كتب هزت العالم..تفسير الأحلام.. فرويد

Tuesday 14th of August 2012 05:36:47 PM ,

منارات ,

ابدت الكتب قوة هائلة من اجل الخير ومن اجل الشر طوال التاريخ المسجل للجنس البشري.. في هذه الصفحات سنقدم مناقشة لعشرة كتب كان لها تاثير في التاريخ والاقتصاد والثقافة والعلوم من عصر النهضة الى يومنا هذا انها كتب بالغة القوة نقدمها واحدا منها هو كتاب تفسير الاحلام للعالم النمساوي سيغموند فرويد.. والكتب من اختيار الدكتور روبرت داونز الرئيس السابق للمكتبة الوطنية الامريكية يبين بوضوح ذلك النفوذ الواسع للكتاب،

كتاب داونز صدر في الخمسينيات من القرن الماضي اراد فيه المؤلف ان يقدم عرضا مثيرا للكتب من عدة عصور تبين القوة الهائلة للكلمة المطبوعة واثرها في التقدم البشري.
اتفق على على ان علم النفس يختلف عن سائر فروع المعارف الاخرى في انه اكثرها غموضاً واعظم لغزاً بينها، واقل جميع العلوم قابلية للبرهان العلمي. ففي طبيعة الاشياء، لامفر من الزوغان وعدم قبول التكهن، لأن العالم النفساني، يتناول اعظم الظواهر الطبيعية غموضا، فأية نظرية في الكيمياء أو في علم الفيزياء، يمكن تحقيقها أو البرهنة على صحة اية نظررية في علم النفس. ومن هنا نشأت عاصفة الجدل بين سيغموند فرويد والمحللين النفسانيين لمدة تزيد على الستين عاماً.
وسواء قبلت نظريات فرويد البرهنة أو لم تقبلها، فقد كان لها تأثير منقطع النظير على الفكر الحديث.. وحتى اينشتاين نفسه لم يمس تصورات معاصريه او يتدخل في حياتهم مثلما فعل فرويد. صاغ فرويد افكاراً ومصطلحات في محيط المناطق المجهولة من العقل، صارت جزءا من حياتنا اليومية، لقد احس بآثار تعاليمه كل مجال من المعارف –الادب والفن والدين وعلم الاجناس البشرية والتعليم والقانون وعلم الاجتماع وعلم الاجرام والتاريخ، وتاريخ حياة الافراد وغير ذلك من دراسات المجتمع والفرد.
برغم كل ذلك، هناك بعض الحلاوة والضوء في هذه التعاليم،وقد ابدى احد النقاد غير الاوفياء ملاحظته قائلا:
"عندما انتشرت نظريات فرويد، ظهر امام الرجل العامي كأعظم مفسد للسرور في تاريخ الفكر البشري، يحول مزاح الانسان ومرحه الى كبت محزن غريب، ويجد العداوة في جذور الحب والضغينة في قلب الرقة، والزنا بالاقارب في المحبة البنوية، والاجرام في السخاء وكراهية الاب المكبوتة، كطبيعة بشرية عادية موروثة".
ومع هذا، فبسبب فرويد، تختلف فكرة الناس، اليوم عن انفسهم، يعتقدون ان افكار فرويد مثل تأثير عدم اكتمال الادراك على الوعي، والاساس الجنسي لاضطراب وظائف الاعصاب،ووجود الغريزية الجنسية لدى الاطفال واهميتها، ووظيفة الاحلام، وعقدة أوديب، والكبت والمقاومة وقراءة الافكار، يعتقدون ان هذه الافكار امور عادية، ثم ان عيوب الانسان كفلتات اللسان ونسيان الاسماء وعدم القدرة على تذكر الروابط الاجتماعية، تتخذ اهمية جديدة عن النظر اليها من وجهة نظر فرويد. ومن الصعب الان ادراك مقدار التعصب الذي كان على فرويد ان يتغلب عليه عند نشر نظرياته، اذ كان ذلك اشد بكثير مما لاقاه كوبرنيكوس وداروين.
