الساعات الأخيرة من حياة الزعيم عبد الكريم قاسم

Thursday 9th of February 2023 01:12:32 AM ,
5366 (عراقيون)
عراقيون ,

د. وسام الشالجي

في 14 تموز من عام 1958 تولى الزعيم عبد الكريم قاسم منصب رئيس الوزراء والقائد العام للقوات المسلحة. وقد كان هذا المنصب استنادا الى الدستور المؤقت الذي شرعته الثورة هو اعلى منصب في الدولة, اذ كان منصب رئيس مجلس السيادة الذي يعد بمثابة رئيس الجمهورية هو منصب فخري بلا صلاحيات تشريعية او تنفيذية.

وبعد اربع سنوات ونصف تقريبا , وبالذات في 8 شباط عام 1963 (الموافق 14 رمضان) حصلت حركة انقلابية ضد حكم الزعيم عبد الكريم قاسم قادها حزب البعث العربي الاشتراكي وبعض العسكريين من بينهم عبد السلام عارف واحمد حسن البكر وصالح مهدي عماش وحردان التكريتي..

وقعت احداث الحركة صبيحة ذلك اليوم الذي كان يصادف يوم جمعة حيث هاجم عدة مئات من البعثيين المدنيين المسلحين باسلحة خفيفة مقر وزارة الدفاع ساندتهم بعض الدبابات التي جلبت بعض العسكريين من ضباط الحركة من معسكر ابو غريب وبعض الطائرات التي انطلقت من قاعدة الحبانية والتي قادها بعض الطياريين البعثيين مثل المقدم الطيار منذر الونداوي والرائد الطيار محمد جسام الجبوري. لم يكن الزعيم عبد الكريم قاسم في وزارة الدفاع وقت حصول الحركة الا انه قرر الذهاب من منزله الى هناك لقيادة العمليات المضادة التي كانت تهدف الى سحق المهاجمين, وكان هذا القرار من اكبر الاخطاء التي اتخذها عبد الكريم قاسم لانه ادى الى حصره داخل الوزارة دون وجود امدادات خارجية. وبعد معارك قوية استمرت طيلة ساعات مساء وليلة الثامن على التاسع من شباط بدأت القوات المدافعة عن الوزارة بالتقهقر خصوصا بعد مقتل آمرها الزعيم عبد الكريم الجدة – آمر الانضباط العسكري وقائد القوة المدافعة.

وفي الوقت الذي كان يجري فيه القصف على وزارة الدفاع، سجل عبد الكريم قاسم على شريط تسجيلا تحت أصوات الانفجارات والقصف وهو خطاب منه موجه إلى الشعب والقوات المسلحة وأرسله إلى دار الإذاعة مع الرائد سعيد الدوري على امل اذاعته لكن هذا الاخير سلم الشريط إلى قادة الانقلاب، كما أن دار الإذاعة كانت قد احتلت من قبل قادة الحركة، ولذلك لم يتسنَ إذاعة الخطاب، وفيما يلي بعض من مقاطعه: إلى أبناء الشعب الكرام، وإلى أبناء الجيش المظفر, إن أذناب الاستعمار وبعض الخونة والغادرين والمفسدين، الذين يحركهم الاستعمار لتحطيم جمهوريتنا، يحاربوننا بحركات طائشة للنيل من جمهوريتنا، وتحطيم كيانها. إن الجمهورية العراقية الخالدة، وليدة ثورة 14 تموز الخالدة لا تقهر، نحن نعمل في سبيل الشعب، وفي سبيل الفقراء بصورة خاصة، وتقوية كيان البلاد، فنحن لا نقهر، وإن الله معنا. أبناء الجيش المظفر والوحدات والقطعات والكتائب والأفراد، أيها الجنود الغيارى، مزقوا الخونة، اقتلوهم، اسحقوهم، إنهم متآمرون على جمهوريتنا ليحطموا مكاسب ثورتنا، هذه الثورة التي حطمت الاستعمار، وانطلقت في طريق الحرية والنصر، وإنما النصر من عند الله، والله معنا، كونوا أشداء، اسحقوا الخونة والغادرين. (ثم يتوقف التسجيل بسبب دوي القصف، ويعاود قاسم مرة أخرى ليقول): السلام عليكم أبناء الشعب، أيها الضباط، أيها الجنود، أيها الضباط الصف الأشاوس، أيها العمال الغيارى، إن الاستعمار يحاول أن يسخر نفراً من أذنابه للقضاء على جمهوريتنا، لكنه بتصميمنا وتصميم الشعب المظفر، فإننا نحن جنود وشعب 14 تموز الخالد الذي وجه الضربات الخاطفة إلى العهد المباد رغم... (كلمات غير مفهومة بسبب القصف)... رغم الاستعمار، وحرر أمتنا، واسترد كرامتها، فان هذا اليوم المجيد... (كلمات غير مفهومة بسبب القصف)...، لسحق الخونه والغادرين.. (كلمات غير مفهومة).

