في ذكرى تأسيس وكالة الانباء العراقية (واع)

Monday 10th of October 2022 12:49:17 AM ,
5280 (ذاكرة عراقية)
ذاكرة عراقية ,

محسن حسين

يعد يوم 9 تشرين الثاني نوفمبر 1959 وهو يوم تأسيسها. وهذا التاريخ ليس تاريخ قرار الحكومة العراقية بتأسيس الوكالة (لأن القرار أتخذ في أوائل آذار) وهو ليس تاريخ صدور قانون الوكالة رقم 158 لسنة 1959 (فالقانون صدر في 28 أيلول 1959)

وليس تاريخ تنفيذه (تاريخ التنفيذ هو تاريخ نشر القانون في الجريدة الرسمية وهو 6 تشرين الأول 1959) ولا حتى تاريخ تعيين أول مدير عام لها أحمد قطان. إنما يوم 9 تشرين الثاني 1959 هو اليوم الذي صدرت أول نشرة إخبارية مطبوعة على الورق تحمل اسم (وكالة الأنباء العراقية).

قبل ذلك التاريخ بتسعة أشهر وبالتحديد في الأيام الأولى من شهر آذار/ مارس 1959 استدعي صحفيان كانا يعملان في جريدة البلاد هما محسن حسين وحميد رشيد لمقابلة مدير الإذاعة آنذاك (سليم الفخري). وأبلغهما أن الحكومة قررت تأسيس وكالة أنباء رسمية على غرار وكالة أنباء الشرق الأوسط المصرية (أ.ش.أ)، وأنه قد تم اختيارهما لإنشاء نواة لهذه الوكالة. وقال إن هذه النواة سترتبط بالإذاعة لحين إكمال الإجراءات القانونية اللازمة لتأسيس الوكالة.

كان حميد رشيد من أبرز الصحفيين في ذلك الوقت. ولقد كان يمارس شتى صنوف العمل الصحفي بكفاءة مثل العمود والتحقيق والمقال السياسي والخبر وكان يترجم من اللغة الإنكليزية التي تعلمها وحده وبدأ بتعلم اللغة الفرنسية معتمداً على نفسه أيضا.

أما محسن حسين فقد كان هاويا للصحافة قبل أن يحترفها عام 1956 وقد عرفه القراء والوسط الصحفي كمحرر تحقيقات ومندوب أخبار إضافة إلى بداية متواضعة في كتابة القصة القصيرة وكان قد عمل في صحيفة الشعب وملحقها مجلة (الأسبوع) في العهد الملكي ثم في صحيفة الجمهورية بعد ثورة 14 تموز 1958 ثم في صحيفة البلاد لعدة أشهر وعمل لفترة مراسلا لمجلة (صباح الخير) المصرية.

وفي غرفة تقع في الجهة اليمنى من مدخل الإذاعة في الصالحية بدأ الصحفيان العمل تحت أسم (مكتب الارتباط) وتنسب هشام القاضي الموظف في الإذاعة رئيسا للمكتب دون أن تكون له صلة بالحصول على الأخبار أو تحريرها. وانضم إليهما لفترة من الزمن إسماعيل الربيعي في بداية عمله الصحفي، ومفيد الجزائري الذي تولى منصب وزير الثقافة عام 2003.

كان العمل في البداية جولات يومية على الوزارات والمنظمات لجمع الأخبار والعودة إلى الإذاعة عند الظهر لتحريرها وطبعها واستنساخها تسلم نسخة منها إلى المذيعين لإذاعتها وتوزيع البقية على الصحف المحلية لنشرها في اليوم التالي. وكانت ترد إلى المكتب بيانات الوزارات وتصريحات رسمية من الوزراء لادراجها في النشرة، وكذلك بيانات مجلس الوزراء ومقابلات كبار المسؤولين.

وظلت نشرة مكتب الارتباط تصدر بانتظام زهاء تسعة أشهر.

في تشرين الأول /أكتوبر 1959 عين أحمد قطان مديرا عاما لوكالة الأنباء العراقية إثر صدور قانون الوكالة ونظامها في الجريدة الرسمية في السادس من ذلك الشهر. وفي ذلك الوفت كان وزير الإرشاد (الاعلام) الدكتور فيصل السامر وقد بذل جهدا كبيرا في تاسيس الوكالة واصدار قانونها. واخذ المدير العام يتردد على الإذاعة. وكان يجلس مع ذوالنون أيوب المدير العام للإذاعة والتلفزيون وبدأ يطلب الإطلاع على النشرة قبل إذاعتها وتوزيعها على الصحف وادى ذلك إلى خلاف مع الصحفي حميد رشيد الذي كان يعتقد أنه أفضل من أحمد قطان وأنه يجب أن لا يأمره، وهكذا ترك حميد رشيد العمل وعاد على الفور إلى العمل في الصحف قبل ان تصدر أول نشرة اخبار باسم الوكالة.

