مطابع بغداد الأولى في العهد العثماني

Sunday 5th of March 2023 11:16:09 PM ,
5383 (ذاكرة عراقية)
ذاكرة عراقية ,

بهنام فضيل عفاص

مطبعة كامل التبريزي:

يكاد معظم الباحثين يتفقون أن هذه المطبعة جلبها (الميرزا عباس) من بلاد ايران، ونصبها في بغداد - مدينة السلام - وذلك في حدود سنة 1278هـ/ 1861م.وهي مطبعةٌ حجريةٌ، قامت بطبع بعض الكتب، ثم توقف وأُهملت. ومن أهم مطبوعاتها كتاب:سبائك الذهب، في معرفة قبائل العرب. للشيخ النِّحرير: أبي الفوز محمد أمين البغدادي، الشهير بالسويدي.

يقع الكتاب في 118 صفحة من القطع الكبير، وقد طُبع طباعةً حجريةً.وكُتب في نهايته ما يلي:"وقد طُبع الكتاب في مدينة السلام – بغداد - في أواخر شهر رمضان المبارك من سنة 1280هـ/ 1863م".وحيث إنه في هذه السنة بالذات لم يكن في بغداد غير هذه المطبعة؛ لذا فالسنة التي ذكرتُها - وذكرها أكثر الباحثين - لتأسيس هذه المطبعة، تكاد تكون صحيحةً ومطابقةً للواقع.

يوجد هذا الكتاب في بعض مكتبات بغداد القديمة، وقد عثرتُ على نسخة منه في مكتبة كنيسة (السِّريان الكاثوليك).

مطبعة الولاية

تعتبر هذه المطبعة أول مطبعة آلية أُسِّست في بغداد، وقد جلبها من فرنسا (مدحت باشا) بعد تسلمه منصب الولاية، وذلك في سنة 1869م.وقد أخذت هذه المطبعة فور تشغيلها على طبع جريدة "الزوراء"، التي صدرت في بغداد في (حزيران) سنة 1869م، في ثماني صفحات، وباللغتين التركية والعربية.وبعد مدة قصيرة؛ وعلى الأخصّ بعد نقل (مدحت باشا)؛ أُهملت هذه المطبعة، وحلَّ فيها الخراب، ثم لم يلبثوا أن جلبوا مطبعةً أخرى، فأصابها ما أصاب الأولى، إلا أنها قامت بطبع بعض الكتب القانونية، كما طبعت بعض الكتب المهمة لأبي الثناء الآلوسي.

ولما عُيِّن (حازم بك) - والي بيروت سابقاً - على بغداد، سعى إلى إنشاء مطبعة تقوم مقام مطبعة الولاية، ولم يكتب لهذه المطبعة النجاح التام، غير أن صحفيّاً عراقياً بارزاً؛ هو عمر رشيد الصفَّار، صاحب جريدة "الزهور" تضمنها من الحكومة بمبلغ (150) ليرة عثمانية سنوياً، ثم سعى إلى ترقيتها، وجلب لها حروفاً متنوعة الأشكال من معامل الأستانة وسوريا، كما جلب لها مسبكاً جيِّداً لسبك الحروف الجديدة، وبدأت العمل، وقامت بطبع بعض الكتب التراثية والدينية، كما أخذت تُطبع فيها بعض المجلات والصحف الصادرة آنذاك.

واستمرت حتى الحرب العظمى الأولى كما يبدو لنا من بعض مطبوعاتها، غير أننا لم نَعُدْ نعثر على مطبوعات أخرى، مما يجعلنا نعتقد بأنها توقفت أثناء الحرب، وربما سيطر عليها (الإنكليز) عند دخولهم بغداد، واستغلوها لطبع مناشرهم الرسمية.

ان أهم مطبوعات مطبعة الولاية: سالنامة، لسنوات متعددة، لكل سنة كتاب ضخم في حدود 700 صفحة. نشوة الشمول، في السفر إلى إسلامبول، لأبي الثناء شهاب الدين السيد محمود أفندي، الشهير بالآلوسي، طُبع في منتصف شهر ربيع الثاني سنة 1291هـ.ويحكي الكتاب ما صادف مؤلِّفُه أثناء سفره إلى إسلامبول من أحداث ومشاهدات، كما يذكر ويعرِّف بالبعض من الأدباء والعلماء الذين عرفهم وتعرَّف عليهم أثناء سفرته، التي استمرت واحداً وعشرين شهراً وخمسة أيام، والكتاب كان الآلوسي قد ألَّفه وكتبه منذ سنة 1268هـ، كما ظهر لنا أثناء تصفُّحنا للكتاب. وكتاب نشوة المُدَام، في العود إلى دار السلام لأبي الثناء الآلوسي، طُبع في 27 جمادى الآخرة سنة 1293هـ، وقد روى المؤلف في هذا الكتاب ما صادفه أثناء عودته إلى بغداد بعد سفرته الطويلة إلى إسلامبول.وقد جعل هذان الكتابان في مجلد واحد، ويتواجد الكتاب في أكثر مكتبات بغداد القديمة،

مطبعة الفيلق:

وهي مطبعة حجرية متقنة، جلبها (مدحت باشا)، وسُميت بـ (المطبعة العسكرية) أيضاً؛ لأنها كانت تقوم بطبع ما يحتاج إليه الجيش، كما طبعت بعض المنشورات والأوامر والكتب الفنية المتعلقة بالأمور العسكرية.

