كنت لصا ومن تجار الرقيق الابيض !

كنت لصا ومن تجار الرقيق الابيض !

بقلم الاستاذ نجيب الريحاني
من الحوادث التي وقعت للاستاذ نجيب الريحاني ما يفوق في غرابتها تلك التي يعرضها على مسرحه وتثير ضحك الجماهير.. وفي هذا المقال يسرد على القراء بعض تلك الحوادث التي تزخر بها ذاكرته..


كان ذلك في عام 1932، وقد ضاقت الدنيا في وجهي وخالفني سوء الخظ، حين حاولت ان اقدم على المسرح لونا جديدا من الروايات يخالف النوع الذي عرفت به، والفه الجمهور، اي نوع الروايات الاستعراضية"الريفيوهات"ولكن الجمهور اعرض عنها ومنيت تلك المحاولة بالفشل الذريع..
واخيرا عولت على الهرب من مصر، والاتجاه الى اي بلد آخر من بلاد الله الواسعة.
واعترض طريق حياتي متعهد حفلات اوهمني انه ممول كبير، ويستطيع ان ينظم الى رحلة فنية رابحة في بلاد المغرب.
وراقت لي الفكرة واقنعت السيدة بديعة مصابتي بالسفر معنا ومن ثم اعتمدت على الله وشحنت افراد و"فردات"الفرقة في باخرة صغيرة الى تونس، ولم اشأ ان اسافر معهم في نفس الباخرة منعا للدوشة ووجع الدماغ، بل اتفقت مع السيدة بديعة على ان نسافر سويا في باخرة اخرى تقلع بعد الباخرة الاولى حتى اذا ما وصلنا وجدنا كل شيء معدا.
ولم نكد نصل الى تونس، حتى علمت ان حضرة الممول الكبير والمتعهد العظيم قد استدان مبلغ الف جنيه وانفقها في الدعاية والاعلان عن الفرقة..
وسالت عن اعضاء الفرقة لاطمئن عليهم فلم اقف لهم على اثر، وقيل لي انهم لم يصلوا بعد مع انهم سافروا قبلي باسبوع!.
واخذت ارسل البرقيات الى الموانئ التي يرجح ان تكون الباخرة قد رست عليها، دون ان احظى بجواب.
ولم تصل الباخرة الا بعد اربعين يوما ثم بدأنا العمل.. ولكن تبين ان حضرة الممول الكبير والمتعهد الخطير، كان قد اتفق مع بعض الجمعيات الخيرية على ان تحيي الفرقة بضع حفلات مجانا على سبيل الدعاية والمساعدة وذلك في الوقت الذي كنا فيه احوج الناس الى المساعدة فكيف نعمل مجانا؟
واقترحت على هذه الجمعيات ان تدفع النفقات الضرورية لحفلاتها فرفضت وثارت علينا، وحرضت الصحف فراحت تهاجمنا بشدة وتصفنا بقلة الذوق.. وهكذا قضي على الدعاية التي اتفق المتعهد في سبيلها الفا من الجنيهات.
واتهمتني احدى الصحف بانني رجل ثوري خطير، فطلبوا الى ان اقيم في فندق معين، ووضعوني تحت المراقبة الشديدة، ولم يشف ذلك غليل الثائرين علي والغاضبين مني، فزعموا بانني اتخذ الفن ستارا لاتجر في الرقيق الابيض، واني خدعت الممثلات والراقصات التي احضرتهن الى تونس لاتاجر بهن! وكان ان القت الحكومة القبض علي بدون تحقيق، وزجت بي في السجن اياما حتى ظهرت لها الحقيقة.
وتفاقم الخلاف بيني وبين السيدة بديعة مصابني واعضاء الفرقة، فهم يريدون العودة الى مصر، وانا اصر على بقائهم لاحياء بعض الحفلات لعلنا نستطيع ان نعوض شيئا من الخسارة، وسافرت الى بلدة"ساكاراه"واخذت معي بعض حقائب اعضاء الفرقة، حتى لا ينتهزوا فرصة غيابي ويعودون الى مصر، ولم اكد اصل الى هذه البلدة حتى قبض البوليس علي بتهمة سرقة هذه الحقائب.. وزجوني في السجن مرة اخرى ثم افرجوا عني!...
واخيرا عدت الى مصر وانا اسوأ حالا مما كنت، ولسان حالي يقول:"ما تجي حاجة من الغرب، تسر القلب"!!..