثمار ثوابت النص المقدس وانعكاسها في نصوص الأب يوسف سعيد المميزة والتي ضمها الكتاب وخاصة نص الأرض ونص الماء اذ يقول المعموري في المقدمة:
اربعة انماط رمزية عليا , هي مكونات الكتاب الصادر عن دار نشر صبري يوسف في استوكهولم / 1999 , وهي الارض / السماء / التراب / الماء ويعني كل واحد من هذه الانماط نظاماً ثقافياً ودينياً ومعرفياً.........القصائد الاربع عبارة عن تنوعات للرموز العليا وكل رمز منها معني بعنصر واحد من عناصر نظرية الخيال التي قال بها باشلار وظل الشاعر الاب يوسف سعيد متخندقاً في العنصر متتبعاً تراكمات الثقافة والديانات والمتعارف عليه , نازعاً لها طبقة ,طبقة برؤيا العارف ,والبصير بالأسرار ومداخلها وإفضاءاتها....
ان الشعر لدى الأب يوسف سعيد معقد ,ومثير للتساؤل , لأنه مبني من طبقات رمزية / واساطير / وتواريخ , مع استثمار للامكنة والوقائع التي سجلتها النصوص الدينية في العهدين , القديم والجديد , وشكّل المحيط الجغرافي الواسع والحر , المفتوح وغير المقيد , وهذا يعني تنوع الثقافات وكثرة الرموز والاساطير والبطولات ,مثل بطولة شمشون ويسوع.. الكتاب ص 157..
ومن خلال قراءة كتاب الأب يوسف سعيد النقدي (حضور الإبداع) يوضح المعموري:
ان في هذا الكتاب اسقاطات الأب على تجربة حميد سعيد الشعرية , وعلى سبيل المثال انتبه الى ان المرأة في تجربة حميد غائبة , وتنطوي هذه الخلاصة على حضورها في تجربته هو , وبسبب مركزها انتبه لها وافتقدها..
في ـــ بورتريت ـــ يشير الاستاذ المعموري الى ان الأب يوسف سعيد عرف الدوامة وعاش فيها بعد فقدانه رئيف خوري , واعتقد بأنه عرف الموت جيداً آنذاك , خاف منه , واعلن مضاداته وأولها واكثرها أهمية هي اللغة وسيلته الوحيدة للاحتفاظ بالحياة ومقاومة الموت أو طرده. ويضيف: اربعون يوماً من الدوامات التي عاش فيها وهو يكتب , الشعر حاضر مادام الشاعر في الدوامة , فلا بد ان ينتج شعراً وهذا ما تحقق له خلال اربعين يوماً , وكان الأب يوسف سعيد مشدوداً الى عربة الشعر , فرحاً بها وسعيداً باستحضار صديقه الغائب رئيف خوري......
وعن رأيه في استثمار الأب يوسف سعيد للموسيقى الذي هو مغرم فيها يقرر المعموري:
وان توصلت القراءة الى ان الموسيقي والتصويت موظفة بذكاء في أسفار التوراة في فترة الحرب والسلم , فانها ايضاً إشارة على شعرية الحياة والطبيعة المنفتحة على البهجة والفرح , الأذن هي التي تكتشف جمالية الصوت , والأب يوسف سعيد يلعب بالشعر من اجل نزوته الغرائبية لتأسيس كتابه جديدة , غامضة ومعقدة و وكأنه يعرف الشعر وقيمته من خلال الغموض , والشعرية عصب دفين , يدركه رجل اللاهوت ويلعب به:
.. سماء تصنع من خيوط رعودها اقواساً
.. سماء الألف والياء بدايات لا بجدية الروح الناطقة
.. تسمعنا في الفجر حمحمة خيوطها الزرقاء.
.. محفوفة بربات نغمات أوتارها
.. يزغرد قلبها جذلاً للمدينة المختارة
هذه المقاطع قليلة عن التصويت وجوهره الدلالي في شعر الأب يوسف سعيد ومثلها كثير في ديوانه فضاءات الأب يوسف سعيد...
ولابد من الاشارة الى جماعة كركوك التي اشعلت الحراك الثقافي في ستينيات القرن الماضي ودور الاب يوسف سعيد في انضاجها وبلورة مفاهيمها لكنه يحاول من طرف خفي ان يكرس هيمنته عليها والايحاء بدور مركزي ولولاه ـــ كما يرى ـــ لما كانت في الحركة الادبية جماعة كركوك ويختتم ناجح المعموري توصلاته البحثية الى:
ان الأب لم يستعرض في الكتابة والحوار آراء ومفاهيماً حول الثقافة والأدب بشكل عام والشعر خصوصاً , ومازلنا نجهل الكثير عن مكوناته الادبية وتنوعها , ادراك الاب للذات مرتبط بالهوية الشخصية المحاصرة وسط تنوع هويات على الرغم من وعيه لأهمية هويته في تاريخ العراق وحضارته..
وأخــــــــــــــــــــيراً:
لا يسعنا ان نبارك للمعموري هذا الجهد المعرفي المميز الذي اطلعنا من خلاله على تجربة أحد اهم رموز قصيدة النشر وجماعة كركوك في الحركة الثقافية العراقية
وشكراً للثقافة والفنون السريانية التي جعلتنا نحتفي معاً بقامات الابداع العــــــــــراقي...............