بعد هروبه من بغداد عام 1941..الوصي في البصرة للإطاحة بحكومة الكيلاني

Sunday 18th of December 2022 11:37:36 PM ,
5330 (ذاكرة عراقية) (نسخة الكترونية)
ذاكرة عراقية ,

د. سامي عبد الحافظ القيسي

أرادت الحكومة البريطانية معرفة حقيقة موقف الوزارة من المعسكرين المتحاربين وطلبت منها قطع علاقات العراق الدبلوماسية مع أيطاليا أولا، ووضع حد للكتابات المعادية للحلفاء في الصحافة العراقية ثانيًا، وتنفيذ الالتزامات المترتبة على العراق بموجب معاهدة 1930 بين العراق وبريطانيا ثالثًا.

إلا ان الوزارة الكيلانية لم ترفض المطاليب البريطانية فقط، وإنما آثرت الالتزام بسياسة الحياد وابتعاد العراق عن ويلات الحرب، وصاغت موقفها هذا عبر مجموعة من المبادئ أبلغتها في حينها إلى السفير البريطاني في بغداد.

وقد كان للمفتي الحاج أمين الدين دورًا كبيرًا ـ الذي إتخذ من بغداد مقرًا له ـ والعقداء الأربعة وعناصر قومية أخرى عسكرية ومدنية دورًا كبيرًا في دفع الوزارة الكيلانية لاتخاذ ذلك الموقف.

وقد أثار موقف الوزارة الكيلانية أستياء بريطانيا واستياء العناصر المحسوبة عليها وفي مقدمتهم الوصي ونوري السعيد وعناصر سياسية تقليدية أخرى، لذا شرعت بريطانيا باعداد العدة لتنحية رشيد عالي الكيلاني من رئاسة الوزارة بعد أن تبين لها أن الوزارة المذكورة قد تبنت خطًا سياسيًا عناصره الأساسية هي:

1 ـ الوقوف على الحياد وتجنب العراق ويلات الحرب.

2 ـ تحقيق الاستقلال لكل من سوريا وفلسطين.

3 ـ تسليح الجيش العراقي وتزويده بالأسلحة والمعدات الحديثة.

رفض الكيلاني في بداية الأمر الاستقالة، إلا ان رفضه لم يطل بسبب فرار الوصي إلى الديوانية بعد أن طلب منه الكيلاني إستصدار الإرادة الملكية بحل المجلس النيابي، لذا تشكل وضع خطير إضطر معه الكيلاني إلى الاستقالة محملا الوصي المسؤولية الكاملة متهمًا إياه بالخضوع إلى الرغبات الأجنبية.

وبعد إستقالة الكيلاني ألف طه الهاشمي الوزارة الجديدة في الأول من شباط 1941، إلا ان هذه الوزارة الجديدة ـ التي كانت بمثابة وزارة إنتقالية ـ فشلت هي الأخرى في التوفيق بين قادة الجيش والساسة المناهضين لبريطانيا من جهة وبين الوصي ونوري السعيد وجناحهم الموالي لبريطانيا من جهة أخرى.

كما أن بعض قراراتها المتعلقة بتقليص نفوذ العقداء الأربعة قد نتج عنها أزمة إنعدام الثقة بين رئيس الوزراء وقادة الجيش الذين أصبحوا القوة المسيطرة على زمام الموقف عليه أجبروا طه الهاشمي هو الآخر على الاستقالة، الا ان الوصي رفض قبولها واستطاع الهروب مرة ثانية إلى الحبانية ومنها إلى البصرة ليقود منها الحركة المضادة للوضع الجديد.

كان هروب الوصي قد دفع قادة الجيش إلى إتخاذ خطوة جريئة بتشكيل حكومة عسكرية في 3 نيسان 1941 تتولى مسؤولية الحكم عرفت باسم (حكومة الدفاع الوطني) برئاسة رشيد عالي الكيلاني، وفي مساء اليوم نفسه أذاع رئيس أركان الجيش أمين زكي بيانًا على الشعب العراقي أتهم فيه الوصي بارتكابه لمجموعة من المخالفات، وأعقبه رشيد عالي الكيلاني ببيان آخر أوضح فيه الأسباب التي دعته إلى تحمل المسؤولية، وان برنامجه في الحكم يكون إستمرارًا لمنهاج وزارته السابقة، كما دعا الشعب إلى مؤازرة حكومته وتأييدها.

