مقابلة مع كارل ماركس

Friday 26th of November 2010 04:51:01 PM ,

منارات ,

وهو يعيش في منفاه السياسي في انكلترا بسبب نشاطاته الثورية، اصبح الفيلسوف السياسي الالماني كارل ماركس واحداً من القادة البارزين لرابطة العمال الاممية. لقد صورت تقارير الصحافة والرأي العام في ذلك الوقت ماركس على انه متآمر شنيع، وصورت الرابطة الاممية على انها منظمة ماكرة تتآمر بالسر من اجل العصيان المسلح،

على الضد من ذلك يقول مراسل "نيويورك وورلد" (ر.لاندر) في هذه المقابلة عن كومونة باريس عام 1871 إن الانتفاضة الشعبية تطورت الى نهاية دموية سريعة ومبكرة في تلك السنة..

لقد طلبتم مني ان اكشف شيئاً عن الرابطة الاممية وها اني احاول القيام بذلك، انها لمغامرة شاقة حاليا، فمدينة لندن هي بلا منازع المركز الرئيسي للرابطة، لكن الناس في انكلترا يتملكهم ذعر عام ويشمون رائحة الاممية قد تعاظمت بشكل طبيعي مع تعاظم الشكوك لدى العوام. لو كان للرجال الذين يقودونها اسرار، فانهم من ذلك الطراز الذي يجيد حفظ الاسرار، لقد فهمت ذلك بزيارة اثنين من قيادييهم وتحدثت مع احدهما بصراحة. واقدم لكم هنا مادة حديثي..
لقد اقنعت نفسي بشيء واحد، هو ان هذا مجتمع العمال العباقرة، غير ان هؤلاء العمال تتم قيادتهم من قبل منظرين اجتماعيين وسياسيين من طبقة اخرى، الرجل الذي رأيته هو عضو قيادي من اعضاء الجمعية، يتوقف عن الكلام معي بين فترة واخرى لتلقى تذمرا غير مهذب من أحد السادة الصغار العديدين في الجوار من الذين يستخدمونه، لقد سمعت الرجل نفسه وهو يلقي الخطب البليغة على الملأ، كل منها ملتهبة بقوة الحقد تجاه الطبقات التي سلطت نفسها حاكمة عليه، لقد ادركت معاني تلك الخطب بعد ان القيت هذه النظرة الخاطفة على الحياة المنزلية لخطيب لابد انه قد ادرك انه يمتلك ما يكفي من الذكاء لتنظيم حكومة عمالية رغم انه ملزم بتكريس حياته لمهنة ميكانيكية ذات مهام مقرفة للغاية. كان رجلاً شديد الاعتداد بنفسه وكان متحمساً، مع ذلك كان عليه في كل التفاتة ان يرد بانحناءة على صوت قبيح، أو بابتسامة يرد على أمر يرقى في مستوى كياسته الى مستوى مناداة الصياد على كلبه. لقد اعانني الرجل على القاء نظرة على جانب من جوانب طبيعة الاممية، ثورة العمل على رأس المال، ثورة العامل المنتج ضد الرأسمالي الذي يتمتع بما ينتجه، هنا كانت اليد التي ستضرب بشدة حينما يأتي الوقت المناسب، وفيما يتعلق بالرأس الذي يخطط، اعتقد اني قد رأيت ذلك ايضاً في مقابلتي مع الدكتور كارل ماركس.. فهو رجل ألماني يحمل شهادة الدكتواره في الفلسفة ويمتلك معرفة واسعة مستمدة من ملاحظة العالم الحي ومن الكتب ايضاً، ويتعين عليّ الاستنتاج بانه لم يسبق له وان كان من العمال بالمعنى البسيط للعبارة. فبيئته ومظهره هما بيئة ومظهر رجل مرفـّه من الطبقة الوسطى، وقد شكلت صالة الاستقبال التي ادخلت اليها لاجراء مقابلتي هذه