من تاريخ الحياة النيابية..صحفيون و ... نواب

من تاريخ الحياة النيابية..صحفيون و ... نواب

■ رفعة عبد الرزاق محمد
انبثقت الحياة النيابية في العراق في الهزيع الاخير من العهد العثماني ، ثم تبلور الامر ليصبح ركنا اساسا في العملية الدستورية بعد تاسيس الدولة العراقية وابرام القانون الاساسي العراقي . وشهت المسيرة النيابية في العراق 1925 ــ 1958 اسماء مختلفة الثقافات والمشارب والاهواء لاعضاء المجالس النيابية . ومن هؤلاء طائفة من الصحفيين الذين انتخبوا لشهرتهم في عالم الصحافة ، فقد كان نشاطهم الصحفي سابقا لعملهم الصحفي .

ولا نضيف ان هؤلاء كانوا اكثر تفهما لدورهم النيابي، وربما انسجم في كثير من الاحيان مع دورهم الصحفي . ولعل هذا الموضوع جدير بالبحث والتقييم .
ولم يعرف العراق الصحافة الحقيقية الا بعد الانقلاب الدستوري في الدولة العثمانية عام 1908 ، وما تبعه من هبوب نسمات الحرية والديمقراطية على ولايات الدولة. ومن ابرز مشاهد العهد الجديد ، انبثاق الحياة النيابية عبر ما كان يعرف بمجلس المبعوثان .

العهد العثماني
من صحفيي العراق في العهد العثماني الاخير ( 1908 ـ 1917 ) الذين تولوا مقاعد نيابية في مجلس المبعوثان او المجالس النيابية بعد تأسيس الدولة العراقية . نذكر منهم الحاج عبد الحسين الازري ( ت 1955)الذي اصدر جريدة ( الروضة ) في حزيران 1909 ، وجريدة ( مصباح الشرق ) في اب 1910 ، وجريدة ( المصباح ) في اذار 1911 و ( المصباح الاغر ) في تشرين الثاني 1911، وقد استمرت هذه ثلاث سنوات . كما تولى الازري ادارة مجلة ( العلم ) التي اصدرها السيد هبة الدين الشهرستاني . وقد لقي من ذلكالعمل الصحفي الحر ما لاقاه احرار العرب من الاضطهاد التركي ، فنفي اثناء الحرب العظمى الى اماكن بعيدة عن موطنه. وفي عام 1924 اصدر مجلة (الاصلاح) ولم يصدر منها سوى عددين. دخل الازري المعترك السياسي النيابي عام 1934 وانتخب نائبا عن الديوانية ، غير ان المجلس حل مع تاليف وزارة ياسين الهاشمي الثانية في ربيع السنة التالية .
ومن صحفي العهد العثماني ، مراد سليمان ( ت1922 ) ، اصدر اول جريدة اهلية هي جريدة ( بغداد ) في اب 1908 ، بعد شهر من اعلان الدستور العثماني . وكان لسان جمعية الاتحاد والترقي في بغداد . وقد انتخب في مجلس المبعوثان عام 1912 ، وهو اخو محمود شوكة باسا قائد الانقلاب العثماني ، وحكمة سليمان رئيس الوزراء العراقي سنة 1936 .
واصدر سليمان فيضي (ت 1951) جريدة (الايقاظ) في البصرة بعد الانقلاب الدستوري ، واصبحت هذه الجريدة لسان الحركة العربية المناهضة لسياسة الاتحاديين الاتراك . انتخب فيضي نائبا في مجلس المبعوثان عام 1914 عن البصرة ، وهو من ابناء الموصل وعمل محاميا في البصرة ورافق السيد طالب النقيب في كفاحه السياسي في العهد العثماني . وفي العهد الملكي تولى مقعدا نيابيا عن الصرة عام 1935 .
اما الصحفي الحر عبد اللطيف ثنيان ( ت 1944 ) صاحب جريدة ( الرقيب) الذائعة التي الهبت الحماس ضد سياسة التتريك التي انتهجها الاتحاديون الترك بعد ان ضربوا عهودهم عرض الحائط ، ولقي ما لقي من اضطهادهم ، فقد تولى النيابة في العهد العراقي مرتين ، الاولى عام 1934 نائبا عن ديالى والثانية عام 1939 نائبا عن بغداد .
والسيد هبة الدين الشهرستاني ( ت1967)، اصدر مجلة ( العلم) في بغداد والنجف عام 1910 واستمرت سنتين ، كانت مجلة متحررة في وقت مبكر من تاريخ العراق الحديث ، وبها عرف صاحبها كأحد رواد الاصلاح الديني في الشرق . كانت مجلته تدعو الى نشر الافكار الحديثة والمكتشفات العلمية ونبذ العادات البالية .
وفي العهد العراقي تولى وزارة المعارف عام 1921 وانتخب نائبا عن بغداد في مجلس النواب في كانون الاول 1934 .

