الخصخصة وقرار مجلس الحكم رقم (90) لسنة 2003

الخصخصة وقرار مجلس الحكم رقم (90) لسنة 2003

هاشم ذنون الاطرقجي
بعد التغيير في 9/4/2003 أعتقد الكثيرون من العراقيين وخاصة أصحاب المظالم بأن الآمال ستتحقق متناسين كلام رب العالمين بسم الله الرحمن الرحيم (أن الملوك إذا دخلوا قرية أفسدوها وجعلوا أعزة أهلها أذلة وكذلك يفعلون) صدق الله العظيم (الملوك هم الجند).

ما حدث من استباحة وقتل ونهب وتدمير لحضارة العراق والبنى التحتية والغاء معالم الدولة العراقية كانت له تداعيات كثيرة وخاصة الاقتصاد العراقي اهم الأهداف الرئيسة للتغيير والبدء بالاستحواذ على القطاع الصناعي (العالم والمختلط والتعاوني والخاص) وسأبدأ بالقطاع العام للملوك للدولة العراقية المكون من (192) مشروعاً صناعياً يضم أكثر من (240) شركة ومؤسسة صناعية وأخذت الذئاب الكاسرة تتهيأ لافتراس اقتصاد العراق تحت شعار (الخصخصة) لأن الطريق السهل واليسير للإثراء الفاحش لملوك المافيا والإرهاب المنظم لنهب خيرات الشعوب كما حدث في (الاتحاد السوفييتي السابق وبولونيا ورومانيا وبقية دول المعسكر الاشتراكي السابق وكان آخرها جمهورية ألمانيا الشرقية بعد ان توحدت الألمانيتان).
وكذلك ما حدث في جمهورية مصر العربية من نهب للقطاع العام وسأضرب بعض الأمثلة العاجلة والمهمة وسأقوم بكتابة تفصيلية عن التجربة الألمانية لاحقا.
1ــ لقد باعت حكومة بالنس الروسية شركة سيارات (لادا) بمبلغ (45) مليون دولار والذين اشتروا الشركة باعوا ادوات احتياطية مخزونة في الشركة بمبلغ (200) مليون دولار وبقيت الموجودات الأخرى من مكائن وأدوات وأرض وبناء وملحقاتها ملكاً مباحاً.
2ـ باعت حكومة بلنس موجودات ميناء سواستيبول بمبلغ (15) مليون دولار بيعت من الموجودات باخرتان بـ (20) مليون دولار والباقي مباح لتجار الحروب.
3ـ أن ستة من المافيا الصهيونية تربعوا على عروش الشركات النفطية واستحوذوا على المليارات من الدولارات من الارباح واستطاعت حكومة (بوتن) استرجاع الشركات النفطية ووضع اثنين من هؤلاء المجرمين في السجون وهروب أربعة منهم الى خارج البلاد.
4ـ أما ما حدث في الدول الاشتراكية الاخرى من نهب واستحواذ باسم الخصخصة فيحتاج الى مجلدات.
5ـ في جمهورية مصر العربية جرى ما هو أسوأ مما حدث في الدول الاشتراكية بحجة الخصخصة والتخلص من الشركات الخاسرة والعمالة الفائضة وبيع المشاريع الصناعة بأبخس الأثمان وتدارك الخيرون من المثقفين وأساتذة الجامعة والمتنورون في القطاع الخاص ونقابات العمال بإيقاف هذا المشروع الخاسر ومعالجة الأمور بشكل آخر حيث قامة الحكومة المصرية بشراء قسم من المشاريع التي باعتها باسم (الخصخصة).
6ـ سبق وان باعت الحكومة البريطانية السكك الحديد بتقليعة (الخصخصة) بسعر (900) باون للسهم الواحد وبعد اكثر من عامين قامت الحكومة بشراء السهم الواحد لـ (2) باونين واسترجعت السكك الحديد الى الدولة.