ومما يذكر أن مطبوعاتها كانت سرِّية، لا يطَّلع عليها إلا كبار الضابط؛ خشية تسرُّب الأخبار والأسرار العسكرية إلى الخارج، وهذا ما جعلنا لا نعثر على شيء من منشوراتها.ومن مطبوعاتها المهمة مصور بغداد وهو رسم مصوَّر لمدينة بغداد، كما كانت عليه قبل سنة 1913م، وكذلك رسم مصوَّر للمدينة أثناء الحكم العباسي، طولها متر واحد و24سم، عرضها 91 سم، رسمها محمد رشيد بك البغدادي، وقد ذكر الأستاذ (كوركيس عواد)[10] أنه (رشيد الخوجة)، ويبدو أنهما شخصٌ واحدٌ، وتذكر مجلة "لغة العرب" في (مج3، ص152) أن الرجل بدأ في رسمها قبل سنة 1913م بخمس سنوات وعندما انتهى منها طبعها على الحجر في مطبعة الفيلق. ومن أهم الصحف والمجلات التي طُبعت في مطبعة الولاية:1- جريدة الزَّوْرَاء.ظهرت في 15 (حزيران) سنة 1869م، وكانت تطبع في الأسبوع مرة واحدة، في يوم الثلاثاء، وقد صدرت في ثماني صفحات، وباللغتين العربية والتركية، دامت زهاء خمسين سنة، حتى الاحتلال البريطاني لبغداد.2- جريدة الزهور.لصاحبها محمد رشيد الصفَّار، وصاحبها التزم مطبعة الولاية وطوَّرها - كما مر بنا ذلك - وأخذ في طبع جريدته "الزهور" فيها.3- مجلة سُبُل الرَّشاد.لصاحبها محمد رشيد الصفَّار، صدرت سنة 1911م، وكانت تصدر في 32 صفحة.

المطبعة الحُمَيْدِيَّة:

أسسها عبدالوهاب نائب (الباب العالي) في بغداد، غير أن سنة تأسيسها اختلف فيها الباحثون؛ فذكر بعضهم سنة 1881م، بينما ذكر الآب شيخو - معتمداً على ما رواه العلامة محمود شكري الآلوسي والأب الكَرْمَلِيّ - سنة 1884م، وذكر أيضاً أن مطبوعاتها كانت مقتصرة على جداول حسابية ورسائل فقهية.أما الأب الكَرْمَلِيّ؛ فقد عاد وذكر عنها ما نصُّه: "لم نكن نعرف بها، حتى عثرنا على هذا الكتاب".والكتاب الذي قصده الكَرْمَلِيّ والذي طبع فيها هو: بحر الكلام؛ للإمام: سيف الحق أبي المعين النَّسْفي، ويقع في 70 صفحة، وقد طُبع سنة 1304هـ/ 1886م، وقد طُبع طباعةً حجريةً.أما إبراهيم حلمي؛ فقد ذكر في مقالته سنة 1893م/ 1310هـ تاريخاً لتأسيسها، ويذكر أنها تُركت وأُهملت وتحطَّمت أكثر أدواتها لعدم العناية بها.وقد عثرنا قريباً على كتاب لأبي الثناء الآلوسي بعنوان: "الأجوبة العراقية، على الأسئلة اللاهورية"، يقع في 65 صفحة، وقد كُتب عليه اسم المطبعة الحُميدية، وقد طُبع سنة 1301هـ/ 1883م؛ لذا فقد أصبح من المؤكَّد أن المطبعة أُسِّست على الأكثر سنة 1881م، كما ذكرنا آنفاً.هذا ولم نعثر على غير هذين الكتابين، مما يجعلنا نعتقد أن المطبعة اختصَّت بطبع الجداول وبعض المنشورات، قبل أن تُترك وتُهمل.

