وزارة الخارجية في سنوات تأسيسها الأولى

Sunday 10th of September 2023 11:09:12 PM ,
5506 (ذاكرة عراقية)
ذاكرة عراقية ,

إبراهيم هاشم معضد

عقد مجلس الحلفاء الأعلى مؤتمر سان ريمو في ايطاليا في 25 نيسان 1920، اتفق الحلفاء فيه على توزيع الانتدابات، فكان نصيب بريطانيا الانتداب على العراق وفلسطين، ونصيب فرنسا الانتداب على سوريا ولبنان. وعندمــا أذاع آرنـــولــد ولــــســــن (A. T. Wilson) وكيــــل المنــــدوب المـــدنــي (Civil Commissioner) في العراق خبر الانتداب في 3آيار1920،

أعلن الشعب العراقي معارضته واستنكاره ورفضه لكل انتداب أو وصاية ووعد بثورة ضد الاحتلال البريطاني من أجل نيل الاستقلال، فأدى ذلك إلى حدوث ثـورة 30 حزيران 1920 المعروفـة بأسبابهـا المباشـرة وغيـر المباشـرة، وهي ثورة العشرين النقطة المضيئة في سفر العراقيين الخالد.

وفي 10آب1920 تم توقيع معاهدة سيفر بين الحلفاء والدولة العثمانية وفيها اعترفت الدولة العثمانية بانفصال العراق عنها، ووضعه تحت الانتداب البريطاني، ووافقت عصبة الأمم عليها، وجاء في بنود المعاهدة فيما يخص سياسة العراق الخارجية، "يفوض المنتدب بإدارة علائق العراق الخارجية". ولم يكن للعراق وزارة خارجية منذ أن تكونت أول حكومة مؤقتة في تاريخه المعاصر في 25تشرين الثاني1920 برئاسة عبد الرحمن النقيب وحتى قيام وزارة ياسين الهاشمي في 24تشرين الثاني1924.

واقترح في هذا اليوم تأليف وزارة خارجية للعراق، فقرر مجلس الوزراء قبول هذا الاقتراح على أن تعهد الوزارة إلى رئيس الوزراء ياسين الهاشمي، وقد اقترن ذلك بموافقة الملك فيصل الأول، فصدرت الإرادة الملكية المرقمة 753 في 24تشرين الثاني1924 "بتأليف وزارة لرؤية الأمور الخارجية وتوجيه هذه الوزارة إلى رئيس الوزراء ووزير الدفاع بالوكالة ياسين الهاشمي" و "على أن يتمتع المندوب السامي البريطاني بكافة صلاحيات المراسلة مع الدول الأجنبية وان يستشار من قبل وزارة الخارجية فيما يتعلق بالمراسلات التي لها صفات العلاقات الخارجية مع الدول الأجنبية".

بعد ان فشلت الجهود التي بذلها ياسين الهاشمي لتاليف الوزارة الجديدة،وجه الملك فيصل الاول كتاب الى عبد المحسن السعدون لتشكيل وزارته الثانية في 26 حزيران 1925، واسند منصب وزارة الخارجية اليه باعتباره رئيس الوزراء، وكان عبد المحسن السعدون يؤمن بسياسة التعاون مع دار الاعتماد البريطانية، مادامت حدود العراق غير مؤمنة.

في 21 تشرين الثاني 1926 شكل جعفر العسكري وزارته الثانية وتسنم منصب وزارة الخارجية فضلا عن رئاسة الوزراء في اقاي استقالة وزارة عبد المحسن السعدون الثانية في 1تشرين الثاني 1926، وبعد ان اصبحت الممثلية العراقية في لندن شاغرة بسبب اسناد رئاسة الوزراء لجعفر العسكري الذي كان ممثلا للعراق في لندن.

وعلى الرغم من الاستقلال الظاهري لاستحداث وزارة خارجية للعراق ووزير خارجية له، لكن بقيت مسؤولية إدارة الوزارة بالوكالة وهذا ما يستشف من النص أعلاه، ويبقى استقلال القرار الخارجي ناقصاً ومرتبطاً بالسياسة الخارجية لبريطانيا الدولة المنتدبة على العراق، ويؤكد ذلك أيضا في وزارة عبد المحسن السعد ون الثالثة التي تشكلت في 14 كانون الأول 1928 وبعد غارات الإخوان النجديين على الأراضي العراقية في عام 1928، قرر عقد مؤتمر جدة لتسوية الأمور بين المملكتين العراقية والسعودية انتدبت الحكومة العراقية المستر جليبرت كلايتون (Sir Gilbert Clayton) والمستر كورنواليس (Cornwallis) ليمثلا مصالح العراق في المؤتمر، وهذا ما أثار حفيظة الصحف العراقية من هذا القرار، وعدت ذلك اهانة للشعب العراقي وامتهاناً لكرامته، لأنه يجرد العراق حتى من مظاهر استقلاله الشكلية.