عندما ولد فرويد في قرايبرج احدى مدن مورافيا لم يكن كتاب الانواع قد ظهر بعد كان ذلك في عام 1856، وكان اسلاف فرويد مثل اسلاف كارل ماركس، حاخامات، بيد ان فرويد، على عكس كارل ماركس، قال:"بقيت يهوديا"..انتقل فرويد وهو في الرابعة من عمره، مع اسرته، الى فيينا حيث قضى كل صباه.
وتبعاً لأهم كاتب لتاريخ حياته ارنست جونز، يدين لوالده تاجر الصوف، "بارتيابه الحكيم في تقلبات الحياة غير المؤكد، وعادته في ذكر مبدأ اخلاقي برواية قصة يهودية، وعدم اعتقاده في امور الدين". وعاشت والدة فرويد حتى بلغت الخامسة والتسعين من عمرها.. شخصية جمة النشاط ولافرة الحيوية، وكان سيغموند هو مولودها البكر وابنها المحبب. وبعد ذلك كتب يقول: "ان الانسان المتمتع بالحظوة غير المتنازع عليها لدى امه، يحس طول حياته بمشاعر القاهر، وهي الثقة بالنجاح الذي يحث غالبا على النجاح الحقيقي".
أولع فرويد في اول حياته بنظريات داروين لأنه أحس بأنها "توحي بامال في تقدم خارق لمفهومنا عن العالم" واذ رغب في ان يكون طبيبا، التحق بجامعة فينا ليدرس الطب، ونال البكالوريوس في عام 1881، واذ عين طبيب امتياز مقيما في المستشفى العام.
استمر في دراسة علم الاعصاب وتشريح المخ.
وبعد بضع سنوات، حدث التغير في حظه الذي انتهى برسوخ شهرته العالمية. صحه زميل جائل الى باريس ليعمل تحت امرة جان شاركو، الذي كان وقتئذ استاذا فرنسيا واسع الشهرة في علم الامراض واختصاصيا في الاعصاب فحظى بالاتصال المباشر باعمال شاركو في الهستيريا وعلاجه لها بالتنويم الايحائي، ومما اعجب فرويد برهنة شاركو على صحة الظواهر الهستيرية وانقباض العضلات الهستيري بالتنويم الايحائي"، ومشابهتها في مظهرها عموما بنوبات الهستيريا الحقيقية.
غير انه لما رجع فرويد الى فيينا، لم يستطع اقناع زملائه الاطباء بأي اساس علمي لعلاج الاضطرابات العصبية بطرق التنويم المغناطيسي، والادهى من ذلك انه عوقب على آرائه المتطرفة باستبعاده من معمل تشريح المخ.
ومنذ ذلك الوقت صار شخصية منعزلة وانسحب من الحياة الاكاديمية.. وانقطع من حضور اجتماعات جمعيات العلماء. واثناء ممارسته الخاصة للطب، استمر سنوات عدة يجري التجارب بالتنويم المغناطيسي،ولكنه هجر تدريجيا اذ لم يخضع لتجاربه غير القليل من الناس، ولان التنويم المغناطيسي نفسه ينتج احياناً اثارا مفجعة على الشخصية التي ينومها.. فاستعاض عن ذلك بتطوير الطرق المعروفة باسم "المشاركة الحرة" التي صارت منذ ذلك الوقت مهنة التحليل النفسي الاصلي.
لاجدال في ان فرويد هو مؤسس طب الامراض العقلية الحديث. فقبل عصره كان طلب الامراض العقلية يتناول اغراض الجنون، مثل انشقاق الانف ومرض العقل الجنوني الهبوطي، الذي يحتاج الى العزل في مستشفى الامراض العقلية.. بدأ فرويد عمله الاكلينيكي بعلاج حالات الكبت والتنازع العصبي، وسرعان ما استنتج ان مثل هذه التنازعات ليست قاصرة على مرضى الاعصاب، بل تصيب ايضا سليمي العقول، وعلاوة على ذلك، ليست الاضطرابات العصبية امراضا بالمعنى الصحيح، بل حالات نفسية للعقل. وكانت المشكلة الكبرى هي كيفية علاج هذه الاضطرابات العقلية الواسعة الانتشار، وبناء على ملاحظاته وتجاربه وممارساته علاج كثير من مرضى فيينا، بني أسس التحليل النفسي في اواخر ذلك القرن.