مطبعة دار السلام:

أنشأ هذه المطبعة (إبراهيم باشا) مدير (الأملاك المدروة)، سنة 1310هـ/ 1892م، وسُميت بهذا الاسم نسبةً إلى مرادف بغداد.وقد ورد ذكر هذه المطبعة في مجلة "لغة العرب"، ووصفتها بأنها مطبعة كبيرة، وكثيرة الأدوات، فيها حروفٌ حسنةٌ وجميلةٌ، تضاهي أحسن المطابع في سوريا في إتقان طبعها.وقد عملت هذه المطبعة زمناً ليس بالقصير في طبع بعض الكتب الأدبية، ثم آلت إلى (الأسطا) علي، الذي أخذ يصدر تقويماً سنوياً جيِّداً، وعمل على تقدُّمها مدةً من الزمن.ومن اهم مطبوعاتها: كتاب بلوغ الأرب، في معرفة العرب لمحمود شكري الآلوسي (ت سنة 1924م)، وهذا الكتاب يقع في ثلاثة أجزاء، مجموع صفحاته 1330، بقَطْع الثُّمن، غير أن الجزء الثالث منه فقط طُبع في بغداد في هذه المطبعة، وذلك سنة 1314هـ/ 1896م.وقد طبع هذا الكتاب ثانية في القاهرة سنة 1342هـ، ونشره (محمد بهجة الأثري)، ثم طبع ثالثة - في القاهرة أيضاً - سنة 1962م.ومؤلف الكتاب: العلامة محمود شكري الآلوسي؛ من أعلام العراق البارزين، وُلد سنة 857م، وتتلمذ على يده كبار العلماء والأدباء، له خمسة عشر مؤلفاً في مختلف المواضيع، توفِّي سنة 1924م.

مطبعة الشابندر:

أسس هذه المطبعة في بغداد أحد التجار المعروفين، وهو (محمود الشابندر)، وذلك في سنة 1326هـ/ 1907م، وهي مطبعة كاملة الأدوات، فيها آلتان بخاريتان، تطبع كل منها 3000 نسخة في الساعة، وآلة أخرى تُدار بالأرجل، وفيها - أيضاً - مطبعة حجرية كبيرة.

وقد جُهِّزت المطبعة - أيضاً - بحروف عربية، وتركية، وفارسية، وفرنسية جميلة، صرف عليها صاحبها زهاء (2500) ليرة ذهبية!.وهذه المطبعة كما يبدو لنا كانت طفرة بالنسبة للمطابع المتواجدة في بغداد آنذاك، بالنظر لما حوته من حروف منوعة، وكذلك لجودة طباعتها، وهذا ما يبدو لنا بوضوح لدى تصفحنا للكتب التي طُبعت فيها، وخاصةً بعض الأعداد من مجلة "لغة العرب"، والتي كانت تُستعمل فيها حروفاً عربيةً وأجنبيةً منوعةً ومتقنةً. كما ورد في بعض التعليقات عنها: أنه لم يكن في بغداد آنذاك مطبعة بخارية غيرها.

وقد قامت هذه المطبعة بطبع الكثير من الكتب الأدبية والتراثية، علاوة على الكثير من الصحف والمجلات التي صدرت في بغداد في زمن تأسيسها. ومن أهم مطبوعاتها:كتاب

غرائب الاغتراب، ونزهة الألباب، في الذهاب والإقامة والإياب.لأبي الثناء الآلوسي، 327هـ/ 1909م، 451 ص، وقد تضمن الكتاب رسائل كتبها الآلوسي بنفسه، ورسائل كُتبت إليه، كما يحوي تراجم الرجال الذين التقى بهم أثناء سفرته إلى إسطمبول.

مطبعة الأداب

أسس هذه المطبعة مجموعة من كبار رجال المال في بغداد، بصورة شركة، وجلبوا مطبعةً حديثةًَ، وذلك سنة 1327 هـ/ 1909م، ونصبت في بغداد، وبدأت العمل في نفس السنة، وقد التزمها شخصٌ معروفٌ بإتقانه للطباعة، وهو (يوسف فرنسيس الموصلي).وقد ذكرها بعض المعاصرين، وقالوا إنها كانت لا تقلُّ إتقاناً عن مطابع سوريا، وربما ضارعتها في جودة العمل!وقامت هذ المطبعة بطبع الكثير من الكتب الأدبية والدينية والعلمية، كما طُبعت فيها كثيرٌ من المجلات والصحف التي كانت تصدر في بغداد آنذاك.ونظراً لجودة هذه المطبعة، وإتقان حروفها وتنوُّعها؛ فقد اتفق الكَرْمَلِيّ معها على طبع أعداد مجلته "لغة العرب"؛ حيث طبع فيها الكثير من أعداد هذه المجلة.ومن الصحف نذكر:- الرياض: سليمان الدخيل. الرُّصافة: محمد صادق الأعرجي، 1910م.- المصباح.- صدى بابل: داود صليوا ويوسف غنيمة، 1909م.- النوادر والمضحكات

