عبد الرزاق محيي الدين علامة فارقة في تاريخ الثقافة العراقية

عبد الرزاق محيي الدين علامة فارقة في تاريخ الثقافة العراقية

توفيق التميمي
في مساء 27 نيسان 1983 فجعت الأوساط الأدبية والأكاديمية العراقية بخسارة علم من أعلامها الأفذاذ ورمز من رموزها الكبار هو العلامة الدكتور عبدالرزاق محيي الدين،الذي توفى مسموما بعد ساعات معدودة من لقائه بالطاغية صدام والذي طلبه لمقابلته للبحث في الخلاص من ورطة حربه العدوانية مع الجارة إيران بصفته شخصية علمية وأدبية مرموقة تحظى باحترام الأوساط السياسية والفكرية في كل من العراق وإيران،

وأكد وفاته مسموما الطبيب الأجنبي الذي كتب تقرير الوفاة في مستشفى مدينة الطب، وأسر ذلك لابنه الخبير الكيمياوي الدكتور زهير محيي الدين المقيم حاليا في عمان.
وكانت تلك القصة الدرامية والفجائعية واحدة من القصص التي توضح مدى العلاقة المتوترة التي تربط نظام الاستبداد والطغيان الصدامي بالرموز الفكرية والمعرفية من طراز العلامة عبدالرزاق محيي الدين .

نشأة نجفية
ولد العلامة محيي الدين في النجف 1910من أسرة علمية نزحت من جنوب لبنان إلى العراق أواسط القرن الثامن الهجري، ولانحداره من أسرة دينية فإنه ارتدى العمامة جريا على عادة أبناء العلماء، وعلى طريقة السلف في مدينة محافظة لها تقاليدها العلمية والأدبية الصارمة كمدينة النجف تقلب بين أيدي أساتذة كبار تعلم منهم أساليب النقاش والجدل والمطارحات، جعلته من دعاة التحرر والنزعة الإصلاحية التي لازمته حتى نهايات عمره الشريف.

محاولات في التجديد الديني
كأي طالب للعلوم الدينية درس المقدمات والنحو على يد السيد ضياء الدين بحر العلوم، ودرس الأصول على يد الشيخ محمد تقي صادق العاملي، والأدب والعروض والتي سيكون له شأن كبير فيها على يد الشيخ قاسم محيي الدين .
اقتحم المجالس الادبية والمحافل العلمية في مستهل حياته وبرز بين الكبار مفندا آراءهم مصححا لأفكارهم في عناد ومشاكسة، دفعت كثيرين لاتهامه بالغرور والخروج على المألوف فوقف بجرأة مع دعوة محسن أمين العاملي في حرمة التطبير وتنزيه الشعائر الحسينية من الدخيل عليها، وكان أيضا مع الثورة ضد الأساليب البالية في التعليم الديني والدعوة إلى تجديد الدرس الحوزوي.
لم تمنع ولادته و نشأته النجفية و لا دراساته الإسلامية من الإيمان بالفكر العروبي الذي بلغ مداه ووهج بريقه أيام حكم ناصر وتحالفاته مع المعسكر الاشتراكي بقيادة الاتحاد السوفيتي السابق.
كما لم تمنع طائفية الدولة الموروثة من العهد العثماني من توليه منصب وزير الوحدة في عهد الشقيقين عبدالسلام وعبدالرحمن عارف ،وكانت له في عهد وزارته صولات وجولات ولقاءات تاريخية مع أبرز رموز السياسة وزعماء العالم في تلك الفترة، سينسى التاريخ أمر تلك الزيارات والإنجازات، ولكن ستبقى الصورة بسوادها وبياضها شاهدا على الدور السياسي والفكري للراحل العلامة د.عبدالرزاق محيي الدين .