في تشرين الثاني نوفمبر أغلق مكتب الارتباط وانتقل العمل إلى مبنى قريب من الإذاعة اتخذ مقرا للوكالة ثم جرى نقل قسمي الأخبار الخارجية والإنصات من الإذاعة إلى مبنى الوكالة وبدأ العمل في 9 تشرين الثاني نوفمبر 1959 باصدار نشرة إخبارية تحمل اسم وكالة الأنباء العراقية بدلا من مكتب الارتباط في الإذاعة والتلفزيون.

قرار خطير

في تلك الأيام صدر قرار من مجلس الوزراء يعد من أخطر القرارات الخاصة بالإعلام العراقي وهو قرار مركزية الأخبار أي أن تنحصر كل الأخبار أيا كان مصدرها بالوكالة، وتنفيذا لهذا القرار فقد نقلت ثلاثة أقسام من الإذاعة إلى الوكالة بجميع العاملين فيها من موظفين وعمال وغيرهم، وهي مكتب الارتباط وقسم الأخبار الخارجية وقسم الإنصات. وظلت الإذاعة وكذلك التلفزيون منذ ذلك الوقت ولمدة 11 عاما لا تمارس العمل الإخباري. وقد انعكست الآثار السلبية لهذا القرار على شتى المؤسسات الإعلامية وأولها الإذاعة والتلفزيون ثم الصحف ثم الوكالة نفسها.

فالإذاعة والتلفزيون أصبحا يتلقيان نشرات مطبوعة من الوكالة قبل موعد كل نشرة بعدة دقائق. يحمل النشرة موزع يسلمها باليد إلى المذيع وفي الكثير من الأحيان يتسلم المذيع النشرة في الوقت الذي تدق فيه الساعة فيقرأ النشرة على الهواء دون أن يكون قد أطلع عليها وقرأها جيداً، ووضع الحركات اللازمة على حروفها، ولذلك فقد كثرت الأخطاء اللغوية كما كثرت أخطاء قراءة الأسماء الأجنبية، والأهم من ذلك أن وكالات الأنباء تعد عادةً أخبارها بصياغة تختلف تمام الاختلاف عن الأخبار الإذاعية والتلفزيونية وأخبار الصحف، لكن قرار (مركزية الخبر) أدى إلى أن تكون هناك صيغة واحدة ولم يكن باستطاعة الوكالة غير ذلك.

أما الصحف فقد أثر عليها ذلك القرار أيضا، حيث كانت الصحف أهلية يهمها الربح وتخفيض النفقات، وعندما بدأت الوكالة عملها ووجدت الصحف أنها تتلقى أخبارا مجانية فلم تعد الصحف بحاجة إلى العديد من المندوبين كما كان الوضع قبل الوكالة، ثم أن هذه الأخبار الواردة من الوكالة هي أخبار رسمية لا يحتاج نشرها إلى الحصول على موافقة الرقابة، وبذلك فان أصحاب الصحف تخلصوا من التدقيق الذي كانوا يعانونه من الرقابة، ومنذ ذلك الوقت أصبحت هناك اعتماد على أخبار الوكالة فقط ولم تعد هناك منافسة بين الصحف على أخبار تنفرد بها هذه الصحيفة أو تلك وبالطبع لم تكن هناك منافسة تشحذ همم مندوبي الصحف وتشجعهم على السبق الصحفي أو نشر أخبار تميز هذه الصحيفة عن تلك. ولسنوات عديدة ولهذا السبب وحده أصبحت الصحف نسخة واحدة، أخبارها واحدة، وصياغة الأخبار واحدة إلا ما ندر.

أما الوكالة نفسها فقد أساء لها القرار إذ أصبحت الوكالة وصحفييها بدون منافسين وما توزعه الوكالة ينشر في الصحف ويذاع من الإذاعة، وبالطبع فان الصحفي الذي لا يجد من ينافسه فان حماسته تقل.

لقد كان من واجب مسؤولي الوكالة متابعة الصحف لعلهم يجدون أخبارا لم يحصل عليها مندوبوا الوكالة فيحاسبونهم، لكن ذلك لم يحدث إلا نادراً.

وفي الحالات التي يوجد فيها مندوب للوكالة مع مندوب للصحيفة في مناسبة ما أو مؤتمر صحفي فان إدارة الصحيفة تنشر ما يردها من الوكالة وتهمل ما يقدمه لها مندوبها الخاص حتى وان كان خبر مندوب الصحيفة أفضل من خبر الوكالة.

أول مدير عام

كان أول مدير عام لوكالة الأنباء العراقية هو أحمد قطان وكان على جانب كبير من الثقافة والأخلاق الحسنة، وما يزال أوائل العاملين في الوكالة يذكرونه باحترام كبير، وقد عمل معهم بانسجام وتفاهم واسعين مما ساعد على أن تتخذ الوكالة الناشئة خطواتها الأولى بثبات.

عن كتاب (من أوراق صحفي عراقي). الكتاب اصدار مجلة دبي الثقافية 2012 ,