كان فرويد من اعظم كتاب العلوم الكثيري التصانيف في عصرنا.. فلا يمكن ان نجد مجموعة الافكار الجديدة والاراء السيكولوجية التي خرجت من قلمه، في أي كتاب فرد أو صحيفة واحدة.
ومن المحتمل انه كان ينظر الى اول مؤلف له، وهو المؤلف العظيم "تفسير الاحلام" الذي صدر في عام 1900 كأكثر مؤلف حبيب الى نفسه، ويضم جميع الملاحظات والاراء الاساسية تقريبا.
وفي احد مؤلفاته الاولى بعنوان "دراسات في الهستيريا" الذي نشر في عام 1895، ذكر اعتقاده بأن الاضطرابات الجنسية هي "العامل الاساسي واهم اسباب الاضطرابات العصبية والاضطرابات العصبية النفسية".
وهي احد احجار الزاوية في نظرية التحليل النفسي، وفي السنوات القليلة التالية، كتب فرويد آراءه في المقاومة، وانتقال الافكار ومشاكل الجنس في عهد الطفولة، والعلاقات بين الذكريات البغيضة والاوهام، وميكانيكية الدفاع والكبت.
يبين ملخص موجز للنظريات الاساسية، شيئا من تعقيد التحليل النفسي، فأولا ليست كلمة الامراض العقلية وكلمة الامراض العقلية النفسية مترادفتين، يمكن اعتبار الامراض العقلية النفسية فرعا من الامراض العقلية وتطبق عموما على اشد حالات اضطرابات الشخصية صعوبة. ثم يمكن تعريف التحليل النفسي بأنه فن علاجي لمداواة الاضطرابات العصبية والنفسية.
وتبعا لتقرير حديث، يوجد مجرد ثلثمئة اختصاصي في التحليل النفسي من بين اربعة الاف طبيب نفساني في الولايات المتحدة الاميركية.
لم يعجب العلاج الفردي فرويد الانادرا، واعتبر حالات سوء التكوين النفسي في الافراد، كأعراض الخلل الاقتصادي والاجتماعي، والثقافي للعالم المعاصر، كان غرضه مهاجمة المرض جذرياً. يتفق معظم النقاد على ان حق فرويد في الشهرة الدائرة يعتمد على اكتشافه وارتياده للعقل غير الواعي، فقارن عقل الانسان بجبل جليد ثمانية اتساعه مغمورة تحت السطح فقال ان معظم العقل مختلف داخل اللاواعي.. وتوجد تحت السطح دوافع ومشاعر، واغراض لايخفيها المرء من غيره فحسب، بل وعن نفسه ايضا، ويقول علم النفس الفرويدي ان العقل اللاواعي هو المسيطر، بينما النشاط الواعي مختصر الى مركز تابع واذ توصلنا الى فهم الاعماق الكبيرة وغير المعروفة للعقل اللاواعي، عرفنا الطبيعة الداخلية للانسان، فقال فرويد ان معظم تفكيرنا لاواع، ولايصير واعيا الا مصادفة.. والعقل اللاواعي هو مصدر الاضطرابات العصبية لان الفرد يحاول ان يزيح ذكرياته البغيضة ورغباته الباطلة الى تلك المنطقة ولكنه لاينجح الا في حفظها للمتاعب المستقبلة.
قسم فرويد النشاط الذهني للفرد على انه يحدث على ثلاثة مستويات اطلق عليها، الايد، والذات، والذات السامية، والايد ذات اهمية اولى، ويقول فرويد ان"منطقة عمل الايد هي الجزء المظلم غير الممكن الوصول اليه من شخصيتنا، والقليل الذي عرفناه عنها، عرفناه عن طريق دراسة الاحلام وتكوين اعراض الاضطرابات العصبية".
والايد هي مركز الغرائز والانفعالات البدائية، وتمتد الى الوراء، الى الماضي الحيواني، وهي حيوانية وجنسية في طبيعتها.. انها غير واعية، ويستطرد فرويد فيقول: "تحتوي الايد على كل شيء موروث وكل ما هو موجود عند الميلاد وكل ما هو ثابت في تكوين الشخص".
الايد عمياء متهورة وكل غرضها هو تحقيق رغباتها وملذاتها من دون تقدير للعواقب،وبنفس الفاظ توماس مان لاتعرف اية قيم ولا خيرا ولا شرا ولا اخلاقاً".
