استجلاء موقف صالح جبر من انقلاب بكر صدقي سنة 1936..كيف دخل وزارة الانقلاب وكيف استقال؟

Sunday 19th of January 2014 05:58:45 PM ,

ذاكرة عراقية ,

■ فاطمة صادق السعدي
تشكلت وزارة حكمت سليمان في التاسع والعشرين من تشرين الأول 1936، إثر انقلاب بكر صدقي، وكان في نية حكمت سليمان، أن يختار نوري السعيد أو صهره جعفر العسكري، ليأمن جانب البريطانيين ، لكن كامل الجادرجي أقترح عليه إستيزار صالح جبر، متصرف كربلاء آنذاك، لعلاقته مع البريطانيين أيضا.

وفي هذا الصدد يقول الحسني، أن صالح جبر ذكر له ، أنه تلقى مكالمة هاتفية من بغداد، في اليوم الذي شكل فيه حكمت سليمان الوزارة (29 تشرين الأول 1936 ) ولم يكن قد سمع بأنباء انقلاب بكر صدقي، وقد عرض عليه حكمت سليمان الدخول في وزارته، لكنه أعتذر عن تلبية الطلب، فلم يقبل حكمت سليمان عذره، لكن صالح جبر بقي متمسكا برأيه، ولم يكن من حكمت إلا أن أنهى المكالمة، فطلب من صالح جبر التوجه إلى بغداد. ليسند له وزارة العدلية.
وقد جاء في منهاج وزارة العدلية ضرورة تأمين مساواة الأفراد التامة أمام القانون، وتوزيع العدل فيما بينهم، وانتهاج خطة إصلاحية، لتقوية روح الاستقلال والحياد، ورفع مستوى الكفاءة في المحاكم واعادة النظر في أصول انتخاب الحكام والقضاة، وترقيتهم، والعمل على زيادة خبراتهم القانونية والعلمية لرفع شأن القضاء، وإعادة النظر في أصول المرافعة وإصلاحها ، وسلامة الأحكام، وسرعة إنجازها ، وإصلاح القوانين المدنية والتجارية، وغيرها، لتلبية متطلبات البلاد ، حسبما تقتضيه التطورات الاجتماعية والاقتصادية .
وبالرغم من الموضوعات التي وردت في منهاج هذه الوزارة في المجال القانوني والعدلي، لكن شيئا من المنهاج لم يتحقق، فقد سارت سياسة العراق من خلال الحكومات المتعاقبة على وضع خطوات جدية، أكبر من المتيسر، وتحل أو تستقيل الوزارات ، دون تحقيق أدنى نسبة منها، بل عكست المظهر التقليدي، والرتابة دون إنجاز مثل هذه المناهج الكبيرة . لقصر فترة الوزارات المتعاقبة، وتباين القدرات، وغياب الموضوعية في معظم المناهج للحكومات المتعاقبة .
لقد عمل صالح جبر، بجدية لإنجاز منهاجه، وبخاصة معالجة الموضوعات التي لها مساس مباشر بعمل وزارته، والتي عرضها في مجلسّي النواب والأعيان، لكن الأحداث الجسيمة، التي حدثت في العراق، بسبب انقلاب بكر صدقي ، وعجز القائمين على الحكم في فهم معاناة المجتمع، وقصر المدة التي عمل فيها صالح جبر وزيراً للعدلية، والتي لاتتعدى السبعة أشهر. لم تحقق تلك الطموحات والآمال المكتوبة على الورق .