******
شهد عام 1921 تاسيس الدولة العراقية ، وفي عام 1924 اصدر المجلس التاسيسي العراقي بعد اقراره الدستور الجديد للدولة الناشئة الموسوم بالقانون الاساسي العراقي ، قانون المجلس النيابي كاحد اسس النظام الجديد الذي اريد به الاخذ بالوسائل الديمقراطية التقليدية . وفي عام 1925 تالف اول مجلس للنواب . كان لكبار الصحفيين حضور مشهود في الدورات الانتخابية للمجلس ، الى ان انتهى العهد الملكي عام 1958 واحتجب المشهد النيابي عن الظهور بسقوط المؤسسات الدستورية للنظام . ونعرض هنا طائفة من الصحفيين العراقيي ممن انتخب في المجلس النيابي في ذلك العهد .
واول من يرد على ذهن الباحث هو الصحفي القديرالاستاذ رفائيل بطي ( ت1956) صاحب جريدة ( البلاد) الصادرة عام 1929، فضلا عن مؤهلاته الفكرية والادبية العديدة، فقد انتخب نائبا عن البصرة عام 1934 وعن الموصل عام 1935 وعام 1937 وعن البصرة 1939 وعن بغداد عام 1948 وعام 1953 . ونود هنا القول ان الاستاذ بطي كانت النيابة والوصول اليه اقل مواهبه، فقد كان اديبا ممتازا وباحثا مرموقا وصحفيا قديرا ، بل يعد احد المؤسسين الحقيقيين للصحافة العراقية ، فقد كان ابرز الاسماء العاملة في جريد ( العراق) لرزوق غنام التي كانت مدرسة صحفية بحد ذاتها وغيرها من الصحف والمجلات ، كما اصدر عام 1924 مجلة ( الحرية ) وهي من افضل المجلات العراقية في العشرينيات من القرن الماضي. والاستاذ الشاعر الكبير معروف الرصافي (ت1945) الذي دخل الصحافة منذ عام1908 محررا للقسم العربي من جريدة ( بغداد) المنوه عنها قبل قليل ، فقد اصدر جريدة باسم ( الامل) في تشرين الاول 1923 وصدر منها (68) عددا . واصبح عضوا في مجلس المبعوثان نائبا عن العمارة عام 1912 وعن النمتفق عام 1914 . وفي العهد العراقي انتخب نائبا لربع مرات ، عن العمارة عام 1930 وعن بغداد عام 1934 وعن الرمادي عام 1935 وعام 1937 .
ومن الصحفيين النواب : احمد عزة الاعظمي ( ت1936) اصدر مجلة ( لسان العرب )التي اتخذت لها اسم المنتدى الادبي عام 1914 وتعرض بسببها الاعظمي الى الاضطهاد والسجن . وحرر مجلة ( اللسان) عام 1919 ، ثم اصدر مجلة ( المعرض ) عام 1925 . واشتهر كتابه ( القضية العربية ) كاحد المصادر عن الحركة العربية المناوئة للتسلط التركي وحركة الاستقلال ضد الاحتلال الغربي . وبعد تاسيس الدولة العراقية انتخب نائبا عن لواء ديالى (1928) ثم نائبا عن بغداد عام 1934 .
ومنهم الاستاذ يوسف رزق الله غنيمة(ت1950) الذي اشترك مع المعلم داود صليوا في اصدار جريدة ( صدى بابل) عام 1909 وكتب في الكثير من المجلات والجرائد العراقية ابان العهد العثماني . وفي انتخابات المجلس التاسيسي بعد تاسيس الدولة العراقية انتخب نائبا عن بغداد في اذار 1924 ، ثم اصدر جريدة ( السياسة) اليومية في 3 اذار 1925 . وانتخب نائبا عن بغداد في المجلس النيابي عام 1925 وعام 1928 و عام 1934 ، ثم عين عضوا في مجلس الاعيان عام 1945 وتولى مناصب وزارية عديدة . ويعد غنيمة من اعلام اليقظة الفكرية في العراق الحديث كباحث ومحقق وصحفي وسياسي .