مكاناً مريحاً يليق برجل يعمل سمسارا ناجحا للاسهم المالية حقق مستوى الكفاية ويباشر الآن في بناء ثروته، ويمتلك ذوقاً ووسائل ميسورة. فهي شقة تجسد الراحة لكنها لا تحتوي على ما يشير الى السمات المميزة لمالكها، ثمة مجموعة من الصور الجميلة تمثل مشاهد لنهر الراين وهي توحي بجنسيته على أية حال. لقد اختلست النظر بحذر الى مزهرية موضوعة على طاولة وتراجعت الى مقعدي ورحت انتظر الاسوأ بكآبة. دخل ورحب بي بحرارة، ونحن الان نجلس وجهاً لوجه، اجل انا الآن اجلس في مواجهة الثورة المجسدة، مع المؤسس الحقيقي والروح المهللة للرابطة الأممية، مع واضع الخطاب الذي يُبلغ رأس المال بانه إن اشعل حربه ضد العمل فيتعين عليه ان يتوقع احتراق بيته وانهياره على رأسه هو. باختصار انا اجلس الان في مواجهة المدافع الاول عن كومونة باريس. هل تتذكر التمثال النصفي لسقراط، الرجل الذي فضل الموت على الاقرار بالإيمان بآلهة ذلك العصر؟ الرجل صاحب تلك الصورة الجانبية الجميلة وتلك الحركة المائلة التي تتجه عن جبهته الى الأسفل نحو الأنف الأفطس؟ ضع ذلك التمثال النصفي في خيالك ولوّن الذقن باللون الاسود ورشها هنا وهناك بنفثات من اللون الرصاصي، ورتب وضع الرأس بطريقة تناسب جسداً بديناً ذا طول متوسط، عندها ستجد الدكتور امامك، ضع حجاباً على الجزء الاعلى من الوجه ستجد نفسك مع رجل كنيسة بالفطرة، اكتشف السمة الجوهرية، الحاجب الضخم، وستعرف في الحال ان عليك التعامل مع اقوى مزيج بين الحالم الذي يفكر، والمفكر الذي يحلم.
لقد رافق الدكتور ماركس أحد السادة، وهو ألماني ايضاً وانا على رغم من معرفته الكبيرة بلغتنا الانكليزية غير متأكد من ذلك، فلعله كان شاهدا لصالح الدكتور؟ اظن مجلس الرابطة الذي سمع عن هذه المقابلة لابد ان يطلب من الدكتور ان يرفع تقريرا حولها، فأن "الثورة" لديها شكوك في ممثليها. هنا يتوفر للدكتور شاهد اضافي لتعزيز كلامه. لأمضي قدماً في مهمتي، فالناس كما قلت يجهلون كل شيء عن "الرابطة الاممية". فهو يكرهونها كثيراً، غير انهم لا يستطيعون توضيح الشيء الذي يكرهونه فيها. بعض من يدعي الرؤية في الظلام، يزعم بانه قد شاهد ما يشبه صور الآلهة يانوس تظهر فيها ابتسامة العمال الجميلة الصادقة في احد وجوهها، وفي وجه آخر تظهر تقطيبة القاتل المتآمر. فهل يستطيع الدكتور اضاءة الغموض الذي إكتنف النظرية؟ ضحك البروفيسور، ثم خيل لي انه كان يضحك بهدوء حول فكرة اننا نشعر بالرعب منه فقال "ليس هناك غموض يتطلب التوضيح، سيدي" بدأ هكذا بلهجة مصقولة تماماً جداً، وأضاف "ربما باستثناء الغموض الذي يكتنف الغباء البشري لدى اولئك الذين يتجاهلون بشكل دائم حقيقة ان رابطتنا هي رابطة شعبية وان كل تقاريرها ميسورة لجميع اولئك الذين يهمهم قراءتها، فأنت قد تشتري قوانيننا لقاء( بنس) واحد، وقد تدفع ( شلن) فقط على كتيبات تزودك بمعلومات عنا بمقدار ما نعرفه نحن تقريباً..