7ـ قامت الحكومة الالمانية بعد توحيد الالمانيتين بالاسراع بتطبيق (الخصخصة) بأهداف سياسية وضغوط أوروبية وأمريكية ودفعت ثمن ذلك خسارة تزيد على (180) مليار يورو تحملتها الخزينة الالمانية ودافعو الضرائب والاقتصاد الالماني ولا زالت المعاناة مستمرة حتى الآن (سأقوم بكتابة بحث كامل عن التجربة الالمانية في الخصخصة) هذه مقدمة لما عانته دول العالم الثالث والدول الأخرى من فرض نظام (الخصخصة) بحجة الاقتصاد الحر والنظام الرأسمالي والانفتاح الذي تتبناه الدول الرأسمالية والذي أثبت فشل الكثير من سماته واسسه بالأزمة الاقتصادية التي ضربت العالم الرأسمالي منذ عام 2008 وستبقى تبعاته أكثر من خمسة عشر عاماً قادمة وما أصاب الدول النامية من اضرار وخاصة دول الخليج العربي سيؤثر على مستقبل هذه الدول لفترة طويلة.
نعود الى موضوع الخصخصة في العراق بعد 9/4/2003 وكنت آنذاك عضو مجلس ادارة اتحاد الصناعات العراقي بانتخابات 30/12/2002، ورئيس اتحاد مصنعي البلاستك العرب فرع العراق الذي تأسس عام 2001 في بغداد.
في بداية الشهر السابع من عام 2003 التقيت بالمرحوم الدكتور فائز المدير العام لشركة الزيوت النباتية وجرى نقاش وتبادل الآراء بشأن مشاريع القطاع العام الصناعي والقطاع الخاص وما يتناقل في الدوائر الحكومية وبين المواطنين عن العالم الحر والرأسمالية وضرورة تطبيق نظام (الخصخصة) وكان للخيرين نشاط مهم بإيقاف هذا المد الرأسمالي المدمر للاقتصاد العراقي وخاصة القطاع العام الصناعي ببيع المشاريع الصناعية الناجحة باجمعها وتشريد الايدي العاملة وزيادة البطالة والحاق ضرر فادح بالاقتصاد العراقي الذي بدأه النظام الشمولي الدكتاتوري السابق.
جرى الاتصال بمجلس الحكم آنذاك وكان مسؤول العلاقات الاقتصادية بالمجلس سمير الصميدعي وبعد عرض وجهات النظر طلب تقارير من مدراء ورؤساء المؤسسات الصناعية لدراستها وتقرر عقد اجتماع يحضره بعض رؤساء المؤسسات وممثل عن القطاع الخاص من اتحاد الصناعات العراقي على ان يعقد الاجتماع عصرا في احدى قاعات مجلس النواب الحالي يوم السبت المصادف 2/8/2003 وفي يوم الخميس قبل الاجتماع امتدت بد الغدر واغتالت الدكتور فائز يوم 30/7/2003 المدير العام لشركة الزيوت النباتية (رحمه الله).