وفي صباح يوم التاسع من شباط تسلل عبد الكريم قاسم ومعه مرافقه المقدم قاسم الجنابي والزعيم طه الشيخ أحمد آمر الحركات العسكرية والزعيم فاضل عباس المهداوي ابن خالة قاسم ورئيس المحكمة العسكرية العليا الخاصة واحد الضباط المرافقين الشخصيين اسمه الملازم كنعان حداد. ومن هناك قام عبد الكريم قاسم بالاتصال هاتفياً بدار الاذاعة، وتحدث مع عبد السلام عارف طالباً منه التفاوض للمشاركة في السلطة أو السماح له بمغادرة العراق، لكن عبد السلام عارف طلب منه الاستسلام وقال له بانه ليس قائد الثورة وانه مجرد عضو بالمجلس الوطني لقيادة الثورة ثم وعده بانه سينقل مطاليبه الى قادتها. وعند الساعة الواحدة والنصف من ظهر 9 شباط 1963 سلم عبد الكريم قاسم نفسه حيث اقتيد هو ورفاقه إلى استوديو التلفزيون في مقر دار الاذاعة العراقية على متن عدة مدرعات عسكرية. وبعد دخول عبد الكريم قاسم ومجموعته الى دار الاذاعة حصلت محاورة بينه وبين كل من عبد السلام عارف واحمد حسن البكر وعبد الغني الراوي وعلي صالح السعدي (الامين العام لحزب البعث العربي الاشتراكي في حينها). استحلف عبد السلام عارف عبد الكريم قاسم بالقرآن بان يعترف بانه هو الذي كان القائد الحقيقي والمنفذ الفعلي لثورة 14 تموز وليس عبد الكريم قاسم.

كان عبد الكريم قاسم يظن بان عبد السلام عارف هو الذي يقود الحركة ضده لذلك طلب منه تسفيره للخارج او تعيينه سفيرا في تركيا او النمسا قائلا له (سلام, آني ما عدمتك فلا تعدمني). لكن بعد سير الاحاديث ادرك قاسم بان الموجودين يتربصون به شرا فطلب محاكمته محاكمة عادلة كما فعل هو مع خصومه. لم تستمر هذه المحاورة لاكثر من عشر دقائق او ربع ساعة دخل بعدها احد العسكريين الموجودين بالخارج عليهم وابلغ قادة الحركة بان المدنيين من الشيوعيين وانصار عبد الكريم قاسم بدأوا بالتجمع امام مقر الاذاعة وفي سطوح المنازل القريبة وان كل دقيقة اضافية بعمر عبد الكريم قاسم تمر تنذر شرا كبيرا وقد تؤدي الى فشل الحركة. بعدها خرج قادة الحركة من استوديو التلفزيون وتداولوا فيما بينهم وقرروا إعدام عبد الكريم قاسم ومجموعته على الفور رميا بالرصاص، هنا تدخل عبد السلام عارف محاولا التوسط معهم من خلال الطلب من قادة حركة عدم اعدام قاسم الا ان طلبه رفض بشدة خصوصا من قبل علي صالح السعدي. بعد دقائق دخل بعض الضباط الى استوديو التلفزيون وقرأوا على الموجودين قرارا صادرا عن المجلس الوطني لقيادة الثورة يتضمن تشكيل محكمة برئاسة عبد الغني الراوي لمحاكمتهم فورا واصدار قرار الحكم العادل بحقهم. لم تتضمن المحاكمة سوى تلاوة لائحة الاتهام التي كان من بينها الخيانة العظمى والانحراف عن مبادئ ثورة 14 تموز والتفرد بالحكم, صدر بعدها قرار الحكم الذي كان الحكم بالإعدام رميا بالرصاص عليهم جميعا. ثم سئل الموجودون هل يطلبون شيئا قبل تنفيذ الحكم فطلب عبد الكريم قاسم قدحا من الماء. وحين حاولوا تعصيب عيونهم قبل التنفيذ رفضوا ذلك. وفي تلك اللحظة تقدم حردان التكريتي من المقدم قاسم الجنابي وسحبه من كرسيه قائلا لماذا يعدم هذا الضابط الشريف الذي ليس له دخل في كل ما جرى فكتب بذلك عمرا جديدا لهذا الضابط الذي عاش بعدها فترة طويلة. بعد ذلك جرى اطلاق الرصاص من البنادق الرشاشة من قبل عبد الغني الراوي ومنعم حميد على عبد الكريم قاسم ورفاقه وهم جالسون على الكراسي فسقط فاضل عباس المهداوي والملازم كنعان حداد على الارض مضرجين بدمائهما بينما ظل عبد الكريم قاسم وطه الشيخ احمد مسمرين على مقعديهما. ثم جلبت كامرة سينمائية لتصوير جثث القتلى بفلم سينمائي عرض من على شاشة التلفزيون.