*ر. لاندر: تقريباً..اجل قد يكون الامر هكذا، هل في الاشياء التي سوف اطلع عليها التحفظ الاكثر اهمية؟. لكي اكون صريحاً تماماً معكم ولاضع الامر كما يضعه المراقب الخارجي، فان دعوى الانتقاص منكم بعامتها لابد وان تعني شيئاً اكبر من مجرد الرغبة في تجاهلكم من قبل العامة، ولا يزال ثمة سؤال وثيق الصلة بالموضوع حتى بعدما اخبرتني به، ما هي الرابطة الاممية؟
-ماركس: عليك فقط ان تنظر الى الاشخاص الذين تتكون منهم هذه الرابطة، العمال.
*ر. لاندر: اجل، لكن الجندي لا يحتاج الى من يوجهه في حرفته كي يدفعه للحركة، وأنا اعرف بعض اعضائكم واستطيع الجزم بأنهم ليسوا من طينة المتآمرين، اضافة الى ذلك ان السر الذي يشترك فيه مليون انسان لا يعود سراً اطلاقاً، ولكن ماذا لو كان هؤلاء مجرد أدوات في يدي رجل جسور، وآمل ان تعذرني اذا اضفت عبارة: بعد اجتماع سري مريب جدا.
-ماركس: ليس هناك ما يثبت ذلك..
*لاندر: والعصيان المسلح في باريس
- ماركس: انا اطالب أولاً بالدليل الذي يثبت وجود أي مؤامرة أو يثبت ان كل ما حصل لم يكن سوى نتيجة مفهومة لظروف الواقع الراهن، اما اذا افترضنا وجود المؤامرة فاني اطالب بدليل عن تورط الرابطة الاممية فيها..
*لاندر: وجود العديد من اعضاء الرابطة في هيئة الكومونة ألا يكفي؟
-ماركس: اذن فهي مؤامرة ساهم فيها اعضاء المحفل الماسوني ايضاً، فمشاركتهم في العمل كافراد لم تكن مشاركة سطحية اطلاقاً ولاينبغي أن يدهشني حقاً اذا إتهمهم البابا بإثارة العصيان بأكمله استنادا الى تقريرهم (كانت الكنيسة الكاثولوكية مناهضة للمحفل الماسوني). ولكن حاول ايجاد تفسير اخر، ان العصيان المسلح في باريس قد صنعه عمال باريس، وبالتالي فان العمال الاكثر قدرة لابد وان يكونوا هم قادته وكوادره الادارية بالضرورة، لكن حدث وان كان هؤلاء العمال المقتدرون هم ايضاً اعضاء في الرابطة الاممية، ومع ذلك فأن الرابطة لا يمكن ان تكون مسؤولة عن هذا العمل بأي حال..
**لاندر: مع ذلك فالامر يبدو على عكس هذه الصورة أمام الناس، يتحدثون عن تعليمات سرية صادرة عن لندن بل وحتى تبرعات مالية، هل يمكن الجزم بان العلنية المزعومة لاعمال الرابطة تستبعد الاتصالات السرية؟
-ماركس: هل سبق لاي رابطة تكونت ومارست اعمالها دون ممثليات خاصة او عامة خاصة لها؟ اما فيما يخص تعليمات سرية من لندن او قرارات حول مواضيع الاخلاق والعقيدة صادرة عن مركز سيطرة او مركز تخطيط، فنقول ان كل ذلك يعبر عن فهم خاطئ بالكامل حول طبيعة الرابطة الاممية، فهو يفترض وجود شكل من اشكال الحكومة المركزية للرابطة، بينما يتمثل الشكل الحقيقي لها في اعطاء القدر الاكبر من حرية العمل للطاقات المحلية المستقلة، فالرابطة الأممية هي في الواقع ليست سلطة عل الطبقة العاملة اطلاقاً انها رابطة اتحادية اكثر منها محكومة بسلطة.
