الروائي بهاء طاهر:العراقيون أكثر شعب قارئ في العالم العربي

Wednesday 2nd of November 2022 12:46:42 AM ,
5297 (منارات) (نسخة الكترونية)
منارات ,

حوار: محسن حسن

" قالت ضحى ".." بالأمس حلمت بك ".."شرق النخيل ".." خالتي صفية والدير".." أنا الملك جئت".." الحب في المنفي ".." نقطة النور" هي مجموعة من أشهر عناوين الروايات والقصص القصيرة التي أبدعها الأديب المصري الكبير بهاء طاهر وأثرى بها الثقافة العربية عبر تاريخه الإبداعى الطويل.

ويعد بهاء طاهر أحد أعلام الكتابة والأدب في العالم العربي، تتميز أعماله بأنها تمس المشاعر وتلمس جانبا إنسانيا عميقا في النفس البشرية علاوة على البعد السياسى الذي تبدو ملامحه في أعماله وإن كانت بشكل غير مباشربجانب إحكامه العلاقة بين الرمزية والواقعية في أعماله. ويعتبر مجال القصة القصيرة من الفنون الأدبية التي أبدع فيها بهاء طاهروأعطى لها طابعا مختلفا أقرب لشكل الرواية القصيرة وهو ما أدى إلى مساهمته من خلالها في ظهور فن أدبي جديد في الأدب العربي يعرف في العالم الغربي باسم "النوفيلا" حيث أنها تجاوزت عند بهاء طاهر الإختلافات التقليدية في كم الصفحات إلى الاختلاف في الخطاب السردى والبناء الحكائى فظهر نوع مختلف من الكتابة التي تجمع بين القصة القصيرة والرواية ولكنها مختلفة عنهما. هذا إلى جانب أسلوبه المشوق في كتاباته الروائية والتي جعلت أدبه يفوز بكبريات الجوائز الدولية والعربية وعلى رأسها جائزة البوكر للرواية العربية التي كان بهاء طاهر أول عربي يحصل عليها عن رواية " واحة الغروب ".

وقد لايعرف الكثيرون أن بهاء طاهر بدأ حياته إذاعيا في البرنامج الثاني أو الثقافي بالإذاعة المصرية حتى وصل لمنصب نائب رئيس البرنامج كما أنه علم نفسه اللغة الإنجليزية فأجاد الترجمة وعمل مترجما وطاف العالم بعد أن أخرجوه من مصر لخلافات مع قادة النظام الناصري ليستقر في نهاية الامر في جنيف موظفاً في مكتب الأمم المتحدّة لسنوات طويلة وهو ما انعكس بشكل كبير على أسلوبه الادبي وتناوله للقضايا ذات الصلة بمشاهداته في هذه الرحلات وبما اكتسبه منها من خبرات حياتية أضافت بعدا جديدا إلى أعماله ربما لم يتوفر لكثير من الكتاب العرب. و لازالت إبداعات بهاء طاهر تتدفق رغم أنه تجاوزمنتصف العقد الثامن من العمر ورغم متاعبه الصحية، إلا أنه يواصل مسيرته الإبداعية ولم يتخل عن اهتمامه الدائم بكل ما يجري في العالم خاصة في العالم العربي وهو مابدا واضحا في حواره معنا عندما سألناه في البداية عن العراق ومدى متابعته لأحداثه ورؤيته لمستقبله الثقافي فقال:

- لاشك أن العراق أكثر بلد قارئ في العالم العربي حتى في عز النكسة وأنا أتابع هذا الأمر من خلال شبكة المعلومات الدولية " الإنترنت " وكان دائما يقال إن مصر تكتب ولبنان ينشر والعراق يقرأ وهذه مقولة حقيقية جدا وأؤيدها فالشعب العراقي من أكثر الشعوب العربية ثقافة وعشقا للقراءة.

مستقبل العراق

كيف ترى مستقبل الثقافة والأدب في العراق؟

- واقع الأمر أن هناك ماهو أخطر من الهم الثقافي في العراق فالوضع السياسي في العراق خطير جدا في ظل الانفجارات المتكررة وأعمال الإرهاب فهذه مصيبة تهدد مستقبل العراق وتقلقنى عليه أكثر من قلقي على أوضاع الثقافة فيه كما أن الفكر والثقافة والأدب تحتاج لمناخ من الاستقرار والشعور بالأمن حتى يمكن للدولة والمؤسسات الثقافية أن تستطيع القيام بدورها المنوطة به للاهتمام بالثقافة والأدب وكافة أنواع الإبداع.

