العرب .. مؤتمر سان فرنسيسكو

العرب .. مؤتمر سان فرنسيسكو

أمنية تحققت
بعد ايام قلائل يجتمع في سان فرنسيسكو مندوبو الامم المتحدة التي وقعت ميثاق الاطلنطي واعلنت الحرب على المحور، وساهمت في نصرة الديموقراطية ومكافحة الطغيان.. يجتمع مندوبو اكثـر من اربعين دولة، لوضع الاسس التي يرجون ان يقيموا عليها صرح سلام شامل، نرجو ان يكون سلاما طويل الامد،

مشيدا على دعائم ثابتة من المودة والتعاون الصادق لخير الانسانية كلها، وان تتحقق في ظله رفاهية جميع الشعوب كبيرها وصغيرها على السواء.
وان من دواعي الاغتباط حقا ان يجيء انعقاد مؤتمر سان فرنسيسكو في اعقاب ذلك الحادث التاريخي الذي كان من حظ مصر ان كانت مسرحا له ولكل ما اتصل به من اجتماعات ومباحثات، الا وهو الاحتفال بتوقيع ميثاق"جامعة الدول العربية"تلك الجامعة التي نحمد الله على ان كلل الجهود النبيلة التي بدأت في سبيلها بالتوفيق، فحقق بذلك امنية عزيزة كانت الى اعوام قلائق خيالا يطيف بالاذهان، ويقترن الحديث عنه بكثير من علامات الاستفهام فاذا هو اليوم يخرج الى الوجود في موكب رائع تمتزج فيه امارات الابتهاج والترحيب بالدعاء الى الله ان يجعله بشير يمن واقبال وفاتحة عهد جديد تتبوأ فيه الاقطار العربية المكانة التي تليق بماضيها المجيد.

دورنا في المؤتمر المقبل
والى جانب اغتباطنا بميلاد"جامعة الدول العربية"نراه فألا حسنا، فعلى الرغم مما تذيعه بعض المصادر من ان مؤتمر سان فرانسيسكو سيقتصر اقتصارا تاما على البحث في تكوين"هيئة الامن الدولية"التي اشارت اليها مقترحات"دوميارتون اوكس"فاننا نشك كثيرا في ان هذا البحث وحده سيستغرق كل وقت المؤتمر الذي اصبح معروفا انه قد يمتد الى ثلاثة اشهر! ومن هنا نميل الى الاعتقاد باحتمال – بل بترجيح – البحث في طائفة اخرى من المسائل الهامة التي تتصل، بتوضيح العلاقات بين نظام السلام العام وبين الاتفاقات الجزئية، على نحو ما تقول الانباء البرقية.. وتلك مسألة خطيرة تهم الدول العربية بوجه خاص، لان معظمها يجتاز الان ظروفا دقيقة غاية الدقة فيما يتعلق باستقلاله وحق سيادته، فكلنا يعلم ان هذه الدول رغم اعلان استقلالها ما تزال تشكو من استقلالها هذا ما برح مشوبا ببعض"المشاكل المعلقة"التي ترى نهاية الحرب انسب فرصة للاتفاق على حلها وهنا يبدو اثر مؤتمر"جامعة الدول العربية"واضحا، اذ لا ريب في ان نجاح هذه الدول في الوصول الى اهدافها القومية يتوقف – الى حد كبير جدا – على ثباتها في موقفها، وعلى ما سيكون بينها من التضامن والتماسك والاتحاد.

الحل الاخر
واذا صح ما ترويه الصحف عما ينتظر ان يقترحه بعض الدول الصغيرة من تنفيذ"ميثاق الاطلنطي"– نصا وروحا – لتحقيق نظرية العدل العام وحقوق الانسان وحق كل شعب في اختيار نوع الحكم الذي يريده لنفسه، واذا صح ان هناك دولا ستحاول الحصول على ضمانات تتعلق بحدودها وحقوق سيادتها، فان في اثارة هذه المطالب في المؤتمر ما يشد ازر الدول العربية اذا ما اجمعت امرها على ضرورة وضع حد لهذه الحالة الشاذة التي تسود علاقاتها بهذه الدولة او تلك، وما نظن مندوبي العرب الا قد تهيأوا لهذا الموقف واعدوا له عدته حتى لا يفاجأوا بها وتفوتهم الفرصة اذا ما اتيح لهذه المسائل ان تثار.
اما اذا صح ما تحاول بعض الصحف ان تؤكده من"خطأ الذين يقدرون حدوث تطور في العلاقات المصرية البريطانية او المسألة الفلسطينية او في مسألة سوريا ولبنان"، فلن يخسر العرب بذلك كثيرا، اذ ما عليهم الا ان يستأنفوا جهادهم من جديد، ولكنه لن يكون هذه المرة جهادا فرديا كما كان من قبل، وانما سيكون نضال اجماع وتضامن واتحاد.