*لاندر: الى أي مدى هي اتحادية؟
-ماركس: ان التحرر الاقتصادي للطبقة العاملة يكون بالوصول الى السلطة السياسية. ويكون هدف تلك السلطة السياسية هو تحقيق الاهداف الاجتماعية. ومن الضروري ان تكون اهدافنا من الشمول بحيث تغطي كل اشكال النشاط الذي تقوم به الطبقة العاملة، ولجعل هذه النشاطات ذات سمات مميزة لابد من تهيئتها كي تتكيف مع حاجات طبقة واحدة، أي امة واحدة من العمال. ولكن كيف يمكن الطلب من جميع الناس ان يجمعوا على تأييد اهداف جماعة صغيرة؟ فهل لاجل القيام بذلك يتعين على الرابطة ان تفقد عنوانها الاممي؟ فهي شبكة من المجموعات المنتسبة بعضها الى بعض منتشرة في جميع انحاء عالم العمل، وهناك في كل جزء من اجزاء العالم جانب خاص من جوانب المشكلة يطرح نفسه ويقوم العمال هناك بتوجه لدراسته بطريقتهم الخاصة، ولا يمكن ان تكون المجموعات داخل الشغيلة متماثلة بتفاصيلها تماما في كل من نيوكاسل وبرشلونة او في لندن وبرلين. ففي انكلترا مثلاً تقع مهمة العمل سياسيا على عاتق الطبقة العاملة، اما العصيان المسلح فسيكون جنوناً في وقت يستطيع الحراك السلمي فيه ان يؤدي المهمة بصورة اسرع واكثر ثباتاً. اما في فرنسا فهناك مائة من القوانين القمعية وهناك الخصومات الاخلاقية بين الطبقات مما حتم فيما يبدو الحل العنيف للصراع الاجتماعي. ان خيار ذلك الحل هو قضية الطبقات العاملة في تلك البلاد، اما الرابطة الاممية فلا تستغل هذا الامر فتملي توجيهاتها، بل انها قلما توجه النصح، لكنها تتضامن مع الحركات وتمنحها العون في اطار حدود قوانينها السارية.
*لاندر: وما هي طبيعة ذلك العون؟
-ماركس: مثال على ذلك، ان اكثر اشكال حركات التحرير شيوعاً هي الاضرابات، في السابق عندما يحصل الاضراب في بلد ما، يتم القضاء عليه باستيراد العمال من بلد اخر، لقد توقفت الرابطة الاممية عن كل ذلك تقريباً، فهي تستلم المعلومات حول الاضراب المعني وتقوم بنشر تلك المعلومات بين اعضائها الذين سرعان ما يدركون بان ميدان ذلك النزاع يجب أن يعتبروه ارضا محرمة عليهم، وبذلك يدعون المضربين لتسوية حسابهم مع أرباب عملهم. لم يطلب العمال عوناً اكثر من ذلك في معظم الحالات، ان تبرعاتهم وتبرعات الجمعيات التي يزداد انضمامهم اليها، تمدهم بالمال، لكن اذا تعاظم الضغط عليهم ونال اضراب عمال ما موافقة الرابطة عندها يتم تأمين حاجاتهم الضرورية من مواردها. بهذه الطريقة انتهى اضراب صناعة السيجار في برشلونة نهاية ظافرة في اليوم التالي. الا ان الجمعية غير مهتمة يالاضرابات رغم انها توجه الدعم لها في ظل ظروف معينة، فالطبقة العاملة لا تستطيع ان تكسب كثيرا بالمعنى المادي، بل انها قد تخسر بسهولة. ولنجمل الحالة في كلمة مختصرة: فالطبقة العاملة تبقى فقيرة رغم ازدياد الثروة، وتبقى بائسة مع تعاظم الرفاهية. ان حرمانهم المادي من شأنه تقزيم قوامهم المعنوي وكذا الجسدي. ولا يمكنهم التعويل على الآخرين لايجاد العلاج، فصار لزاماً عليهم ان يمسكوا قضيتهم بأيديهم. يتعين عليهم ان يعيدوا النظر في العلاقات بينهم وبين اصحاب رؤوس الاموال والملاكين. وهذا يعني انهم يجب ان يقوموا بتحويل المجتمع، فهذا هو الهدف العام لكل منظمة عمالية