على الرغم من ذلك فقد سعى صالح جبر، إلى معالجة الموضوعات التي تخص وزارته ومنها التي تمت مناقشتها في مجلسي النواب والأعيان، مثل مسألة التخمين، في ميزانية الوزارات والتي قال عنها، بأنها توضع على سبيل التخمين ولايمكن لحكومة من الحكومات أن تحصر بالشكل الصحيح مخصصات الأنفاق وصرفيات الدولة والواردات التي تدخل الميزانية، وأن الحاجة تقدرها الحكومة وهي حريصة كل الحرص على حد وصفه ، وأن واردات الدولة لاتتفق إلا في سبيل الصالح العام. وعرف عنه أنه كثير المداخلات، بشأن المواضيع، التي تخضع لمناقشات حامية، فقد كان يتحدث في الجلسات، بمنطق القانون، وكيفية المحافظة على أحكامه، ومن أهمها أمور الميزانية، وعلى سبيل المثال لا الحصر، أن ميزانية السنة المالية لعام 1937، قد رصدت مبلغا قدره 931.632دينار لسد نفقات الدولة، لشهري نيسان وأيار، لمساعدة المسجونين الذين صدرت بحقهم الأحكام ، مذكرا بأن الميزانية توضع من قبل الحكومة على سبيل التخمين ، الذي أشار إليه، ولايمكن لحكومة ما أن تحصر بالضبط مخصصات الأنفاق وصرفيات الدولة والواردات، التي تدخل في الميزانية. وقد أوضح بأن الحكومة قدمت بعض المساعدات للمنكوبين الذين يحتاجون إلى المساعدة ، ولابد والحالة هذه، أن تضع الحكومة بعضا من المبالغ ، بعامل الاضطرار والحاجة الماسة إذا كانت تخدم الصالح العام وتسعف المتضررين . وقال صالح جبر مخاطباً العين عزرا مناحيم دانيال الذي طالب بإلغاء المادة 27 والمادة 13 من نظام المصادرة والنفي "اشكر مقرر اللجنة عزرا ،حينما تذاكرنا على اللائحة في اللجنة وأنا الآن اكرر نفس الجواب ... والمصادرة التي وقعت بموجب هذا المرسوم هي مشروعة وقانونية وان نظام منازعات دعاوى العشائر من الأنظمة التي تتضمن الكثير من التجاوزات على القوانين العمومية والقواعد الحقوقية المرعية وللقانون الأساسي [الدستور] نفسه، وان المادة 114 من القانون الأساسي اعتبرت جميع البيانات الصادرة بين اليوم الخامس من تشرين الثاني 1914 وتاريخ تنفيذ الدستور صحيحة ومرعية إلى أن تبدل أو تلغى من قبل السلطة التشريعية ، أو إلى أن يصدر من المحكمة العليا قرارا يجعلها ملغاة . وبما أن نظام دعاوى العشائر المدنية – الجزائية الصادر سنة 1918 هو من جملة هذه الأنظمة ، وأن الفقرة الثالثة من المادة 27 من هذا النظام ، تجيز مصادرة الأموال أو قسم منها العائدة إلى إحدى العشائر أو بعض أفرادها عندما تأتي أعمال منافية للولاء نحو الحكومة، فلا يمكن اعتبار المصادرة الواقعة مخالفة للدستور ، ولكن الحكومة بداعي الأنصاف ، ارتأت استصدار هذا المرسوم المتضمن إعادة الأموال غير المنقولة له والمصادرة بموجب قرارات المجالس العراقية".
رد صالح جبر على العين أصف وفائي عندما طلب من الحكومة النظر في إلغاء قانون دعاوى العشائر المخالف للقانون وذلك بتشكيل لجنة أو محكمة عليا.
أجاب "ان قانون دعاوى العشائر مخالف للقانون واني مستعد لشطب كل ما هو مخالف للقانون الأساسي".
وبشأن موضوع رسوم الطابو(ضريبة العقار) ورسوم المحاكم، تعرض صالح جبر لأكثر من سؤال بشأن تخفيضها، فكان جوابه، بأن رسوم المحاكم خفضت بشكل عادل وليس فيها زيادة ، ولم تكن غاية الحكومة من وضع الرسوم لأجل الحصول على منبع من الواردات، وانما وضعت ضماناً لمن يمتنع عن إعطاء حقوق الناس ، وأن لجنة تشكلت في وزارة العدلية لدراسة حالة الرسوم وأنواعها بالصورة التي تنسجم والمصلحة، واللجنة في حالة عمل متواصل .
لم يترك صالح جبر شيئا ما يعرض أمامه إلا وأجاب عنه، وتشير محاضر مجلس النواب إلى إيضاحاته المسهبة، فقد عرض الأعيان موضوع رسوم المحاكم والطابو. وانتقد آخرون وزارة العدلية بشأن ضعف التفتيش العدلي، وبينوا أن المبالغ التي تصرف على دوائر التفتيش التابعة للوزارة كبيرة ، ولم تتحقق الفائدة حتى أن الوزارة غارقة في مشاغلها وغير مهتمة بالتقارير التي ترفع إليها من الدوائر او ان هذه الدوائر في بعض الأحيان لاتؤدي واجبها بشكل صحيح. وكان رد صالح جبر، ان دوائر التفتيش العدلي قائمة بأعمالها المكلفة بها، على وفق مايتطلبه القانون، وان المبالغ التي تنفق ليست اكثر من الفوائد التي تقوم بها هذه الدائرة ، لان الفائدة منها اكثر من النفقات ، ولكن ربما يقال إن التفتيش غير مستجمع للشروط الكافية وهذا صحيح.
