في ذكرى تأسيسها في 26 اب 1944..في ذكرى تأسيسها في 26 اب 1944

Sunday 21st of August 2022 11:51:56 PM ,
5247 (ذاكرة عراقية)
ذاكرة عراقية ,

د. محمد عبود الخياط

حاولت الحكومة العراقية في عام 1942, اقامة علاقات مع الاتحاد السوفيتي لكن البريطانيين لم يوافقوا على ذلك فقامت الحكومة العراقية بتأجيل الموضوع نظراً لارتباط الحكومة العراقية بشكل كبير بالقرار البريطاني, ولما تحالفت بريطانيا مع الاتحاد السوفيتي بسبب تغيرات ظروف الحرب العالمية الثانية اشارت بريطانيا للحكومة العراقية بإقامة علاقات دبلوماسية مع السوفيت.

وفي الواقع, ان الظروف الدولية بعد الحرب العالمية الثانية ساهمت في خدمة الحكومة العراقية الأمر الذي اكدته التقارير السنوية للسفارة البريطانية عن العراق لعام 1945, نقتبس منها هذا النص: “ ان احداث العالم خلال الحرب قدمت للعراق خدمة للخروج من هيمنة بريطانيا وحدها عليهِ «.

مهما يكن من امر, اظهرت حكومة حمدي الباجه جي عام 1944-1946 رغبتها بتأسيس علاقات دبلوماسية مع الاتحاد السوفيتي نظراً لتزايد مكانة السوفيت في الشؤون الدولية وقد اعلنت الحكومة العراقية في سياستها الخارجية عن رغبتها بتوثيق الصلات والعلاقات الاخوية بين الاقطار العربية والدول المجاورة. فضلاً عن, سرورها بتأسيس العلاقات الدبلوماسية بين العراق والاتحاد السوفيتي.

أدى السيد عباس مهدي (1898 ـ 1961) دورا في تـأسيس هذه العلاقات حينما كان وزيراً مفوضاً في طهران إذ اجرى عدة اتصالات سرية مع السفير السوفيتي تمخضت عنها هذه العلاقات, وأبلغ عباس مهدي وزير الخارجية العراقي ارشد العمري الذي بدوره أبرق إلى رئاسة الوزراء في 21 آب 1944, للموافقة على تأسيس هذه العلاقات بين البلدين, وفي الجلسة الثامنة والاربعين المنعقدة بتاريخ 23 آب 1944, وافق مجلس الوزراء على ذلك.

وبناءً على ذلك, بعث وزير الخارجية برقية في 25 آب1944,إلى مولوتوف (Molotov) وزير الشؤون الخارجية للاتحاد السوفيتي مبيناً فيها, رغبة بلادهِ بتأسيس العلاقات الدبلوماسية بينهما وترشيح ممثليهما في أقرب وقت. وأعرب نظيره السوفيتي عن رغبة بلاده بذلك أيضاً وعلى هذا الأساس اعلنت رئاسة مجلس الوزراء في 26 آب 1944, عـــن بــدء العــــلاقــــات الـــــدبــلــــومــاسية بين العراق والاتحاد السوفيتي وبشكل رسمي.

على اية حال, سبق الاتحاد السوفيتي العراق بارسالهِ الوزير المفوض المسيو زايتزايف غريغوري ميتوفيتش (M. Zeyziv Gregory Mytovuch), في 8 شباط 1945, في حين ان الحكومة العراقية تأخرت قرابة سبعة أشهـر حتى أرسلت وزيرها المفوض في الاتحاد السوفيتي وتُعزي بعض المصادر سبب ذلك التأخير هو لرغبة الحكومة العراقية بانتهاء الحرب ومعرفة ما ستسفر عنها من نتائج, الا ان عباس مهدي وضح عكس ذلك تماماً حينما وضح ان الحكومة العراقية لم تجد شخصاً يرغب بالذهاب الى موسكو بعد ان رفض الكثيرون ذلك. واشارت صحيفة “ العالم العربي “الى ان سبب التاخير في ارسال العراق بعثتهِ لموسكو هو كون الحكومة لم تجد الشخص المناسب لهذا المنصب نظراً لحساسيته وخطورته إذ ينبغي لمن يشغله ان يكون شخصاً قديراً تتناسب مقدرته مع خطورة منصبه وليس أقل من ذلك.

مهما يكن من أمر, أعربت وزارة الخارجية العراقية في آذار 1945, انها بصدد اجراء تعديلات هامة بين الممثلين الدبلوماسيين وفي اثر هذه التبدلات اختير عباس مهدي ليكون أول وزير مفوض في الاتحاد السوفيتي حسب ما اشارت اليه الوثيقة السرية المؤرخة في 16 تشرين الاول 1945.

وهكذا , صدرت الارادة الملكية في 18 تشرين الاول 1945 بتعيين عباس مهدي وزيراً مفوضاً للعراق في الاتحاد السوفيتي في الدرجة الاولى من الصنف الاول الممتاز من اصناف السلك الخارجي, ويعلل عباس مهدي ان موافقتهِ لتمثيـل بلاده في موسكو بعد رفض الكثيرين كانت رغبةً منهُ في اسداء خدمة للبلاد كانت بأمس الحاجة اليها وبذلك فند عباس مهدي ما اشيع عنهُ بان ذهابهِ كان اضطرارياً بعد تلقيه اوامر شديدة من الحكومة العراقية. وهو أمر لا يمكن قبوله منطقياً في السلك الدبلوماسي.