معروفة. فجماعات العمل وجماعات الارض، وجمعيات التجارة الودية والمخازن التعاونية وجمعيات الانتاج الجماعي، كلها وسائل لبلوغ ذلك الهدف. ان توطيد التضامن التام بين تلك المنظمات هو مهمة الرابطة الاممية ، وتأثيرها آخذ بالظهور في كل مكان. فهناك صحيفتان في اسبانيا تقومان بنشر افكارها في البلاد، وثلاث صحف في المانيا، ونفس الرقم في النمسا وهولندا وستة في بلجيكا مع ستة صحف اخرى في سويسرا. والآن بعد ان اخبرتك عن ماهية الرابطة الاممية، لعلك اصبحت تستطيع تكوين رأيك الخاص حول مؤامراتها المزعومة.
*لاندر: لا افهمك تماماً.
-ماركس: الا ترى ان المجتمع القديم عاجز عن مواجهتنا باسلحته التقليدية وبالتوافق، لذلك فهو مضطر الى اللجوء الى خدعة الصاق تهمة التآمر بنا؟
*لاندر: لكن البوليس الفرنسي اعلن انهم يستطيعون أن يقيموا الدليل على تورطكم في القضية الاخيرة ولا نقول شيئاً عن المحاولات السابقة.
-ماركس: لكننا نحن الذين نريد ان نقول شيئاً حول تلك المحاولات، اذا سمحت، لانها خير ما يثبت بطلان تهمة المؤامرة الموجهة ضد الاممية. فانت تذكر المكيدة الأخيرة وهي واحدة فقط من تلك المكائد. يوم اعلن الاستفتاء العام، وبدا العديد من المقترعين مترددين، فلم يعودوا يشعرون تماما بقيمة الحكم الامبريالي بل صاروا لا يصدقون المزاعم عن الاخطار التي تهدد المجتمع الذي يفترض ان ينقذهم منها. فلابد من بعبع جديد. وقد تكفل البوليس بايجاده، انه جميع النقابات العمالية المكروهة من قبلهم، وطبيعي ان يشن البوليس حملة عدائية ضد الاممية. تلك هي فكرتهم السعيدة. فلماذا لا يختارون الأممية لتكون بعبعهم ذاك، وهكذا سارعوا الى تشويه سمعة الجمعية لخدمة قضية الامبريالية كسباً لرضاها؟ استخرجوا من جعبتهم المكيدة السخيفة ضد حياة الامبراطور. فكأننا اردنا قتل زميلهم القديم البائس، فألقوا القبض على اعضاء الرابطة الاممية القياديين، واختلقوا الادلة، واعدوا القضية لمحاكمتهم، وفي ذات الوقت اجروا استفتاءهم العام. لكن الملهاة التي أرادوها إنقلبت الى مهزلة رديئة وفاضحة البذاءة. ان اوربا الذكية راقبت المشهد فلم تخدع كما هو معهود في شخصيتها. الفلاح الفرنسي وحده لم يفطن للخدعة. ان صحفكم الانكليزية قد كتبت تقاريرها عند بداية الإتهام البائس، وفاتهم ان يلاحظوا الهدف، اما القضاة الفرنسيون فيسلمون بوجود المكيدة بكياسة رسمية وكانوا مضطرين للاعتراف بعدم وجود ما يشير الى تورط الاممية. صدقني ان المكيدة الثانية مشابهة للاولى وهناك مئة مؤشر على وجود مكيدة. التفسير الصحيح بشأنها هو تنامي الادراك في صفوف العمال، ادراك حال الرفاهية ونقص الكفاءة لدى حكامهم. والعملية التاريخية تتواصل الان لتحقيق الانتقال النهائي للسلطة من الطبقة الحاكمة الى الشعب. هناك تلاؤم واضح للزمان والمكان والظرف من اجل حركة تحرير عظيمة. ولكن من اجل ادراك كل تلك المؤشرات يتحتم على الموظف ان يكون فيلسوفاً، وهو ليس اكثر من مخبر. فبموجب القانون الذي اوجده تراه قد عاد الى السقوط في تفسير المخبر "مؤامرة". وإستمد منها حقيبة اوراقه القديمة الخاصة بالوثائق المزيفة بالأدلة، ان أوربا وهي تعيش رعبها ستصدق الرواية هذه المرة.