الطفل الحديث الولادة نموذ الايد. وبالتدريج تنمو الذات من الايد اثناء نمو الطفل، وبدلا من انه ان تكون الذات منقادة تماما بمبدأ اللذة، يحكمها مبدأ الحقيقة، تعي الذات العالم حولها مدركة وجوب كبح ميول الايد الجامحة منعا لخرق قوانين المجتمع وكما قال فرويد: ان الذات هي الوسيط بين مطالب الايد الطائشة وتحريم العالم الخارجي".. وعلى هذا تعمل الذات بمثابة رقيب على دوافع الايد وتلائمها تبعا للمواقف الحقيقية مدركة ان تحاشي العقاب او حتى صيانة النفس، قد تعتمد على مثل هذا الكبت.. وقد ينجح عن الصراع بين الذات والايد اضطرابات عصبية تؤثر على شخصية الفرد.
واخيرا، هناك العنصر الثالث للعملية الذهنية، وهو الذات السامية، التي يمكن التوسع في تعريفها بالوعي، وكتب أ.أ.بربيل وهو اعظم انصار فرويد في اميركا، كتب يقولِ:
"الذات السامية أرقى تطور ذهني يمكن ان يصل اليه الانسان، وتتالف من رواسب جميع المحرمات وجميع القواعد الشخصية التي يطبعها الوالدان في الطفل والبدائل الابوية.
ويتوقف الاحساس بالوعي كلية على نمو الذات السامية".
وتشبه الذات السامية الايد في كونها غير واعية، وكلتاهما في صراع دائم بينما تعمل الذات حكما بينهما. وتكمن المثل الاخلاقية وقواعد السلوك في الذات السامية.
عندما تكون الايد والذات السامية في انسجام معقول، يكون الفرد طيب المزاج سعيداً، اما اذا صرحت الذات للايد بخرق القوانين، احدثت الذات السامية قلقا واحساسا بالاثم وغيرها من مظاهر الوعي.. هناك عامل آخر قريب الشبه من الايد..اوجده فرويد، وهو نظريته عن الشهوة الجامحة، فيقول ان جميع انفعالات الايد مشحونة بصورة من "النشاط النفسي" اصطلح على تسميته، أي الشهوة الجامحة، جوهر مذهب التحليل النفسي" ويعتبر جميع ما يتعلمه المرء من ثقافة وفن وقانون ودين وغير ذلك من تطورات للشهوة الجامحة.. وبينما يشار الى هذه الشهوة بأنها نشاط جنسي.. فالواقع ان كلمة "جنسي" تستعمل في معنى واسع جداً.. فتتضمن في حالة الاطفال الحديثي الولادة اعمالا منها مص الابهام والرضاعة بالبزازة والتبرز.. وفي السنين اللاحقة، قد تنتقل الشهوة الى شخص آخر عن طريق الزواج، وتتخذ صورة انحراف جنسي، أو يعبر عنها بخلق فني أو ادبي او موسيقي – وهذه عملية تعرف باسم طالاحلال" والغريزة الجنسية في رأي فرويد، هي اعظم مصدر العمل الخلاق.
يقرر فرويد في اعظم نظريات التحليل النفسي جدلا، انه تحت تأثير الشهوة الجنسية، تنمو في الطفل احساسات جنسية نحو والديه مبتدئاً بأولى اللذات الجنسية المشتقة من التغذية بثدي امه، فتكون لدى الطفل صلة حب لمه، وعندما تتقدم به السن، ولكن في سن مبكرة تنمو لدى الطفل الذكر انفعالات جنسية قوية نحو امه، بينما يقت اباه ويخافه كمنافس له.
اما الطفلة الانثى فقد تبتعد عن صلتها القريبة بأمها وتقع في حب ابيها وتصر الام موضع كراهيتها. ومنافسة لها. وبتطبيق هذه النظرية على الطفل الذكر، يطلق عليها اسم "عقدة أوديب" التي اخذت اسمها من الشخصية الاسطورية الاغريقية القديمة "اوديب" الذي قتل اباه وتزوج امه.. وقال فرويد، ان عقدة اوديب موروثة عن اسلافنا البدائيين الذين قتولا اباءهم في ثورات الغيرة..وعندما يصل الشخص الطبيعي الى طور البلوغ تنمو فيه الدوافع الاوديبية.. اما الافراد الضعاف فقد لاينجحون اطلاقا في قطع الصلة بالابوين، وبذا ينقادون الى سلسلة من الاضطرابات النفسية.