من جانب آخر عرض موضوع كثرة التنقلات بين الحكام، بحيث أصبح حسم بعض القضايا البسيطة يحتاج إلى مدة طويلة . كان رد صالح جبر، إن نقل الحكام يؤدي في بعض الأحيان إلى تأخير حسم القضايا، ولكن الحاكم الجديد ، يقوم بدراسة القضايا بشكل جيد ليصدر الحكم ، وأن التنقلات تجري لأسباب وجيهة وحسبما تقضي الضرورة والمصلحة العامة .
وأبدى العين أصف وفائي ، ملاحظات بشأن المحاكم التي كانت على ثلاثة درجات هي (بداءة ، واستئنافية، وتمييزية) وتساءل فيما إذا كان حق التمييز ، قد بقي مجرد أسم، فالدعاوى تدقق بصورة استئنافية . أما التمييز فيطبق على مايصدر من المحاكم الصلحية، وأن أصل حق التمييز بالأمور الحقوقية أصبح مهملا. فرد عليه صالح جبر مؤكدا وجهة نظره، وأن الحكومة الحاضرة وسابقتها نظرتا في هذه المسألة، وعبر عن أمله في حل مثل هذه الأمور في القريب العاجل.
وقد وجه العين احمد عثمان ، سؤالا إلى وزير العدلية صالح جبر، بشأن صدور قانون العفو عن جميع الأشخاص الذين اسهموا في انقلاب بكر صدقي عام1936، أو (الحركة الوطنية) من كافة التعقيبات والتبعات القانونية الصادرة بحقهم، مما لها مساس بالحركة المذكورة، بصورة مباشرة أو غير مباشرة مهما كان نوعها وتساءل، "هل إن صدور العفو يكون قبل وقوع الجرم، والعفو يكون بعد نشر القانون في الجريدة الرسمية" فأجابه وزير العدلية صالح جبر، "أن الأصول القانوني جرى في كل اللوائح والقوانين ، وأن القانون ينفذ بعد نشره في الجريدة الرسمية، والقضية ، قضية أصولية العادة جرت على ذلك" .
أما بشأن وضع الملاك الثابت لموظفي إدارة الأوقاف ،فقد عبر صالح جبر عن انتقاده لعدم وجود ثبات قطعي في العالم بالمعنى الثابت، وانما يراد بالثبات هو النسبي، فالوظيفة مهمة شاقة وتحتاج للدرس والمتابعة ، وأن الحكومة مهتمة بهذا الموضوع ، وان لايجري أي تغيير إلا بقرار مجلس الوزراء وان عددا من اللجان قد شكلت في الوزارات، لغرض درس المشروع لان أي مشروع يحتاج إلى دراسة وتدقيق ، موضحا أهمية الأوقاف، التي يجب ان توضع موضع اهتمام الجميع . أراد صالح جبر أن يستغل الحديث عن وزارة الأوقاف فأشار إلى ان الحكومة عازمة على زيادة دور الايتام الاسلامية في بغداد والبصرة والموصل.
طالب أحد الأعيان ، وزير العدلية ، بإلغاء بعض الفقرات المتعلقة بـ(قانون دعاوى العشائر) فأعرب عن أمله بان لا تحذو الحكومة ووزير العدلية حذوا الحكومات السابقة التي وعدت بأمور كثيرة ، لكنها لم تفعل شيئا، وأعرب عن أمله في إن تنفذ الحكومة وعودها. فعبر صالح جبر عن شكره للعين أصف وفائي، ووعده بتنفيذ الوعود ، وحذف كل ماهو مخالف للقانون الأساسي، وأوضح بأن أي تشريع، يقر دون دراسة وتمحيص يكون ناقصا، ولايحقق الهدف المطلوب، فتدخل العين أصف وفائي معقبا بقوله "علينا الاعتماد على تنفيذ الوعود، وليس بإمكاننا أن نفعل اكثر من ان نذكِّر الحكومة."
في الجانب الاقتصادي تحدث صالح جبر عن موضوع (الذرعة والتخمين) وكيفية قيام الحكومة باستيفاء أجور حق الماء والأراضي البالغة 5/12% ونسبة 10% إلى الاستهلاك ، فيصبح ما يستوفى بنسبة 5/22% وهذا القانون قد نشر عام 1936، مما أدى إلى زيادة جهود الفلاح ، وأوضح أن الطريقة المعمول بها في الوقت الحاضر تتلائم مع مصلحة الزراع والحكومة معا ، بعد أن أجريت عليها تعديلات خلال السنوات الماضية. وتحقق قانون الاستهلاك، الذي لا يفرض حصة الحكومة إلا على المنتوج الصافي. أما حق الحكومة في الأرض فقد علق صالح جبر عليه بالقول " لا أظن أنه في الإمكان التوصل إلى طريقة احسن من هذه ، وهي طريقة الذرعة (هي المقياس لمعرفة عدد المشارات) مع العلم ان المقرر لكل مشارة هو معلوم لدى الحكومة والتخمين يجري بواسطة هيئات فنية لمعرفة الحاصل ، وهذه طريقة عادلة " ، على حد قوله.