الدول الكبيرة والصغيرة!
وهناك طائفة اخرى من المسائل الهامة تتوقع ان تثار في المؤتمر المرتقب: لكنها على اهميتها، تأتي في المرتبة الثانية بالنسبة للدول العربية.. هناك ما يلاحظونه على الطريقة التي اقترحت في"دومبارتون وكس"لتأليف"الهيئة الدولية"الجديدة، وكيف ان الدول الصغيرة لم يترك لها – على كثرة عددها – الا دور ثانوي لا يقدم ولا يؤخر! وهناك ما تنطق به الطريقة المقترحة من ان الدول الخمس الكبرى، صاحبة المقاعد الدائمة في"مجلس الامن"هي التي ستكون صاحبة الرأي الحاسم في كل نزاع ينشأ بين الدول المشتركة في الميثاق، وهذا ما لا يبعث على اطمئنان الدول الصغيرة، لان معناه اخضاع كل نزاع ينشأ بين اية واحدة منها وبين احدى تلك الدول الكبرى لعامل"المجاملة"فتصبح امام هيئة يسودها المبدأ الغافي المعروف"شيلني واشيلك"وتكون النتيجة الطبيعية ان يقف مجلس الامن من هذا النزاع موقف المتفرج، دون ان يحرك ساكنا لدفع العدوان او تأديب المعتدين.
وما نشك في ان الدول المشتركة في المؤتمر – والكبرى منها بوجه خاص – سيتسع صدرها لمناقشة هذه المبادئ كلها، ولما قد يقترح ادخاله عليها من تعديلات تجعلها اقرب الى تحقيق الهدف الذي يرمى اليه الجميع، باطالة امد الامن الدولي والسلام العام.
تلك كلها امور تهم الدول الصغرى – ونحن منها – بل لعلها تهم الدول العربية بوجه خاص، اما للظروف التي تكشف علاقات معظمها بالدول ذات الشأن، واما لموقعها الجغرافي الذي يجعلها هدفا دائما لانظار الطامعين، مما لا نظن مندوبي العرب عنه بغافلين.

سوريا ولبنان
تدل الدلائل – حتى كتابة هذه السطور- على ان الامل كبير في ان تصحيح الدول الداعية الى المؤتمر موقفها من سوريا ولبنان وشرق الاردن.
ومن اجل ذلك تمسك عن الخوض في هذا الموقف الان في انتظار ان تسفر المساعي المبذولة بصدده عن نتيجة مرضية.
على اننا لا يسعنا الا ان نسجل للدول الغربية تضامنها الكامل المشرف في هذا الموقف. وليس يساورنا شك في انه اذا لم تسفر المساعي المبذولة عن النتيجة المرجوة، وهو ما لا نرجو ان يكون فان الذين سيشهدون المؤتمر من مندوبي العرب سيقدرون ما يلقيه هذا الموقف على ما تفهم بوجه عام، وعلى مندوبي مصر بوجه خاص، من اعباء ما تظنهم الا سينهضون بها عن الاقطار الشقيقة الثلاثة على صورة تقع من نفوس العرب جميعا موقع الرضى والارتياح.

وفلسطين ايضا!
اما مسألة فلسطين فما شك في ان الوفود الغربية ستحمل في حقائبها عنها الشيء الكثير، ولسنا نحب ان نسبق الحوادث، ولكنا نود ان نلفت الانظار الى ان اهمال مشكلة فلسطين في الوقت الذي تعرض في شؤون"عالم الغد"على بساط البحث لا يتفق مع الرغبة في تنظيم السلام العالمي تنظيما كاملا شاملا، ولا ينسق مع تلك الامنية الكريمة التي نرجو ان يكلل الله جهود العاملين لها بالنجاح والتوفيق.

واخيرا
اذا اضفنا الى هذه المسائل وكلها شائك معقد، ما قد يعرض له المؤتمر من التنظيمات الاقتصادية او الاجتماعية تحقيقا للمادة الثالثة من ميثاق الهيئة المراد انشاؤها، استطعنا ان نلمس فداحة العبء الذي يلقيه الاشتراك في مؤتمر سان فرنسيسكو على وفود الدول العربية.. على ان لنا في تلك النخبة الممتازة من الاقطاب والزعماء الذي تتألف منهم هذه الوفود ما يطمئننا الى انهم سيؤدون واجبهم كأحسن ما يكون الاداء، وان موقفهم سيكون ابلغ رد على ما يردده بعض المتشائمين من"ان المؤتمر لن يكون اكثر من اجتماع يعقده ثلاثة من الرؤساء، يتزعمون فيه مجموعة من الاطفال".

ذات صلة