المطربة وحيدة خليل تعتب وتقول: أمس واليوم ما مروا عليّ

Thursday 29th of September 2022 12:34:38 AM ,
5274 (عراقيون) (نسخة الكترونية)
عراقيون ,

بحثت عنها طويلا قبل ان التقيها.. وعندما التقيتها فوجئت بها.. انها بصحة جيدة وليست عاجزة عن الحركة كما قيل لي وهي ايضا تحتفظ ببقايا جمال قديم ونضارة لم تغب، كما تؤكد ملامحها.وقالوا لي ايضا، ان وحيدة خليل منعزلة عن النفس وغاضبة على الاعلام فاحذرها.ولانها كذلك حاولت ان ادخل من نفس الباب التي اغلقتها على نفسها وعلى الاخرين، فضغطت على هذا العصب مستفزا نباهتها التي تحاول ان تلغي وجودها فبادرتها قائلا:

- لماذا لا يعرفك الناس.. ان اقرب “جيرانك” لايعرفون وحيدة خليل.. ما هو السبب؟

ابتسمت بسخرية اعرفها لدى اهل الجنوب قائلة:

- وهل تعتقد ان الذنب ذنبي او ذنب الناس.. لا، يا حبيبي، الذنب ذنبكم، ذنب الاعلام، صحافة، اذاعة، تلفزيون ثم قالت: هل تسمح لي ان اكون صادقة معك على شرط ان تكتبه عندكم “في الجريدة” ان الناس وخصوصا الاعلام يتصور الفنان او الاديب مثل “حصان الريسز” فهو مدلل حين يكون في اول الفائزين حيث تخصص له مجموعة للاعتناء به وتوفير كل ما يحتاجه وما لايحتاجه، ولكن حين يهرم ويتعب فانه يتحول الى اقرب عربة نفط هذا اذا لم يقتلوه!! انهم تتعاملون معنا هكذا، حين نكون في القمة فانكم تركضون خلفنا، وحين ننتهي ترموننا مثل قشر الموز، لا “تزعل” هذه هي الحقيقة.. والا اسالك بالله هل تصدق اني لا اسمع سوى اغنية واحدة او اغنيتين لي يتكرر بثهما بين مدة طويلة واخرى علما باني املك في ارشيف الاذاعة ومكتبتها اكثر من اربعمائة اغنية، هل فكر احدهم يوما ان يضعني في زاوية مطرب اليوم بدلا من عبد اللطيف التلباني ولبلبة وعصام رجي!! هل فكر احد بزيارتي او السؤال عني – ارجوك ان تنشر هذا الكلام انه رجاء لي وانا في اواخر العمر!!

* قلت لوحيدة خليل وانا احاول التخفيف من حدتها وتهدئة اعصابها.

من اين نبتدئ.. هل نبتدئ من الطفولة.. طفولتك..؟

قالت وهي تحاول ان تبتسم وتغطي توترها.

- مثلما تحب.. ولكن ساحكي لك قصتي منذ الولادة وليست الطفولة، انا لم اتحدث لغيرك قطعا مثل هذا الحديث ولكن يظهر بانك “ابن حلال” وتستاهل، لقد ولدت “يا سيدي” عام 1928، في منطقة الرباط الصغير في محافظة البصرة من ابوين عراقيين ، توفي والدي وانا طفلة صغيرة فتحملت والدتي بشجاعة معيشتي، ليس لي اخ ولا اخت لذا اطلقت على نفسي – بعد ذلك – اسم وحيدة حيث ان اسمي الحقيقي هو “مريم عبدالله جمعة” ولاني وحيدة فقد عانيت كثيرا من هذا الجانب وظهرت اثاره النفسية على نبرات صوتي بعد ذلك.

كانت منطقة البصرة مليئة بفرق الخشابة وكنت احفظ كل اغانيهم فاشتريت لي “طبلة” واصبحت عازفة على الايقاع وانا عمري ثماني سنوات، وفي البيت كنت اغني واعزف لنفسي، وكان لهذا الاستعداد الفني المبكر اثره الكبير في حياتي الفنية اللاحقة حيث ضبطت الايقاع الغنائي “الدوم” واصبحت اذني اذنا موسيقية ونظيفة للغاية حيث يسحيل علي الخروج عن الوزن او ارباك العازفين.

وشيئا فشيئا كبرت موهبتي وكبرت ارادتي ومع تزامن السنين صار صوتي احلى واقدر وفي يوم من الايام خرجنا – العائلة – الى حديقة “ام البروم” حيث كانت هذه الحديقة مخصصة للعوائل كل مساء ولا يدخلها الرجال قطعا..

واخذت معي “الطبلة” ومعي صاحباتي وبدأت اعزف واغني وكانت الاغاني الشائعة لفرق الخشابة هي “جوزي اتجوز عليه وماشي لزوم الليلة وغيرها، ثم انشدت اغنية “انا بانتظارك” لام كلثوم وبالمناسبة اذكر بان العوائل كانت انذا تحضر عروض السينما حيث شاهدنا ونشاهد عشرات الافلام مثل “ألوردة البيضاء، سلامة، دنانير، افرح يقلبي، وغيرها..” وحين اديت جملة صعبة في اغنية “انا بانتظارك” سمعت من يصرخ خارج سور الحديقة “الله الله.. يا ام كلثوم البصرة، وحين التفتنا وجدنا ان الرجال واقفون على “سياج” الحديقة وهم يستمعون الينا فجن جنوني وهربت من الباب الخلفي وانا ابكي من الخجل!!