نستطيع القول مما تقدم, ان عباس مهدي اختير لهذا المنصب كونه ادى دوراً مهماً في تأسيس هذه العلاقات بين البلدين ولا سيما حينما كان وزيراً في مفوضية طهران واتصاله بالمفوض السوفيتي هناك كما ذكرنا سابقاً, بتعبير أدق ان اختياره جاء مرتكزاً على حقائق موضوعية اثبتها بجدارة عباس مهدي خلال عمله الدبلوماسي مما دعا الحكومة الى ان تختاره لهذا المنصب. على اية حال, غادر عباس مهدي إلى موسكو في 8 تشرين الثاني1945. ووصل اليها في 4 كانـون الاول 1945, فاسـتـقـــبـل فيها بحفاوة كبيرة من قبل الحكومة السوفيتية.

التقى عباس مهدي بوزير الخارجية المسيو مولوتوف وعبر الطرفان عن سرورهما ببدء العلاقات بين البلدين كما التقى بعدها برئيس اتحاد الجمهوريات السوفيتية الاشتراكية جوزيف ستالين وذلك في 13 كانون الاول 1945, وكان المفروض ان تجرى مراسيم لهذا الغرض الا ان طبيعة السوفيت لا يقيمون مراسيم واستعراضاً في مثل هذه الامور بل تجرى المراسيم بشكل بسيط, ولذلك لم يلقِ عباس مهدي خطبته المقررة أمام الرئيس فارتجل كلاماً من صميم قلبه جاء فيه: “ لي عظيم الشرف, ان اقدم لفخامتكم كتاب الاعتماد الذي عينني بموجبه حضرة صاحب السمو الملكي الوصي وولي العهد المعظم نيابة عن مولاي المعظم حضرة صاحب الجلالة الملك فيصل الثاني, كمندوب فوق العادة ووزير مفوض للعراق لدى اتحاد الجمهوريات السوفيتية الاشتراكية. لاعمل على توطيد الصداقة بين الدولتين” فحظي عباس مهدي بترحيب الرئيس السوفيتي الذي اعلن عن سروره بتعينه في الاتحاد السوفيتي.

القضايا السياسية:

نتج عن الحرب العالمية الثانية بعد ان وضعت أوزارها عام 1945, صراع سياسي من نوع جديد قائم على كسب الحلفاء, ليس فقط في اوربا وانما في الشرقين الاوسط والادنى مما دعا عباس مهدي الى متابعة هذا الامر كون العراق احد اهم البلدان في الشرق الادنى.

وبناءً على ذلك, اشار عباس مهدي في 1 شباط 1946 , الى قيام كل من السوفيت وبريطانيا والولايات المتحدة الامريكية باقتسام هذه المناطق فاطلق العنان للسوفيت في منطقة البلقان في حين تركت حرية العمل للحلفاء في الشرقين الاوسط والادنى وبالرغم من ذلك فان السوفيت لم يتركوا اهتمامهم بالمنطقة العربية إذ اشار عباس مهدي الى,” ان السوفيت يلمحون من خلال تصريحاتهم السياسية الى ضرورة انسحاب بريطانيا وفرنسا من سوريا ولبنان لا سيما ان هاتين الدولتين اعترفتا باستقلال سوريا ولبنان».

وبدأت الحكومة السوفيتية تزيد من اهتمامها بالدول العربية حسب ما وضح ذلك عباس مهدي واشار, ان السوفيت يـــــرون ان الملك عبد الله والـــوصي عبدالالـــه والملك فيصل الثاني هما من سلالة واحدة وهم مرتبطون ببريطانيا سواء عن طريق الاتفاقيات او عن طريق التبعية السياسية, ثم اضاف عباس مهدي, ان السوفيت لاحظوا سعي بريطانيا لتأسيس اتحاد متين للشرق العربي يكون تحت اشرافهم, واستنتج عباس مهدي انهم يشيرون إلى اتحاد العراق وشرقي الاردن, ثم بين سبب هذه التصريحات, هو محاولة بريطانيا السيطرة على منطقة البحر الابيض المتوسط والخليج العربي من خلال الاتفاقيات التي ترفضها بشدة حكومة الاتحاد السوفيتي إذ تعتبرها انها بديل عن الانتداب. فضلاً عن, معارضة المملكة السعودية للاتحاد الهاشمي بين العراق وشرقي الاردن حسب ما تناقلته الصحف الناطقة باسم الحكومة السوفيتية.

مهما يكن من أمر, لم تستمر العلاقات بين البلدين طويلاً إذ سرعان ما بدأت العلاقات بالتوتر منذ البداية, وذلك حينما طلب الاتحاد السوفيتي, مجموعة من الخرائط عن العراق, فرفضت الحكومة العراقية ذلك كما رفضت إقامة معرض للصور عن الحياة في الاتحاد السوفيتي في القنصلية السوفيتية في بغداد, متذرعةً ان ذلك يكون ذلك دعاية للاشتراكية او الشيوعية, ولهذا خضعت تحركات الدبلوماسيين السوفيت منذ البداية لمراقبة دقيقة من قبل اجهزة الامن في داخل بغداد وخارجها.

ومما زاد الموقف تردياً في علاقة البلدين هو موقف السوفيت من القضية الفلسطينية ومساندتها لقرار التقسيم عام 1948, ووصفها الحرب العربية ضد (اسرائيل) في نفس العام بالعمل العدواني, مما اثر بشكل سلبي في العلاقات بين البلدين فاستغلت الحكومة العراقية هذا الموقف لقطع علاقاتها مع الاتحاد السوفيتي.

عن رسالة (عباس مهدي)