شكل توفيق السويدي وزارته الاولى في 28 نيسان 1929 امتثالا للارادة الملكية بعد ان بقى العراق بدون حكومة لمدة ثلاثة اشهر اثر استقالة عبد المحسن السعدون من رئاسة الوزارء في 2كانون الثاني 1929، واسندت وزارة الخارجية الى توفيق السويدي نفسه واستمرت الوزارة الى 19 ايلول 1929.

بعد أن شكل عبد المحسن السعدون وزارته الرابعة في 19 أيلول 1929، بين أن هناك تقدماً في سياسة العراق الخارجية وصرح قائلاً: "إن الحكومة البريطانية قد أجابت بعض مطالب العراق المهمة وإذ إنها أعربت عن استعدادها لدخول العراق عصبة الأمم سنة 1932 من دون قيد أو شرط ولعقد معاهدة لتنظيم العلاقات بين البلدين على أساس الاقتراحات الجديدة للاتفاق الانكليزي المصري" وفي أعقاب ذلك وضعت وزارة السعدون منهجاً لها في سياستها الخارجية وعلاقتها مع بريطانيا كان بعض ما تضمنته:

العمل على جعل مبدأ المعاهدة الجديدة مع بريطانيا من تاريخ توقيعها أي قبل دخول العراق عصبة الأمم، أو تسريع الدخول في العصبة قبل سنة 1932.

العمل على رفع كل صيغة احتلالية من نصوص المعاهدة الجديدة وكل ما ينافي استقلال العراق.

الأخذ بنظر الاعتبار إنهاء مسؤولية الحكومة البريطانية في قضية الدفاع عن العراق، والتدرج حالاً بالإعمال على وفق التصريح البريطاني الجديد وبعد أيام قليلة قررت وزارة السعدون الدخول في مفاوضات مع المندوب السامي الميجر هيوبرت يونك (Major Hubert Young) لعقد المعاهدة الجديدة فشكلت لجنة من ياسين الهاشمي وناجي السويدي ونوري السعيد، وعندما بدأت اللجنة عملها ارتأت أولا، إن الشرط الذي وضعته الحكومة البريطانية لجعل أسس المعاهدة العراقية – البريطانية مشابه للأسس المقترحة للمعاهدة البريطانية – المصرية لا يتلاءم مع أوضاع العراق. ففي الوقت الذي كانت فيه مصر تحت الاحتلال البريطاني فإن العراق مرتبط بمعاهدة تحالفية مع بريطانيا. كما أن قناة السويس في مصر، والتي تعد صلة الوصل بين البحر الأحمر والبحر المتوسط، جعل بريطانيا تهيمن عليها لحماية مواصلاتها، تختلف عن العراق الذي ليس لبريطانيا فيه غير ممر ضيق في المواصلات البريطانية إلى الهند وهو الخليج العربي، وان وجود هذا الممر لا يستدعي مثل تلك الحماية لهذا لم توشك المفاوضات أن تستمر حتى تلبد الجو بغيوم من التشاؤم وتلاشت الآمال التي كان يعلقها العراقيون على التصريح البريطاني.

فقد كانت الحكومة البريطانية تضمن أن وعدها بالتوسط لدخول العراق عصبة الأمم، يحمل العراقيين على قبول المعاهدة الجديدة وان كانت بمضمونها لا تختلف كثيراً عن المعاهدات السابقة.

ولم تتنازل بريطانيا عن المطالبة بحقوق قانونية في التدخل المباشر في شؤون العراق الداخلية منها والخارجية حتى بعد دخول العراق عصبة الأمم كدولة مستقلة طبقاً للقانون الدولي في1932،وما أن انتحر عبد المحسن السعدون في 13تشرين الثاني1929، صدرت الارادة الملكية في 18 تشرين الثاني 1929 بتكليف وزير الداخلية ناجي السويدي بتشكيل الوزارة الجديدة، وأصبح مسؤولاً عن وزارة الخارجية باعتباره رئيساً للوزراء من 18 تشرين الثاني 1929 إلى 9 آذار 1930.

وفي 23آذار1930 ألف نوري السعيد وزارته الأولى وأصبح مسؤولاً عن وزارة الخارجية، لكنه اقترح بأن يشغل منصب وزارة الخارجية وزيراً مستقلاً فصدرت الإرادة الملكية لذلك في 18تشرين الأول1930 بتعيين الدكتور عبد الله الدملوجي وزيراً للخارجية وزيراً مستقلاً وبذلك يعتبر أول وزير خارجية للعراق مستقل ويشغل وزارة الخارجية أصالة وليس وكالة كما كان أسلافه،في 19 تشرين الثاني 1931 شكل نوري السعيد وزارته الثانية,وأسندت وزارة الخارجية إلى جعفر العسكري وكالة,فضلا عن كونه وزيرا للدفاع,وبقي على رأس وزارة الخارجية الى28 تشرين الأول 1932.

عن رسالة: وزارة الخارجية العراقية 1958- 1968