نادي التضامن..صفحة من تاريخ الديمقراطية في العراق

Sunday 21st of May 2023 11:04:30 PM ,
5433 (ذاكرة عراقية)
ذاكرة عراقية ,

د. فريال صالح عمر

نمت الإتجاهات الإشتراكية التقدمية في اوائل العشرينيات من خلال نشاط وعمل النخبة العراقية المثقفة التي بدأت بتبني مثل تلك الإتجاهات الجديدة بإستخدام أساليب جديدة في العمل السياسي والثقافي، خاصة من خلال النوادي والجمعيات الثقافية والسياسية التي ظهرت في عهد الإنتداب، والتي دلت بوضوح على أفكار جديدة في النهج والأهداف والوسائل من أجل الوصول إلى أكبر عدد ممكن من الجماهير وإشراكها في عملية التغيير والنهضة.

ومن أبرز هذه الجمعيات والنوادي، "المعهد العلمي" و"نادي التضامن"، اللذين يمكن الإشارة إليهما لطبيعة نشاطهما، والإتجاهات الفكرية التي حملها مؤسسو هذين التجمعين.

تم إفتتاح "النادي العلمي" في بغداد في الثلاثين من كانون الأول 1921، وحظي بإهتمام من لدن الملك فيصل الأول الذي حضر حفل الإفتتاح بنفسه.

وإذا كان "النادي العلمي" قد تميز بطابع ثقافي طيلة سنوات نشاطه التي امتدت على مدى عشر سنوات، فقد شهدت الساحة السياسية والثقافية العراقية تأسيس "نادي التضامن" الذي تميز بنشاطه السياسي، وكان له دور حيوي وفاعل في حياة البلاد السياسية، كما مثل تغيراً في التعبير عن الإتجاهات السياسية، وخير مايمكن استخدامه للتعبير عن مدى اختلاف "نادي التضامن" عن النوادي والجمعيات الأخرى ماقاله حنا بطاطو عن النادي بأنه قد جعل الأمور في بغداد أكثر حيوية خلال سنتين من وجوده. وكان النادي قد اعلن برنامجه في الصحافة في تموز 1926. وعند انتخاب الهيئة الإدارية للنادي فاز بعضويتها كل من حسين الرحال وحقي الجيبه جي وعلي الخطيب ومحمود شويليه وسليم أفندي وعبد العزيز الأعرجي وعبد الرحمن خضر.

إلا أن أبرز أعضائه من المثقفين العراقيين الذين وردت اسماؤهم حتى في الوثائق البريطانية التي كانت تشير بريبة وتحفظ لنوع النشاط السياسي الذي مارسهُ هؤلاء ضمن نهج "نادي التضامن" الجديد، وقد شخصت هذه الوثائق أسماء أعضاء معينين مثل حقي الجيبه جي وأحمد العزوز ويوسف زينل وبهجة زينل وعلي محمود وحسين الرحال وعلي الخطيب ونعمان المهدي ويوسف شكري وأنور بابان.

ورد في برنامج "نادي التضامن" انه يدعو إلى وحدة الشباب وتضامنهم واتحادهم إجتماعياً وإقتصادياً، ويشجع الصناعة الوطنية، ويحث الشباب على "المهن الحرة"، ونشر العلم والمعرفة وتنفيذ المبادئ المؤدية إلى تحسين حياة المجتمع.

ويبدو من هذا البرنامج أن النادي كان يتوجه أساساً إلى فئة الشباب، وبشكل خاص إلى العمال والطلاب منهم، إلا أن المتتبع لنشاط النادي يلحظ بوضوح بأنه قد اجتذب إليه بشكل خاص الطلبة والشباب المثقف، مما هيأ للنادي شعبية مهمة، وكانت تلك القاعدة الجماهيرية الشابة والمثقفة وسيلة فعّالة بيد "نادي التضامن" من أجل الضغط السياسي ومقاومة سياسة الانتداب البريطاني، وقد كانت طريقة "نادي التضامن" الجديدة، خاصة تجاه الأحداث السياسية بردود أفعال ثورية، سبباً في رفض "نادي الإرشاد" مثلاً إجراء أي اتصال مع "نادي التضامن"، بحجة أن الأخير جمعية تضم أعضاء متهورين وليس فيها مكان للرجال المثقفين الكهول وقد جاء هذا الموقف في وقت كانت النوادي والجمعيات العراقية على اختلاف اتجاهاتها تقيم فيما بينها العلاقات والصلات بمختلف أنواعها.

