جسر وايتلي وساعة سورين في البصرة

Monday 7th of November 2022 12:42:08 AM ,
5300 (ذاكرة عراقية)
ذاكرة عراقية ,

إعداد احمد مجيد القيسي

كان نهر العشار واحدا من ثلاثة او اربعة انهارعدّت بمثابة الشرايين الرئيسة للشبكة المائية التي تغطي مساحات واسعة من مدينة البصرة وما حولها من بساتين النخيل والفاكهة ومزارع الخضار. كما كانت هذه الانهار وسيلة من وسائل المواصلات لنقل السلع التجارية بين العشار والبصرة القديمة وتنقـّل الأهالي في بدايات القرن العشرين.

وعلى امتداد تاريخه عرف نهر العشار بجسوره المقامة عليه منذ ابتداءه وحتى نهايته غربي المدينة، لكن (جسر العشار) الذي انشيء في زمن هدايت باشا في عام 1884 ليكون معبرا الى القشلة العسكرية للقوات العثماني في البصرة، كان وما زال بأقدام المتسوقين الى قلب سوق الهنود اوالمغايز او الصيادلة التجاري ومخازنه التي كانت تعرض شتى اصناف السلع، وحيث تطوف روائح البهارات والبخور واصناف التوابل التي غالبا ما كانت المراكب والبوام تنقلها من اواسط وجنوب شرق اسيا وافريقيا وترسو في (الداكير) لتوزعها على تجار البصرة، الجسر الأكثراهمية وحيوية بين باقي الجسور، ولهذا الجسر اسماء اخرى منها:

جسر الهنود: نسبة لسوق الهنود الذي سمّيَ بسوق الهنود نسبةً لجنود المستعمرات البريطانية الهنود الذين افترشوا أرض هذا السوق بعد نهاية الحرب فانتشر باعة الكرو واللبان والمانجو والتنباك والسويكة والتوابل والبخور بين الأزقة والبيوت وظهرت أكشاك ودكاكين ومطاعم صغيرة راحت تطبخ (البرياني والتندوري وأسماك الرنجة المملحة (المسموطة بالبصرية الدارجة) والروبيان، وامتلأ المكان برائحة الكاري والتوابل الحارّة، فتحول المكان إلى سوق أطلق عليه سكان البصرة اسم (سوق الهنود).

جسر المغايز: بعد ان كثرت فيه المغازات، بعد غلق بعض محال البهارات، وفتحت محال للملابس والأحذية، لذا اطلق عليه بعضهم اسم سوق المغايز، ومعروف أن كلمة (مغازة) تعني (محل) باللغة الفارسية.

وجسر وايتلي: أستبدل الجسر الخشبي ابان فترة الاحتلال البريطاني بجسر أكثر متانة أطلقت عليه تسمية (جسر وايتلي Whiteley Bridge نسبة الى المهندس البريطاني C.B Whiteley الذي كان يحمل رتبة عقيد من اسرة عرفت باقامة الجسور في يوركشايٍر بانكلترا.

وجسرالأميرغازي: وفي نهاية العشرينات اطلق عليه جسر الامير غازي ايام كان ولي عهد المملكة العراقية.

فهو يفضي بالعابرين من الجهة الجنوبية لنهر العشار الى الجهة الشمالية منه ليربط بين شارع الساحل وسوق حنا الشيخ بسوق الهنود.

وعلى راس الجسر على يسار الداخل الى السوق كانت ترتفع (ساعة سورين) وكانت مثل ساعة (بيك بن) عند أهالي لندن.. ومثل ساعة القشلة لدى البغداديين.. كان اهل البصرة يتباهون بساعة سورين كرمز من رموز مدينتهم، برج جميل من الآجر يحتضن هذه الساعة الشهيرة إرتكز على هيكل حجري مستطيل، يرتفع لأكثر من عشرة أمتار، جوار بناية البنك العربي، ليتربع على قاعدة مربعة مبنية بالطابوق الحجري الأصفر المحلى بالأطواق والمنحوتات انشأ البرج عام 1906، كانت الساعة والبناء ولستة عقود من الزمن، رمزا للبصرة المزدهرة بالأنشطة التجارية والمرتبطة بالمرافئ العالمية، يحتضن هذا البرج ساعة سورين، وقد أهدتها شركة (سورين) كبرى الشركات البريطانية المصدرة للتمور إلى بلدية البصرة، وعرفت بـ (ساعة سورين) وكانت جهود الأخوة (جو وعيسى وليون عيسائي) ووكلائهم في بريطانيا والبصرة قد ساعدت في تمتين العلاقة الأجتماعية والتجارية.

ويقال ايضا ان اسم الساعة جاء من اسم المصور الشمسي (سورين) العامل اسفلها , وهو رجل ارمني بدين , كان يتخذ من فتحة الجسر مكانا لكاميرته الخشبية البدائية, وأحبه الناس لابتسامته البريئة ولهجته الهجينة الساخرة، تتميز هذه الساعة بوجوهها الاربع المستديرة، ويحمل برجها في اعلاه مؤشراً ملاحياً كبيراً لتحديد اتجاهات الريح , وأربعة أسهم مكتوب على أطرافها الحرف الأول للاتجاهات باللغة الانجليزية وتعمل ساعة سورين بنظام ميكانيكي على ستة تروس مسننة فقط، بينما تعتمد الساعات الأخرى على ثلاثين ترساً مسنناً أو أكثر، صاحب المبنى الذي يحوي البرج والساعة كان تاجراً يهودياً من أصل روسي، وكان وكيلا لشركة ألمانية متخصصة بإنتاج المحركات الميكانيكية والأدوات الكهربائية، وكان المبنى يضم مكاتب اكبر تجار البصرة انذاك منهم محمد الثنيان الغانم، ومحمد أحمد الغانم، واشتمل القاطع الخلفي من المبنى على مكتب عبد الله الصقر وإخوانه، ومكتب خالد العبد اللطيف الحمد وإخوانه قبل انتقالهم من البصرة واستقرارهم في الكويت، عام 1965 قام محافظ البصرة محمد الحياني (الذي قتل في حادث سقوط طائرة الرئيس عارف في ناحية النشوة) بازالة البرج والساعة والمبنى لشق طريق محاذي لضفة نهر العشار..