أندريه مالرو الوزير المرجع لكل وزراء الثقافة في العالم

Tuesday 6th of August 2013 09:52:55 PM ,

منارات ,

باريس - حسان التليلي:
كان دجاك لانغ وزير الثقافة الفرنسي السابق وراء فكرة تصدير عيد الموسيقى اليومي الذي يقام في شهر يونيو/ حزيران إلى العالم بأسره. وقد انطلق الرجل من فكرة مفادها أن في كل إنسان يرقد موسيقي وأن الواحد منا يطرب كثيرا عندما يغني في الصباح أو في الهزيع الأخير من الليل بمفرده أو مع أصدقائه أو مع أسرته عندما يعن له أن يغني أو يرقص.

وإذا كان ثمة وزير آخر من وزراء الثقافة الفرنسيين قد فاق لانغ في تصدير أفكار ومبادرات رائعة إلى بلدان العالم كلها فهو بلا شك أندريه مارلو الذي يحتفل هذه الأيام بمرور ثلاثين عاما على وفاته.
وأول ما صدره مالرو إلى العالم إبداعه الأدبي الذي تغذى فيه من عدد من المآسي والحروب التي شهدتها عدة مناطق في العالم في القرن العشرين. ومن أهم أعماله رواية"الوضع البشري". فقد استلهم فصولها من الثورة الصينية التي قادها الزعيم"ماو تسي تونغ"بين عشرينات القرن الماضي وثلاثيناته على"تشان كاي تشيك". وقد أحرزت هذه الرواية جائزة جونكور أفضل جوائز فرنسا الأدبية وذلك عام ألف وتسع مائة وثلاثة وثلاثين.
وفي رواية"الأمل"التي وضعها مالرو عام سبعة وثلاثين من القرن الماضي يتطرق الكاتب إلى أجزاء من الحرب الأهلية الإسبانية. بل إنه استمد جزءا كبيرا من مادة هذه الرواية من انخراطه الشخصي في الحركة التي قادها الجمهوريون الإسبان وأصدقاؤهم على الجنرال فرانكو والتي قضى هذا الأخير على أحلامها ومطامحها. وصحيح أن الملك الإسباني الحالي خوان كارلوس حقق عبر النظام الملكي وعبر الديمقراطية لأحفاد هذه الحركة جزءا كبيرا من أحلام أجدادهم.
لم يتوقف أندريه مالرو عند تصدير إبداعه الأدبي إلى العالم. بل إنه نجح أيضا إلى حد كبير في اتخاذ قرارات ومبادرات سياسية في مجال العمل الثقافي كانت ولا تزال بحق رائدة في العالم كله. فما إن عينه الجنرال ديغول عام ألف وتسع مائة وتسعة وخمسين وزيرا للثقافة في فرنسا حتى وضع استراتيجية متعددة الأطراف لإقامة دور للثقافة في القرى والأرياف الفرنسية. وحرص حرصا شديدا عبر هذه الاستراتيجية على أن يكون المستفيدون من النتاج الثقافي والعمل الإبداعي من العامة والخاصة.
وكان مالرو من أوائل الوزراء في العالم من الذين تفطنوا إلى أهمية الحفاظ على التراث المعماري في بلاده فاستصدر قوانين لحمايته. ولولاها لكان الإسمنت قد زحف على مئات القصور التاريخية التي هي جزء من ذاكرة الإنسان قبل أن تكون جزءا من هوية فرنسا.
وما يلفت الانتباه أن كثيرا من وزراء الثقافة في بلدان أمريكا اللاتينية بشكل خاص قد استوحوا من شخصية الفرنسي أندريه مالرو وإنجازاته وأفكاره كثيرا من إنجازاتهم حتى ان أحدهم أصر في فنزويلا في ثمانينات القرن الماضي على أن تسمى وزارة الثقافة التي كان يشرف عليها"وزارة الذكاء"انطلاقا من أن كل فكرة من الأفكار النيرة التي تخطر على بال الإنسان إنما هي جزء من العملية الثقافية اليومية.
عن جريدة الرياض السعودية/ 2008