قصائد وحدوية
مبكرا كان يدعو عبدالرزاق محيي الدين في قصائده التي كان يلقيها في محافل النجف الشعرية وخطبه وكلماته إلى الوحدة بين المسلمين من جهة، والوحدة بينهم وبين بقية الأديان الأخرى.
ربما كانت هذه الدعوات تمثل شذوذا في بيئة مغلقة دينيا وطائفيا وربما قبليا كمدينة النجف.

محيي الدين في بغداد
كا ن للإقدار أثرها في ابتعاد عبدالرزاق محيي الدين عن النجف وأجوائها، فقد شارك في حفل أدبي أقامته جمعية الرابطة الأدبية في النجف العام 1932 لاستقبال مفتي فلسطين أمين الحسيني آنذاك، وبحضور الملك غازي ووزير المعارف السيد عبدالمهدي المنتفجي، وكان بسبب تلك الصدفة قد هيأت الأقدار له أن يكون ضمن أعضاء البعثة العراقية المتوجهة إلى دار العلوم في مصر، لإكمال دراساته المدنية العليا في تخصص اللغة العربية وآدابها وبتوسط وتدخل من النائب مهدي المنتفجي المعروف برعايته للمواهب الأدبية والدفاع عن قضايا الأدباء، الذي اشتهر بدفاعه في البرلمان العراقي عن اتهام شاعر العرب الأكبر محمد مهدي الجواهري والطعن بهويته العربية، وكان للمنتفجي دور كبير في اعادة الاعتبار للشاعر الجواهري.

ريادات أدبية وفكرية
سجلت سيرة حياة العلامة الدكتور والوزير السابق عبدالرزاق محيي الدين ريادات متعددة في مجالات الإبداع وتنشيط الجمعيات والروابط الثقافية، منها دوره مع أستاذه محمد رضا المظفر في تأسيس منتدى النشر، ومنها تدريسه في كلية أصول الدين بعد إجازتها الرسمية وتأسيسه للرابطة العلمية الأدبية في النجف الأشرف 1932مع الأديبين محمود الحبوبي وصالح الجعفري، انتخب عضوا في المجمع العلمي العراقي العام 1963فنائبا لرئيسه، ثم رئيسا له العام 1965 بعد استقالة الشبيبي وانتخب رئيسا للمجمع لأربع مرات متتالية حتى أقيل منه 1979 بقرار من الرئيس المباد.
وموقف طائفي مقيت حيال رموز فكرية ومعرفية أخرى من طراز العلامة علي الوردي والعلامة حسين علي محفوظ اللذين أقصيا من عضوية المجمع فضلا عن رئاسته.

شهادته
بسبب معارضته للنظام المباد وتنديده به في مؤتمر الخلافة الإسلامية في عمان ورفضه المشاركة في أعمال المؤتمر الإسلامي الذي انعقد أيام الحرب العراقية الإيرانية ببغداد، قام الرئيس المباد باستدعائه إلى القصر الجمهوري وسقاه بالشراب الممزوج بسم الثاليوم وبعد عودته من تلك المقابلة المشؤومة بساعات فقط سقط فاقدا للوعي ونقل على إثرها لمستشفى مدينة الطب وهناك توفي بعد أيام متأثرا بسم الثاليوم.

من أبرز مؤلفاته
أبو حيان التوحيدي سيرته وآثاره، أدب المرتضى من سيرته وآثاره، من أجل الإنسان في العراق، خواطر وملاحظات حول التعليم العالي في العراق بالمشاركة مع الدكتـــور نوري جعــفر، أسطورة الأدب الرفيع بالمشاركة مع الدكتور على الوردي.
الحالي والعامل تتمة لملحق
أمل الآمل، ديوان القصائد، المطالعة العربية للمتوسطات جزءان /بالمشاركة، تاريخ الأدب العربي للمتوسطات/ بالمشاركة، الوجيز في تفسير القرآن العزيز/ تحقيق، البصائر والذخائر لأبي حيان التوحيدي /تحقيق، المقابسات لأبي حيان
التوحيدي /تحقيق، ونشر مئات المقالات والبحوث في المجلات والصحف العراقية والعربية والأجنبية