مارأيك بحــركة النشر في العالم العربي؟

- بالمقارنة بما كان في الماضى فإن معدل النشر الآن جيد وأذكر أننا كنا نكافح من أجل أن ننشر قصة أو قصيدة حتى ولو بدون الاسم ولكن مع اتساع حركة النشر وكثرة الناشرين ربما تغيرت الصورة بعض الشيء ولكن مازالت عراقيل النشرأمام شباب المبدعين وهي أن ينتظر لسنوات حتى يحصل على فرصة نشر عمل من أحد الهيئات الرسمية وأصبحت الفرصة الأسهل هي أن يجد المبدع أموالا لكى ينشر على نفقاته الخاصة وهذا أمر صعب غر متاح لكل المبدعين خاصة المبتدئين وبالتالى لا أستطيع الجزم بأن حالة النشر أفضل على الإطلاق وإنما بشكل نسبي فقط. وإن كان البعض لجأ إلى النشر الإلكترونى كبديل أرخص وسريع الانتشار ولكن يعيبه الاسلوب اللغوى المتدنى والذي لاينتمى للغة الأدب التي عهدناها وهو شيء أخشى منه على مستقبل لغة الأدب خاصة في ظل تحويل بعض الأعمال المدونة إلكترونيا إلى كتب مطبوعة باعتبارها أعمالاً أدبية رغم أنها لاتمت للغة الأدب العربية بصلة.

الثقافة العربية

وهل لذلك المناخ أثره على مستوى الثقافة العربية؟

- للأسف الشديد انتشار الأمية الثقافية ناهينا عن الأمية التعليمية التي نعانى منها كشعوب عالم ثالث لعبت دورها السلبي في تأخرنا ثقافيا بين دول العالم وتراجع قيمة القراءة على عكس دول تجاورنا في المنطقة وفيها شعوبها تمسك بالكتاب طول الوقت. وبالتالى فالمشكلة موجودة وتزداد تفاقما مع التدهور اللغوى في كثير من الكتابات رغم أن الكتابة باللغة العربية الجميلة ليس مجهدا لمن يحاول الهروب منه.

هل معنى ذلك أنه لايوجد أدب عربي جيد على الساحة العربية يستحق أن يحتل مكانة مرموقة في العالم؟

- بالطبع هناك أعمال كثيرة جيدة ولكن المشكلة في عدم وصول أصدائها خارج الدول العربية إلا فيما ندر وحتى عندما يتم تناول احد هذه الأعمال في الخارج يكون من أجل الهجوم عليها بلا موضوعية ولا حيادية وهذا يرجع لعدة أسباب منها أسباب سياسية تتعلق بسيطرة الصهيونية على بعض هذه المحافل وهي بالطبع ليس من مصلحتها أن يبرز أي شخص عربي.

القصة القصيرة

باعتبارك رمزاً من رموز كتاب القصة القصيرة. أين وصلت القصة القصيرة الآن في ظل طغيان الرواية على الفنون الأدبية؟

- فعلا هذا حقيقي فالرواية تكتسح كل الفنون الأدبية رغم أن هناك قصصا قصيرة نالت شهرة عالمية لكبار الكتاب في العالم والمسألة ليست في حجم العمل ولكن هناك أسباب موضوعية وراء ذلك أهمها يرجع إلى دور النشر نفسها بسبب اتجاهات النشر عند دور النشر المختلفة التي أصبحت تتسابق على الأعمال الروائية الطويلة لمجرد أنها موضة وهي كارثة في الإبداع العربي وتحرم المناخ الثقافي من خروج أعمال قصصية هامة كثيرة للنور رغم وجود كتاب قصة قصيرة جيدين جدا وأتابع أعمالهم من خلال النوافذ الثقافية المختلفة.

بين الرمزية والواقعية

الدمج بين الواقعية والرمزية من أهم مميزات أعمالك وهو ما جعل البعض يصنفها بأنها ميالة للطابع التجريدي.. ما رأيك؟

- قد يرى البعض هذا لما يتلمسه من بعد فلسفي في بعض الأعمال لكن هذا لايعنى أنى أكتب ببعد تجريدى لأن الكتابة التجريدية لاتهتم بالتفاصيل بينما أحرص في كتاباتى على سرد كافة التفاصيل الدقيقة المتعلقة بالأحداث وبالشخوص في القصة أو الرواية كما أننى عندما أكتب فأننى لا أنفصل عن الحياة الواقعية التي أكتب من خلالها وعنها فهي المنبع الذي أنهل منه. ومع ذلك فإن هذا الواقع الذي أكتب من خلاله لايخلو من الرؤية الإنسانية المختلفة للأشياء الكامنة وغير المرئية خلف الأمور الظاهرة بحيث يستطيع المتلقي إعادة تأويل العمل ورسمه من جديد بشكل آخر حسب تلقيه.