وبين الأخذ والرد ، لدى البعض من الأعيان ، الذين ربما يهمهم الأمر اكثر من غيرهم، بشأن نسب الضرائب المفروضة على الفلاح والأرض ، أجاب صالح جبر أن التخمين ، كان يجري في السابق على أساس الوزن بالكيلو، وتقوم الحكومة باستيفاء حصتها حسب التخمين الذي يحدده المخمنون ، ولــهذا فقد شكا الزراع من هذه الطريقة لأنها تقبل الزيادة والنقصان ، أما التخمين المتبع حاليا وكما ذكره صالح جبر فهو يتم بمعرفة مقدار ضريبة الأرض على وفق الماء والمنتوج، لتحديد نسبة الضريبة المقررة لمعدل الإنتاج بوحدة القياس(المشارة).
وحول مشاركة العراق في معرض باريس ودفع مبلغ أربعة آلاف دينار ، أوضح وزير العدلية صالح جبر بأن العراق بلد معروف من الوجهة المالية والتجارية منذ أمد طويل ، فضلا عن مكانته الدولية ، باعتباره ممثلا في عصبة الأمم. وأن من لا يعرف العراق يتوهم "أن العراق هو إيران أو قريب من إيران فهذا التوهم لا عبرة له . بل العراق معروف بالعالم الغربي أجمع ، وهو معروف في منزلته السياسية وبخاصة في مضمار الحياة اما من الوجهة الاجتماعية والسياسية ، ونحن وأن كنا غير عارفين فهو معروف في الخارج بنسبة يرتاح أليها كل عراقي ."
أما بشأن لائحة قانون أنضمام العراق ، إلى الاتفاقية الدولية لمكافحة الأمراض المعدية في الحيوانات ، الموقع عليها في جنيف في العشرين من شباط 1935، فقد دعا صالح جبر إلى ضرورة ، استفادة العراق من هذه الاتفاقية ، بوصفه عضواً في عصبة الامم، موضحاً ان اللائحة مهمة وذات فائدة للعراق لانها تضمن المحافظة على الثروة الحيوانية، وهي مسأله مهمة.

استقالة صالح جبر

في الوقت الذي سيطر فيه رئيس أركان الجيش الفريق بكر صدقي على مقدرات البلاد ، وأصبح الحاكم المطلق، بعد أن اسقط وزارة ياسين الهاشمي وتم تشكيل وزارة برئاسة حكمت سليمان ، وبعد مقتل جعفر العسكري ، استهجن معظم الضباط هذا العمل ، ولم يقتصر هذا الأمر على هيمنة بكر صدقي على الجيش ، فقد ولد شعورا من التردد والتخوف بين الناس. ويذكر العقيد موسى علي الطيار الذي عاصر الاحداث انه "وصل شأن المخابرات إلى درجة أن الضباط صاروا يخشون بعضهم بعضا ، فقد قال لي أحدهم إذا رأيت ثلاثة أشخاص فأعلم أن ثالثهم من المخابرات 00" . لقد ابتعدت الحكومة عن هدفها، الحقيقي لخدمة المجتمع فعادت الحركات العشائرية في الفرات الأوسط ، احتجاجاً على سياسة توزيع الأراضي، وقانون التجنيد الإلزامي . وقد زج بكر صدقي عدد من شيوخ العشائر في السجن وكان قاسيا في تعامله مع ابناء العشائر، وغيرها من الأمور التي طفت على السطح في ظل تداعيات هذا الانقلاب ، ولا مناص والحالة هذه ، أن يقدم صالح جبر بصفته وزيرا للعدلية استقالته ، احتجاجا على سياسة القسوة . تجاه العشائر التي مارسها بكر صدقي ، ثم أعقب ذلك استقالة ثلاثة وزراء هم وزير المالية جعفر أبو التمن، ووزير المواصلات والأشغال كامل الجادرجي ووزير المعارف يوسف عز الـدين إبراهيم. وذلك في التاسع عشر من حزيران 1937. وقبلت الاستقالة في 24 حزيران 1937. جاء في اسباب الاستقالة في الكتاب الموجه إلى رئيس الوزراء "ان سياسة الحكومة لاتحقق المبادئ التي تقررت عند تأليف الوزارة" . وقال الوزراء في كتاب استقالتهم ايضا انهم كانوا يجهلون اجراءات الحكومة ضد العشائر في الفرات الاوسط ، ولاشك انهم بذلك كانوا يلقون اللوم على رئيس اركان الجيش الفريق بكر صدقي بالدرجة الاولى.