ومنهم الصحفي البارع عبد الغفور البدري (ت1943 ) صاحب جريدة ( الاستقلال) لسان المعارضة الوطنية منذ ايام الثورة العراقية الكبرى سنة 1920 . استمرت جريدته الى عام 1941 وعطلت مرارا وحكم عليه ، فاصدر بدلا عنها جرائد متعددة لمواصلة رسالته . وانتخب نائبا في مجلس النواب مرات عديدة ، فكان نائبا عن ديالى (1933) وعن الكوت (1934 ) وعام (1937) وعام (1938 ) .
ومنهم الاستاذ داود السعدي ( ت1966) الذي اصدر عام 1921 جريدة (دجلة ) ، وقيل عنها ان تشايع الفكرة الجمهورية التي طرحت في اوسط سياسية خاصة ضد توجيه العرش الى احد انجال الشريف حسين ، الا ان صاحبه سرعان ما سحب الامر وتنصل منه. كان السعدي قانونيا ضليعا ومحاميا قديرا، وما من قضية مهمة امام القضاء العراقي الا وكانت له مشاركة فيه كمحام معروف. انتخب نائبا عن بغداد مرات عديدة عام 1937 عام 1939 وعام 1948 ... الخ .
ان القائمة طويلة للصحفيين الذين عرفهم سوح البرلمان في العهد الملكي . ولا يسعنا في هذه العجالة الا الاشارة الى اسماء اخرى مرجئين التفصيل الى مقال اخر ، فمنهم الاستاذ رزوق غنام ( ت1965) صاحب جريدة ( العراق ) والمدرسة الصحفية الاولى في مسيرة الصحافة العراقية . انتخب نائبا عن بغدا في ست دورات انتخابية : 1930 و 1935 و 1939 و 1943 و 1954 و 1958. ومنهم فتح الله سرسم ( ت1927 ) الذي اصدر جريدة اسبوعية في الموصل بأسم (نينوى ) في تموز 1909 ، وقد انتخب نائبا عن الموصل في المجلس التأسيس العراقي سنة 1924 ، ومن الجدير ذكره ان ابنه متي فتح الله كان صحفيا ايضا ، اذ اصدر جريدة ( فتى العراق ) عام 1929 وجريدة ( البلاغ) في السنة التالية ، انتخب هو الاخر نائبا عن لواء الموصل عام 1939 وعام 1947 والدورات النيابية اللاحقة .
ومنهم الاستاذ سليم حسون ( ت1947 ) من المثقفين العراقيين الرواد . عمل محررا في جريدة (الموصل) عام 1918 ، واصدر جريدة (العالم العربي) الذائعة عام 1924 ، وظلت صادرة الى وفاته . انتخب حسون نائبا عن الموصل في السنوات 1933 و 1934 و 1937 ثم نائبا عن بغداد 1937 ــ 1939 . ومنهم الاستاذ توفيق السمعاني (ت1982 ) صاحب جريدة ( الزمان) الصادرة عام 1937 واستمرت الى ما بعد ثورة تموز 1958 ، كما ساهم في اصدار صحف ومجلات قبل ذلك. انتخب نائبا عن البصرة عامي 1937 و 1939 ونائبا عن الموصل في الاعوام 1953 و 1954 و 1958 .
ونضيف هنا اسماء اخرى لصحفيين انتخبوا نوابا في المجالس النيابية ابان العهد الملكي مثل سلمان الشيخ احمد الداود ومحمد عبد الحسين وعبد القادر السياب وشفيق نوري السعيدي ومصطفى علي ومكي الجميل . ونختتم هذه الاطلالة بالشاعر الجهير محمد مهدي الجواهري الذي اصدر جرائد (الفرات) 1930 و (الانقلاب) 1936 و ( الرأي العام ) 1937، كان يسعى الى النيابة كما ذكر في مذكراته المنشورة ولم يحصل عليه الا عام 1947 ، اذ اصبح نائبا عن لواء كربلاء في الانتخابات التكميلية ، غير ان المجلس حلّ في شباط 1948 اثر وثبة كانون الثاني .
ويمكن ان نضيف هنا اسماء اخرى لطائفة من الصحفيين الي وصلوا الى المجلس النيابي في فترات مختلفة من تاريخ الحياة النيابية في العراق في العهد الملكي ، نذكر منهم عزيز شريف وعبد القادر اسماعيل وحسين جميل وعبد الوهاب محمود وشاكر النعمة وعلي محمود الشيخ علي ومحمد باقر الحلي وحمد باقر الشبيبي واسماعيل الغانم ورفيق السيد عيسى وسلمان شينة .