كان "نادي التضامن" ملتقى العناصر الوطنية الميول، إلا أنه كان في رأي الحكام وكذلك سلطات الانتداب البريطاني، موضعاً يهدد السلام وحسن النظام في البلد، وكان يصنف على انه تجمع مهتم جداً بتشجيع الاشتراكية في العراق، وإن قادته كانوا على إتصال بالمراسلة مع الأممية الثالثة، والتي كانوا يرون فيها الضوء الذي عليهم أن يتوجهوا نحوه. (مفهوم الأممية هو تكتل عمالي من مختلف الشعوب، والأمم غايته الدفاع عن مصلحة العمال، وقد تأسست الأممية الأولى في لندن عام 1864، والثانية في باريس عام 1889، والثالثة في موسكو عام 1919).

إن الإتصال بالأممية الثالثة، التي أسسها لينين في موسكو في العام 1919، يعطي إنطباعاً بأن أصحاب الأفكار الاشتراكية في النخبة العراقية، والذين كانوا في البداية متأثرين بالفكر الاشتراكي الفرنسي (كما أوضحنا سابقاً)، بدأوا يميلون إلى الأفكار البلشفية.وتميزت الأممية الثالثة بأفكار لينين البلشفية والتي كانت في وقتها تعبر عن مذهب سياسي ماركسي اعتنقهُ الروس عام 1917، وسميت هذه الأفكار بالشيوعية الروسية.. وهكذا يمكن فهم دور "نادي التضامن"، في ذلك الوقت من خلال حادثين عاصفين، كان النادي هو المدبر والمحرك لهما، وكان لكل من حسين الرحال ويوسف زينل تأثيرهما البالغ في كليهما.

أما الحدث الأول فكان الهدف الأساس له هو الدفاع عن حرية الفكر في العام 1927، على أثر حادثة طرد المدرس زكريا النصولي، بعد إصدار كتابه "الدولة الأموية في الشام". كان النصولي معلماً في مدرسة بغداد الثانوية، وقد نشر في كانون الثاني 1927 كتاباً عن تاريخ الأمويين، أثار احتجاج عدد من الشيعة، ووصل الأمر إلى وزارة المعارف، إلى حد تدخل رجال الدين وأخيراً إلى تدخل الملك.

وعلى أثر مجموعة من الحوادث المتعاقبة ذات الصلة بالموضوع، والتي تفاقمت إلى حد طرد المعلمين الثلاثة الذين قدموا احتجاجاً مكتوباً إلى وزير المعارف ضد "كارثة حرية التفكير" حسب قولهم، تحرك "نادي التضامن" مع قاعدته الشعبية الطلابية الواسعة في مظاهرة غاضبة، اشترك فيها طلاب من الطائفتين السنية والشيعية وأصدروا بياناً يوضحون فيه للجمهور ان المظاهرة لم يقصد بها بأي شكل من الأشكال المس بمشاعر الطوائف المختلفة، بل الحفاظ على حق حرية التفكير، وكانت الأهمية الحقيقية للحادث بأكمله تكمن في أن الطلاب بدأوا شكلاً جديداً من أشكال النشاط يحتوي في الواقع على مبادئ العصيان، إذ كانت هذه أول مظاهرة طلابية عرفها العراق، ومن ناحية أخرى كانت هذه الضربة الأولى التي يوجهها جيل الشباب مدافعين فيها عن حرية التعبير.

وقع الحادث الثاني في شباط 1928، عندما تصدى أعضاء النادي بحماس لزيارة الفريد موند إلى العراق، وكان موند مؤيداً بحماسة للحركة الصهيونية، فكان لأعضاء النادي دوراً بارزاً في التظاهرات التي شهدتها بغداد احتجاجاً على الزيارة.

وفي المظاهرات الأخيرة ازدادت ملامح الشيوعية الروسية إذا صح التعبير، إذ بدت المظاهرات أشد قوة وتماسكاً وأكثر تنظيماً وأدق تحركاً وتنسيقاً، كما انها كانت أكثر ثورية وأشد عنفاً.

وأمام هذا النشاط الخطير للنادي سعت السلطات الحكومية إلى إغلاق أبوابه في العام 1928، بعد سنتين صاخبتين من النشاط الثوري الذي كان دافعاً لظهور نوادٍ أخرى في تلك المرحلة الزمنية، مثل نادي "الشبيبة البصرية" الذي تأسس في الثاني من كانون الثاني 1927 في البصرة، وكانت له اهتمامات علمية اجتماعية تهدف إلى بث العلوم العصرية بين الشعب، ورغم بعض الصعوبات التي رافقت إنشاء النادي في البداية، فإنه قد عاود نشاطه في العام 1928.

عن رسالة ((تأثير الفكر الفرنسي على النخبة العراقية أواسط القرن التاسع عشر-1932)).