الراوي والروائي

الاستعانة بشخصية الراوي في بعض أعمالك مثل " بالأمس حلمت بك " هل قصدت من خلالها تسريب بعض الأفكار والآراء على لسانها بعيدا عنك؟ بمعنى أصح هل يمكن التمييز بين الروائي والراوي في أعمالك؟!

- طبعا أحد وظائف الكاتب التعبير عن أفكاره والقيم التي يبحث عنها من خلال بعض الشخوص ومنها الراوي ولكنى لا أكتب سيرة ذاتية حتى يكون ما يقوله الراوي يعبر عنى وإنما هو إبحار في السرد في الحكى عن أبطال العمل و أعترف أن أبطال أعمالى لاسيطرة لي عليهم بمعنى أننى لا أحدد ما أكتبه لكل شخصية أو ما الذي يأتى على لسان أحدهم وإنما أترك العنان لكل شخوصى في العمل كي تتصرف بحرية لأفاجأ بها في النهاية تنسج النسيج الدرامي بشكل خاص وترسم أحداثا معينة تكمل الصورة النهائية للقصة ولذلك فإن متابعة الكتابة بدون أية عوائق بالنسبة لي هو أمر أساسى لاستكمال العمل والاستمرار في حالة التفاعل بينى وبين شخوصى وإلا توقفت عنه تماما وهناك أعمال كثيرة ضاعت منى بعد أن بدأت في كتابتها بسبب اضطراري في بعض الأحيان إلى التوقف عن الكتابة فيها لأسباب خارجة عن إرادتى.

أنا الملك

هناك أعمال مثل " أنا الملك جئت" تبدو فيها الأبعاد الجغرافية ما بين الشرق والغرب والمدينة والصحراء فإلى أى مدى تأثرت كتاباتك بأسفارك العديدة؟

- ليس هذا العمل فقط وإنما كثير من الأعمال مثل"أنا الملك" و" بالأمس حلمت بك " و " الحب في المنفي " تأثرت بالبعد المكانى والزمانى وهي أبعاد أساسية في كل أعمالى وهي ترتبط أيضا بحالة التأمل والأسئلة التي تراودنى وأنا أفكر في عمل جديد كما أننى لا أكتب من فراغ وإنما من خلال تجربة ذاتية مررت بها وعشتها ولابد أن يكون لها أثرها.ولاشك أن أسفاري لعدة دول خارج القطر المصري ساهمت في توسيع المدارك والقضايا والأطروحات التي يمكن مناقشتها من خلال العمل الأدبي ووسعت الأبعاد المكانية لظروف الرواية أو القصة وكانت لى تجربة هامة في علاقتى بالمكان عندما سافرت للخارج و مررت بظروف صعبة دفعتنى للكتابة عن الغرب تحت عنوان " لماذا يكرهنا الغرب " من واقع مشاعري التي استشعرتها هناك. وهو أكبر دليل على تأثير المكان على الأديب لأنه إنسان قبل كل شيء.

الحرية

ما أهم القيم التي تتمحور حولها كتاباتك الإبداعية بمعنى آخر.. عم يبحث بهاء طاهر في كتاباته؟

- أنا مهموم بقضايا مجتمعاتنا العربية ومعاناة الإنسان العربي من العزلة الداخلية بسبب كثرة الأعباء وانحسار العلاقات الاجتماعية وابتعاد الناس عن بعضهم البعض وضعف قيم الانتماء والتسامح وتقديس العمل وغلبة قيم المصلحة كل ذلك وما عداه من قضايا ذات أبعاد اجتماعية أهتم بها كما أنى أنشد الحرية دائما في كل أعمالى وأدافع عنها لأنها معيار هام جدا لقياس مدى رقي وتقدم الإنسان والحفاظ على كبريائه.

ما طقوسك الخاصة في الكتابة؟

- ليس لي طقوس ولكنى أحب الكتابة بالقرب من البحر أو النهرففيهما السحر والإلهام خاصة مع توفر الصحة الجيدة فأنا الآن مريض والصحة ضعفت ولكن عندما تتحسن الصحة والحالة المزاجية أكون في أحسن حالات الإبداع.

سبق لهذه المادة ان نشرت في ملحق تاتو الذي يصدر عن المدى عام 2014.