الطقاطيق الماجنة و موقف محمد عبد الوهاب والسنباطي منها

Friday 3rd of December 2010 04:49:01 PM ,

منارات ,

لم يقتصر تأثر السنباطي بأسلوب القصبجي على المونولوج ، بل سحب هذا التأثير وجعله يمتد ليشمل الطقطوطة فــنا، فقد وجّه حدسه الفني و رفضه المعنوي للطقاطيق التي كانت شائعة آنذاك نظماً ولحناً كثيراً من الإبتذال و الإسفاف ، وكان يغني هذه الطقاطيق جميع المطربين و المطربات دون إستثناء ، من أمثال منيرة المهدية و نادرة و فاطمة سري و نعيمة المصرية و سعاد محاسن وسميحة البغدادية

و فريدة مخيش و عزيزة حلمي و صالح عبد الحي و غيرهم . فغنت منيرة المهدية من كلمات يونس القاضي وألحان زكريا أحمد طقطوقة "ارخي الستارة اللي في ريحنا" ثم طقطوقة "بعد العشا يحلا الهزار و الفرشة" من ألحان القصبجي . وتعتبر هاتان الطقطوقتان من الطقاطيق المهذبة جداً إذا ما قيستا بالطقاطيق الأخرى التي لحنها زكي مراد لنعيمة المصرية مثل طقطوقة "أنا نايمة" وطقطوقة "أنا بنت خفة وأختشي" لعزيزة حلمي أو مثل طقطوقة "والنبي توبة" التي لحنها زكريا أحمد لنعيمة المصرية، هي :
والنبي توبة ماني شاربه معاك دي كانت نوبة وعرفت هواك
والنبي توبة
أو التي لحنها داود حسني لــ سعاد محاسن :
أنا عندي معاد في الدهبية إن جه سأل حد عليه
أو تلك التي لحنها جميل عويس لـ سميحة البغدادية "على سرير النوم دلعني" ولـ فريدة مخيش "فين حزامي يا نينه" .
إن كل هذه الطقاطيق جعلت السناطي ينأى بفنه عنها ، ويترفع حتى عن التفكير في التلحين على غرارها ، فأرضيته القروية ، وجذوره الدينية ، وأخلاقياته الخاصة ، كل هذا باعد بينه وبين الفن الخليع الذي انحدر إليه فن الطقطوقة ... لقد اكتشف بحسه الفني السليم وهو بعد ما زال في أول الطريق أن هذا النوع من الغناء الفني ينحط بالمستوى الفني للغناء عموماً ، لأنه يحرك الغرائز والشهوات ، ويدفع عن طريقها بكل أنواع الغناء إلى الحضيض ، لسيطرة هذا النوع على كل ما عداه ، ولو إقتصر الأمر في أدائها على المخمورين والسكارى في الصالات والملاهي الرخيصة لهان الأمر ، ولكن الأمر تجاوز الصالات و الملاهي إلى شركات الإسطوانات الطامعة إلى مزيد من الأرباح ، فشجعت المطربين والمطربات وكتاب الأغاني والملحنين على إعطاء المزيد ، وقامت بتسجيل تلك الأغاني على إسطوانات كانت تدخل كل بيت بإعتبار الأسطوانات من الإختراعات الفنية الثقافية التي كانت مرغوبة آنذاك ، وتشبه في أيامنا هذه أجهزة الفيديو و الراديو والتلفزيون ، ومن هنا كان خطر تسجيل تلك الأغاني على تربية الناشئة المتعلقة بحواسها ومشاعرها و متطلباتها . من خلال الشواهد السمعية التي نقبنا عنها والتي تعود إلى أواخر العشرينيات وسني الثلاثينيات لم نعثر للسنباطي على لحن واحد من هذا النوع ، يدينه أو يقلل من قيمته الفنية ، فهل رفض أن ينحدر بفنه إلى هذا المستوى عن سابق تصور وتصميم وهو بعد مازال ناشئاً ، على الرغم من إنحدار داود حسني و زكريا أحمد و صبري النجريدي و جميل عويس ومحمد القصبجي إلى هذا الدرك، أم ماذا؟
من الثابت أن محمد القصبجي لم يعط لحناً واحدا من هذا النوع بعد مونولوج "إن كنت أسامح" وإرتفع منذ تلك الأغنية إلى مشارف لم يلحق بها أحد . ويمكن القول أن موجة هذه الألحان ركبها الملحنون كافة ، وأن المشاهير من المطربين والمطربات (عدا أم كلثوم وعبد الوهاب) قد تهافتوا تهافت الذباب على الثريد ، وإن السنباطي فنانا يطمح إلى الشهرة وإلى أداء المشاهير إلى ألحانه لم يعط شيئاً منها ، فهل لم يعرض عليه أحد أن يلحن له ، أم رفض أن يلحن هذا النوع من النظم الرخيص و المبتذل ؟!
دون شك كان السنباطي من الرافضين ، شأنه في ذلك شأن محمد عبد الوهاب ، وهو رفض تلقائي إنبثق من تربيته الدينية ، ومن بيئته القروية ، ومن أخلاقياته التي ورثها من إيمانه الديني العميق.