*لاندر: يندر ان تستطيع أوربا مساعدة نفسها ونحن نرى هنا ان كل جريدة فرنسية تعمل على نشر التقرير.
-ماركس: كل جريدة فرنسية! انظر، هذه أحداها (يتناول جريدة لاسيتويشن) واحكم بنفسك على قيمة الدليل كنوع من التحقق من وجود الحقيقة (يقرأ) لقد تم القاء القبض على الدكتور كارل ماركس قائد الاممية في بلجيكا، وهو يتوجه الى فرنسا، لقد وضع بوليس لندن عيونه على الجمعية التي يرتبط بها منذ زمن طويل وهم الآن يتخذون الاجراءات النشيطة لكبحها. جملتان وكذبتان. تستطيع ان تفحص الدليل على ضوء ما تشاهد. فاني الآن في منزلي في لندن ولست في السجن في بلجيكا. ويتعين عليك ايضاً ان تعلم ان البوليس في انكلترا غير قادر على النزاع مع الاممية مثلما ان الأممية غير قادرة على ذلك ايضاً. لكن ما هو معتاد اكثر من غيره ان التقرير سوف ينشر على جميع الصحافة الأوربية دون أي تكذيب.
*لاندر: هل حاولت تكذيب العديد من هذه التقارير الكاذبة؟
-ماركس: لقد فعلت ذلك لحد الانهاك من هذا العمل. لتوضيح فداحة الطيش الذي به تلفق هذه التقارير، استطيع الاشارة الى اني رأيت في إحدها ان فيليكس بايت "سياسي وكاتب مسرحي فرنسي وأحد قادة كومونة باريس" قد اعتبر عضواً في الأممية.
*لاندر: وهل هو غير ذلك؟
-ماركس: الرابطة لا تستطيع ان توفر مكاناً لرجل متوحش مثل هذا. لقد كان في احدى المرات وقحاً بما يكفي، بحيث اصدر سلسلة متلاحقة من البيانات باسمنا، لكننا استنكرناها على الفور. ولأنصاف الصحافة نقول انها اهملت نفينا لما نشر.
**لاندر: و(الثوري الايطالي) ماتزيني، هل هو عضو في جماعتكم؟
-ماركس: "ضاحكا" آه، كلا، التقدم الذي احرزناه كان سيتراجع لو لم نتجاوز نطاق آرائه..
*لاندر: انت تفاجئني، كنت اعتقد انه قد مثل الآراء هي الأكثر تقدمية فعلا؟
-ماركس: انه لا يطرح أبعد من فكرة جمهورية الطبقة الوسطى، ونحن لا نسعى الى أية مشاركة مع الطبقة الوسطى. لقد سقط الرجل بعيداً في مؤخرة الحركة الحديثة كما فعل الاساتذة الألمان الذين ينظر اليهم في أوربا باعتبارهم رسل دمقرطية المستقبل الرفيعة. لقد كانوا هكذا مرة ربما قبل 48، حيث قامت الطبقة المتوسطة الالمانية بالمعنى الانكليزي باحراز تقدمها بشق الانفس، لكنهم الآن تحولوا الى الرجعية ولا تعرفهم البروليتاريا بأكثر من ذلك.
