النزاهة لا السياسة .. سبيل الاصلاح الاقتصادي

النزاهة لا السياسة .. سبيل الاصلاح الاقتصادي

ترجمة / عادل العامل
ربما لم يصل غضب الرأي العام الأميركي من نظامه المالي أعلى من هذا في قرنٍ من الزمن تقريباً، كما يقول سول روزينبيرغ في مقاله. فالمصارف تسجل أرباحاً قياسية بينما يكافح المستهلك الأميركي على الطرف الآخر مما كان يشكّل أزمة مشتركة قبل سنة. وما يثير الفضول، أن هناك في الوقت نفسه الذي ظهرت فيه نتائج الربع الأول تقريباً،

أُعيد إصدار كتابين مختلفين جداً و لصيقين بالموضوع في اليوم نفسه من قِبل ( كتب عامة General Books )، و هو نادٍ يعيد نشر الأعمال الكلاسيكية : ( ثروة الأمم ) لآدم سمِث و ( ارتفاع سايلاس لافام ) لويليام دين هاوِلز. و يبقى كتاب سمِث، المنشور عام 1776، النص الاقتصادي الأصولي للمحافظين الأميركيين المحدودي الحكم . أما رواية هاولز الأكثر شهرةً، المكتوبة في عام 1885، فتقدم تعليقاً مهماً بالدرجة نفسها على الأحداث الأخيرة.
و قد صمم سمِث على عدد من المبادىء التي رآها أساسيةً بالنسبة لاقتصادٍ مزدهر، معبّراً عن أكثرها شهرةً في استعارةٍ ليدٍ غير مرئية تنظم المصلحة الشخصية الفردية في نظام عمل عادل. و هذه الفكرة هي التي ستأتي بموجب الضغط في الكفاح الغذائي القادم للكونغرس بشأن التنظيم المالي. و سيسأل رجل الكونغرس : ألم نرَ الفوضى التي تلي الاعتماد على اليد غير المرئية؟
إن هذه لحظة طيبة ، إذاً، لتذكير أنفسنا بأن سمث فهم (المصلحة الشخصية)على نحوٍ مختلف جداً عن الطريقة التي نفسّرها بها اليوم. و لقد وفّر عمله الكلاسيكي الأسبق، و هو " نظرية العواطف الأخلاقية Theory of Moral Sentiments " 1759، الأسس المنهجية، و السايكولوجية، و الفلسفية، و الأخلاقية للعمل اللاحق.
وافتتاحيته جديرة بالاقتباس بالكامل هنا:
[ مهما كان الإنسان أنانياً حسب ظننا، فإن هناك على نحوٍ جلي بعض المبادىء في طبيعته، التي تثير انتباهه إلى حظوظ الآخرين، و تجعل سعادتهم ضرورية له، و لو أنه لا يستمد أي شيءٍ منها، باستثناء الاستمتاع برؤيتها. و من هذا النوع الرثاء أو الرحمة، العاطفة التي نشعر بها تجاه تعاسة غيرنا، حين نراها أو حين يجعلنا أحدٌ نتصورها بأسلوب مفعم حيويٍّ جداً. و كوننا نستمد الحزن في الغالب من أحزان الآخرين، أمرٌ واقعي واضح جداً إلى حد أنه لا يحتاج إلى أي أمثلة للبرهنة عليه؛ ذلك أن هذه العاطفة، مثل كل العواطف الأصيلة الأخرى في الطبيعة البشرية، ليست بأية حال مقصورة على الفاضل أو الإنساني من الناس، و لو أن هؤلاء يمكن ربما أن يشعروا بها ربما بحساسية مصطفاة جداً، فأكثر الناس وحشيةً، و أشد منتهكي قوانين المجتمع قسوةً، لا يخلون منها تماماً.
إن اقتناع سمث بأن هذا " واضح جداً " إلى حد أنه لا يحتاج إلى برهان يبدو غريباً بشكلٍ ساحر اليوم، ذلك لأننا قد فقدنا رؤية حقيقة أن الحكومة المحدودة التي كان سمث يؤيدها، و التي تخيّلها ( مؤسسونا )، كانت تستقر على افتراضٍ تمثله خير تمثيل ملاحظة جورج واشنطن القائلة بأن " العقل و دروس التجربة ... علّمتنا أن الجمهوريين الوطنيين ينبغي أن يدركوا و يُقرّوا الدين لأن المواطَنة المتدينة فقط التي يمكنها أن تسند الحكم الذاتي الجمهوري "، و كانت معتقدات سمث الدينية غير معتقدات واشنطن.
وعلى كل حال، فإنه كان بالتأكيد يرى و يستحسن وظيفة المؤسسات الدينية في اقتصادٍ صناعي ناهض. و الآن، يمكن ألا يكون من المفيد مباشرةً، في البيئة الحالية، تقديم موعظة عن ضرورة إعادة صهر مجتمعنا بروح الدين، لكن من الحاسم أن نشق الطريق لمفاهيم النزاهة الأخلاقية، التي من دونها تتعرض التجربة الأميركية للخطر ــ كما رأى جورج واشنطن بوضوح.
و هنا تأتي توأمة كتاب (ثروة الأمم) مع رواية (ارتفاع سايلاس لافام) مناسبة جداً، إذ لو لم يكن محتمَلاً أن تقوم دار (كتب عامة) بإعادة إصدار ( نظرية العواطف الأخلاقية) في أي وقت قريب، فإن (ارتفاع سايلاس لافام) يمكن أن يحل محله بالتأكيد. فهذا الأخير يروي قصة رجل أعمال يرفض في نهاية المطاف أن يبيع غالياً ممتلكاته التي يعرف أن قيمتها من المؤكد أن تهبط في المستقبل القريب. فيُدمَّر مالياً، لكنه يرتفع أخلاقياً ــ و من هنا عنوان الرواية ( ارتفاع سايلاس لافام ).
لقد كتب هاولز ذلك قبل أن يضع " رعب عام 1893 " بوقتٍ قصير نهايةً لعصرالمال الأميركي (المزخرَف). و ما نزال ننتظر المؤرّخ العظيم للحلقة الراهنة من المسلسل. و في غضون ذلك، يمكن حتى للمعجب طويلاً بنظامنا المالي أن يجد من الصعب ألاّ يشعر بأن مناصرة ( ثروة الأمم ) لما في ( نظرية العواطف الأخلاقية ) من أمور ضارة قد فتحت الباب أمام إصلاح تنظيمي مدفوع إيديولوجياً كان يمكن لشيء من روح سايلاس لافام أن تنقذنا منه ــ و ربما يمكنها، في هذا الوقت، أن تفعل ذلك.
عن / The New York Sun