ومن الطرق المثمرة الاخرى، التي ابتكرها فرويد للوصول الى الصراعات والعواطف الداخلية، تحليل الاحلام، الذي كان فرويد أول من توصل اليه فقبل عصره اعتبرت الاحلام، من دون معنى أو هدف.
كان كتابه "تفسير الاحلام" اول محاولة لدراسة عملية جديدة لهذه الظاهرة.. وقد ابدى فرويد ملاحظته بعد نشر ذلك الكتاب باحدى وثلاثين عاما، "بأنه يتضمن، حتى بعد حكمي في هذا اليوم الحاضر، اعظم الاكتشافات التي ساعده الحظ في ايجادها، واكثرها قيمة". وتبعا لفرويد "يحق لنا ان نؤكد ان الحلم هو الانجاز المستمر، لرغبة مكتوبه". يمثل كل حلم دراما في العالم الداخلي "فالاحلام دائماً نتيجة صراع. وقال فرويد: والحلم هو حارس النوم".. ووظيفته مساعدة النوم، لا ازعاجه فيطلق سراح التوترات الناتجة عن رغبات لايمكن تحقيقها.
عالم الاحلام، حسب رأي فرويد، واقع تحت سيطرة العقل غير الواعي بالوحدة الوراثية، (الايد) والاحلام مهمة لاختصاصي التحليل النفسي، لانها تقوده الى العقل غير الواعي للمريض. وتكمن، في العقل اللاولعي، جميع الرغبات البدائية والرغبات العاطفية المكبوتة من الحياة الواعية بواسطة الذات والذات السامية. والرغبات البهيمية موجودة دائما تحت السطح، وتدفع نفسها الى الظهور في الاحلام، وحتى في النوم، تقف كل من الذات والذات السامية في موقف الحراسة كرقيبتين.
لهذا السبب كانت معاني الاحلام غير واضحة دائما، وانما يكون التعبير عنها في صورة رموز تحتاج الى خبير يفسرها.. وكرموز لايمكن اخذها حرفيا الا، بالطبع في الاحلام البسيطة للاطفال.
ويحتوي كتاب "تفسير الاحلام" امثلة عدة حللها فرويد تحليلا نفسيا.
ومن الاعمال االتعبيرية للعقل اللاواعي، اخطاء التهجمي وزلات اللسان، وحيل شاردي الذهن، ويقول فرويد "بنفس الطريقة ينتفع اخصائي التحليل النفسي من تفسير الاحلام، كما ينتفع من الزلات البسيطة الكثيرة والاخطاء التي يقوم بها الناس –التي يطلق عليها اسم افعال عارضة".. في عام 1904، فحص فرويدذ لك الموضوع في كتابه "العلاج النفسي للحياة اليومية".
يقرر في ذلك المؤلف، "وليست هذه الظواهر وليدة المصادفة.. فلها معنى ويمكن تفسيرها.. ويقنع المرء بأن بيتخلص منها وجود انفعالات ونيات مكبوتة". فنسيان المرء لاسم ما: معناه ان يكره الشخص المسمى بذلك الاسم.. وعندما يفوت القطار شخصا يسبب التباس في جدول المواعيد.. فقد يدل ذلك على انه لايرغب في ركوبه، والزوج الذي يفقد مفتحا بيته او يشتاه، قد يكون غير سعيد في بيته ولايرغب في العودة اليه. يمكن لدراسة مثل هذه الهفوات ان تقود اختصاصي التحليل النفسي الى متاهات العقل اللاواعي.
يمكن الحصول على المنطلق نفسه من النكات التي سماها فرويد "خير صمام أمن انتجه الانسان العصلاي".. اذ من خلالها نتحرر مؤقتا من حالات الكبت التي يريدنا المجتمع المؤدب ان نخفيها.