لانعدو جانب الحقيقة إذا قلنا أن الاستقالة التي تقدم بها صالح جبر، لم يكن سببها ما حصل من تلك التداعيات بسبب الانقلاب فقط، فقد سبق له أن دخل في نقاشات كثيرة مع زملائه الوزراء ، كما ان خلافه مع كل من حكمت سليمان وبكر صدقي ، يمكن إرجاعه إلى أسباب وظيفية، فقد حدث قبل استقالته ببضعة أسابيع، أن تشاجر النقيب محمد جواد الكردي مع عضو محكمة الجزاء عبد القادر السنوي، فأطلق الكردي النار على الحاكم فأرداه قتيلاً، فحكم عليه بالإعدام، وبذل صالح جبر بوصفه وزيرا للعدلية قصارى جهده لتنفيذ الحكم، لكن بكر صدقي وقف إلى جانب القاتل، وأنقذه بنفوذه من عقوبة الإعدام، وأبدلها بالسجن ، فقرر صالح جبر تقديم استقالته.
وفي هذا الصدد يذكر توفيق السويدي أن ضعف وزارة حكمت سليمان جعلت بعض الوزراء يخشون على سمعتهم ونفوذهم ، إذا ما سقطت الوزارة فيصبحوا أنقاضا لنظام ذهب مع الريح ، وانهم صاروا يعترضون على الإجراءات العسكرية ، التي اتخذتها الحكومة ، ضد العشائر ، مدعين أنهم لا يتحملون وزر الحكم الديكتاتوري ، الذي يمثله بكر صدقي ، فاستقالوا مع علمهم بأن الوضع لن يتبدل منذ أن جاءوا إلى الحكم حتى خروجهم ، حتى أن حكمت سليمان قد علق على استقالة الوزراء بقوله "أن الوزراء الذين استقالوا معلومون …، وأن السياسة التي تتماشى عليها هذه الوزارة في الحاضر والمستقبل هي سياسة وطنية، فالوطنية والقومية هي الأساس الذي ترتكز عليه… وأن الأفكار والآراء الأخرى الهدامة ، والمناقضة للعقيدة الوطنية والبعيدة عن الوضع الاجتماعي في هذه البلاد، هي الآراء والأفكارالخطرة والفاسدة ، وأنه لن تجد لها أي سند في هذه البلاد".
مهما تعددت الآراء حول أسباب الاستقالة ، ومن الذي فكر بها قبل الأخر، فأن الأربعة ، قد اقتنعوا في النهاية بتقديم استقالتهم . ويذكر احد الباحثين "ان صالح جبر لم يكن اول من فكر بالاستقالة فقد روى الاستاذ حسين جميل "ان فكرة الاستقالة دارت في ذهن كامل الجادرجي اولا. فعرضها على جعفر ابو التمن ، الذي طلب اليه التريث في البداية ، ثم اقتنع بها بعد مدة قصيرة فقال كامل الجادرجي ان الاستقالة قد آن اوانها ، فاتفقا عليها ، كما قررا مفاتحة زميلهما يوسف عز الدين وزير المعارف ، فاتفق معهما، ثم عرضا الفكرة على صالح جبر فقبل بها ايضاً".
لم يدم الامر طويلا ، فبعد مقتل بكر صدقي ومحمد علي جواد في الحادي عشر من آب 1937، أدرك رئيس الوزراء ، خطورة الموقف فرفع إلى الملك غازي كتاب استقالة وزارته ، التي وافق عليها في السابع عشر من آب 1937.
لقد جاء في مذكرات مرافق الملك غازي اللواء المتقاعد فؤاد عارف مانصه: "مازلت أذكر بعد سقوط وزارة الانقلاب ، أن الملك غازي أعرب لي عن رغبته في اللقاء بحكمت سليمان لكنه كان في شبه اقامه جبرية في بيته ، 00لم يخرج حكمت سليمان بعد مقتل بكر صدقي وسقوط وزارته من داره كما لم يكن سهلا أن يلتقيه الملك غازي علانية".