وفي اليوم المحدد عقد الاجتماع برئاسة سمير الصميدعي عضو مجلس الحكم وحضره محمد العاني ورئيس المؤسسة العامة للسمنت والدكتور رئيس الشركة العامة للكيمياويات في السدة ومعاون مدير شركة الزيوت النباتية الذي لم يكن اسمه مسجلاً في الاستعلامات ومدير احدى الشركات الاخرى والمحامي هاشم ذنون الاطرقجي عضو إدارة اتحاد الصناعات العراقي ورئيس اتحاد البلاستك والدكتور عبد الموجود الصميدعي كما حضر اثنان من المستشارين الامريكان في وزارة الصناعة احدهما هو الدكتور كرابيت عراقي الاصل والآخر امريكي عربي الاصل وبعد عرض ملخص للتقارير المقدمة من رؤساء الشركات الحكومية جرى نقاش مطول اشترك فيه الجانب العراقي مع ممثل مجلس الحكم وكان المستشاران الامريكان يحسنان اللغة العربية ويكتبان ما يدور من نقاش ودفاع عن القطاع العام باعتبار ان جميع هذه المشاريع مهمة وناجحة وان المشاريع التي اسسها النظام الدكتاتوري السابق (مشاريع التصنيع العسكري) يمكن تحويلها الى الانتاج الاقتصادي السلمي ومما عرضه رئيس مؤسسة السمنت عرضين إحداهما شركة تركية والاخرى يابانية بتشغيل جميع معامل السمنت في العراق بتزويدها بمولدات للطاقة الكهربائية وبالايجار لهذه المولدات لمدة سنة كاملة وتدفع المبالغ سمنتاً عراقياً من الانتاج وكان طلب المؤسسات هو رفع اليد عن اموال هذه المؤسسات المودعة في البنوك العراقية والتي وضع اليد عليها الحاكم المدني الامريكي (بريمر) وعلى هذا انتهى الاجتماع بتقديم تقرير مفصل لمجلس الحكم الذي اصدر القرار رقم (90) لسنة 2003 (قرر مجلس الحكم بجلسته المؤرخة في 4/11/3003 ما يلي: (وقف أي خطط او نشاطات لخصخصة المؤسسات والمشاريع المملوكة من قبل الدولة وذلك لاجراء دراسة مناسبة لاوضاع هذه المؤسسات والمشاريع وتقييم العواقب الاجتماعية والاقتصادية والسياسية المترتبة على خصخصتها) توقيع جلال طالباني رئيس مجلس الحكم وكان لهذا القرار التاريخي الوطني الاثر المهم بوقف تبديد الاموال والمشاريع التي يملكها الشعب العراقي وحتى الآن برغم وجود محاولات كثيرة للالتفاف على هذا القرار التاريخي من قبل الحكومات المتعاقبة وبعض الوزارات والمنظمات الدولية ومنها وزارة الصناعة بابتداع اساليب جديدة للتعامل مع هذه المشاريع عن طريق الايجار او المشاركة مع المستثمرين العراقيين والاجانب بدلا من تشغيلها بالاموال العراقية المكدسة في البنك المركزي والاموال المكدسة في مصرفي الرافدين والرشيد، لأن هذه المشاريع لديها كفاءات علمية مدربة وكادر وسطي جيد ومكائن متطورة وتحويل المنتسبين لهذه المؤسسات والشركات من افواه اكلة لا تسد الرمق ولا توفر العيش المطلوب لهم بدفع رواتب مقطوعة 200 و300 الف دينار والتي تزيد شهريا عن (30) مليار دينار عراقي من دون مقابل من عمل وانتاج هذا العدد الهائل من الكفاءات الوطنية المدربة وتحويلها الى سواعد منتجة.
وعلى مدى الاربع سنوات الاخيرة خصص من الميزانية العامة الاستثمارية 15% من المبالغ العامة للميزانية و 85% للرواتب والخدمات التشغيلية وكانت حصة وزارة الصناعة في احدى هذه السنوات الأربع لا تزيد على (250) مليون دولار لا تسد الرمق وتقوم الوزارة بالاقتراض من البنوك لدفع رواتب منتسبي هذه الشركات وأما المؤسسات المتوقفة بسبب التمويل المادي والطاقة الكهربائية والبنى التحتية والظروف الأمنية ولا زال الاقتصاد العراقي يعاني من الاهمال المتعمد وخاصة الصناعة التي تنتج القيمة الزائدة (الأرباح) لتدوير عجلة الاقتصاد وتشغيل العمالة وتوفير النقود والقضاء على التضخم وعدم الاعتماد على الوارد الريعي للنفط الذي هو حق الاجيال القادمة التي ستحاسب المقصرين الذين استباحوا خيرات العراق باهدار المال العام من دون وجه حق ومن دون وازع من ضمير، ولا بد ان يقول الشعب العراقي يوما كلمته الفصل بالضرب على ايدي اصحاب القرار الذين أهدروا حقوقه وآماله العريضة وهذا القسم الأول سأواصل الكتابة بعده ان شاء الله.