ربما كان بسبب احساس محذر سابق، او تخلص من الاوهام متزايد، او منتهى التشاؤم، ان صار فرويد، في اواخر ايام حياته، مشغولا "بغريزة الموت"..انتهى به الامر الى اعتبار هذه الفكرة على قدم المساواة في الاهمية مع "الغريزة الجنسية".. فقرر فرويد ان هناك غريزة موت تسوق جميع المواد الحية الى العودة الى الحالة غير العضوية التي جاءت منها. وتبعا لهذا الرأي تتجاذب المرء باستمرار قوتان: قوة الحث على الحياة وهي الغريزة الجنسية، وقوة مضادة اخرى هي الحث على الهلاك أو الابادة، وهي غريزة الموت.. وبطبيعة الحال تتغلب في النهاية غريزة الموت.. وهذه الغرزة هي المسؤولة عن الحرب وعن انواع السادية كالتعصب ضد الاجناس والطبقات والمتعة الشديدة في المحاكمات الاجرامية ومصارعة الثيران، والاعدام من دون محاكمة.
وبالاختصار كل ما سبق ذكره هو النفط الرئيسة في نظرية فرويد.. وقد انقسم علماء النفس اليوم الى معسكرين او ثلاثة معسكرات متعارضة، يؤيد البعض فرويد، ويعارضه بعض اخر، وحتى تلاميذه، عدلوا قبولهم المطلق لنظرياته في الخمسين عاما الماضية، وها هو الفريد ادلر احد اتباعه المبكرين، ينشق عن المعسكر الفرويدي لاعتقاده ان فرويد اكد الغرائز الجنسيةن اكثر من اللازم، وكمذهب بديل، اخذ ادلر يعلم ان رغبة كل انسان في اثبات تفوقه هي الينبوع الاساسي في السلوك البشري، وقد انشأ فكرة "مركب النقص" الذي يضطر الفرد الى النضال لابراز نفسه في نشاط ما، ومن مشاهير المنشقين الاخرين: كارل جونج احد موطني مدينة زيوريخ الذي حاول ايضا ان يقلل من دور الجنس، قسم جونج البشرية الى نوعين نفسانيين: احدهما مقلوب من الداخل الى الخارج، والثاني مقلوب من الظاهر الى الباطن، ولو انه ادرك ان كل فرد خليط من النوعين وعلى نقيض فرويد، اكد جونج عوامل الوراثة في تكوين الشخصية، وعلى العموم فان نقاد فرويد يخالفونه في بعض النقاط، مثل اصراره على الاهمية الاولى للاضطرابات النفسية في عهد الطفولة، واتهامه الناس بان تتحكم فيهم الغرائز البدائية الصارمة، وعلى تصعيده الشهوة الجنسية الى مركز رئيسي في تكوين الشخصية.. كذلك يخالفه البعض في اعتقاده ان التسلسل الحر للافكار طريقة لا تخطئ لارتياد العقل الباطن، مبرزين بنوع خاص، صعوبة تفسير المعلومات الناتجة عن هذه الطريقة.
تغدو الطبيعة الثورية لاستنتاجات فرويد عندما نتذكر انه كان يفحص مجالا لم يرتده احد قبله اطلاقا، وهو منطقه من العقل البشري لم ينفذ اليها احد منق بل، واعتبرت مظاهرها الواضحة غير قابلة للتفسير، او انها انحرافات فاسدة، او تجاهلها العلماء لانها تقع تحت اقوى المحرمات البشرية. ولم يدرك مجرد وجود هذا المجال – فاضطر فرويد الى فرض حقيقة وجود منطقة لاواعية بالعقل، ثم محاولة ارتيادها بالتفكك الواضح في سلسلة الاحداث العقلية الواهية.
واخيرا قررت وينفريد اوفر هولستر انه: "هناك سبب قوي الى الاعتقاد بانه بعد مئة عام منذ الان، سيعتبر فرويد في مصاف كوبرنيكوس ونيوتن، كأحد الرجال الذين فتحوا افقا جديدا من افاق الفكر.. فمن المؤكد انه في عصرنا هذا، لم يلق احد ضوءاً على اعماق عقل الانسان.. كما فعل فرويد". قضى فرويد اخر اشهور حياته في المنفى.. فبعد احتلال النازي للنمسا، اضطر الى مغادرة فيينا في عام 1938، فمنحته انكلترا حق اللجوء، ولكن سرطان الفم تسبب في موته في سبتمبر/ أيلول عام 1939، بعد ذلك باكثر قليلا من عام.