الوصي عبد الإله في البصرة:

لماذا اختار الوصي مدينة البصرة بعد هروبه من بغداد دون غيرها من المدن العراقية فذلك يعود لأسباب متعددة منها:

1 ـ لانها المدينة الثانية بعد بغداد ولانها ميناء العراق الوحيد وتقع على الخليج العربي الذي هو من ضمن مناطق النفوذ البريطاني.

2 ـ لانه كان مقتنعًا بان الوجود العسكري البريطاني في البصرة سيدعمه عندما يقوم بحركة مضادة لحكومة الدفاع الوطني.

3 ـ لان في البصرة متصرفًا هو صالح جبر الداعم والمؤيد للوصي ولسياسته.

على أية حال إنتقل الوصي ومرافقوه وهم كل من علي جودت الأيوبي وجميل المدفعي والنقيب عبيد الله المضايفي من الحبانية إلى القاعدة البريطانية، في الشعيبة ومنها إلى فندق شط العرب في المعقل مساء يوم 3 نيسان 1941 وفي الفندق المذكور كان المتصرف صالح جبر أول من حضر لزيارته والالتقاء به، كما جاء لمقابلته كل من قائد قوات شط العرب أحمد رشدي وآمر حامية البصرة العقيد رشيد جودت، أما من البريطانيين فقد زاره كل من قائد القوة الجوية البريطانية في قاعدة الشعيبة والمستر وارد مدير الميناء والكابتن ميلنك ضابط الاستخبارات في القنصلية البريطانية في البصرة.

وخلال المباحثات التي جرت بين الوصي وبين قادة الجيش في البصرة طلب الوصي من آمر حامية البصرة باعداد قواته للتوجه نحو بغداد من أجل القضاء على حكومة الدفاع الوطني كما أخبره بان هناك قوات بريطانية كثيرة مزودة بالأسلحة والمعدات ستنضم إليه عند التوجه نحو بغداد إلا ان العقيد رشيد جودت قد تسلم في الوقت نفسه برقية من رئاسة أركان الجيش تطلب منه ضرورة السيطرة على الموقف، لذا إنعقد مؤتمر عسكري حضره قادة البصرة من آمري الأفواج والوحدات والتشكيلات العسكرية واتخذوا ما يلي من القرارات:

1 ـ رفض التقدم نحو بغداد مهما كانت الأسباب.

2 ـ عدم جعل البلاد ساحة قتال والدخول في صراعات داخلية كما حدث في أسبانيا.

3 ـ تعتبر رئاسة أركان الجيش المصدر القيادي الأعلى لاصدار الأوامر ووجوب تنفيذ ما يصدرعنها.

4 ـ عدم السماح للقوات البريطانية بالانزال في البصرة إلا بعد إستحصال موافقة رئاسة أركان الجيش.

5 ـ رفض تشكيل حكومة أو إدارة مدنية أو عسكرية في البصرة مما يعد عملا ضد الحكومة الشرعية في بغداد.

6 ـ المحافظة على سلامة الوصي طالما هو في البصرة ومنع أي اتصال معه أو تجاوز عليه.

7 ـ الحفاظ على الأمن العام وعدم فسح المجال للفوضى والمحافظة على الهدوء والاستقرار في المدينة.

وقد دلّ هذا الموقف على أن القادة العسكريين بالرغم من علمهم بقوة الإنكليز ودعمهم للوصي، إلا ان إيمانهم العميق بوطنيتهم دعاهم إلى موقف تجسد في القول: ((ليس من المعقول ان نسير إلى جانب الإنكليز ونقاتل أخواننا بالدم ونجلب على أحفادنا لعنة التاريخ)) لذلك إندفعوا لاتخاذ تلك الإجراءات من أجل دعم الحكومة الشرعية في بغداد.

وفضلا عما تقدم فان قادة الجيش قرروا في إجتماع آخر عقدوه في مقر اللواء في الجبيلة على فرض السيطرة على وسائل الاتصالات الهاتفية والبرقية ومراقبة المتصرف والمقربين منه ومنعهم من الاتصال بأي جهة كانت، وكذلك مصادرة البيانات المعدة للنشر من قبل الوصي واخضاع جميع الدوائر والمؤسسات ومراكز الشرطة إلى سيطرة مقر الحامية.

وهكذا فشلت جميع محاولات الوصي لشق الجيش على نفسه والتأثير على حامية البصرة ودفع ضباطها لاتخاذ موقف مناوئ لحكومة الدفاع الوطني.

عن مبحث: الاحداث العامة في البصرة ابان الحرب العالمية الثانية 1939 ـ 1945.