مطبعة الرياض:

ذكر بعض الباحثين أن هذه المطبعة أسست في بغداد سنة 1910م، وأنها كانت تسمَّى أحياناً باسم صاحبها ومؤسسها سليمان الدخيل.غير أن (إبراهيم حلمي) لم يذكرها بين مطابع بغداد، مع العلم أنه كان محرِّراً في جريدة "الرياض" التي أصدرها سليمان الدخيل نفسه!لذا؛ فأغلب الظن أنها أُسست بعد سنة 1912م، وأن صاحبها - الذي عُرف بنشاطه في حقل التأليف والنشر والصحافة - لا يُستبعد أن يكون قد أقدم على تأسيسها، وربما ابتاع إحدى المطابع المهملة فجدَّدها.وقد دعانا إلى تأييد هذا: أن (روفائيل بطِّي) - وهو من معاصريه - ذكر أن سلميان الدخيل أسس دار طبع ونشر في بغداد، غير أنه لم يذكر اسم هذه الدار.وقد وردت أشاراتٌ في مجلة "لغة العرب" عن بعض ما طُبع فيها،

مطبعة بيخور:

ذكر (إبراهيم حلمي) أن هذه المطبعة أُسست في بغداد سنة 1884م، بينما ذكر (شيخو) أنها أُسست سنة 1894، ونحن نميل إلى رأي (شيخو)؛ لأنه كان معتمداً في معلوماته التي دونهها في مقالته عن الطباعة في العراق على ما أفاد به محمود شكري الآلوسي والكَرْمَلِيّ.أما صاحبها؛ فيُدعى (الحاخام بيخور)، وكانت الغاية من تأسيسها طبع الكتب الدينية بالعبرية، ثم استغلت أيضاً فيما بعد لطبع مناشير تجارية.ويبدو أنها جاءت بحروف عربية فيما بعد، ودليلنا على ذلك: أن أحد أعداد مجلة "لغة العرب" - وهو العدد 11، نيسان 1912م - طُبع فيها، وقد كُتب اسمها على الصورة الآتية(مطبعة شوعة بيخور).غير أن الكَرْمَلِيّ عاد فعلَّق على حروفها بأنها غير جيدة، ولا يليق بالعربية أن تتشح ببزَّته! كما ذكر أن هناك مثبِّطات وعوائق صادفته في هذه المطبعة.هذا ولم نعثر على كتب مهمة طبعت في هذه المطبعة، مما يؤيِّد أن أكثر ما طبعته كان كتباً دينية بالعبرية فقط، ومناشير تجارية وإعلانات.

10- مطبعة دنكور:

أُسست هذه المطبعة سنة 1902م، وسمِّيت باسم مؤسسها (الحاخام عزرا دنكور).ويبدو أن الغاية من تأسيسها - أيضاً - كان لغرض طبع بعض الكتب الدينية؛ حيث عثرنا على كتاب يحمل عنوان: "تفاسير أسفار التوراة"، قام بتأليفه صاحب المطبعة نفسه (عزرا روبين دنكور) وطبعة بدون ذكر سنة الطبع، ولابد أن هناك غير هذا الكتاب مما لم نعثر عليه.كما استُغلت المطبعة لطبع بعض المنشورات التجارية والإعلانات.وقد طبع في هذه المطبعة أيضاً بعضٌ من المجلات والصحف الصادرة في بغداد في أوائل القرن العشرين.ويبدو أن هذه المطبعة استمرت مدة طويلة؛ بدليل ورود اسمها بين مطابع بغداد في المجلد الخامس من "لغة العرب"، لسنة 1927م، كما ورد اسمها في (الدليل العراقي) لسنة 1935م، وقد وجدنا البعض من مطبوعاتها بعد الحرب العظمى الأولى، وكانت في مختلف المواضيع، وليست مقتصرةً على الدينية، مما يدلُّ على تطوُّرها ونشاطها.

مطبعة دار الأيتام:

أسَّس هذه المطبعة الآباء الكَرْمَلِيُّون في بغداد سنة 1914م، إلا أن قيام الحرب العظمى الأولى ونفي الكَرْمَلِيّ إلى الأناضول أدى إلى توقُّفها.ثم عادت إلى العمل سنة 1924م، واستمرت حتى سنة 1935م، وأخذت تطبع أعداد مجلة "لغة العرب" عندما استؤنف إصدارها.وأهم ما طبع فيها في بداية تأسيسها:كتاب "العَيْن" للفراهيدي؛ تحقيق: الأب أنستاس الكَرْمَلِيّ، وقد طُبعت قطعةٌ منه في 144 ص، سنة الطبع 1914م.

مجلة المورد – العدد الثاني – المجلد الثاني عشر – 1983م.