لاندر: يعتقد البعض انهم لاحظوا مؤشرات على وجود العنصر الواقعي "الذرائعي" في منظمتكم.*
-ماركس: لا يوجد مثل ذلك. يوجد واقعيون بيننا ويعمل آخرون من خارج جماعتنا ايضاً. لكن ذلك ليس استنادا على فلسفتهم التي ليس لها علاقة بالحكومة الشعبية كما نفهمها والتي تسعى الى وضع هرمية جديدة مكان الهرمية القديمة.
لاندر: لهذا يبدو لي انه قد يتعين على زعماء الحركة الأممية تكوين فلسفة وكذلك رابطة خاصة بها.*.
-ماركس: بالضبط. هناك احتمال قليل على سبيل المثال في اننا قد توخينا النجاح في حربنا ضد رأس المال اذا استمدينا تكتيكاتنا من الاقتصاد السياسي الذي وضعه الفيلسوف والاقتصادي البريطاني جون ستيوارت. لقد اكتشف نمطاً واحدا من العلاقة بين العمل ورأس المال، ونحن نتوخى اثبات ان من الممكن انشاء علاقة اخرى..
لاندر: مع ذلك اقمتم مركز قيادتكم في هذا البلد؟
-ماركس: لأسباب واضحة فحق وجود الرابطة هنا هو شيء معترف به. انها موجودة فعلاً في المانيا لكنها محاطة بصعوبات لا حصر لها. اما في فرنسا فهي غير موجودة اطلاقاً لسنين طويلة
*لاندر: والولايات المتحدة الامريكية؟
- ماركس: ان المراكز الرئيسية لنشاطنا في الوقت الحالي توجد وسط المجتمعات القديمة. هناك كثرة من الظروف تميل حتى الآن الى اعاقة تحول قضية العمل في الولايات المتحدة الى ان تصبح شأناً يستحوذ على الانتباه. لكن هذه الظروف في حالة اضمحلال سريع كما حصل في أوربا، وتتقدم هذه المسألة الى الصدارة بسرعة مع نمو الطبقة العاملة كطبقة متميزة في المجتمع ومنفصلة عن رأس المال.
*اندر: يبدو لي ان الحل المأمول في هذا البلد مهما كان نوعه سوف يتحقق دون اللجوء الى وسائل العنف الثوري. هناك سمة مشجعة للنظام الانكليزي في النقاش والمناظرة عن طريق المنابر والصحافة بحيث يمكن تحول الأقلية الى أكثرية؟..
-ماركس: لست متفائلاً مثلك في هذه النقطة، فالطبقة الوسطى الانكليزية اظهرت نفسها دائماً كطبقة راغبة في قبول حكم الأغلبية طالما انها تنعم باحتكار سلطة الاقتراع. ولكن سجل عليّ ما اقول: فحالما تجد هذه الطبقة نفسها وقد خسرت الاقتراع حول ما تعتبره قضايا حيوية، سنرى عندها حرباً جديدة يخوضها مالكو العبيد.
ختاما، في ما تقدم عرضت عليكم عناوين حديثي مع الرجل الاستثنائي بقدر ما اسعفتني الذاكرة. سأترككم تستخلصون استنتاجاتكم الخاصة. ومهما قيل عن احتمال أو عدم احتمال تورطها في حركة الكومونة فنحن قد نكون على يقين من ان العالم المتمدن يمتلك بوجود الرابطة الاممية قوة جديدة يتعين معها قريباً ان يطرح تقديراته حول الصالح والطالح بشأنها.

ترجمة عبد العزيز لازم
عن انكارتا ريفيرس لايبرار