في تلك الظروف الاجتماعية الصعبة، وفي مثل تلك البيئة لم يكن سهلا على الفتاة ان تكون مغنية، لذا فنحن الذين صرنا مغنيات في ذلك الوقت كنا قد دفعنا ثمنا كبيرا من راحتنا واسم عوائلنا ولربما حتى من كرامتنا.. ولو اغضب الان فان عذري معي.. لقد اعطينا الكثير للناس وللفن وللوطن فلماذا هذا العقوق؟!

ثم اكملت قائلة: كنت معجبة بام كلثوم اعجابا كبيرا وكنت ادخل السينما اربع مرات في الاسبوع لاشاهد ام كلثوم اربع مرات.. احفظ اغنياتها عن ظهر قلب لاغنيها في اليوم الثاني في المدرسة او في البيت كما كنت معجبة بالمطربة ليلى مراد وهنا اود ان اشير الى ان بداياتي لم تكن ريفية حيث اني بنت مدينة ولست بنت ريف.. وساذكر بعد ذلك كيف صرت مطربة ريفية..

ومن هذه الاغنيات حصلت على شهرة واسعة بين الاهل والاقارب فبدأت اسهم في افراحهم واعراسهم لكن بدون اجور!!ومن هذه الاعراس والافراح شاع صيتي وبرز اسمي فبدأت اغني في حفلات النوادي ثم صرت اتلقى اجورا عن ذلك وكنت اغني لام كلثوم فقط واحيانا اغنيات سليمة مراد..

وفي يوم تلقيت دعوة للغناء في حفل زواج في بيت الشيخ “محمد العريبي” وهو شيخ معروف في مدينة العمارة، وكانت المرة الاولى التي اخرج واغني خارج البصرة هناك استمعت ولاول مرة للغناء الريفي فاعجبني مطرب اعتقد ان اسمه “جويسم” كان يغني بشكل جميل وساحر، وبدأت استمع اليه وانتبه الى طريقة غنائه وبقيت سبعة ايام اتعلم حتى حفظت كل اطوار الغناء الريفي.. ومن ذلك الوقت وانا مطربة ريفية، بل وصرت ريفية.!

وفي يوم جاءني رجل وانا اغني في النادي هامسا في اذني لماذا لا تذهبين الى بغداد حيث الاذاعة والنوادي والشهرة والمال.. واستلطفت الفكرة.. وفي اليوم الثاني سافرت الى بغداد.. ونزلت في فندق لا اتذكر اسمه في شارع الرشيد، ومن هناك اتصلت باحد معارفنا وعرضت عليه رغبتي للغناء في الاذاعة فامتدحني.. وفي المساء زارني في الفندق مستصحبا معه رجلا لا اعرفه.. قدمه لي قائلا: محمد علي التكريتي مدير الاذاعة.. وصعقت هل يمكن ان ياتي لي مدير الاذاعة بنفسه.. سمعني واعجب بصوتي.. وقدمت للاذاعة وقبلت وصرت مغنية اذاعية.. وانتقلت عائلتي الى بغداد.. وهكذا صارت وحيدة خليل.. انها قصة طويلة ومتعبة لك اليس كذلك؟

قلت – لا والله – بالعكس – انا سعيد جدا وانا اسمتع اليك والى مشوارك الطويل القاسي.

قالت – اكمل اذن.. اول اغنية كانت من الحان الفنان ناظم نعيم وهي اغنية “يايمة ذاك اهواي” واديتها على الهواء مباشرة حيث لم تكن انذاك اجهزة تسجيل.. بعدها غنيت اغنية خليجية باسم “كومي اوكفيلي وارفعي البوشية” ثم استمر الحال وتواصل.

* قلت لها – من تعاون معك من الشعراء والملحنين خلال مسيرتك الطويلة؟

قالت – من الشعراء : جبوري النجار، سيف الدين ولائي، سبتي طاهر، ابو عادل، جودت التميمي وغيرهم، من الملحنين: ناظم نعيم، عباس جميل، المرحوم جميل بشير الذي لحن لي اغنيات جديدة وعلمني عزف العود، روحي الخماش، محمد عبد المحسن، محمد نوشي وللفنان منير بشير فضل كبير علي في مساعدته لي بامور كثيرة لا انساها ابدا..

* هل غنيت في بلدان غير العراق؟

- قالت نعم – غنيت وسافرت الى بيروت/ دمشق، الاردن، تركيا، بلغاريا، امريكا، لندن، وغيرها، وبالمناسبة فاني قد غنيت عام 1954 في بيروت وقد كان من بين الحضور في حفلتي في سينما النور على ما اعتقد الفنانة الكبيرة فيروز والفنانة صباح وقد صافحتني فيروز وصباح بعد الحفلة وابديتا اعجابهما بالغناء العراقي.. وقد كان حاضرا انذاك الفنان وديع خوندة الذي بواسطته ثم توقيع عقد الحفلة! وهو الذي قدمني لهما.

- اجمل اغنياتك التي ظلت عالقة في ذاكرتك؟

قالت وحيدة خليل – “انا وخلي تسامرنه وحجينه” اغنية احبها كثيرا واغنية يا ارضنا يا ارضنا لان لي في هذه الاغنية ذكريات عديدة.. اما الاغنية التي ترافقني الان وبعد عقوق الجميع وابتعادهم عني فهي اغنية “امس واليوم ما مروا عليه»!!

عن جريدة الجمهورية